لماذا يصر تنظيم القاعدة على معاداة كافة الدول الغربية،بعدما كانت حربه مقتصرة على الولايات المتحدة الأمريكية؟ ولماذا يدعو أحد قادته (الظواهري) المسلمين للقيام بعمليات تستهدف المصالح النرويجية والنرويجيين، وهو يعلم بأن النرويج ليست أمريكا ولم تكن كأمريكا ولن تكون كذلك. وهل أن في الأمر التباس أو سوء فهم أم أنه لم يفرق بين النرويج والدنمارك،فبدلا من استهداف الدنمارك على أساس أنها المشاركة في غزو العراق قام بتحديد النرويج،مع أن الأخيرة رفضت المشاركة في الحرب على العراق. وقد لفت انتباهي تعليق التلفزيون الدنمركي على الموضوع واعتبار أن الظواهري في رسالته الصوتية التي بثتها قناة الجزيرة القطرية الفضائية اليوم(1أيار 2003) "خلط على ما يبدو" بين النرويج والدنمارك وهو يدعو إلى ضرب المصالح الأمريكية والبريطانية والاسترالية والنرويجية". وقد وردت في خطابه الجملة التالية " لا تسمحوا للاميركان والبريطانيين والاستراليين والنروجيين وغيرهم من الصليبيين، قتلة إخوانكم في العراق، أن يعيشوا في بلادكم ويتمتعوا بخيراتها ويعيثوا فيها فسادا". وهذه العبارة الأخيرة بالذات هي التي تجعل المرء يشك في أن الظواهري أو الرجل الذي كان يتحدث عبر الشريط المذكور قد خلط بين النرويج والدنمارك. لكن بنفس الوقت لا يمكننا التأكد من ذلك خاصة إذا ما تذكرنا بأن الدكتور الظواهري ليس من بسطاء القاعدة أو من الناس العاديين بل هو رجل سياسي وقائد محنك ومن الصعب تصديق الاحتمال القائل أنه خلط بين الدنمارك والنرويج. يبقى علينا التفكير في حقيقة إن كان الصوت صوت الظواهري فعلا أم لا.
هل أصبحت النرويج دولة معادية بأعراف القاعدة ؟ إذا كان الجواب نعم فلماذا ؟
إن العرب وجزء من المسلمين أو من الآخرين المحسوبين على الإسلام،يعيشون في النرويج بسلام وأمان وينعمون بالجنسية النرويجية والمواطنة وينطبق عليهم القانون النرويجي كما على أي مواطن نرويجي آخر بغض النظر عن ديانته. وهذا المواطن عليه واجبات وله حقوق في دولة القانون،فحقوقه مضمونة ومحفوظة وواجبا ته كذلك. وعليه واجب الوفاء للبلد التي منحته جنسيتها وأعطته الحرية والأمان بعدما كان يفتقدها في بلاد العرب والإسلام. وعلى كل مسلم يعيش في النرويج واجب الدفاع عن النرويج والقيام بواجباته على أكمل وجه يحفظ له مكانته في البلد وكذلك التزامه بدينه وأصوله. فالمسلم الذين يعيش في النرويج يرفض بالتأكيد جر هذا البلد إلى هذه المعركة التي لا يقبلها أحد،لأنها ليست معركته ولا يوافق على الرأي القائل بأن السياسة النرويجية سياسة معادية للمسلمين أو للعرب،لأنها ليست كذلك ولو كانت كما يدعي البعض لكانت قامت على الأقل،بالمشاركة في الحرب على العراق مع أمريكا،لكانت أوقفت دعمها للسلطة الفلسطينية،لكانت قامت كذلك بالتضييق على المسلمين في المملكة وسن قوانين تحجمهم وتحاصرهم. المسلمون في النرويج يتلقون معاملة عادلة وحسنة لم يتلقوها في دولهم العربية والإسلامية. لذا فلا يمكن لهم قبول تلك الدعاوى والموافقة عليها. لأنها باختصار شديد لا تعبر عن مصلحة إسلامية أو عربية بل على العكس من ذلك فأنها تزيد العلاقات الإسلامية الغربية تعقيدا وتؤجج العداء بينهم.
كلنا نعرف أن النرويج بلد اسكندنافي صغير وعدد سكانه لا يتعدى الأربعة ملايين ونصف المليون نسمة مع المهاجرين الأجانب الذين يقيمون فيه ومعظمهم من المسلمين الذين التجئوا إلى النرويج بعدما ضاقت بهم الحياة في البلاد العربية والإسلامية التي كانت سبب تشريدهم وهجرتهم. ولقد أحسنت النرويج معاملة هؤلاء المسلمين فسمحت لهم بإقامة الشعائر الدينية الإسلامية وبفتح المساجد وأماكن العبادة والنوادي التي تعلم الديانة والثقافة والتربية الإسلامية واللغات مثل العربية والأوردو والصومالية وغيرها من لغات المسلمين. وهذه الجمعيات والمساجد والنوادي تتلقى دعما ومساعدات حكومية نرويجية أقرها القانون النرويجي. وأنا أعرف حالات بين العرب والمسلمين تعيش على المساعدات النرويجية وبيت مال العاطلين عن العمل ويعيش من وراء تلك الحالات الكثير من العائلات في بلاد الإسلام. ورغم هذا فهناك العديد من العرب أو المحسوبين على الإسلام يقومون بأعمال مخالفة للقانون ،مثل سرقة خطوط الهاتف وتشغيلها للحصول على أموال أضافية ومن أجل الثراء وإرسال المال لعوائلهم كما يقولون. هل هذا جزاء الحرية والأمان والعيش على حساب الدولة ومن دائرة الضمان والمساعدات في بلد آوى هؤلاء من شتات وأطعمهم من جوع وأحياهم بعدما كانوا هائمين بلا واجهة وبلا حياة؟!..
ثم أن القانون النرويجي يمنح التلاميذ المسلمين كما غيرهم من المهاجرين حصصا لغوية خاصة في المدارس تساعدهم على تعلم لغاتهم الأساسية. وتعتبر النرويج من البلاد التي تمنع ممارسة العنصرية الدينية ضد الأجانب وأتباع الديانات الأخرى. وفي القوانين النرويجية هناك مواد تنص على معاقبة كل من يمارس عنصرية دينية أو عرقية،كما أن القانون في النرويج يحمي أتباع تلك الديانات ويحاكم العنصريين. هذا ويوجد في النرويج عشرات أو مئات آلاف اللاجئين من أصول إسلامية،يكفي أن يلقي الإنسان نظرة سريعة على اللاجئين في هذه المملكة الدستورية النائية ليعرف بأن معظم اللاجئين من البلاد والتابعية الإسلامية. فهناك حوالي 50 ألف مسلم باكستاني، وعشرات آلاف أخرى من المسلمين من المغرب وإقليم كوسوفو والصومال والبوسنة والهرسك والعراق و كردستان وتركيا وفلسطين ودول أسلامية عديدة أخرى. هؤلاء كلهم يعيشون في النرويج ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي ويريدون أن تبقى حياتهم طبيعية لا أن تتحول مثل حياة الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد عاصفة الطائرات المخيفة والمروعة،حيث غيرت تلك الهجمات تركيبة العالم السياسية ووجهة الإدارة الأمريكية. مما جعل حياة المهاجرين العرب والمسلمين في أمريكا صعبة ومختلفة عن باقي الأجانب في تلك البلاد. و المسلمون في اسكندنافيا عامة وفي النرويج كذلك يمارسون دورا حضاريا في جعل الدين الإسلامي دينا ثانيا في شمال أوروبا، معترفا به رسميا بعد الدين المسيحي الذي تتألف منه غالبية الشعب النرويجي والشعوب الأسكندنافية.لذا على الذين يريدون توجيه ضربات للنرويج الأخذ بعين الاعتبار أولا أن هذا البلد ليس بلدا معاديا للمسلمين وأن لغة التفجير والقتل والعنف لن تحل مشاكل العالم الإسلامي. فحل تلك المشاكل يكمن في تعزيز الوعي والعلم والتمسك بالدين في سبيل خدمة المؤمنين والبشر والحياة والحضارة والعلم. كما أننا نقول لهم أن هذا الطريق غير أخلاقي و خاطئ،لأنه لا يميز بين مدني وعسكري وبين طفل وامرأة وعجوز وشرطي ورجل مباحث ومخبر وجندي . ولا يمكنه تغيير الواقع بهذه الأساليب أو تلك الوسائل التي شهدناها في المغرب والسعودية. فالحق المعزز بقوة العقل والفهم الصحيح هو الذي ينتصر على الباطل المستند على قوته وغطرسته واحتلاله لبلاد العرب والمسلمين كما هو حاصل في العراق وفلسطين.