أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات الصبا..اضرابات عمالية .15.















المزيد.....


ذكريات الصبا..اضرابات عمالية .15.


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 7280 - 2022 / 6 / 15 - 22:24
المحور: الادب والفن
    


كانت الحياة اليومية في محلة الشواكة تسير بشكل هادئ و كانت العلاقات بين ساكنيها من مختلف المكوّنات وديّة تسودها المحبة و التعاون، و كان الشباب في ايام الصيف مشغولين بأنواع الرياضات و كانوا يشكّلون نوادي رياضية بكل الوسائل الممكنة و المقبولة ماديّاً و معنوياً . . فانشغلنا في ذلك الصيف بالسباحة، حيث تسجّلت في مسبح المعارف الكائن في حدائق معهد الفنون الجميلة، فكان عليّ كل صباح باكر ان استقل الباص الواصل بين ساحة الشهداء و باب المعظم ثم باص باب المعظم ـ راغبة خاتون لأصل الى معهد الفنون في الكسرة بالساعة السابعة صباحاً . .
ثم سجّلنا الوالد انا و محمود و كان معنا محمد ابن الجيران . . سجّلنا عند مدرّب سباحة في شريعة الشواكة (جرف و مرفأ البلاّمة و الزوارق النهرية في الشواكة)، كان مدرّباً ماهراً و حازماً و تعلّمنا السباحة على يده كما يقال بمساعدة كَرَبْ النخيل المُعدّ لذلك من كربتين اثنتين الى كربة واحدة و الى نصف كربة و الى السباحة الحرة دون معين و دون كرب . . و تعلّمنا طرقاً اخرى في السباحة درّبنا عليها بتبرعه و اثناء سباحته هناك، السباح الدولي (كريم النواب) اخو بطل مسابقات كابري ـ نابولي العالمية (بدري النواب)، الذي كان يُلقّب بـ (ابو هيف العراق) نسبة الى بطل السباحة العالمي السباح المصري (ابوهيف) آنذاك . .
و في تلك الشريعة كنّا نصيد السمك باكياس الجنفاص (الكواني) التي كنا نمسك الكيس كل اثنين من جانب و نخوض به مياه النهر و كنا نحصل على اسماك صغيرة قرشية، كان قسم منا يأخذها الى منزله لتربيتها و قسم آخر ينظفها و يأكلها بعد تمليحها و شويها عند الجرف او في البيت . . كانت رياضة ممتعة . . الاّ اني حرمت من الدراجة الهوائية في منطقة ضيّقة الطرقات التي كانت في اوسطها سواقي عريضة لمياه الصرف الصحي التي تزحلق الدراجة من جهة، لتأتي بعدها الشوارع العامة المليئة بسير انواع السيارات و الناقلات و بارصفتها المزدحمة بالناس عادة، من جهة اخرى . .
و انشغل والدي بالبحث عن مدرسة ابتدائية لأكمل الصف السادس المنتهي هناك، و بحث عن امكانية النقل من تطبيقات دار المعلمين الابتدائية النموذجية في الأعظمية الى مدرسة المنصور النموذجية المقابلة بحدائقها للاذاعة او الى مدرسة المأمونية النموذجية في الكرخ ـ الارضروملي في منطقة سينما قدري التي كانت تعمل فيها الست ام مهين الجارة المسيحية الطيبة الساكنة في دربونة الدفتري . . و لكن دون جدوى لأنها جميعاً كانت مزدحمة و لديها اعداد زائدة و لا تتمكن من قبول تلميذ غريب جديد من محلة اخرى في طرف بغداد الآخر . . الى ان حُلّت المشكلة بتدخل اسطه مهدي الكبابجي ! الذي كان يوصف بكونه اهم من المختار بسعة معارفه و اقاربه و محبيه، اضافة الى ثقة الناس به و علاقاته الحميمة في المنطقة . .
حيث اشار اسطة مهدي الكبابجي الى ان مدرسة الشواكة الابتدائية القريبة من سكننا، الى كونها مدرسة جيدة و مديرها و المعلمين من اهل المنطقة و معروفين بكونهم من الناس الطيبين و خاصة مديرها (عبد الرزاق خطّار) و المعاون الطيب (الأستاذ النجاتي) المعروفين بكونهم ديمقراطيين و (ابناء اصل) كما قال . . و فعلاً انتقلت الى مدرسة الشواكة . .
كانت المدرسة عبارة عن بيت شرقي قديم تملؤه الرطوبة، و على ضيقه كان الاصطفاف الصباحي اليومي يجري في الباحة الداخلية، اضافة الى استعراض الكشافة الاسبوعي ببوقهم الصباحي، و كانت في الباحة في طارمة مسقوفة هناك، منضدة كبيرة وفق القياسات الاصولية لكرة المنضدة. و كانت المدرسة تعجّ بأنواع النشاطات و يسير دوامها بانتظام رغم وجود مدرسة اخرى تشاركها نفس البناية و تجعل الدوام على مرحلتين، الدوام الصباحي و دوام بعد الظهر . . و كنت الاحظ الفرق الهائل بين مدرسة التطبيقات النموذجية في الاعظمية بحدائقها و مرسمها و مدرسة الشواكة، و كان يصيبني ذلك بالحزن، و بتساؤلات تدور عن لماذا أُجبرنا على الانتقال الذي كان و كأنه تهجيراً بالقوة من محلة بروابطها و اهلها و الاصدقاء الى محلة اخرى تماماً . . ؟؟
كنّا ننتظر بشوق درس النشيد و الموسيقى الذي تناوب عليه الملحّن الذي اشتهر في السنين اللاحقة (محمد جواد اموري) و الموسيقي (فكري بشير) ان لم تخني الذاكرة في اسمه الاول و هو اخو الموسيقار العراقي الشهير (منير بشير) . . حيث كانا يحاولان تدريبنا على سماع و تقليد الالحان و ضبطها، بعزفهما على الكمان مع الإنشاد و ان يكون الإنشاد متناغماً مع اللحن و الموسيقى . .
من جهة اخرى، حرص المعاون (الاستاذ النجاتي) و كان اكبر المعلمين سنّاً و وجهاً بارزاً للقائمة المهنية الديمقراطية للمعلمين . . حرص على التعرّف على كل طالب شخصياً و الطلب منه بمراجعته عند مواجهته في حالة اية صعوبة قد يواجهها . . و كان اهتمامه بالطلبة الفقراء و مساعدتهم بكل الوسائل الممكنة من الملابس الجيدة و الى الحقائب و الدفاتر، اضافة الى لهجته الابوية الحنونة و بحميمية كلامه في طرح المواضيع و التوجيهات . . كانت تقرّب عموم الطلاب منه و تجعلهم يحبوّنه و يعتبرونه اباً ثانياً و كان قسم يقدّسه و يطيع توجيهاته . .
و هنا مررت بموقف لم انسه في حياتي كطالب . . حيث جاءنا مطبّق في درس اللغة العربية عُرف عنه انه كان من المعلمين التقدميين الديمقراطيين . . كان حريصاً على افهامنا مايريد طرحه لنا كمعلّم و لو بالتهديد و الإستهزاء ممن لم يفهم ! و كان قد اعطانا موضوعاً عن (صيد الدرّاج) لكتابة موضوع إنشاء عنه . .
الاّ انه و كأنه صُعق من مواضيع الطلاب و صار عصبياً و صاح بنا :
ـ انتم اغبياء . . سرسرية !!!
شعرت بالإهانة و كأنه يوجه الشتيمة لي و اجبته :
ـ احنا لا اغبياء و لا سرسرية !!
ـ اغلق فمّك و اجلس في مكانك ! و كان و كأنه يتهيأ للهجوم عليّ او لضربي . .
لم اجلس و انما تركت الصف راكضاً الى غرفة المعاون (الاستاذ النجاتي) الذي تفاجأ بدخولي عليه دون استئذان و تفاجأ بمظهري و اصفرار وجهي و كنت الأول على الصف حينها، و قال :
ـ ادخل ابني . . شنو القصة ؟؟؟
و جاء المطبّق بعدي مباشرة و تفاجأ بإشارة الاستاذ النجاتي له بأن ينتظر و ان يعود الى الصف و طلب منيّ بهدوئه ان اقصّ عليه ماحدث . . و حدّثته بذلك و قال :
ـ ابني . . المعلم كالأب او كالأخ الكبير و على الطالب احترامه و اطاعته . .
ـ لم اسمع من ابي كهذا الكلام بحقيّ !
ـ ابني . . ابوك رجل محترم و طلابه الآن معلمين و كثير من المعلمين يتخذوه كقدوة لهم . . في سبيل كلمة و موقف عانى و يعاني من محاولة قتله من اشرار فاسدين الى حرقهم لبيتكم . . لا مجال للمقارنة. احنا وْلد هالمجتمع اللي بيه الطيب و بيه الشرير ابني، يعني هالاشرار و العنيفين و الانفعاليين هم ايضاً ولد مجتمعنا . . لانعرف عوائلهم و لا ظروفهم كيف ولدوا و كيف عاشوا و ماذا عانوا حتى صاروا ينادون بالتغيير و الثورة . . لا نعرف ما في داخلهم . .
ـ لكن يقولون عنه انه ديمقراطي ؟؟
ـ ابني ان يكون الإنسان ديمقراطي ليس بقراءة الكتب لوحدها . . التقدمية و الديمقراطية هي خُلق في التعامل مع الناس و الوقوف الى جانب الحق و العدل، الناس تحترم الديمقراطيين لأنهم يضحوّن بكل غالي و حتى بارواحهم في سبيل حرية الشعب و حياته الكريمة . . و لدينا في مجتمعنا الشرقي منبع الأديان، لدينا القرآن يعلّم على الخُلُق الفاضل، و رجال الدين الأفاضل المشهود لهم بالنزاهة و محبة الناس، تحبهم الناس و تطيع مايشيرون به، و هم غير رجال الدين من الذين يتاجرون بالدين للحصول على منافع انانية بالخداع او بالقوة و يقول تعالى في كتابه الكريم (وجادلهم بالتي هي احسن) و (لا إكراه في الدين) . . اضافة الى ماتعلّم به كتب النظريات و الفكر الإنساني التحرري . . لايكفي ان يُقال ان ذلك تقدمي او ديمقراطي بكلامه الاّ بالتجربة الحياتية معه و التعامل معه . . هسّه ابني تروح للصف و تعتذر من الأستاذ !
ـ لكني لم اخطأ ، هو المخطئ بشتائمه على طلابه !
و بعد صمت بدى عليه انه يقلّب افكاره قال الأستاذ النجاتي :
ـ ابني تروح هسه للبيت و من الغد تلتزم بالحضور و في حصة المطبّق تأتي اليّ لأذهب معك بهدوء و كأن شيئاً لم يحصل و تواصِلْ بالحضور للصف . . سلامي لوالدك ابني.
. . . . .
. . . . .
في فجر صباح احد الأيام سمعنا اصوات اطلاقات نارية تأتي من جهة الشط و لم نستطع تحديد مصدرها . . و خرجنا الى طريق المشاة الممتد على طول النهر و وجدنا ابرز وجوه المنطقة متجمعين هناك و يتبادلون الاحاديث عن اضراب عمّال السيكاير في معامل دخان عبود الواقعة في الكسرة في طريق يمتد بمحاذاة البلاط الملكي القديم . . و تبيّن ان عدداً من الحاضرين كانوا يتابعون احداث الإضراب و هم في نقاشات متنوعة :
ـ اضراب العمال هو للمطالبة برفع الأجور في معامل (حكومية) . . و هو حقهم الطبيعي وفق آليات عمل الإتحاد العام لنقابات العمال، لكن ان تصل الامور الى اطلاق الرصاص على العمال المضربين فهذه جريمة . . جريمة !!
ـ اطلاق الرصاص لم يبدأ اليوم . . بدأ منذ بضعة ايام و لكن كان اطلاق رصاص متفرّق و ليس كثيف كما يحدث اليوم . .
و قال الاستاذ ابو التمن :
ـ مرّ علينا في الشركة (الأستاذ عبد القادر اسماعيل) القيادي المعروف في الحزب الشيوعي، اثناء تفقده لمكتبة الأنوار التقدمية الشهيرة القريبة من الشركة، و التي يديرها الكادر (يعرب البراك)، اثر الهجوم الذي حصل عليها امس من عصابات تسببوا في حرقها و حرق مئات الكتب فيها، و قال اسماعيل ان اضراب عمالي بدأ قبل شهور في احد معامل النسيج في الكاظمية حيث كان العمال يطالبون بزيادة الأجور و تحسين اوضاع العمل و العطل و الضمان الصحي و ان يُعترف باللجان النقابية قانونياً لتلعب دورها، و هي مطالب عادلة، و انتشر الاضراب الى كل معامل النسيج هناك، الأمر الذي جنّن الزعيم عبد الكريم و امر الإنضباط العسكري بكسر الإضرابات بالقوة، و قد عملت اللجنة المحلية للحزب هناك على التفاهم مع العمال بإنهاء الاضرابات قبل ان تُكسر بالقوة، و وعدهم بأن الحزب سيتابع امر تحقيق مطالبهم بالتفاهم مع مكتب الزعيم و الحفاظ على العلاقة الطيبة معه من جهة، و التفاهم مع اصحاب المعامل من جهة اخرى . . فخلدوا الى الهدوء منتظرين تلبية مطاليبهم التي لم تنفّذ الى الآن، و تفاجأ الزعيم باندلاع اضراب عمال السيكاير و قرر ايقافه بالتهديد باستخدام القوة، الاّ انه لم يتوقف فارسل وحدات من الإنضباط العسكري لإنهائه بالرصاص، الاّ ان صمود العمال و مقاومتهم بالحجارة اطال الإضراب رغم سقوط عدد من العمال جرحى بسبب استخدام القوة . .
ـ لماذا لا يلبيّ الزعيم مطالب العمال ؟؟
ـ لأنه لايريد توسيع جبهة اعدائه كما شار له مستشاريه، لرفض اصحاب المعامل لتلك المطالب . .
ـ زين ليش مايعلن الحزب تضامنه مع مطالب العمال مباشرة او عبر نقابات العمال حيث نفوذه الكبير فيها خاصة و انه يعلن عن كونه (حزب الطبقة العاملة) ؟؟ يعني يجوز موسكو ترفض لأنها تؤيد الزعيم او بسبب سياسة خروشوف في التعايش السلمي و عدم تصعيد الصراعات الطبقية التي اقرها المؤتمر العشرون لحزبهم عام 1956 ؟؟ . . او لتشجيعهم العراق للانضمام الى منظمة دول عدم الإنحياز التي دعت لها و تقودها : يوغسلافيا تيتو، الهند انديرا غاندي، مصر عبد الناصر و التي اغضبت الغرب و خاصة الولايات المتحدة الأميركية . .
ـ بس موسكو شنو دَخَلْها ؟؟
ـ لأنها تقود الأحزاب الشيوعية في العالم . .
ـ بس مو الى هذا الحد . .
ـ احسن شئ سياسة الصين الشعبية التي تدعو الى تصعيد الصراع الطبقي ضد الرأسمالية الأميركية و الغربية في انحاء العالم . .
ـ الاسبوع الماضي جرت مظاهرة تندد بأميركا و عقوباتها و تهديداتها ضد يوغسلافيا الإشتراكية و ضد زعيمها تيتو، و كان اغلب المشاركين من الديمقراطيين و اليساريين و رفعوا شعارات تندد بأميركا و رددوا " كلنا تيتو . . كلنا تيتو !! " . . يعني اكو شيوعيين على خط تيتو ؟؟
ـ يعني احنا ربعنا على اية سياسة يسيرون ؟ السوفيتية او الصينية او التيتوية ؟؟
ـ السوفيتية . . لذلك يشاركون في مؤتمرات الاحزاب الشيوعية و العمالية في موسكو، الذي تقاطعه الصين و حزبها الشيوعي . .
ـ زين احنا شنو دخلنا بصراعاتهم ؟؟ نشكّل حزب عراقي للفقراء و يناضل من اجل حقوقهم، و شعبنا و شبابنا عندهم كل الطاقات لتحقيق اهداف على ذلك الطريق، و احسن امثلة على ذلك هو وعيهم و شجاعة نضالاتهم ضد الملكية و ضد الإقطاع و ضد الحرامية الكبار المتعاونين مع الإستعمار، و كانت اوسع الجماهير تؤيدهم و تشارك في نضالاتهم ان دعوا لها . .
ـ عزيزي ما تشوفون حدة الصراعات عندنا ؟؟ . . كل دعوة للتقدم و الحرية و الثقافة و المعرفة و الخير للبلاد و لأبنائها و بناتها تُواجه بالحديد و النار و القتل، في بلادنا الغنية بالثروات الارضية الطبيعية و بالزراعة و انتاج القمح و الخضار و المياه و بالشباب النشيط . . تواجه بالعنف من الدول الإستعمارية و دول الجوار اللي تتصارع بينها للإستحواذ على البلاد و تعمل بكل الطرق لتجنّد ناس و احزاب لها و تبث انواع الدعايات و الأراجيف و المخاوف على ادياننا و مذاهبنا بين شعب مضيّع فقير، تدنىّ وعيه بسبب افعالهم المشينة و بالقوة بتكريسهم للجهل و الفقر و المرض . .
الدعايات التي تحذّر من خطورة نشاط اي حزب ينحاز لقضية الفقراء بشكل جذري و يثلم عروشهم بل و يحرّضون على قتل ناشطيه و ملاحقتهم لكونهم كفّار و ملحدين و اباحيين، لكونهم يقفون ضد ارادة الله و رزقه لمن يشاء كما يدّعون ؟؟ . . و عندنا كبار الإقطاعيين و كبار ملاّك الارض و رؤساء العشائر يتحكّمون بمصير و ارواح الناس بإسم الدين و المذهب و اكثر من هذه تجد رؤساء عشائر نصّبوا انفسهم ملالي و ائمة دينيين على عشائرهم و عشائر جيرانهم و على اقوام بكاملها، وفق وثائق و شهادات مزوّرة مدفوعة الثمن بكونهم من سلالات انبياء و اولياء طاهرين و بكونهم ليسوا بشر و انما مقدّسين مرسلين من السماء . .
فأي حزب ينوي و يعمل على التغيير الثوري للمجتمع يحتاج الى من يساعده من احزاب و قوى وطنية داخلية و شخصيات اجتماعية لها نفوذها و مكانتها المحترمة في المجتمع، و من دول الجوار و العالم، ليؤمنوا له و لنشطائه المساعدة في نشاطاتهم، من اعلام و طباعة و نوع من الحماية و تأمين الهاربين من الملاحقات البوليسية، اضافة الى نشر اخبار عن حقيقة مايجري الى العالم و تحقيق تضامن احرار العالم معه، و الى تبادل تطورات الفكر و الخبرات، خاصة و ان هناك قوى ثورية تقدمية مثلنا في منطقتنا و في العالم . . و هي مساعدات متبادلة و ليست تبعية كما يفهمها قسم من الحزبيين و من الناس، بسبب قلة وعيهم و جهلهم و حتى البعض منهم صاروا قادة سياسيين من طامحين للشهرة و للمنافع الانانية . .
ـ في كل الاحوال احنا نضالنا انساني يهدف الى التحرر و الديمقراطية و بالتالي الإشتراكية و العدالة الإجتماعية و الى انهاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان . . لذلك احنا مع كل فكر و خط سياسي يمكن ان يحقق انتصار لبلادنا على ذلك الطريق، او ان يحقق الإنتصار للشعوب و للبشرية كي تخلق ظروفاً افضل لنجاح قضيتنا.
و كانت تلك النقاشات تستمر و تتواصل كل مساء في تقليب انواع الطروحات و الأفكار، و تتأسف على ضعف اهتمام الحزب الشيوعي بالاضرابات و القضايا العمالية و ضعف رعايته لها، لأنه سيضعف النضال من اجل الديمقراطية في البلاد و ضد تفرّد الزعيم عبد الكريم الذي يتزايد و الذي سيجعل منه دكتاتوراً . .
و قد اشار مؤرخون و سياسيون بعد سنين الى ان تذبذب سياسة الحزب الشيوعي ذو الجماهيرية و الشعبية الواسعة آنذاك . . تذبذبها بين تأييد الزعيم و بين الإنتقاد الخجول لسياساته و لإسلوبه في الحكم الذي ادىّ الى عدم او ضعف الوضوح لدى اوسع الأوساط الشعبية و الى ملاحقة و اعتقال المئات من ناشطي الاحزاب الوطنية، بضمنها حزبه و مناضليه الذين أُعدم عدد منها، و الى ان تلك السياسة المتذبذبة، بكونها كانت تعود الى الصراع في قيادة الحزب، بين التأييد الأعمى للزعيم و بين الدخول في صراع ضده . .
الصراع الذي ادىّ الى ابعاد سكرتيره العام سلام عادل عن مسرح الأحداث و الى طرح سياسة (كفاح تضامن) و ان المرحلة ليست مرحلة (لا) بالكامل و لا (نعم) بالكامل و انما مرحلة (النعم و اللا معاً) . . السياسة التي ادّت الى ضبابية الرؤيا بسبب صعوبة تقرير الـ لا و تقرير الـ نعم لقرارات الزعيم، ايّها لا و ايّها نعم !! في مجتمع و احزاب الخمسينات و الستينات و درجات معارفها و وعيها و درجات وعي و معرفة قياداتها آنذاك، في مناخ الحرب الباردة التي كانت تسود العالم، مناخ انتصرت فيه ثورات في اعداد متزايدة من دول المستعمرات، التي قام بها عسكريون او حركات كفاح مسلح، و التي كانت تتناقلها الإذاعات و تثير حماس الشعوب للنضال و العمل من اجل الخبز و الحرية و التقدم.
و اشاروا الى انه فيما ادّت تلك الضبابية الى النقاشات الحادة للتوصل الى الموقف الصحيح من الأحداث، داخل الحزب و النقابات . . فإنها ادّت الى تفاوت المواقف و اختلافها بين منظمات و اخرى على اساس ماهية المواقف الصحيحة التي كان يقررها ما كان يتحقق فعلاُ من مكاسب حقيقية على ارض الواقع للكادحين، بتقديرهم . . و لم تستطع قيادة الحزب ان توحّدها و كان لها نتائج متنوعة . .
منها تصاعد دور نقابات و منظمات بعينها في معارضة قرارات مكتب الزعيم و بالتالي اختلافها مع قيادة الحزب، على ارضية غلبة افكار كيفية تحقيق الجماهير الكادحة و الجنود لإنتصار ثورة اكتوبر الإشتراكية عام 1917 اثر ثورة شباط الديمقراطية في نفس العام، التي جعلوا من ثورة 14 تموز و كأنها ثورة شباط آنفة الذكر في روسيا و كأنما الامور ستجري ميكانيكياً كما جرت في روسيا القيصرية المترامية الأطراف و المتعددة القوميات و الثقافات، دون حساب الفروق في ظروف البلدين و واقع الشعب العراقي و الشعوب في روسيا القيصرية آنذاك. في وقت سعت فيه القوى القومية و البعثية الى محاولة قلب نظام حكم عبد الكريم بإنقلاب عسكري بدعم نظام عبد الناصر في القاهرة . .
و قد توضحّت سياسة الحزب بعدئذ اكثر و استطاعت ان تلف اعداد متزايدة من المنظمات حولها، اضافة الى تحسّن العلاقة مع النقابات العمالية، و الجمعيات الفلاحية التي بدأ يتنفذ فيها عدد من اغنياء الفلاحين . . اثر عودة سكرتيره العام سلام عادل الى لعب دوره، و عمله على تشكيل هيئة للاحزاب الوطنية و دعوته الى اللقاءات الدورية بينها لتحديد وجهة وطنية واسعة للإصلاح، تعمل على اساس سنّ دستور دائم للبلاد و البدء بالتحضير لإنتخابات وطنية . .
الدعوة التي لم تستجب لها الأحزاب سوى الجناح اليساري للحزب الوطني الديمقراطي ـ ناجي يوسف، و الحزب الديمقراطي الكردستاني، فيما ازداد تقرّب الاحزاب و القوى القومية و البعث من الدوائر المحيطة بالزعيم، في اجواء بدأت الناس فيها تحسّ بتجمع غربان و سحب سوداء على البلاد، اثر صدور قانون تأميم النفط رقم 80 . . (يتبع)

15 /6 / 2022 ، مهند البراك



#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع طوائف ام صراع طبقات ؟؟
- الصين، و آزوفستال يكشف !
- ذكريات الصبا..مجرمون و سياسيون .14.
- ذكريات الصبا..عباس شكاره .13.
- ذكريات الصبا ..الساطور! .12.
- الحرب في اوكرانيا . . و منطقتنا ! .4.
- الحرب في اوكرانيا . . و منطقتنا .3.
- الحرب في اوكرانيا و منطقتنا . . .2.
- الحرب في اوكرانيا . . و منطقتنا .1.
- ذكريات الصبا.. و حرقوا البيت! .11.
- ذكريات الصبا .. الإغتيال .10.
- ذكريات الصبا.عفا الله عما سلف.9.
- ذكريات الصبا..اعتداءات و آراء .8.
- ذكريات الصبا..زمن الاغتيالات .7.
- ذكريات الصبا..اعتداءات و تشريد .6.
- ذكريات الصبا..اول ايار 1959 .5.
- ذكريات الصبا.. ابو الهوب .4.
- ذكريات الصبا..الملا مصطفى .3.
- ذكريات الصبا الخال مزهر.2.
- ذكريات الصبا..14 تموز .1.


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند البراك - ذكريات الصبا..اضرابات عمالية .15.