أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ثائر أبوصالح - ويسألونك عن الروح















المزيد.....


ويسألونك عن الروح


ثائر أبوصالح

الحوار المتمدن-العدد: 7291 - 2022 / 6 / 26 - 16:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نأتي لهذا العالم بقدر ما، في مكان وزمان معينين، وتطل نفوسنا على عالمنا المادي من خلال اجسادنا، ويبدأ صراع بين ما هو داخلي وما هو خارجي. فعالمنا الداخلي يطلب منا أن نتعرف على الروح ويشدنا اليها، وعالمنا الخارجي يشدنا الى المادة والغرائز، وهكذا تبدأ النفوس تجربتها في هذه الحياة في صراع بين الخارجي والداخلي، بين الروحي والمادي، فعنما يولد الإنسان يكون منغمساً في فترة الطفولة في عالمه الداخلي، ورويداً رويداً يبدأ بالتعرف على العالم الخارجي، فالنفس تأتي بكمال نموها، وتبدأ ببناء عربتها المادية لكي تصبح قادرة على التعامل مع العالم الخارجي.
يختار الإنسان مع الزمن مسلكه في هذه الحياة، ويكون أمام ثلاثة احتمالات، الأول، أن يُغّلب العالم الخارجي على الداخلي، أي عالم الغرائز على العالم الروحي، وهذا حال غالبية البشر على هذه الأرض، يلهثون وراء المال والغنى والشهرة، وراء الغرائز المادية بكل اشكالها، مهملين العالم الروحاني. الثاني، أن يُغّلب العالم الداخلي على الخارجي ويهمله تماماً، وهذا حال الزهاد والمتصوفين، وهم قلة في هذه الدنيا، فهم يسعون وراء خلاصهم الشخصي، ولا يهتمون للمجتمع ومشاكله. الثالث، أن يسلك الإنسان مسلكاً متوازناً بين العالمين الداخلي والخارجي، من خلال الاهتمام بالجسد واحتياجاته، ولكن دون افراط ووفقاً للضوابط الأخلاقية، ومن خلال الاهتمام بالروح بما تحتاجه ولكن دون مبالغة، أولئك يربحون العالمين. لأنهم مقتنعون أن الانضباط في العالم الحسي، هو الطريق الذي يؤدي الى تسلق السلم الروحاني العرفاني، وليس الانغماس به أو اهماله.
في ظل هذا الصراع، يبدأ الإنسان بطرح الأسئلة على نفسه، محاولاً أن يفهم هذه العلاقة بين الروح والنفس والجسد. وفي كثير من الأحيان لا يفرق بين الروح والنفس، أما الجسد فلأنه حسي نستطيع أن نتعامل معه بسهولة، ونوليه الأهمية الأولى في حياتنا. فنحن نتعب على صحة اجسادنا ومنظرنا الخارجي وغرائزنا بشكل لا يقارن بما نوليه لأرواحنا ولأنفسنا. وهنا نحن غير ملامين، لأن الجسد المادي نحسه ونلمسه ونراه، ولذلك يسهل علينا التعامل معه، أما الروح والنفس فهما غير محسوستان، وغير مفهومتان، وغير مدركتان، وبغالبيتنا نؤمن بوجودهما ولكن لا نوليهم الأهمية المطلوبة.
المفكر الإسلامي الدكتور محمد شحرور، والذي يعتبر من أهم رواد التنوير في العصر الحديث يقول: إن الروح ليست سر الحياة، بل هي سر الأنسنة، والنفس هي التي تموت، ولا علاقة للروح بالموت. البشر وفقاً لشحرور كانوا في مملكة الحيوان من فصيلة الثدييات، فنفخ الله فيهم الروح، فتحول البشري الى انسان، ولذلك الروح هي سر الأنسنة, والروح بالنسبة له هي أوامر رب العالمين من جهة، وهي المعلومات والمعرفة الإلهية من جهة أخرى، ولذلك فإن مفهوم الروح أوسع وأشمل مما نظن. من هنا نستطيع أن ندّعي، أن الروح هي مجمل القوانين الكونية التي تعقل الوجود بكل مكوناته. وهي التي تدير هذا الكون، ونستطيع أن نطلق عليها تسمية العقل الأرفع أو الكلي أو الشامل، لأنها عقلت بداخلها كل الوجود. أما النفس فهي سفارة الروح بالجسد، وتستمد الطاقة الروحية من الروح أو العقل الكلي حسب استحقاقها وفقاً لسلوكها، والنفس هي الحاكمة على الجسد.
لذلك نحن أمام ثلاث منظومات تعمل في الإنسان، الأولى، المنظومة الروحية أو العقل الكلي والتي تفعل ولا تنفعل، والثانية، المنظومة النفسية التي تفعل وتنفعل، والثالثة، المنظومة الجسدية التي تنفعل ولا تفعل. فالروح أو العقل الأرفع (العقل هنا لا يعني الفكر) هي كالشمس التي تنير عالمنا، فهي تنير نفوس جميع الخلق ولا تنفعل بها، وإذا كان هذا فعلها، فيجب أن تكون فوق الزمان والمكان، ولذلك تفعل ولا تنفعل. أما النفس فهي سفارة الروح في الجسد، فهي تنفعل بالروح وتفعل بالجسد، وهي أيضاً فوق الزمان والمكان، وهي قابلة للصور وحاكمة على الجسد المادي، وقابلة للخير كما هي قابلة للشر، فتكون النفس خيرة بقدر ما تكتسبه من نور العقل أي الروح، وتكون سيئة بقدر ما تكتسبه من ظلمة الضد أي الجسد والغرائز، والنفس تخرج من الجسد عند الموت. أما الجسد فهو الجهاز المادي الذي تطل النفس من خلاله على العالم الحسي، ولا يوجد للنفس أي فعل الا من خلاله، أي من خلال حواسنا والتي تشكل بوابات النفس للعالم الحسي، وهو طبعاً، أي الجسد المادي، تحت سلطة الزمان والمكان، ولذلك فهو يشيخ ويفنى بعد خروج النفس منه، ويعود لعناصره الطبيعية الأولى.
معلوم ومثبت علمياً، أننا نعيش في عالم تحكمه الطاقة، فإنها تشكل الغالبية العظمى لهذا الوجود، فكل تفكير أو فعل نقوم به نطلق من خلاله موجة يتلقاها العقل الكلي أو الروح، ليعيدها الينا بنفس المحتوى، فإن كانت خير تعود علينا بالخير، وان كانت شر تعود علينا بالشر، ولكن ليس بالضرورة بشكل فوري وانما وفق قوانين قدرية دقيقة جداً وصارمة، فنحن نصنع اقدارنا بأيدينا من خلال افكارنا وسلوكنا، فالروح او العقل الشامل هو نظام كوني دقيق يحوي كل الأوامر والمعلومات الإلهية كما وصفها الدكتور محمد شحرور، وهي اشبه بالشبكة العنكبوتية التي نتعامل معها اليوم فهي ترد على كل فعل نقوم به من خلال ما تملكه من معلومات واوامر.
من هنا فإن الحياة التي نعيشها تشكل بالنسبة لنا فرصة لنرتقي بوعينا الروحي، من خلال انضباطنا السلوكي، والتوازن بين العالمين الداخلي والخارجي. فكلما وازنا بسلوكنا بين ما هو داخلي روحاني، وما هو خارجي مادي وغرائزي، كلما اُضيئت النفس من العقل الكلي بالنور، واقتربت منه لتعود الى ربها أي الى عالم العقل راضية مرضية، وكلما أخّلينا بالتوازن بين العالمين، وغلَّبنا العالم الحسي الغرائزي على العالم الروحي، كلما ابتعدت أنفسنا عن نور العقل وانحدرت في متاهة الضلالة والضياع. ونحن أحرار بما نختار، فلا نلوم الله والقدر بما يحدث لنا، وانما نحن نخلق أقدارنا، وإنما أعمالكم ترد اليكم، لذلك يجب علينا أن نستغل حياتنا بما هو مفيد لأنفسنا ومجتمعاتنا، حتى نرتقي بأخلاقياتنا وبأخلاقيات مجتمعنا الى المستوى المطلوب، بعيداً عن الاعتكاف والانغلاق على ذاتنا من جهة، وبعيداً عن الانغماس في الملذات الحسية دون وازع أخلاقي من جهة أخرى، فالنجاة في التوازن والاعتدال وفي المحجة الوسطى.
.



#ثائر_أبوصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب والدين
- ليس دفاعاً عن ابليس ولكن ...
- إسرائيل ومستقبل الصراع في المنطقة
- مفهوم الشهادة
- تطور الحركة الوطنية في الجولان
- إسرائيل ومشروع -الدويلة الدرزية-
- سكان الجولان السوريين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الج ...
- دروس مستخلصة من الثورة السورية
- الحرب الروسية على اوكرانيا
- موجز قصة الثورة السورية الكبرى في الجولان- اقليم البلان
- مهزلة صفقة التبادل بين سوريا واسرائيل: الدوافع والأهداف
- تغريبة حاتم علي
- اللاجئون السوريون وصحوة الضمير الروسي
- الحلف العلني الجديد
- ثورات الشعوب العربية وأزمة اليسار العربي
- المثقف ودوره الاجتماعي: مقاربة نظرية المثقف العربي وتحديات ا ...
- سيكولوجيا الشر بين النظرية والتطبيق
- الثورة السورية بين الواقع الموجود والواقع المنشود
- إسرائيل وافاق التسوية السياسية مع سوريا
- الأنظمة العربية السياسية بين الدوافع للثورات وسوء إدارة الأز ...


المزيد.....




- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
- رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا يعلق على فتوى تعدد الزوجات ...
- مـامـا جابت بيبي.. حـدث تردد قناة طيور الجنة 2025 نايل وعرب ...
- بابا الفاتيكان يصر على إدانة الهجوم الاسرائيلي الوحشي على غز ...
- وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها ...
- وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل ...
- استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان ...
- حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان ...
- المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
- حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ثائر أبوصالح - ويسألونك عن الروح