|
في ان مفهوم : الترييف مفهوماً عنصرياً/ الجزء الثالث
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7281 - 2022 / 6 / 16 - 07:33
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
في ان مفهوم : الترييف مفهوماً عنصرياً الجزء الثالث 1 - اساس الركود الاقتصادي والفكري الشامل في العراق ، كامن في عدم شعور المسؤولين بالحاجة الى حل تحديات التخلف الكثيرة المتربصة بالمجتمع والدولة ، والاعتماد كلياً على الاستيراد : لما يوفره من فرص كثيرة للفساد . ومع ان مجلس الإعمار الذي تأسس في الخمسينيات : خطط وانجز الكثير من مشاريع البنية التحتية ، الا انها ظلت مشروعات دولة قادرة على ان تدفع الرواتب للموظفين الذين يديرونها ، ولكنها لم تتحول الى قاعدة لنهضة اقتصادية وصناعية شاملة ، يستطيع من خلالها مهاجرو الريف ان يجدوا لهم عملاً . وأعظم مثال على هذا الركود الاقتصادي والثقافي الشامل يتمثل في الأحجام عن ايجاد شبكة من المواصلات الحديثة التي انتشرت في مدن العالم الكبيرة كالتروماي ( وجد في المغرب منذ عام 1912 ) والقطارات فوق الارض ( مترو مصر 1896) او تحتها ( مترو القاهرة ) ، وظل معظم الاهالي يقطعون المسافات الطويلة في مدن العراق الكبيرة ، مشياً على الأقدام ، مما يشير الى ان المدينة العراقية كانت ريفية الملامح قبل ان تبدأ هجرة فقراء الفلاحين اليها . اذ لا يمكن الحديث عن مدينة حديثة : من غير انسيابية عالية للبشر والبضائع لا تتم من غير استخدام وسائل النقل الحديثة . غياب وسائط النقل الحديثة وعدم تطبيق قانون المرور : يجعل المدينة العراقية غير مشمولة بتعريف المدينة الحديثة سواء هاجر اليها فقراء الريف ام لم يهاجروا ، والحنين الى الماضي الواقع تحت تأثيره الكثير من الكتاب هو حنين أرستقراطي الى بعض معالم المكان ( الساحرة ) التي لوّث منظرها فقراء الريف بهجرتهم اليها . كشارع الرشيد ، وبعض مقاهي ودور عليّة القوم ، والقشلات ، والأسواق المسقفة وغيرها ... 2 - كنت اقطع المدينة التي ولدتُ فيها ( وهي قضاء وفقاً للتقسيم الإداري العراقي ) من جنوبها حيث بيتنا ، الى شمالها حيث اعدادية المدينة الوحيدة ، في دقائق معدودة ، وكان باقي الطلاب مثلي لا يحتاجون الى سيارات لنقلهم . ولم يكن الناس يستخدمون اي وسيلة من وسائل النقل الحديثة كالقطارات والسيارات للتنقل من بيوتهم الى اماكن عملهم . دقائق معدودة هو الزمن الذي يستغرقه قطع اطول المسافات مشياً على الاقدام داخل القصبات التي اطلقوا عليها : أقضية ونواحي . ولم تزد مراكز المحافظات في مساحاتها الّا قليلاً عن مساحة هذه البلدات ، مع ان لها خرائط طويلة عريضة مدفونة في ملفات البلديات . ولم تكن ثمة معالم واضحة تفصل المدن عن الريف : كانت شوارع المدينة غير المعبدة تغرق وتتحول الى مستنقعات بالقليل من زخات المطر ، وكان معظم الناس فيها يضطرون الى حمل أحذيتهم وهم يشقون طريقهم من مكان الى آخر ، وهو ما يفعله الريفيون حين كانوا يقطعون المسافة من أكواخهم الى مزارعهم او من أكواخهم الى مراعي حيواناتهم ... 3 - وكانت القصبات العراقية التي سموها مدناً ، لا تشبه في شيء المدن الصناعية التي بدأت تستقبل المهاجرين من الريف أو قل تجذب الريفيين اليها : وتمنحتهم عملاً في المانيفكتورات التي بدأت تتأسس ، وتمتص الأيادي العاملة المهاجرة ، وسهلت القطارات انتقال اعداد النازحين من مساكنهم البائسة الى حيث يعملون ( للروائي الانگليزي تشارلز دكنز : باع طويل في وصف هذه المرحلة ) لقد صنعت المدينة التي تكوّنت في العصر الصناعي مسافات طويلة داخلها ، وصنعت في الوقت ذاته وسائل نقل مناسبة لقطعها . وصنعت المدينة العراقية المسافات الطويلة داخلها ايضاً ، ولكنها لم تصنع لفقرائها وسائط نقل رخيصة لقطعها ، وما كان بإمكان هؤلاء الفقراء منع المدن من تأسيس المصانع ، وصناعة القطارات رخيصة الثمن لنقل عمالها ، لو ارادت سلطاتها ذلك . وحين توسعت المدينة العراقية لم يحدث ذلك نتيجة ازدهار نشاط تجاري قام على اساس حركة تحويل وتصنيع وإنتاجية عالية لتكنولوجيا متنوعة . كانت الدولة - وليس طبقة برجوازية متنورة - هي البرجوازي الذي يقوم بالتحديث ، وكانت الدولة - وليس مجموعة رأسماليين - هي الرأسمالي الوحيد الذي يقوم بالتوظيف . اما الأموال التي تغدقها الدولة على مشاريعها الاجتماعية والأمنية ، فلم تحصل عليها كثمن للعمل المبذول في صناعة بضائع متنوعة وتصديرها الى الخارج : كما هو الحال في المدن الاوربية ، بل تحصل على هذه الأموال من بيعها لما تحت الارض من ثروات : وهذا هو الفارق الثاني بين المدينة الحديثة وبين شبيهاتها من المدن التقليدية في العراق وفي مدن العالم الثالث : اموال المدينة الحديثة ينتجها العمل الكثيف الذي يقوم به المواطنون في تصنيع البضائع وبعض السلع ، وفي الاستثمار في المعرفة وابداع تكنولوجيات غير مسبوقة ، فيما تعيش المدينة العراقية ومدن العالم الثالث التقليدية على بيع مصادرها الطبيعية ، ( وما يتبعه من بيع القرار والارادة السياسية لمن يدفع اكثر ) . ولم يكتشف العراقيون وجود النفط ، بل اكتشفه الأوربيون إبّان تفكير ساستها وخبرائها بضرورة ايجاد البديل للفحم الحجري قبل قرن من الزمان . وهم يفكرون الآن بالتحرر من هذه الطاقة الاحفورية التي كانت احد اسباب التغير في المناخ ، وايجاد طاقة نظيفة . وبالإضافة الى استمرار الدولة في اختراع المزيد من الدوائر وتوظيف اعداد متزايدة من السكان فيها ، ومنحهم التقاعد في عمر محدد ، وتمكينهم من الاقتراض من بنك الإسكان ، وبناء الدور والأحياء السكنية التي كانت وراء توسع المدن العراقية : بالإضافة الى ذلك ، لعب تكثير النسل اللامُقيد في العراق : دوراً في توسع المدينة العراقية ، وفي زيادة عدد سكان العراق ، خلال اقل من نصف قرن ، من 12 مليون نسمة في احصاء عام 1977 الى اكثر من 45 مليون نسمة في أيامنا... 4 - ترافقت ولادة الجيل الاول والثاني من ابناء المهاجرين الى المدن مع تبلور ملامح الاقتصاد الريعي ، وسعي السلطات الملكية والجمهورية معاً الى بناء مؤسسات ثابتة : كالصحة والتعليم والتقاعد والشركات التابعة لوزارة النفط بعد القرار 80 ، ولكن الفشل كان حليف السعي لبناء مؤسسة للجيش والأمن ذات ولاء ثابت للدولة : نتيجة لاغتصاب الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية قبل 2003 ، ونتيجة لبروز مقولة الطائفية وتزوير الانتخابات بعد 2003 . وقد تطلب الطموح السياسي في بناء مؤسسات للدولة : توظيف اعداد كبيرة من العراقيين الحاصلين على شهادات التخرج الابتدائية والإعدادية والجامعية ، وكان العدد جاهزاً : اذ شكلت مجانية التعليم الدور الحاسم في حث المهاجرين الريفيين على ارسال اولادهم الى المدارس . فشكل الاولاد منذ أواسط خمسينيات القرن المنصرم ، عمود الطبقة الوسطى العراقية : فأغلبية الأطباء والمهندسين والضباط والمحامين وأصحاب الحرف والسياسيين والأدباء والفنانين هم من ابناء المهاجرين : الذين شكلوا ظاهرة ثقافية عراقية ، قادت وما زالت تقود دوائر الدولة والاحزاب والمنظمات والاتحادات والنقابات . ومنذ ذلك الوقت لم يعودوا ابناء ريف كآبائهم وأجدادهم : اذ ولدوا داخل المدن ودرسوا في اعدادياتها وجامعاتها ، وكان للمسرح والسينما والصحف والدعاية الحزبية التأثير الواضح عليهم ، وبرز منهم الشعراء والفنانون من الممثلين والمخرجين والرسامين ، بحيث لم يعد مفهوم الترييف يعبر عن حقيقة ما بجري على الارض ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ان مفهوم الترييف : مفهوماً عنصرياً / الجزء الثاني
-
في ان مفهوم الترييف : مفهوماً عنصرياً / الجزء الاول
-
ما يشبه السرد ( 5 )
-
ما يشبه السرد ( 4 )
-
عملاق الدهشة الشعبية
-
خطاب مقتدى الصدر الاخير
-
الأغاني وحدها
-
تكنولوجيا الرمال
-
عيد قوة العمل
-
اي انسداد سياسي هذا ؟
-
السؤال : كيف يمكن ايجاد حكومة متنورة
-
ما يشبه القص ( 3 )
-
ما يشبه القصة
-
قصة من قصص الف ليلة وليلة
-
الحرب الروسية الاوكرانية
-
لم استطع دخول حفلة أنغام .. فكتبت
-
عضلات ايران البالستية
-
آلهة البدو / الجزءالثاني / 5من 5
-
آلهة البدو الجزء الثاني ، 4 من 5
-
آلهة البدو : الجزء الثاني 3 من 5
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|