|
الحركة الكردية السورية واستقلالية القرار
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 7283 - 2022 / 6 / 18 - 22:33
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
قضية استقلالية القرار السياسي تواجه جميع الحركات ، والأحزاب ، وحتى الدول المستقلة ، وهي من اعقد ، واهم القضايا التي تواجه شعوب العالم منذ القدم وحتى الان ، وتندلع الصراعات ، والحروب حول هذه المسالة ، فمبدأ حق تقرير المصير يجيز الحرية المطلقة ، والخيارات الكثيرة من دون اكراه ، وفي الحالة الكردية السورية ، فبسبب الوضع الجيو استراتيجي الخاص ، والنسبة العددية ، والموقع الجغرافي ، والحالة الوطنية العامة المتسمة بالتعقيد ، فان الحركة السياسية تواجه هذه المسألة منذ نشوئها وحتى الان ، وتجري محاولات من اجل التصدي لها في مختلف المراحل . ظهر مصطلح " القرار المستقل " للمرة الأولى في أدبيات الحركة الكردية السورية ، مابعد كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ في خطاب ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) ، وذلك بوجه كل من التيار اليميني في دعوته موالاة النظام ، وتسخير قرار الحركة الكردية لارادته ، ومحاولات جناح المرحوم – الطالباني – ومن ثم حزبه الاتحاد الوطني الكردستاني الذي اعلن من دمشق عام ١٩٧٥بدعم مباشر من نظام حافظ الأسد في التدخل بشؤون الحركة الكردية السورية ، وتعاونه مع الرجل القوي آنذاك ( اللواء علي دوبا ) رئيس المخابرات العسكرية ، من اجل تشكيل حزب كردي سوري جديد ، حيث توصل الطرفان با الاستفادة من معلومات الحزب الشيوعي السوري ( بكداش ) ، وخبرة عضوه القيادي المرحوم– رمو شيخو – الى قائمة من خمسين عضوا من كرد سوريا كنواة للحزب المنشود . وقد كان المرحوم الطالباني يروج بان الدافع من وراء ذلك هو بناء حزب قوي ومعقول لكرد سوريا ، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك وهي ضرب ( اليسار – الاتحاد الشعبي ) بعد تصحيحه لمسار الحركة ، وتبنيه لمبدأ تقرير المصير ، ومعارضته للنظام ، وعدم الخضوع لتهديداته من جهة ، ومغرياته من الجهة الأخرى ، وبناء تحالفات كردية – وطنية – إقليمية – كردستانية – اممية ، ودحره لفكر ومواقف اليمين بين أوساط الجماهير ، واتخاذه الموقف المناقض لمواقف النظام وحزب الطالباني بخصوص الثورة الكردية بكردستان العراق ، وقائدها الراحل مصطفى بارزاني . في الواقع كان الطالباني يطمح بالاستيلاء على جميع مفاصل الحركة الكردية خارج العراق ، في صراعه مع قيادة الزعيم الراحل بارزاني ، والظهور بمظهر ( التقدمي ) ، وكان اعتماده الرئيسي على نظام دمشق ، حيث تبادلا الخدمات من اجل المصالح المشتركة ، وكان التركيز شديدا على كرد سوريا ، وتركيا ، وحصلت تدخلات ، وصرفت أموال ، وأقيمت تنظيمات وأحزاب في الساحتين ، ويطول الحديث في هذا المجال حيث تناولته بمناسبات عديدة ، وجئت على ذكره بمذكراتي ، ولكن الموضوع بايجاز شديد هو ان الطالباني قد سبق – اوجلان - بربط مصير حزبه واعوانه بسياسات نظام الأسد في المنطقة كان يتفاخر بصورة له وهو يحمل جوازا سفرا دبلوماسيا سوريا مع قوله : سوريا بلدي الأول ؟! ويقصد سوريا نظام الأسد ، وهنا استطيع ان ازعم اننا في ( الاتحاد الشعبي ) أبطأنا واوقفنا كل خططه بشان الحركة الكردية في الساحتين السورية اعتمادا على جماهيرنا واصدقائنا ، والتركية بالتنسيق مع رفاقنا في التيار القومي الديموقراطي اليساري الكردستاني هناك في ذلك الوقت . المرحلة الثانية في موضوعة استقلالية القرار بعد وصول – اوجلان – الى سوريا ، وتوافد رفاقه ، ومسلحيه ، وإرساء علاقة التبعية المطلقة لنظام الأسد ، وبعد انتشار الأحزاب الكردية العراقية المعارضة لنظام الدكتاتور صدام، في البلدان المجاورة للعراق ( سوريا – ايران – تركيا ) ، وبعد الاعتماد الكامل لحزبي ديموقراطي كردستان ايران ، والمجموعات الكردية الإيرانية الأخرى على النظام العراقي ضد نظام طهران ، وبعد توجه وفد اليمين الى بغداد أواخر ١٩٩٣من وراء ظهر الحركة الكردية في العراق ، بعد كل ذلك تبدل مصطلح " القرار الكردي المستقل " الى مبدأ ، واستحوذ على اهتمام اكبر ، بل اصبح شعارا في مصاف الشعارات الكبرى الاستراتيجية ، بعدما ظهر عمليا ان هذه الانظمة في الدول المقسمة للكرد ووطنهم ، ليست بوارد دعم واسناد قضية حرية الكرد بل تسعى الى استخدام حركتهم لتنفيذ مخططاتها ، وضرب الكرد ببعضهم ، وقدكانت هذه الأنظمة وجنبا الى جنب استقبال ممثلي الأحزاب من هذا البلد وذاك تعمل جاهدة من اجل التنسيق الأمني فيما بينها ( ثنائي وثلاثي ورباعي ) لمحاربة الحركة الكردية أينما كانت وخصوصا بالعراق بعد صعودها وحصولها على المكتسبات القومية . في هذه المرحلة وبالرغم من فشل جميع الأحزاب ، والحركات الكردية ، والكردستانية من تحقيق أهدافها المعلنة بالاعتماد على هذا النظام اوذاك ، الا انها لم تراجع أخطأءها بهذا المجال ، ولم تعلن أي موقف نقدي تجاه هذه المسألة الخطيرة ، بل ان من وقف ضد مبدأ الاعتماد على الأنظمة الغاصبة شكل ( اقلية ) وكاد ان ينحصر ( بالاتحاد الشعبي ) الذي حورب من اجل ذلك ، وتعرض لابشع أنواع الدعايات التحريضية ، عبر طبع ونسخ وثائق مزورة في مكاتب المخابرات العسكرية ، ومحاولات الاختراق والشق ، الى درجة انه هو من اصبح متهما بالتعامل مع تلك الأنظمة ، وليس التي تمارسها ليل نهار ،و وهي مفارقة غريبة على أي حال . المرحلة الثالثة في موضوعة استقلالية القرار وهي مانعيشها الان منذ بدايات الثورة السورية ، حيث تحولت – استقلالية القرار - كمصطلح ، وشعار ، ومبدأ ، الى احدى المفاصل الأساسية في القضيتين القومية والوطنية ، وذلك بعد تصفية الثورة ، وتحريف خط سير المعارضة ، وتوالي المحتلين ، وتوزيع مناطق النفوذ بينهم ، وبين النظام ، والفصائل والميلشيات المسلحة ، وبعد الانقسامات الحادة في الساحة الكردية السورية ، وارتباط أحزاب طرفي الاستقطاب بالمحاور الخارجية . في هذه المرحلة لم يعد القرار بايدي السوريين ، واصبح الخارج سيد الموقف ، هذا الخارج الذي لن يحقق السلم والاستقرار ، بل سيدير الازمة كما يشاء ، وحسب مصالحه ونفوذه في سوريا ، والمنطقة ، والعالم ، لذلك فان السوريين جميعا وخصوصا المعارضون للاستبداد ، والباحثون عن سوريا جديدة ديموقراطية تعددية تشاركية ، ليس امامهم سوى انجاز عدد من المهام العاجلة لتحقيق الهدف المنشود ، وفي المقدمة استعادة قرارهم الوطني المستقل . في الساحة الكردية وبالرغم من ان مبدأ استعادة القرار المستقل تحول الى مطلب شعبي عام ، الا انه لن يتحقق في ظل المعادلة الحزبية الراهنة الرابطة بين أحزاب طرفي الاستقطاب ، والتي تنازلت عنه عمليا ، وتحقيقه يشكل جزء من المهام الأخرى ، بل مرتبط بانجازها ، فبدون توحيد الحركة الكردية ، واستعادة شرعيتها ، لن ينجز القرار المستقل ، ولن تتوحد وتتشرعن الحركة الا بإعادة بنائها من جديد ، ولن يعاد بناؤها عبر الاتفاقات الحزبية الخاضعة بدورها الى قرار الخارج ، بل عن طريق عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع . القرار القومي او الوطني الكردي المستقل في هذه المرحلة يكاد ان يتمحور حول الحركة الكردية كبداية وكمدخل ، يعني ان يقرر كرد سوريا بأنفسهم توحيد ، وتعزيز طاقات حركتهم ، وان يضعوا بأنفسهم مشروعهم القومي ، وبرنامجهم الوطني ليعبرا بصدق وواقعية عن مصالحهم ، وطموحاتهم ، وان يحافظوا على شخصيتهم من الذوبان ، أو خدمة اجندات الاخرين ، ولايعني انعزالا عن البعد الكردستاني بل سعيا وراء التنسيق ، والعمل المشترك على قاعدة الحوار الديموقراطي ، والاحترام المتبادل للخصوصيات ، وتقدير المصالح المتبادلة ، يعني ان تقوم الحركة باسم الكرد السوريين بالدور الإيجابي المتقدم في الشأن القومي العام بعيدا عن المزايدات ، والنفاق ، والمكاسب الشخصية ، يعني ان تشكل تجربة حركتنا في استعادة القرار المستقل نموذجا لشركائنا بالوطن ، ودرسا لاشقائنا في الحركة الكردستانية بالمنطقة .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- احمدي خاني - : رائد النهضة القومية الكردية
-
نبحث عن شركاء ...ولانريد اوصياء
-
في القضية القومية
-
نعم نحن شركاء المصير
-
حان وقت التغيير
-
في شرعية التمثيل الشعبي .. الأحزاب الكردية السورية مثالا
-
واقع الكرد السوريين بالدياسبورا
-
الأزمة تتفاقم فلنبحث عن الحل
-
صفحات مضيئة في تاريخ الحركة الكردية السورية
-
الذاتي والموضوعي في أزمة الحركة الكردية السورية
-
أحزابنا ليست - منظمات مدنية - وكذلك فراخها
-
عودة الى مشروع حراك - بزاف - لاعادة البناء
-
في تشخيص إخفاقات الأحزاب الكردية السورية
-
قراءة نقدية لتصريحات بعض مسؤولي جماعات – ب ك ك – السورية
-
قضية شعب ، وليست منازعات أحزاب
-
الأحزاب الكردية السورية : تشابه في النهج
-
نحو إعادة النظر بالعلاقات الكردستانية
-
المشهد الكردي السوري بين الثابت ، والمتحول
-
الأولوية لاعادة بناء الحركة الكردية السورية
-
تبدلات في طبيعة الصراع الدولي .. تداعيات ، ونتائج
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|