|
الاستعلاء و تغير الآخر معوقات لحوار الحضارات
احسان طالب
الحوار المتمدن-العدد: 1678 - 2006 / 9 / 19 - 11:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في خضم الصراع تتعالى الأصوات العاقلة و الحكيمة داعية للحوار و الاستماع إلى نداء القيم الإنسانية السامية التي تشكل جوهرا و لبا تدور في فلكه الغايات و الأهداف النبيلة لكل الأديان و الأيديولوجيات، و تقف دو ذلك معوقات و عقبات تحول دون الوصول إلى حلول نهائية أو مرحلية تشكل ضمانة لمنع تجدد المواجهات و التحديات . الاستعلاء و جذور الصراع :
تتباين نظرة التعالي و التفوق بين الشرق و الغرب ففي حين يرى أهل الشرق بان تفوقهم قائم على أسس مقدسة و ارث حضاري موغل في القدم يرى الغرب بان تفوقه قائم على أساس التقدم الحضاري و السياسي و الإنجاز العلمي و التكنولوجي خلال العصور الحديثة و مابين الماضي المقدس و الحاضر المتقدم تغدو مدعوات الحوار و التلاقي صرخة في واد لا يستمع لها إلا أصحابها أو المنادون بها . ومن الممكن ملاحظة طبيعة الصراع الحالي القائم بين الشرق و الغرب القائمة على أسس فكرية و ثقافية أكثر من أي وقت مضى ، و إذا كانت المصالح الاقتصادية و الاستراتيجية للغرب تلزمه بالتواصل و التحاور مع الآخرين فان التناطح الأيديولوجي بين الأفكار و العقائد و الأديان ما فتئ يؤجج الخلاف و يثير التناحر و التصادم .بشكل و صور متفاوتة الشدة تخبو حينا وتتأزم أحيانا أخرى لتصل إلى حافة الصرع الدموي في مناسبات عدة. لقد جاءت التصريحات الأخيرة للبابا بندكتوس لتصب الزيت على أوار نار مشتعلة أصلا لتأكد من جديد على سوء الفهم و البعد عن منطق الحوار و الجدال بالحسنى بين الحضارات و الثقافات ، و بالمقابل كانت ردود الفعل العربية و الإسلامية هي الأخرى متطرفة و بعيدة عن منطق تبادل النقد و التصحيح . رغم ما يكتنفها من إحساس بالظلم و الهيمنة و الاستعلاء الغربي . و يرجع كثير من العرب و المسلمين أسباب الصراع الدائر حاليا إلى و جود دولة إسرائيل في المنطقة العربية و ما يستتبع ذلك الوجود من انحياز و دعم مطلق لها من قبل الغرب الذي اعتبر أمنها و استمرارها أولى مهماته وواجبا ته ،وهو بالمقابل يعتبر هزيمة الطرف المعادي لوجودها هدفا استراتيجيا تهون قبالته سفك الدماء و كسر الشعوب و الدول . و إذا كان هذا الطرح لا يخلو من الحقيقة فانه لا يحتويها كلها و لا يحيط بجذور و كامل المسببات و الوقائع . ، فالصراع بين العالم العربي و العالم المسيحي لم يكن و ليد القرن العشرين بل هو جنين و لد مع أول انتشار للإسلام خارج حدود الجزيرة العربية عبر غزوة مؤتة التي شكلت أول تهديد حقيقي لسيادة الدولة المسيحية على الشرق العربي خارج موطنهم الأصلي و استمر الصراع عبر قرون طويلة و تمكن المسلمون من غزو الغرب في عقر داره و احتلوا دوله من دوله و مكثوا فيها ما يزيد على الخمسة قرون ثم خرجوا منها في حروب مضادة حملت جيوش الغرب المسيحي نحو الشرق في حروب صليبية توقفت لكنها لم تنتهي إن الاستفزاز ألعدائي المستمر و المتبادل بين العرب و الغرب يتسبب في إقصاء الحوار و إحلال الصراع الدامي، الذي تكوى بناره الحضارة و المدنية أينما و جدت و حيثما حلت ، و ليس عصي على أي باحث ملاحظة مدى انتشار التطرف الفكري و العودة إلى الانغلاق الأيديولوجي في أوساط الرأي العام العالمي عموما و الإسلامي خصوصا و ذلك يفسر و لا يبرر ردود الأفعال الدامية على الخلافات الدينية و الثقافية . تتسم طبيعة التفكير الديني عموما خلال التحاور و النقاش بالدوران و الالتفاف حول القضايا الجوهرية بما يتيح الفرصة للبعد عن الخوص في غمار مسائل لا مجال للتنازل أو التغير فيها ، حيث يحمل الاعتقاد الأيديولوجي قوقعة أو ترسا من الثوابت و الأساسيات التي لا مفر من الحفاظ عليها و الدفاع عنها مهما كلف الأمر ، ومن هذا المنطلق فان موضوع حوار الأديان بالمفهوم الشامل لمصطلح الدين يغدو غير مجديا ولن يؤدي إلى تحقيق اختراقات توافقية أو نجاحات واضحة المعالم تهيىء الفرصة لتقارب و ردم للهوة بين أصحاب الأديان المختلفة . إن تقريرنا لهذه الوقائع لا يعني بأي حال من الأحوال وقف الحوار و السعي نحو إيجاد آليات و إجراءات كفيلة بتحقيق المصالحة و الالتقاء حول نقاط و أهداف يتم التوصل إليها انطلاقا من مفاهيم و قيم إنسانية مشتركة راسخة في الفكر و المعتقد الإنساني بكل تشعيباته و تنوعاته . أساس الحوار الكف عن الرغبة في تغير الآخر :
يهيمن على التصور الديني للعالم و الإنسان الرغبة و الحاجة الملحة إلى تغير الآخر و دعوته للانطواء تحت راية واحدة شاملة عامة تامة و كاملة فيها الخير و النجاح و رغد العيش في الدنيا و النجاة و الفردوس في الآخرة ، و تختلط تلك الرغبة مع مفاهيم الهداية و الضلال بحيث تكون الغاية من الحوار و النقاش إيصال الغير إلى جادة النجاة و الفوز المتمثلة في دوغمائية لا تغادر صغيرة و لا كبيرة إلا تناولتها . و لا ينحصر ذلك التصور في الفكر الإسلامي بل يغادره ليصب في خصم تيارات فكرية قومية و ماركسية تتباين رؤيتها للعالم و الإنسان و تتوحد غايتها و تطلعاتها في لم شمل جميع الكائنات و فق منظومات فكرية و عقائدية مسبقة و ثابتة ، تختص ذاتها بالأفضلية و الخيرية دون غيرها وهنا نستطيع القول بأن إمكانيات التحاور و التلاقي في خضم تلك التصورات و الرؤى تبدو شاقة بل أكثر بعدا و منالا مما يمكن تخيله و استقراؤه . لقد شهد الفكر الديني الإسلامي في العقود الأخيرة تطورا ملحوظا تجلى في مدعوات و مطروحات جديدة و منفتحة استطاعت الحفاظ على روحية و قيم الرسالة السماوية مع فرصة سانحة و متوفرة للقاء الأخر و قبوله بما يحتوي من تنوع و اختلاف و إذا كان التيار ألتجديدي و الإصلاحي مازال غير قادر على تعويم نفسه و الوصول إلى قواعد أوسع من المتلقين فان الفرصة تبقى موجودة للمضي قدما في العمل و السعي نحو إحلال فكر و ثقافة إسلامية قوامها احترام الموروث و تبني العقلانية و التسامح و الإقرار بمبادئ حقوق الإنسان ، إن وجود تيار كهذا في أوساط و أجواء الثقافة العربية كفيل بتحقيق التقارب و تخفيف حدة التطرف و الصدام بين الحضارات و الثقافات . و إذا كانت الدعوة قائمة للتجديد و الإصلاح في الشرق العربي المسلم فإنها أيضا واجبة و مطلوبة في الغرب المسيحي الذي لم يكف عن الاعتقاد و التصور بان العرب و المسلمين كتلة واحدة متجانسة يجمعها نفي العقل و تبني التطرف , إن هذا الاعتقاد القديم و الخاطئ تسبب في العديد من الصدامات و الأزمات كما انه قابل للتسبب في المزيد ما لم يتم توفر إرادة، حقيقة في الفهم السليم و الحوار العقلي المنهج . و إذا كنا نتطلع إلى تغير في تصورات و قنا عات الآخرين فانه ينبغي علينا البدء من الداخل بالنقد و المراجعة و نقض لأفكار تعادي العقل و تتبني العنف و التطرف و إزالة أو هداية الأخر بصرف النظر عن إمكانية اعتبار كائنا له الحق في حرية الفكر و الاعتقاد
#احسان_طالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاجتهاد الفردي محفز للإصلاح و التغيير
-
زواج أم اغتصاب
-
الأصولية تطيح بأحلام الديمقراطية
-
الوعود المقدسة و السلام الراحل
-
الغبار النووي الإيراني يعصف بأمن الخليج العربي - اكتشاف اليو
...
-
مرحلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي
-
ايها المسؤولون العرب اعتصموا في بيروت و اوقفوا الكارثة
-
نشوة نصر الرب
-
المصالح المشتركة في إضعاف الدولة اللبنانية
-
اكتبوا ما تريدون دون اتهام أو إهانة
-
هل خفف الوعد الصادق من آثار الوهم المتبدد
-
النصائح المؤلمة
-
لبنان يدفع الثمن من يحصد النتائج
-
وليمة أوراق
-
أسلمة النظم و القوانين وعلمنتها
-
الحل في عودة فتح إلى السلطة
-
الحل في عودة فتح إلى السلطة التي لم تخرج منها
-
كل الأحبة نسوك
-
فلسفة الغزاة الجدد
-
موت الزرقاوي يحيي تبرير الهزائم
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|