|
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الخامسة
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7284 - 2022 / 6 / 19 - 14:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
٥
وتحسست جيبي وأخرجت الظرف المطوي المحتوي على الرسالة التي استلمتها منذ يومين لأتأكد من الكلمات الأخيرة " إذا كنت في الزمان والمكان المحدد أعلاه، فإن الله سيكون حاضرا وسيجيب على كل تساؤلاتك وباللغة التي تختارها"، وضعت الرسالة في جيبي وأخرجت كراستي، وبدأت في كتابة السؤال الأول : - أولا وقبل كل شئ أريد أن أشكرك على تقبل دعوتي لهذه المقابلة وتفضلك للإجابة على بعض الأسئلة التي تهمني وتهم قراء هذه الصحيفة. وسوف لن أستعمل معك أسلوب المجاملات الذي تعودنا عليه مع الشخصيات المدنية، لن أستعمل معك ألفاظ الجلالة وألقاب التنزيه والأسماء الحسنى وبقية القائمة، وكمقدمة وقبل الدخول في صلب الموضوع، ما هو رأيك في الإشاعات المتواترة منذ زمن بعيد من قبل بعض المثقفين والفلاسفة عن موتك أو انتحارك أو على الأقل تقاعدك أو استقالتك عن مهمتك المفترضة في إدارة العالم؟ - حقا لا داعي للمجاملات والمنمنمات اللفظية فكل ذلك مجرد تضييع للوقت. أما بخصوص كل هذا اللغط وكل هذه الأخبار والإشاعات التي تروجها دور النشر، فلا يغيب على بال أحد أن هدفها الأول والوحيد هو إزدياد مبيعات هذه المطبوعات، وهو الهدف أيضا من هذه المقابلة، كما ذكرت أنت نفسك في البداية. إن إسمي يباع جيدا ليس في هذا الوقت بالذات ولكن منذ عدة قرون، وعليه فإن هذه الإشاعات يمكن أن تكون كلها صحيحة من ناحية، حيث إنني لا أتحمل ولا أمارس أية مسؤولية مهما كان نوعها لما تقومون به على هذه الأرض، ومن ناحية أخرى الإعلان عن موت الله أو إنتحاره هو مجرد لغو وكلام فارغ من المعنى. فهؤلاء المفكرون والفلاسفة والصحفيون والشيوخ والفقهاء وأصحاب العلم عينوني مسؤولا عن إدارة العالم بدون استشارتي وبدون موافقتي بل وضد إرادتي. لنفترض إنني خلقت العالم - الفرضية لتسهيل الحوار ـ كما هو، كاملا ونهائيا فإنني بطبيعة الحال لن أعدله ولا أريد تعديله، وإلا لخلقته منذ البداية بطريقة مغايرة. إنه يسير بطريقة منتظمة ويقينية - كالساعة السويسرية - ليس هناك فيه أي خلل ولا يحتاج لقطع غيار ولذلك فهو لا يحتاج لا إلى مهندس لتشغيله ولا لمدير لإدارته، العالم هو كما هو ويدور كما ينبغي أن يدور. إن كنت حيا أو ميتا، موجودا أو غير موجود إن هذا لن يغير ذرة واحدة في الكون من مدارها الطبيعي.الكل يعرف اليوم أن الشمس نجم له حياة محدودة وأنه سيختفي ذات يوم وأن الأرض ومن عليها سيختفون معه ورغم أن ذلك قد يأخد عدة ملايين من السنين فإن ذلك لا يمكن أن ينقص من هذه الحقيقة. إن مصدر هذه الإشاعات كما يبدو، ناتج عن الخلل الذي طرأ على الأنظمة الإجتماعية التي ابتدعها الإنسان، هذا الخلل الذي أدى إلى الحروب والمجاعات والجرائم السياسية واستعباد البشر، كل ذلك دفع بعض المثقفين والمفكرين إلى القول بأن هذه الكوارث مصدرها غيابي عن العالم واستقالتي وأحيانا موتي حسب البعض منهم، في غياب الله "كل شئ مسموح" أي أنهم يضعون مسؤولية فشل المشروع الإنساني على أكتافي. وبطبيعة الحال إذا كان الإنسان غير قادر على تنظيم حياته وعلاقاته الإجتماعية بدون وجود قوة عليا تخيفه فهذه مشكلته وهو موضوع آخر ولا يدخل ضمن اختصاصاتي والتي هي في الواقع جد محدودة. - سؤالي الثاني يتعلق مباشرة بهذه الإختصاصات "الجد محدودة" وهو رأيك في نظام الأديان عموما، والأديان السماوية بالذات والتي تعنيك بالدرجة الأولى، حيث أنها تعرف نفسها باعتبارها صادرة عن إرادتك مباشرة؟ - الإنسان منذ البدايات الأولى لوجوده ومنذ خطواته الأولى على ظهر البسيطة بدأ في بناء تكوينات عقلية وخيالية لتحتوي القوانين والعلل والأسباب التي وراء الحوادث. الإنسان ابتدع القصص الدينية لينظم حياته الإجتماعية أولا والروحية ثانيا، وهو أمر يبدو لا مفر منه لولا أن مصدر هذه الأساطير ليس الإرادة الجماعية لمجتمع أو آخر، وإنما في أغلب الأحيان الإرادة المحدودة للطبقة الحاكمة ولطبقة رجال الدين الذين يخدمون هذه الطبقة. ومع مرور الوقت استقلت الأديان عن مصادرها وأصبحت منظومات ايديولوجية تفسر العالم ووجوده وعلاقات الإنسان بهذا العالم، وفي نفس الوقت تكونت المؤسسات الدينية المتعددة التي تستغل هذه الأيديولوجيات وتستعملها لفرض سلطتها ورؤيتها على بقية االناس. وهذا كله أمر طبيعي ولا خطر منه على البشر لو لم يجعلوا "الله" مركزا لهذه المنظومة ويدخلوني عنوة في هذه القصة. فالإنسان كائن إجتماعي عاقل وله وعي يمكنه من إستقراء الحوادث وتنظيمها وتفسيرها، ومهما يكن النظام الذي يختاره لتنظيم حياته وتفسير الأشياء التي حوله، فإن ذلك يظل ضمن المحاولات البشرية لمواصلة المعرفة وتسهيل حياته وجعلها أقل مللا وأقل عبثية، أي إعطاء معنى لوجود الإنسان. ولا شك أن الخطأ المميت للأديان عموما والسماوية بالذات هو الإدعاء بأنها صادرة مباشرة عن الله، وهذا في حقيقة الأمر "غش" صريح وواضح كعين الشمس بالإضافة إلى تناقضه العميق مع مقولات هذه الأديان ذاتها وتعريفها للذات الإلهية. الأديان خلقت إلها خرافيا على نموذج الإنسان المثالي، إله في منتهى القوة والجبروت والتسلط، مطلق القوة والعلم والحكمة، يكافئ ويعاقب ويجازئ وينتقم ويحب ويكره، مثله مثل قاض في محكمة كونية، وهذا في حد ذاته " كفر" بالله الذي هو متعال عن كل هذه الإهتمامات الأرضية والإنسانية المزرية ومنزه عن هذه المقولات المادية. - إذا كانت الأديان مجرد خرافات وقصص قديمة، وإله هذه الأديان مجرد "سوبرمان"، فهناك على الأقل الرسل والأنبياء الذين يحاولون في كل مرة إرجاع الأمور إلى نصابها وتعديل ممارسات البشر الدينية والدنيوية، فما هو رأيك في هؤلاء الأنبياء؟ - الإنسان كما قلت سابقا كائن عاقل وقابل للتطور وله وعي يمكنه من تفسير العالم وتغييره دون الرجوع إليّ، لأنني في نهاية الأمر ككائن متعال ومطلق لا يمكنني الإهتمام بهذه المخلوقات الضئيلة المزعجة وتنظيم حياتها التي لا تساوي أي شيئ على الإطلاق. فالإنسان رغم إمكانياته العقلية والإجتماعية فإنه يظل مجرد حشرة نملية ضئيلة ولا ضرورة لها، دابة بين بقية الدواب فلماذا الإهتمام بهم أكثر من غيرهم؟ السبب في غاية البساطة، هذا الإنسان خلقني على صورته، ثم قلب المعادلة وأدعى بأنني خلقت الإنسان على صورتي، وكان لا بد من وجود وسيلة لإيصال هذه الفكرة أو الرسالة إلى البشر، فكانت فكرة النبوة والمرسلين أو سعاة البريد الذين يحملون رسائلي إلى الناس بلغات مختلفة. الفكرة جيدة وإنسانية، غير أنه لا يجب المبالغة، فصفاتي وكينونتي تمنع علي البشرالإتصال المباشر بالله، فيجب على النبي إذا أن يكون مخلوقا خارقا للعادة بدوره، وبالتالي أضطر الإنسان لخلق شخصية أخرى مقدسة تربط بين الله والبشر وهم الأنبياء القادرين وحدهم على سماع ما يقوله الله. غير أن الله بقدراته اللانهائية قادر بالإتصال بالبشر دون الحاجة إلى وسيط أو مترجم، فإرسال ساعي بريد ليحمل رسالتي للبشرية هو نوع من الإعتراف بعجزي عن إيصال ما أريد للبشر واحدا واحدا وبطريقة مباشرة. الأنبياء والرسل هم مصلحون وقادة سياسيون أرادو النهوض بمجتمعاتهم وتطويرها وإرساء قواعد وقوانين إجتماعية وأخلاقية جديدة واستعملوا لغة العصر الذي يعيشون فيه. ولا أحد يستطيع اليوم أن يتقبل الفكرة القائلة بأنني خلقت البشر ليعبدوني، إنها فكرة وثنية ولا أساس لها من الصحة، فالله ليس إقطاعيا يمتلك ملايين العبيد، فأنا لا أحتاج للبشر ولا أحتاج لضجيجهم المزعج، هؤلاء الذين يقضون جل وقتهم في الصلاة والإبتهال وقراءة الأشعار الرديئة، كنت أفضل أن يقوموا بأعمال أكثر فائدة للبشرية ومستقبل العالم بدلا من السجود والإنبطاح على الأرض عدة مرات في اليوم.
يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الرابعة
-
العدمية كمحرك للإبداع
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانية
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأولى
-
لون السماء
-
حدود الأبدية
-
لعنة الخلود
-
فصل في الجحيم
-
عن الغبار المعطر
-
سيمون دو بوفوار ورواية الموت
-
الفوضوية العدمية
-
الحياة، كوميديا رديئة الإخراج
-
روح الجدية
-
شيزوفرينيا
-
التحول
-
اغنية الحجر
-
تشققات
-
هزيمة الكلمات المنهكة
-
حلم الذئاب المرقطة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|