الطاقة محور السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 7289 - 2022 / 6 / 24 - 22:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

عن مجلة الشؤون الخارجية
ترجمة محمد عبد الكريم يوسف
يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة جيوسياسية كبيرة مع الحرب ضد أوكرانيا وفي نفس الوقت تهديد بيئي وأمني كبير مع تغير المناخ. العمل الفاعل هو بالتأكيد الرد المتكامل على هذا التحدي المزدوج. لقد تقدمت المفوضية هذا الأسبوع بمقترحات محددة في العديد من المجالات بما في ذلك دبلوماسية الطاقة للاتحاد الأوروبي الأكثر طموحًا واستهدافًا.

لطالما كانت سياسة الطاقة قضية جيوسياسية ، وقد أصبح هذا التحدي أكثر وضوحًا الآن مع الحرب على أوكرانيا. ناقش الاتحاد الأوروبي لسنوات الحاجة إلى تقليل الاعتماد على واردات الطاقة من روسيا ، الدولة التي تستخدم الطاقة كسلاح سياسي. يشعر الإتحاد أنه لم يعد قادرا على تأجيل ذلك ويعتقد أنه يمول قدرة الكرملين على شن حرب ضد أوكرانيا. لن يكون القيام بذلك مهمة سهلة وسيتطلب إجراءات داخلية على جبهات عديدة مفصلة في  خطة الطاقة الأوروبية .

"يحاول بعض قادة أوروبا التأكد من أن الهدف قصير المدى - حرمان بوتين من الموارد المالية التي يوفرها له الوقود الأحفوري - وهو ما يحقق الأهداف الأوروبية على المدى المتوسط ​​المتمثلة في أن يصبح الاتحاد محايدًا للكربون بحلول عام 2050."

وهذا أيضًا له آثار عديدة على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وشراكاته مع العديد من المناطق حول العالم. ويريدون التأكد من أن الهدف القصير المدى - هو حرمان بوتين من الموارد والدفع التي يوفرها له الوقود الأحفوري - بالتناسق مع أهداف الاتحاد على المدى المتوسط ​​المتمثلة في أن يصبح محايدًا للكربون بحلول عام 2050. هذا هو المسار الضيق الذي يحاول الاتحاد تحديده من خلال استراتيجية  مشاركة الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة الخارجية التي تم  تبنيها يوم الأربعاء الماضي.

تعد روسيا اليوم أكبر مورد للغاز في أوروبا بأكثر من 40٪ من وارداتنا. نريد إنهاء هذا الاعتماد بحلول عام 2027. سيتم استبدال معظم الغاز والنفط الذي نستورده من روسيا بمصادر الطاقة المتجددة أو كفاءة الطاقة وتوفيرها. ولكن لتوفير الغاز المتبقي المطلوب ، يجب على الاتحاد الأوروبي زيادة وارداته من مصادر غير روسية.

من خلال القيام بذلك ، علينا أن نأخذ في الاعتبار أن مشهد الطاقة العالمي سوف يتغير بسرعة ، حيث يشرع العالم في التحول الأخضر. في القرن العشرين  ، أصبحت الطاقة بشكل متزايد مصدرًا للقوة الوطنية وكان غيابها نقطة ضعف إستراتيجية. مارست الدول المنتجة للنفط والغاز سلطتها في النظام الدولي. البلدان التي ليس لديها موارد وقود أحفوري أو حيث تجاوز الطلب على النفط إنتاجها ، عدلت سياساتها الخارجية لضمان الوصول. الآن ، قد يؤدي الابتعاد عن النفط والغاز إلى إعادة تشكيل العالم تمامًا كما رأينا قبل قرن من الزمان.
"سيتغير مشهد الطاقة العالمي بسرعة ، حيث يشرع العالم في التحول الأخضر. قد يؤدي الابتعاد عن النفط والغاز إلى إعادة تشكيل العالم بنفس القدر من الدراماتيكية التي رأيناها قبل قرن من الزمان ".

في الوقت الذي ستنخفض التجارة في الوقود الأحفوري ، ستصبح السلع الجديدة مثل الهيدروجين أكثر أهمية، وسيتم تداولها دوليًا. سيؤدي هذا إلى تغيير ميزان القوى العالمي لأن القدرة على إنتاج الهيدروجين المتجدد يتم توزيعها بشكل متساوٍ أكثر بكثير من إنتاج النفط والغاز. تتوقع خطة مليون طن إضافية من الهيدروجين المتجدد بحلول عام 2030 لتحل محل الغاز الروسي ، بما في ذلك 10 ملايين طن من الهيدروجين المستورد. وحيث أن الاتحاد الأوروبي ، يسعى لاستبدال واردات الغاز من روسيا ، يتعين عليه تفضيل الاستراتيجيات التي تشمل كل من الغاز والهيدروجين الأخضر لتقليل مخاطر ما يسمى  بالأصول العالقة . يمكن قول هذا بسهولة أكبر من الفعل ، ولكن هذه هي الطريقة التي يجب أن نسير بها.

يعمل الاتحاد الأوروبي على شراكة هيدروجين خضراء متوسطية ، وينبغي أن تكون هذه هي الخطوة الأولى لتعاون أوسع في مجال الهيدروجين المتجدد بين أوروبا وإفريقيا والخليج ، وهو مجال آخر من الموارد الوفيرة لإنتاج الهيدروجين. هذه المسألة جزء من  استراتيجية الخليج  التي يعتمدها مع خطة : الانتقال إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر و هو جزء أساسي من التحول الذي يتعين على البلدان المنتجة للنفط والغاز أن تمر به خلال العقد المقبل. تعمل جنوب إفريقيا وناميبيا أيضًا على تطوير قطاع الهيدروجين المتجدد واجتذبت اهتمام صناعة الاتحاد الأوروبي.

"التعاون بشأن إمدادات الهيدروجين الخضراء يعني تعزيز الاستهلاك المحلي للكهرباء المتجددة والهيدروجين وتطوير الصناعات الخضراء في البلدان الشريكة."

إن التعاون في هذا المجال يعني تعزيز الاستهلاك المحلي للكهرباء المتجددة والهيدروجين وتطوير الصناعات الخضراء في البلدان الشريكة. إن الإطار التنظيمي للاتحاد الأوروبي للهيدروجين هو الأكثر تقدمًا في جميع أنحاء العالم. وبناءً على ذلك ، يجب أن يعمل الاتحاد الأوروبي إلى تطوير سوق هيدروجين عالمي قائم على القواعد وبدء تشغيله ، ينظر الاتحاد الأوروبي في إطلاق مرفق هيدروجين أوروبي عالمي.

الحاجة إلى تحقيق التوازن بين المدى الطويل والقصير

ومع ذلك ، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق التوازن بين المدى الطويل والقصير للتخلص من الغاز الروسي ، ويتعين عليه استيراد المزيد من الغاز من مصادر أخرى على المدى القصير. يجب أن يبحث عن موردين جدد بطريقة منسقة .و من المنطقي محاولة تكرار طموح برنامج شراء اللقاح المشترك من خلال تطوير "آلية شراء مشتركة" والتي ستتفاوض وتتعاقد على شراء الغاز نيابة عن الدول الأعضاء المشاركة. لم يصل الاتحاد إلى هذا المستوى بعد ، لكن في الوقت الحالي ، يطلق  منصة الاتحاد الأوروبي لشراء الطاقة ، وهي منصة مفتوحة أيضًا لأوكرانيا ومولدوفا وجورجيا ودول البلقان الغربية ، لتنسيق الجهود وتسهيل عمليات الشراء المشتركة للغاز والهيدروجين.

تنويع الإمدادات جارية

عندما يتعلق الأمر بتنويع الإمدادات ،  تتفق المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة بالفعل  على شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال من خلال الصادرات الأمريكية ولكن أيضًا مع شركاء آخرين. يعمل الاتحاد الأوروبي أيضًا مع كندا  بشأن عمليات تسليم محتملة للغاز الطبيعي المسال والهيدروجين. و قبل هذا الصيف ، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى إبرام اتفاقية ثلاثية مع مصر وإسرائيل لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال. لقد قامت اليابان وكوريا بالفعل بإعادة توجيه عدد من شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا ، وقطر على استعداد لتسهيل المبادلات مع الدول الآسيوية.

و فيما يتعلق بالغاز عبر خطوط الأنابيب ، زادت النرويج بالفعل شحناتها إلى أوروبا وأعربت كل من الجزائر وأذربيجان عن استعدادهما للقيام بذلك أيضًا. إن زيادة سعة خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي ستزيد أيضًا من إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي ودول البلقان الغربية. كما تقدم البلدان الواقعة في إفريقيا جنوب الصحراء ، ولا سيما في غرب إفريقيا مثل نيجيريا (التي تزود بالفعل 15٪ من واردات الاتحاد الأوروبي 2021) والسنغال وأنغولا إمكانات غير مستغلة للغاز الطبيعي المسال.

يجب أن تقترن إمدادات الغاز الإضافية بمعالجة تسرب غاز الميثان.  يمكن إيقاف 70٪ من  انبعاثات غاز الميثان من قطاعات النفط والغاز والفحم باستخدام تكنولوجيا اليوم ".

يجب أن تقترن إمدادات الغاز الإضافية هذه بمعالجة تسرب غاز الميثان. يُفقد ما لا يقل عن 46 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي  كل عام للتنفيس والحرق في البلدان التي يمكن أن تزود الاتحاد الأوروبي. يمكن إيقاف ما يصل إلى 70٪ من انبعاثات الميثان هذه من قطاعات النفط والغاز والفحم باستخدام التكنولوجيا الحالية ، ونصفها تقريبًا بدون تكلفة. لتفضيلها ، يقف الاتحاد الأوروبي على استعداد لإنشاء مخططات مفيدة للطرفين "تجمع / نشتري".

قبل أسبوعين ، اقترحت المفوضية كممثل أعلى في الجولة السادسة  من العقوبات بما في ذلك فرض حظر تدريجي على النفط الروسي ، لوقف تمويل آلة حرب الكرملين. لا تزال المفاوضات جارية للحصول على الإجماع اللازم وآمل أن نتمكن من الاتفاق على الحزمة في أقرب وقت ممكن.

تعد روسيا حاليًا أكبر مصدر للنفط في العالم ، وقد أدى غزوها الوحشي لأوكرانيا إلى ارتفاع كبير في الأسعار في سوق النفط العالمية. مع شركائنا الدوليين ، طلبنا من الدول المنتجة للنفط زيادة عمليات التسليم باستخدام الطاقة الاحتياطية المتاحة. كما وافق أعضاء  وكالة الطاقة الدولية  على الإفراج عن 120 مليون برميل من مخزونات الطوارئ ، وهو أكبر إصدار في تاريخ وكالة الطاقة الدولية. في هذا السياق ، فإن التنفيذ الكامل والفعال للاتفاق النووي الإيراني يمكن أن يسهل دخول إمدادات النفط الإيرانية. إن تفاصيل الاتصال المذكور بشأن الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج تقدم مقترحات حول كيفية تعزيز علاقتنا وتعاوننا مع هذه المنطقة الغنية بالطاقة.

مساعدة أوكرانيا ومولدوفا وغرب البلقان

نحن نساعد أوكرانيا أيضًا في مجال الطاقة. كانت مزامنة شبكة الكهرباء في حالات الطوارئ مع أوكرانيا ومولدوفا التي  تم تحقيقها في أذار الماضي خطوة رئيسية لضمان أمن الطاقة. تسمح التدفقات العكسية بالفعل بجلب الغاز من الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا. لا يزال الأمان النووي يمثل أولوية رئيسية في أعقاب السلوك الروسي المتهور في المواقع النووية الأوكرانية. عندما يتعلق الأمر بدول غرب البلقان ، فإننا نقترح دمجها بالكامل في سوق الكهرباء في الاتحاد الأوروبي لتسريع التخلص التدريجي من الفحم في جنوب شرق أوروبا بالكامل.

"لدينا الأدوات والخبرة للمساعدة في منح مئات الملايين من الأشخاص المحتاجين إمكانية الوصول لأول مرة إلى الطاقة من خلال تقنيات منخفضة الكربون واقية من المستقبل."

كما نعمل على تكثيف  مشاركتنا في التحول الأخضر  حول العالم. لدينا الأدوات والخبرة للمساعدة في منح مئات الملايين من الأشخاص المحتاجين إمكانية الوصول لأول مرة إلى الطاقة من خلال تقنيات منخفضة الكربون واقية من المستقبل. أطلقنا العام الماضي  مبادرة البوابة العالمية  لتعزيز الروابط الذكية والنظيفة والآمنة في القطاعات الرقمية والطاقة والنقل في جميع أنحاء العالم. سيتم تسليم البوابة العالمية التي تجمع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه مع مؤسساتهم المالية والإنمائية للاستفادة من استثمارات تصل إلى 300 مليار يورو في 2021-2027. يتم أيضًا توجيه 30 ٪ من مغلف مساعدات التنمية للاتحاد الأوروبي إلى معالجة تغير المناخ ، والاتحاد الأوروبي هو أكبر مساهم في  صندوق المناخ الأخضر العالمي بقيمة 100 مليار دولار. في متابعة COP26.

مثال الشراكة مع جنوب إفريقيا

ولإعطاء مثال ملموس ، يقوم الاتحاد الأوروبي ، مع شركاء دوليين ، بتنفيذ شراكة بقيمة 8.5 مليار دولار في  "انتقال الطاقة العادلة" مع جنوب إفريقيا ، مع التركيز على التخلص التدريجي من الفحم. نحن نستكشف إمكانية إقامة مثل هذه الشراكات مع فيتنام وإندونيسيا والهند. على الرغم من الاختلافات الكبيرة في المجالات الأخرى ، فإننا نتعاون أيضًا مع الصين في مجال الطاقة بعد أن قررت الدولة أن تصبح محايدة للكربون بحلول عام 2060 داخل  منصة التعاون في مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي والصين والحوار  السنوي رفيع المستوى بين الاتحاد الأوروبي والصين حول الطاقة.

يتطلب هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في دعم التحول العالمي أيضًا إصلاح وتعزيز مشهد إدارة الطاقة العالمية المجزأة. نحن بحاجة إلى مؤسسات متعددة الأطراف تعمل بشكل جيد يمكنها المساعدة في تبادل المعرفة التقنية ووضع القواعد والمعايير العالمية المتفق عليها وفقًا لأهداف المناخ العالمية.

لطالما كانت الطاقة قضية جيوسياسية مركزية ، ومع الحرب ضد أوكرانيا ومكافحة تغير المناخ أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى. علينا أن نحول ضعفنا الحالي ، والاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد ، وخاصة من روسيا ، إلى قوة من خلال تسريع تحولنا الأخضر وأخذ زمام المبادرة في التحول العالمي ومساعدة البلدان الناشئة والنامية على إدارة هذا التغيير. 

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات