|
في ان مفهوم : الترييف مفهوماً عنصرياً - الجزء الرابع
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7284 - 2022 / 6 / 19 - 23:26
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
في ان مفهوم الترييف : مفهوماً عنصرياً الجزء الرابع / الخلاصة 1 - لم تحدث هجرة فقراء الفلاحين من الريف الى المدينة في العراق فقط ، انها ظاهرة عالمية تشير الى انتقال البشرية : من الاعتماد في تسيير شؤونها العامة على الارض ، وما تدره المحاصيل الزراعية من ثروات ، الى حضارة جديدة تعتمد في سد نفقاتها المالية وتجميع ثرواتها على تحويل المواد الأولية الى بضائع . كان الريف هو منتج الغنى والثروات في الحضارة الزراعية ، واصبحت المدينة هي المنتج الجديد للثروات في الحضارة الصناعية . لكن العراقيين على عادتهم في اختراع الاوهام وعبادتها ، تصوروا بان الهجرة ظاهرة عراقية خالصة ، فأضافوا وهماً جديداً الى أوهامهم الكثيرة التي تتمحور حول الادعاء الفارغ : بان كل الظواهر الاجتماعية والروحية والفكرية قامت بين ظهرانيهم ، وانهم مَن اصّل اصولها ومنحها تعريفها . وزادوا على أوهامهم وهماً جديداً شديد الخطورة : حين وضعوا ظاهرة الهجرة في دائرة الشر والتآمر التي تهدف الى القيام بتجريف المدن من كل مظاهر المدنية والحداثة ، والعودة بها الى ما كانت عليه في بداية نشأتها : امكنة لبناء المناثر ( سايلوات العراق الطينية ) لخزن الحبوب ، على شواطيء الأنهار الكثيرة المتفرعة من نهري دجلة والفرات ، وانتظار البواخر النهرية للشركات البريطانية التي تأسست في النصف الثاني من القرن 19 ، لحملها الى بغداد وتصديرها الى الخارج . 2 - تكمن وراء الهجرة اسباب ارضية ، تتمثل بالبحث عن عمل : بعد ان تحول الاقطاع الى غول يصادر كل ما ينتجونه ، ويمنحهم القليل الذي بالكاد يسد الرمق . ولكن المهاجرين فوجئوا بان هذه البلدات ليست سوى قرى كبيرة وانه من الممكن لهم ان يعيشوا فيها من دون معاناة في التكيّف : وما قرأناه - في بعض القصص - عن شعور بعض أشخاصهم بالغربة في هذه المدن ، ليس سوى تقليد ومحاكاة للأدب العالمي ، وان السخرية من الريفي ( الجاهل ) في الكثير من المسرحيات العراقية والعربية : لا تعبر عن الواقع قدر ما تعبر عن مهارة الكتاب في صناعة المفارقات لاضحاك المشاهدين . لا توجد صعوبة ثقافية في عيش الريفي في المدينة ، والأمثلة على ذلك كثيرة ض، فلو أخذنا شخصية : المُلة ، فانه خلال الانتقال من القرية الى احد محلات المدينة التي هاجر اليها : لم يشعر بصعوبة التكيف والتأقلم ، لانه لم ينتقل من ثقافة تعج بالخرافة والأساطير الى ثقافة يحاكم الناس فيها جميع الظواهر والمسائل بعقلانية باردة . لقد وجد : المُلة امامه عادات وتقاليد ، وبالإجمال وجد أمامه مناخاً ثقافياً لا يختلف كثيراً عن مناخ القرية الثقافي الذي غادره . فمثلما كان في القرية يؤم الناس في الصلاة ، ويُحَفّظ اولادهم القرآن ويكتب لهم الادعية ( الحروز ) ، وجد امامه في حي المدينة التي هاجر اليها : مَن يمارس وظيفته نفسها وسط سكانها الذين لا يختلفون في نظرتهم للحياة عن اهالي القرية التي هجرها : فهؤلاء مثلهم يعشقون الاسترخاء ، ويفضلون مَن يفكر ويتخذ القرار نيابة عنهم . وهم لا يستنفرون عقولهم للبحث عن حلول للمشاكل التي تحيطهم من كل جانب ، بل يفضلون كتابة الرسائل الى ساكني القبور ، وتعليق الحروز في رقابهم لدفع ( اذى الشياطين ) عنهم ، والتوجه بالدعاء الى قوى غير مرئية لمساعدتهم في ايجاد الحلول المناسبة للتحديات التي تواجههم . لقد وجد المُلة امامه في حي المدينة الذي اختار السكن فيه : بشراً في حاجة لوظيفته : مثلهم في ذلك مثل أهالي القرية التي هاجر منها . كما ان المهاجرين الآخرين وجدوا ان اهالي المدينة سبقوهم الى ممارسة تربية الحيوانات ، والى رمي الزبالة وماء الغسيل في الشارع ، وسرعان ما اتصل بهم بعض التجار وعرضوا عليهم تمويلهم في تربية جاموسة او بقرة او حصان او بعض الغنم والماعز ، مجددين نشاطهم القديم كرعاة : لكن في قلب المدينة هذه المرة وليس في القرية ... 3 - من الضروري لنا جميعاً الكف عن الحديث السطحي عن مهاجرين وأولاد مهاجرين واحفاد مهاجرين . يجب بالضرورة ان نتحدث عن مواطنيين متساوين امام القانون ، ولهم حق التنقل من الريف الى المدن وبالعكس ، ولا توجد حواجز جغرافية تمنعهم من هذا الحق . وانهم في الريف او في المدن تعود عليهم قرارات حكوماتهم بالنفع اذا كانت صائبة ، ويتعرضون لاذاها اذا كانت ارتجالية . ولهذا ليس من الصواب تحميل مسؤولية مأساتنا الجماعية في التخلف المتعدد الوجوه الذي نعيشه الى مهاجري الريف . المتخلفون وحدهم يبرئون ذواتهم من المسؤولية المشتركة عن الفشل في بناء دولة مؤسسات الذي يعود الى تأييدنا للانقلابات العسكرية ، والى توزعنا على مجموعة احزاب تدعي كل منها امتلاك الحقيقة وتصدر أحكاماً تكفيرية بحق بعضها البعض الآخر . وقد ادى الفشل في بناء دولة مؤسسات الى انتشار الفساد وتوقف تحديث الدولة والمجتمع ، والى ذهاب الكثير منا الى مناصرة ارهاب القاعدة وداعش ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق واحزاب الله واحزاب الأنبياء والأوصياء ( اذ ان تعريفي للإرهاب ينص على شمول كل مَن يحمل السلاح ، وله معسكراته وأناشيده وإعلامه واهدافه المنفصلة عن أهداف الدولة . ) والى ان الغالبية العظمى منا تستغرقه أسئلة الماضي وليس الحاضر ، فهو لا يفكر بعواصف التراب وبشحة المياه وبالتصحر وكيفية وضع الحلول لها بالترابط مع الحداثة السياسية ، وتحديث البلاد بل يفكر بكيفية استيلاء الميليشيا الطائفية التي يؤيدها على مقاليد الحكم ، وتسيير الدولة لخدمة طائفته الدينية واضطهاد الطوائف والقوميات الاخرى . 4 - حين يصبح نشاط القائد السياسي منصباً على تعيين الترابطات والمشتركات بين مجاميع الاهالي السكانية ( لم تخرج التجمعات السكانية التي تضمها حدود العراق الدولية عن كونها تجمعات أهلية قامت على اسس ملية - طائفية او مناطقية او عشائرية ، الى فضاء المجتمع الواحد الذي يتداول السلطة سلمياً عبر انتخابات نزيهة ) التي تضمها دولته : والعمل الدؤوب على بناء الجسور المتينة بينها ، والتقليل ما أمكن من التركيز على مصالح حزبه الطائفي الذي يدخل في دائرة ممتلكاته ومقتنياته الشخصية ، ولهذا يرث أبناؤه قيادة الحزب بعد موته . حين يبدأ القادة والزعماء اكتشاف الترابط كمفهوم يقودهم الى صناعة مجتمع حديث ، سيدركون اهمية وعي التركيز على مسائل اليوم لان ايجاد الحلول لها يعزز من الترابط المجتمعي ، ويبعدهم عن التركيز على مسائل الامس الخلافية ( خلافية : لان لا حلول لها ) فيقومون بإعلاء شأن الترابط الضروري بين : الحداثة في الادب ( التحرر من قيود أوزان الفراهيدي ، ومن طريقة السرد الشفاهية الموروثة : قال فلان عن فلان . ) وبين بناء الأسس المادية لحرية الشعب المتمثلة بالدستور وآلية الانتخابات ، واهمية ان يكون الشعب ( وهو وجود حاضر حي وملموس ) وليس تشريعات الماضي : مصدراً للتشريع ، وان تكون الحريات ( كممارسة يومية مطلوبة ) هي الهدف الأسمى لحركة الحداثة السياسية والاقتصادية والثقافية . فالحرية هي المحور التي انطلق منها قرار : الإصلاح الزراعي العظيم الذي حرر العبيد واوجد حراكاً فكرياً واقتصادياً ومجتمعياً غير مسبوق ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ان مفهوم : الترييف مفهوماً عنصرياً/ الجزء الثالث
-
في ان مفهوم الترييف : مفهوماً عنصرياً / الجزء الثاني
-
في ان مفهوم الترييف : مفهوماً عنصرياً / الجزء الاول
-
ما يشبه السرد ( 5 )
-
ما يشبه السرد ( 4 )
-
عملاق الدهشة الشعبية
-
خطاب مقتدى الصدر الاخير
-
الأغاني وحدها
-
تكنولوجيا الرمال
-
عيد قوة العمل
-
اي انسداد سياسي هذا ؟
-
السؤال : كيف يمكن ايجاد حكومة متنورة
-
ما يشبه القص ( 3 )
-
ما يشبه القصة
-
قصة من قصص الف ليلة وليلة
-
الحرب الروسية الاوكرانية
-
لم استطع دخول حفلة أنغام .. فكتبت
-
عضلات ايران البالستية
-
آلهة البدو / الجزءالثاني / 5من 5
-
آلهة البدو الجزء الثاني ، 4 من 5
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|