|
جَبْهَة الغاز في حرب أوكرانيا - تثبيت الهيمنة الصّهيونية في الوطن العربي
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 7281 - 2022 / 6 / 16 - 21:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدّمة تعتمد معظم بُلدان الإتحاد الأوروبي على الغاز الروسي، حيث يحصل الاتحاد الأوروبي على ما يقرب من 40% من حاجته للغاز، من روسيا، بقيمة حوالي 118 مليون دولار في اليوم، فضلا عن 30% من حاجة أوروبا للفحم، وبعد مرور الشتاء، أعلن الاتحاد الأوروبي تقليل الاعتماد على روسيا بمقدار الثُّلُثَيْن في غضون عام، والإستغناء عن الوقود الأحفوري الروسي بحلول العام 2030، ما يعني إيجاد إمدادات بديلة، من الجزائر والنّرويج وأذربيجان، وغيرها، وخَزّانات قادرة على زيادة حجم المخزونات من 30% إلى 90% من سعة التخزين، والإعتماد،على المدى القصير على الغاز الصّخري الأمريكي، وهو أغلى ثمنًا وأقل جودة من الغاز الرّوسي، واستيراد الغاز من إفريقيا وقطر وأستراليا، ومن "شرق المتوسط" (نُخَصّص فقرة للإتفاقيات بين أوروبا ومصر والكيان الصهيوني)، وأعلنت المفوضية الأوروبية تشجيعها الإعتماد على الطاقات البديلة، كالشّمس والغاز الحيوي ، المصنوع من النفايات الزراعية والغذائية، والهيدروجين الأخضر الذي يمكن إنتاجه من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتدعو المفوضية إلى مضاعفة استخدام الهيدروجين أربع مرات بحلول العام 2030، لكن لهذه التغييرات المقترحة ثمن مرتفع، فيما أهملت المُفوضية والحكومات الأوروبية أي إشارة إلى مصالح الفُقراء وذوي الدّخل المحدود الذين أصبحوا مُضْطَرِّين للاختيار بين التدفئة وتناول الطعام، بسبب الإرتفاع المَهُول للأسعار، والعجز عن تحمل تكاليف الغذاء والطاقة التي حقّقت الشركات المُضارِبَة بها أرباحًا خيالية... على الجبهة العسكرية، تُبَيِّنُ الوقائع أن الحرب ليست بين روسيا وأوكرانيا وإنما بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، والدّول المتحالفة مع الحلف ومع الولايات المتحدة، وطلبت الولايات المتحدة (المُشرفة على الناتو)، في اجتماع وزراء حرب دول الحلف يوم الإربعاء 15 حزيران/يونيو 2022، ببروكسل، برئاسة وزير الحرب الأمريكي، بحضور خمسين دولة (يعد حلف شمال الأطلسي ثلاثين عضْوًا) تسليم مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، وأعلن الأمين العام للحلف "إن دول الناتو ستزود أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الثقيلة الحديثة، وستقوم بتدريب الجيش الأوكراني على استخدامها"، ونقلت صحيفة "غارديان" عن " فاديم سكيبيتسكي" (الرجل الثاني في المخابرات العسكرية الأوكرانية) أن الجيش والمليشيات النازية الأوكرانية تستخدم ما بين خمسة آلاف وستة آلاف قذيفة مدفعية يوميًا، بفضل المعدّات والأسلحة التي قدمها الحُلفاء... تَبَعِيّة أوروبية تُعْتَبَرُ ألمانيا أكبر زبون أوروبي للغاز الرّوسي، وقَدَّرَ وزير الإقتصاد الألماني حاجة ألمانيا ( أكبر اقتصاد أوروبي) إلى نحو مائة مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، تستورد نحو 55% منها من روسيا ويتم نقل كميات أقل من هولندا والنرويج، وكبدت العقوبات على صادرات الغاز الروسي الاقتصاد الألماني تكاليف إضافية تجاوزت 5,37 مليار دولار (5 مليارات يورو) سنويًا لتوفير مصادر بديلة للغاز الروسي الرخيص وعالي الجَوْدَة، وقَدَّرَ نفس الوزير حاجة ألمانيا إلى عشرة ملايين متر مكعب إضافي من الغاز يوميًا، ما يُكلّف ميزانية الدّولة نحو 3,76 مليار دولار (3,5 مليار يورو) سنويًا، إضافَةً إلى التكاليف الأخرى لتخزين الغاز الطبيعي. كانت روسيا قد ردّت، في بداية الحرب، على الحصار الأوروبي بفرْض تسديد ثمن الغاز بالعملة الرّوسية (الرُّوبل)، ونفذت تهديدها بقطع الإمدادات على الدّول التي لا تستجيب لهذا الشرط، ومنها بولندا (عضو حلف شمال الأطلسي) التي تستورد الغاز من شركة "غازبروم" الروسية، عبر خط أنابيب يامال، وينتهي أجل العقد بنهاية سنة 2022، و استوردت 53% من حاجتها من غازبروم في الربع الأول من العام 2022، فيما تستورد بلغاريا من غازبروم نحو 90% من حاجتها، وأعلنتْ "غازبروم"، يوم السابع والعشرين من أيار/مايو 2022، تعليق صادراتها إلى بولندا وبلغاريا (وهي دول "غير صديقة"، بتعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين)، بسبب رفض حُكومَتَيْهِما تسديد ثمن الواردات بالعملة الروسية "رُوبل" التي تضررت من "العقوبات الغربية"، وأعلنت الولايات المتحدة تنديدها "باستخدام الغاز الروسي كسلاح سياسي واقتصادي في الحرب الحالية" (وكأن أمريكا التي تُحاصر العديد من البُلدان، براء من الإبتزاز السياسي والإقتصادي)، واستعدادها لبيع الغاز الصخري وتعويض الغاز الروسي، وتضغط الولايات المتحدة على المجر وجمهورية التشيك والنّمسا ودول أوروبية أخرى، لوقف إمدادات الغاز الروسي، واستيراد الغاز الصخري الأمريكي، ومنذ بداية الحرب (في أوكرانيا)، قطعت روسيا إمداداتها من الغاز عن بولندا وبلغاريا وفنلندا وعن شركات هولندية ودنماركية، بحسب تصريحات رئيسة المُفَوِّضِيّة الأوروبية أورسولا فون دير لاين في فلسطين المحتلّة. تَطَابَقَ خطاب أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية مع الخطاب الأمريكي المعادي لروسيا، وكانت تُرَدِّدُ، منذ بداية سنة 2020، إن روسيا تستخدم الغاز "كأداة للإبتزاز"، وكررت اتهام روسيا (بعد إعلان وقف إمدادات الغاز إلى بلغاريا وبولندا) بممارسة "الضغط الإقتصادي على أوروبا، من خلال المحافظة على الأسعار المرتفعة، والضغط على المستهلكين وعلى الصناعة الأوروبية"، وعلى ذكر الأسعار، ارتفعت أسعار الغاز في أسواق أوروبا بنسبة 24% يوم الأربعاء 15 حزيران/يونيو 2022، وتعمل أوروبا الغربية على افتتاح خطوط أنابيب غاز جديدة من ليتوانيا والنرويج لتزويد بعض البلدان الأوروبية، باستثناء ألمانيا التي تستورد نحو 45% من حاجتها للغاز من روسيا... نشر موقع روسيا اليوم، بتاريخ 25 أيار/مايو 2022، تحليلاً يُبَيِّن أن فَرْضَ حظْرٍ أوروبي على النفط الروسي يساعد موسكو على تحقيق إيرادات إضافية بفعل ارتفاع الأسعار، ونقل النفط الذي لا تبيعه إلى الاتحاد الأوروبي إلى السوق العالمية، وبالأخص إلى آسيا، وسَبَقَ أن أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية (شباط/فبراير 2022) أن العقوبات المفروضة على روسيا ستكون لها تكلفة على أوروبا نفسها.
الحصار الإعلامي، باسم الدفاع عن "الديمقراطية ضد الدّكتاتورية": عند بداية الحرب، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حظر وسائل الإعلام الروسية المدعومة من الدولة، مثل روسيا اليوم وسبوتنيك والشركات التابعة لها "حتى لا تكون قادرة على نشر أكاذيبها لتبرير حرب بوتين" حسب ما ذكرته رئيسة المفوضية الأوروبية، باسم "حرية الرأي والتعبير"؟ إن حظر الاتحاد الأوروبي "روسيا اليوم" و"سبوتنيك" ووسائل إعلام روسية يؤَشِّرُ إلى عدم قُبُول الرأي المخالف، وهي من سمات الأنظمة الدّكتاتورية. أما في ألمانيا، حيث كانت رئيسة المفوضية وزيرة للحرب، اشتهرت بولائها للولايات المتحدة (التي تمتلك بعض أضخم قواعدها العسكرية في ألمانيا) ولحلف شمال الأطلسي، فلا تزال الإيديولوجيا النّازية سائدة، بأشكال مختلفة، وبدعم أمريكي، منها حظر الإشارة إلى الشيوعية، ومُعاداة الشُّعُوب والمُشاركة في كافة الحُرُوب العدوانية الأمريكية والأطلسية، بمساندة أحزاب الديمقراطية الإجتماعية وأحزاب الدفاع عن البيئة (الخُضْر) الذي بَدَوْا أكثر أطلسيّة من اليمين، ولا تزال العنصرية سائدة داخل مجتمع الذي لم يتعافى بعْدُ من العقيدة العنصرية لفترة الحكم النّازي (1933 – 1945)، ولا تزال العبارات العنصرية والجارحة جُزْءًا من لُغة الخطاب اليومي داخل مجتمع يحتضن العديد من التيارات اليمينية المتطرفة التي تغتال المهاجرين وتحرق محلات التجارة والعبادة والسّكن، وتُرَوّج الدّعايات الكاذبة عن عمليات اغتصاب أو أعمال عُنْف مُخْتَلَقَة، بتواطؤ من وسائل الإعلام، وما انفكّ عدد الجرائم العنصرية يتزايد، ما يُذَكِّرُ بعمليات القمع والإعتقال والإغتيال الذي مارسته المليشيات والشرطة النازية، وسجّلَ تقرير أعدته هيئة حماية الدستور الألمانية (المخابرات الداخلية) ارتفاعًا كبيرًا في عدد المتطرفين اليمينيين سنة 2019، ليبلغ 32080، بزيادة ثمانية آلاف فرد مقارنة برقم 24100 المسجل في 2018، ويعتبر هؤلاء أنفسهم امتدادًا للنظام النازي ويرددون شعاراته ويرفعون الرايات النازية مثل الصليب المعقوف، ويعادون ويعتدون على للمهاجرين والأشخاص من ذوي الأُصُول غير الألمانية، وأكّدت دراسة أخرى (ذكرها موقع "دويتشه فيلله) أن أكثر من ثُلث الألمان يُصرّحون علنًا بتأييدهم الشعارات والممارسات العنصرية ضد الأجانب.
استغلال الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لحرب أوكرانيا: ترتبط الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي باتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار التي تهدف إلى احتكار شركات الطَّرَفَيْن للمبادلات التجارية التي يتوقع زيادة حجمها وعائداتها، من خلال هذه الإتفاقية، حيث تبلغ قيمة الصادرات الأمريكية الحالية إلى أوروبا أكثر من 255 مليار دولارا سنويا، فيما يرتفع حجم الصادرات السّنوية للاتحاد الأوروبي من هذه الشراكة إلى حوالي 120 مليار دولار، وترتفع حصة الولايات المتحدة بنحو 95 مليار دولار إضافية، بحسب دراسة لمركز أبحاث السياسة الاقتصادية (لندن)، وتنطوي الشراكة على شق إضافي هام وغير معلن، ويتمثل في مَنْحِ أطراف أخرى (غير أمريكية وغير أوروبية) مثل الكيان الصهيوني الإستفادة من مزايا الإتفاقية، والوصول إلى أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية، برسوم جمركية منخفضة أو رمزية، وتمكين شركات الطرف الثالث من الدخول في المناقصات العامة، وتُعارض النقابات ومنظمات "المجتمع المدني" هذه الإتفاقية، لأنها تُحَوّل الخدمات (كالرعاية الصّحّية) إلى سِلْعَة، ولا تَضْمَنُ سلامة الأغذية وتقْضِي على المزارع الصغيرة وعلى الأنظمة الاجتماعية والبيئية... في هذا الإطار، تندرج زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية إلى فلسطين المحتلة وزيارة المبعوث الأمريكي إلى لبنان، لتعزيز الهيمنة الأمريكية والصّهيونية في المنطقة، ضدّ إرادة الشعوب العربية، وضد مصالح الشعب الفلسطيني بشكل خاص، حيث ينهب الكيان المُحتل ثرواته، بدعم أوروبي وأمريكي ورجعي عربي، فضلاً عن الدّور الصهيوني في أوكرانيا، منذ انقلاب سنة 2014، ودور حلف شمال الأطلسي، بقيادة الأمبريالية الأمريكية في استفزاز روسيا وتهديد أمْنِها وجَرِّها إلى الحرب... أسفرت زيارة رئيسة المُفوّضية الأوروبية عن توقيع مُذكّرة تفاهم بين الكيان الصهيوني ومصر والإتحاد الأوروبي، يوم الإربعاء 15 حزيران/يونيو 2022، تقضي بنقل كميات كبيرة من الغاز المَسْروق من فلسطين إلى محطات تسْيِيل في مصر، طيلة ثلاث سنوات قابلة للتمديد، قبل نقله إلى أوروبا، بحسب وكالة رويترز (15/06/2022 )، وتهدف الأطراف الثلاثة المُوَقِّعَة على الإتفاق، تشجيع الشركات الأوروبية على المشاركة في عمليات التنقيب عن الغاز في كل من مصر وفلسطين المُحتلّة، لكن، الأخبار التي نُشِرَتْ عن الإتفاقية لا تُحَدّدُ كمية الغاز المُصَدَّرَة إلى الاتحاد الأوروبي ولا تحدد أي جداول زمنية للتسليم. اكتشفت شركة "إيني" الإيطالية كميات هامة من الغاز في سواحل مصر المُطلة على البحر الأبيض المتوسط، وصدرت مصر، سنة 2021، قرابة تسعة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، نحو آسيا بشكل أساسي، ويتوقع أن تزيد عن عشرة مليارات متر مكعب سنة 2022، وتُشكل الإتفاقية الصهيونية/المصرية/الأوروبية ضد الشعب الفلسطيني.
تواطؤ أمريكي أوروبي مصري مع الكيان الصهيوني في لبنان، وفي علاقة بالحرب في أوكرانيا والصّراع على أسواق الغاز، ضغطت الولايات المتحدة على دولة لبنان لكي تقبل بالهيمنة الصّهيونية (والتّركية بدرجة ثانية) على حقول الغاز بالبحر الأبيض المتوسّط، على الحدود بين فلسطين ولبنان وسوريا، لكن للضّغط الشّعبي مَفاعيلُهُ، فقد نَظّمَ سُكّان جنوب لبنان، يوم السبت 11 حزيران/ يونيو 2022، مُلَوِّحِين بالأعلام الفلسطينية واللُّبنانية، احتجاجا على وجود سفينة مشبُوهة (تابعة لشرة غاز بريطانية) في المياه الإقليمية اللبنانية، بين فلسطين المحتلة ولبنان، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، وأعلن المتظاهرون رفضهم "التنازل عن ثروات البلاد البحرية فهي ملك لكل لبنانيين"، وكانت حكومة الولايات المتحدة قد أشرفت، في تشرين الأول/اكتوبر 2020، على مفاوضات لترسيم الحدود البحرية، بطلب من الكيان الصهيوني الذي يرغب بالإسراع في نهب وسرقة الغاز الفلسطيني، ووصل "الوسيط" الاميركي إلى لبنان يوم الاثنين 13 حزيران/يونيو 2022، في زيارة تستغرق يومين "للتقريب بين الجانبَيْن"، بحسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية، بتاريخ الجمعة العاشر من حزيران/يونيو 2022، ولم يكن من باب الصّدفة أن تزامنت زيارة "الوسيط" الأمريكي مع زيارة رئيسة المفوضة الأوروبية إلى الكيان الصهيوني، يوم الإثنين 13 حزيران/يونيو 2022 " لتعزيز التعاون في مجال الطاقة بين الإتحاد الأوروبي وإسرائيل لتحرير الإتحاد الأوروبي من الابتزاز الروسي... فقد استخدَمَ الكرملين اعتمادنا على الوقود الأحفوري الروسي لابتزازنا"، بحسب تصريح "أورسولا فون دير لاين" الذي أوردته وسائل إعلام العدو الصهيوني، واجتمعت رئيسة مُفَوّضِيّة الإتحاد الأوروبي يوم الاثنين 13 حزيران/يونيو 2022 مع وزيرَيْ الخارجية والطاقة الصهيونِيّيْن، ومع رئيس الحكومة يوم الثلاثاء 14 حزيران/يونيو 2022، "لتعزيز تعاوننا في مجال الطاقة، على غرار مشروع خط كهربائي تحت البحر يربط بين (فلسطين المحتلة) وقبرص واليونان وخط أنابيب في شرق البحر الأبيض المتوسط..." عمل الكيان الصهيوني، منذ الإعلان عن اكتشاف الغاز سنة 2010، على تصدير الغاز المسْرُوق من سواحل فلسطين إلى أوروبا، وأصبحت الفُرْصَة مُواتِيَة لأن أوروبا تسعى لاستبدال مشترياتها من الوقود الأحفوري الروسي، ولكن ليس للكيان الصهيوني خط أنابيب غاز لربط منصات الحفر في البحر الأبيض المتوسط بأسواق جنوب أوروبا، ولذلك يتم نقل الغاز الطبيعي إلى مصر إذ يتعاون الكيان الصهيوني مع الأردن ومصر ومَشْيخات الخليج، لكن الشّعُوب العربية بقيت ترفض كافة أشكال "التّطبيع"، وبخصوص مسألة الغاز، يتم نقْلُهُ، عبر خط أنابيب، إلى مصر، ثم تَسْيِيلُهُ ونقله بالسُّفُن في أوروبا، كما تم إقرار مشروع بناء خط أنابيب الغاز إلى تركيا، قبل تصديره إلى جنوب أوروبا، عبر خط الأنابيب (السَّيْل المُتوسّطي الشّرقي) "إيست ميد" ( EastMed ) الذي لم يتم إنجازه بعْدُ، وسوف تُساهم الشركات الأمريكية والأوروبية بتمويل إنشائِهِ. استضافت مصر "منتدى غاز الشرق الأوسط"، حيث تم توقيع مذكّرة تفاهم ثلاثية بين مصر والكيان الصهيوني ومفوضية الاتحاد الأوروبي، لتصدير الغاز المصري والفلسطيني المَسْرُوق إلى أوروبا، ومكافأة مصر على دورها التّطْبِيعي وعلى مساهمتها في طَعْن روسيا، فتحصل من أوروبا على كمّيات من القمح لتعويض القمح الرّوسي، وللتذكير فإن مصر أكبر مُسْتَوْرِد عالمي للقمح، وبذلك يُساعد الإتحاد الأوروبي النّظام المصري على استِتْباب الأمن والإستقرار السياسي، بفعل انخفاض مخزون القمح وارتفاع أسعار السلع الغذائية في مصر، ما قد يُؤَدِّي إلى احتجاجات شعبية، ويُؤدِّي تحسين عائدات النظام المصري إلى استقراره وضمان استمرار تدفّق الغاز المسروق من فلسطين ليتم تسْيِيلُهُ في مَحَطَّتَيْ "دمياط" و "أدكو" بمصر ثم شَحْنه إلى أوروبا. تُقَدَّرُ واردات الغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي بنحو 200 مليار متر مكعب سنويًّا، ولن يتمكّن الكيان الصهيوني ومصر من تصدير أكثر من مليار متر مُكعّب سنوياً، وبالتالي فهو اتفاق ذو خلفية سياسية تتجاوز حجم كميات الغاز التي يتم تصديرُها، وتُنَصِّبُ الكيان الصّهيوني – بدعم أوروبي – في موقع مُهَيْمِن بالمشرق العربي.
خاتمة: استورد الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا خلال سنة 2021، أو ما يُعادل 40% من إجمالي استهلاك الاتحاد، ثم انخفضت الإمدادات من قبل شركة الغاز الروسية، غازبروم إلى أوروبا بنسبة 27,6% بين كانون الثاني/يناير وأيار/مايو 2022، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وارتفعت أسعار المحروقات وانجرّ عنها ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية، وتَضَخُّمٌ لم تشهده أوروبا منذ عُقُود، وقد يُسبّب حظر استيراد المحروقات من روسيا رُكُودًا اقتصاديا وارتفاعًا في أسعار الطاقة والسلع الغذائية والنّقل، ما يُسبّب ضيقًا للمواطنين، لكن لا تهتم زعامات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (مُمثِّلِي الرأسمالية العالمية، في مرحلتها الإمبريالية) بظروف حياة الكادحين والفُقراء، مادامت الصناعات الحربية والشركات الإحتكارية تُحقِّقُ أرباحًا متزايدة ومُتراكمة. استفادت روسيا من ارتفاع أسعار المحروقات وبلغت إيراداتها من صادرات النفط الخام والمشتقات النفطية والغاز الطبيعي المسال والفحم، خلال مائة يوم بعد بداية الحرب (بين 24 شباط/فبراير و3 حزيران/يونيو 2022 )، حوالي 94 مليار يورو، بحسب برقية لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب 14 حزيران/يونيو 2022 )، عن تقرير أصدره مركز البحوث حول الطاقة والهواء النظيف، وهو مركز أبحاث مستقل، بفنلندا، يوم الإثنين 13 حزيران/يونيو 2022 وشكل الاتحاد الأوروبي 61% من صادرات الطاقة الأحفورية الروسية، بقيمة 57 مليار يورو، وعلى مستوى الدّول بلغت حصة الصين 12,6 مليار يورو وألمانيا 12,1 مليار يورو وإيطاليا (7,6 مليار يورو، رغم تراجع حجم الصادرات خلال شهر أيار/مايو واضطرار روسيا إلى تخفيض أسعار إنتاجها للإلتفاف على المُقاطعة والحَظْر، وبذلك ارتفعت صادرات روسيا نحو الصين والهند والإمارات وفرنسا، رغم قرارات تشديد الحصار على روسيا، بل أصبحت فرنسا أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال الروسي في العالم... حاولت الولايات المتحدة، منذ رفع الحَظْر على صادراتها من الطاقة إلى إزاحة روسيا من أسواق أوروبا، واستغلت الحرب لزيادة صادراتها من الغاز الصخري الرديء ومرتفع الثمن، وأعلنت إدارة معلومات الطاقة ارتفاع صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بنسبة 18% خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2022 مقارنة بنفس الفترة من العام 2021، وصَدَّرت أمريكا 74% من إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى نهاية نيسان/أبريل 2022، وارتفعت عقود الغاز الطبيعي في البورصة الأمريكية بنسبة 154% منذ بداية العام 2022 حتى نهاية أيار/مايو، نتيجة الطلب القوي ومخاوف تراجع المعروض العالمي. أما على الجبهة الإعلامية للحرب، تستحْضِرُ وسائل الإعلام الأوروبية "ابتزاز روسيا" وكأن الأمر غير مرتبط بـالحَظْر و"العقوبات" الأمريكية والأوروبية التي هي أكثر من ابتزاز، لأن "العقوبات" تشمل التحويلات المالية (سويفت) وتجميد أصول المصارف الروسية، وحتى أموال وممتلكات الأفراد، ثم يصنف قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنفسهم على أنهم أبطال الطّهارة والمواقف الأخلاقية، ويعتبرون أنفسهم ممثلين لـ "الخير" ضد "الشر" الذي تجسده روسيا وإيران والصين وفنزويلا ... يستخدم هؤلاء القادة مقاييس مُزْدَوَجَة، لا يُمْكِنُ تبريرُها أو الدّفاع عنها، فقد أعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) حربًا اقتصادية على روسيا التي تَرُدُّ (وذلك من حَقِّها ومن واجبها، لكي تُطَبِّقَ مبدأ "السّن بالسّن والعَيْن بالعَيْن) بإجراءات اقتصادية مضادة، فقد أصدر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرسومًا في الثالث من أيار/مايو 2022، يقضي بعدم السماح لأي كيان روسي بعقد صفقات مع أولئك المدرجين في قائمة العقوبات، أو حتى الوفاء بالتزاماته بموجب الصفقات الحالية، ويحظر المرسوم تصدير المنتجات والمواد الخام إلى الأشخاص والكيانات المدرجة في القائمة، ومنها شركات من ألمانيا وسويسرا والمجر وبريطانيا وفرنسا وبلغاريا وبولندا والولايات المتحدة ورومانيا وسنغافورة و29 شركة، بحسب وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء بتاريخ الثالث من أيار/مايو 2022... على مستوى العلاقات الدّولية، قرّبت هذه الحرب بين روسيا والصّين، فالصّين مُستهدفة، وبدأت التحَرُّشات العسكرية الأمريكية منذ سنة 2012 (خلال رئاسة باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون) ولا مناص للدّولَتَيْن (روسيا والصّين) من التّقارب بل والتّحالف، وتحادث الرئيس الصيني "جين بينغ" عبر الهاتف مع نظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، وكانت حكومة الصّين قد حَمَّلَتْ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مسؤولية تصعيد الصراع من خلال الإستفزازات وتوسيع حلف شمال الأطلسي، ورفضت الحكومة الصينية استخدم عبارة "غَزْو" لوصْف الحرب الدّائرة في أوكرانيا، واعتبرتها دِفاعًا عن أمن روسيا، ودعا الرئيس الصيني إلى توثيق التعاون الإستراتيجي بين البَلَدَيْن. تزامن تصريح الرئيس الصيني مع توتر العلاقات بين بكين والولايات المتحدة وحلفائها، ولا بد من توثيق التّعاون لكي تتمكّن روسيا من فَكّ العزلة الاقتصادية التي تريد الولايات المتحدة فَرْضَها عليها، لكن لا يجب أن نتوهّم أن الصّين أو روسيا، أو أي أحد غيرنا، سوف يُراعي مصالحنا كعرب وتقدّميِّين، فنجاح عملية تَحَرُّر الشعوب والطّبقات من الإستعمار والإضطهاد والإستغلال، رَهِينٌ بوعي الشّعوب والطبقات وإفرازها لقادتها وبرامجها الثورية وتكتيكاتها واستراتيجياتها...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاولة تبسيط بعض مفاهيم الإقتصاد السياسي
-
موضوعات اقتصادية - الإقتصاد الموازي
-
سويسرا، حياد كاذب
-
هجرة الأطباء العرب
-
من تاريخ النضال الطبقي والإجتماعي بالولايات المتحدة
-
نضالات الطبقة العاملة بالولايات المتحدة
-
رأس المال يُهَدّد السيادة الغذائية
-
لا استقلال دون الإشراف على الإقتصاد
-
العنف الأمريكي المُسلّح بالدّاخل
-
الإحتلال الصهيوني عُنْصُرِيٌّ بالطّبْع
-
الولايات المتحدة -ديمقراطية- عنيفة
-
أي استقلالية لدولة تستورد غذاء مواطنيها؟
-
علوم التربية - نظرية -الثقافة الإجتماعية- ودَوْر اللغة في ال
...
-
أسطورة الدّيمقراطية الأمريكية
-
التعليم بين الإيديولوجيا والبيداغوجيا
-
حرب مُستمرة من 1917 إلى 2022
-
الإنتخابات الفرنسية، لا تشويق ولا مُفاجآت
-
لمحة عن الوضع بتونس، بعد أكثر من عقد
-
الحرب الروسية الأوكرانية ومخاطر التّبَعِيّة الغذائية العربية
-
سريلانكا - التأثيرات الجانبية لكوفيد 19، وللحرب بين روسيا وأ
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|