|
الإعلام جزء من المشكلة.. والحل
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1677 - 2006 / 9 / 18 - 09:50
المحور:
الصحافة والاعلام
العلاقة بين الإرهاب والإعلام.. علاقة معقدة.. وتعقد هذه العلاقة نابع من عدد من العوامل. العامل الأول: أنه ليست هناك »أحادية إعلامية« إذا جاز التعبير، بل توجد »تعددية« هائلة، سواء من حيث تنوع »وسائل« الإعلام، مكتوبة ومسموعة ومرئية، أو من حيث تنوع »رسائل« كل من هذه الوسائل، وتنوع موقف هذا العدد الكبير من »الوسائل« و»الرسائل« من الظاهرة الإرهابية. حيث تختلف مواقفها من تعريف الإرهاب أصلاً، فما تعتبره هذه الصحيفة عملاً إرهابياً قد تنظر إليه صحيفة أخري علي أنه عمل من أعمال المقاومة الوطنية. وما تعتبره هذه القناة الفضائية دفاعاً عن النفس قد يكون في نظر قناة أخري عملاً من أعمال العدوان.. إلخ. العامل الثاني: التداخل بين وظيفة الاعلام في التغطية الخبرية والتحليلية للعمليات الإرهابية وبين الترويج المقصود أو غير المقصود للإرهابيين وأفكارهم (حتي من خلال نقد هؤلاء الأشخاص وتفنيد مقولاتهم وتسليط الضوء علي المسكوت عنه في أجنداتهم). العامل الثالث: أن جانباً رئيسياً من التأثير الذي يريد الإرهاب تحقيقه جانب إعلامي بالدرجة الأولي، أو ما يسمي بـ»دعاية العمل المباشر«. ولذلك تحرص المنظمات الإرهابية علي أن تكون لها علاقات مباشرة وغير مباشرة، وقنوات مفتوحة مع هذه أو تلك من وسائل الإعلام لتنشر من خلالها بياناتها وتفاصيل عملياتها، وشروطها في بعض الأحيان، وغير ذلك من صور الدعاية مثلما نري من حرص تنظيم القاعدة علي إذاعة رسائل كاسيت أو فيديو من خلال كبريات الفضائيات كالجزيرة مثلاً. أضف الي ذلك اختراق المنظمات الإرهابية لبعض وسائل الاعلام لبث دعاياتها بصورة غير مباشرة من خلال البرامج التحليلية والحوارية والدفاع عن »منطقها« بصور متعددة.. صريحة ومبطنة. ناهيك عن أن ثورة المعلومات أتاحت للمنظمات الإرهابية وسيلة ذهبية لم تكن متاحة من قبل، وهي شبكة الإنترنت التي استطاع الإرهابيون أن يصولوا ويجولوا فيها وينشئوا مئات بل وآلاف المواقع الالكترونية التي يبثون أفكارهم وأخبارهم من خلالها دون رقيب أو حسيب، دون حواجز أو حدود جغرافية أو سياسية، حيث أصبحت هذه الصحافة الالكترونية قادرة علي الوصول إلي سائر أنحاء الكرة الأرضية بالكلمة والصوت والصورة الفوتوغرافية وصورة الفيديو. العامل الرابع: إن استخدام الاعلام، واستغلال وسائله وكوادره ومجالاته ونفوذه، يصبح أكبر بكثير من كل ما سبق في حالة »إرهاب الدولة«. ففي هذه الحالة الأخيرة لا نكون بصدد محاولات »اختراق« أو »تسلل«، وإنما نكون إزاء توظيف مباشر، حتي للإعلام »المستقل« و»الخاص«، لأن من يقوم بالعمل الإرهابي هو الدولة ذاتها. وهذا ما رأينا تجلياته في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالذات بصورة كبيرة، وفظة، في معظم الأحيان. حيث دأبت معظم وسائل الاعلام علي تبرير كل فظائع إرهاب الدولة ومحاولة تزييف وعي الرأي العام وقلب الحقائق وخلط الأوراق ولوم الضحية وتبرئة الجاني. وقد ثبت مؤخراً أن بعض الدوائر الرسمية -وبالذات الإدارة الأمريكية- لم تتورع عن كتابة مقالات تبرر جرائم عمليات إرهاب الدولة التي تقوم ضد هذا الشعب أو ذاك، والدفع بهذه المقالات الي كتاب محليين، من أبناء هذا الشعب المضطهد الذي يتعرض لإرهاب الدولة، وحثهم علي نشرها في صحافتهم »الوطنية« موقعة بأسمائهم (مقابل مكافأة مالية بطبيعة الحال!). فإذا وضعنا في الاعتبار كذلك أن التعبئة الاعلامية حقيقة أساسية تعاني منها وسائل الاعلام في معظم الدول النامية والعالم الثالث، حيث أكثر من 80% من المادة الاعلامية هي بمثابة اعادة إنتاج لمواد »مستوردة« من دول »المركز«، فان لنا أن نتصور مدي قدرة الدول الكبري التي تمارس إرهاب الدولة -وبالذات الولايات المتحدة- علي استغلال الاعلام في محاولاتها المستميتة لتسويق عملياتها الإرهابية وتبييض وجهها. يضاف إلي ذلك أن هذه الدول الكبري لم تكتف بكل ما سبق وإنما لجأت في السنوات الأخيرة إلي إقامة فضائيات تليفزيونية موجهة إلي منطقتنا وتتحدث باللغة العربية لكي تضمن الاتصال المباشر بالناس (مثلما هو الحال بالنسبة لقناة الحرة التليفزيونية الامريكية ومن قبلها إذاعة »سوا« الأمريكية كذلك). بل إن وزارة الخارجية الأمريكية لم تتورع عن كشف النقاب عن برنامج ميزانيته بملايين الدولارات لدعم إعلام »صديق« لها في العالم العربي. وكل ما سبق يصب في خانة توفير إمكانيات هائلة للدفاع عن أحد أخطر أشكال الإرهاب، ألا وهو إرهاب الدولة. وفي ظل هذه الصورة العامة للعلاقة المتشابكة والملتبسة والمعقدة بين الإرهاب (سواء كان إرهاب الدولة أو إرهاب »قطاع خاص«) وبين الإعلام (سواء كان إعلاماً مكتوباً أو خاصاً) .. يمكن أن ننتقل إلي إلقاء نظرة سريعة الي »الحالة المصرية« لهذه العلاقة. وبهذا الصدد فاننا نستطيع أن نشير برؤوس أقلام إلي أمور تستحق الانتباه: أولاً: رغم أن »كل« وسائل الاعلام المصرية -علي تعدد وسائطها واختلاف أشكال ملكيتها- تتبني خطاباً يدين الإرهاب، فان هذه الإدانة يجب وضعها بين قوسين وبقدر كبير من التحفظات. ثانياً: الإدانة اللفظية السائدة ضد الإرهاب، كثيراً ما تأتي مشفوعة بشكل من أشكال الشماتة أو التبرير فإذا كانت العملية الإرهابية موجهة ضد أهداف غربية عموماً وأمريكية خصوصاً. مثلما حدث إبان عملية »11 سبتمبر 2001« رغم أن هذه العملية استهدفت مدنيين لا ناقة لهم ولا جمل وعلي الأرجح -في البلطجة التي تمارسها الإدارة الأمريكية ضد حركة التحرر الوطني العربية. ثالثاً: الإدانة السائدة ضد الإرهاب، عندما تكون الأهداف مصرية ويكون الضحايا مواطنون مصريون مدنيون عاديون مثلي ومثلك، نكتفي بالغضب والسخط وصب اللعنات علي رءوس الإرهابيين، دون أن نهتم بتحليل الظاهرة الإرهابية تحليلاً موضوعياً، والتنقيب عن جذورها ومنابعها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووضع خطط علي المدي القصير والمتوسط والبعيد لتجفيف هذه المنابع، عملاً بالقاعدة الذهبية القائلة: »إذا أردت التخلص من البعوض عليك تجفيف المستنقعات«. رابعاً: الإدانة السائدة في وسائل الاعلام المصرية ضد الإرهاب »تتعايش« -وربما في نفس وسيلة الاعلام الواحدة- مع خطاب متطرف يشجع علي خلق الإرهاب. وربما تكون الصفحات الدينية هي أحد المعاقل الأساسية لهذا الخطاب المشار إليه.. حيث تحفل هذه الصفحات بآراء و»فتاوي« ما أنزل الله بها من سلطان، تشيع في المجتمع مناخاً من التعصب والتزمت والتطرف وثقافة الكراهية، وهو مناخ يشكل أرضية خصبة لنمو طحالب الإرهاب. خامساً: الخلط السائد بين الدين والسياسة، بمناسبة ودون مناسبة وفي مجالات لا علاقة لها بالدين من قريب أو من بعيد، يؤدي -ضمن ما يؤدي- إلي الخلط بين ما يدخل في باب المقاومة الوطنية المشروعة وبين ما يندرج تحت خانة الإرهاب واستهداف المدنيين، وتحويل الصراعات السياسية إلي حروب دينية ومذهبية، وما ينجم عن ذلك من تأجيج نعرات متطرفة تزكي موجات الانتقام والعقاب الجماعي والقتل علي الهوية بصورة عشوائية دون تمييز. سادساً: مما سبق يكون من المسوغ أن نستنتج أن الاعلام جزء من المشكلة، ولذلك فإنه يكون -بالتبعية- جزء من الحل في المواجهة الشاملة مع الإرهاب وهذا لا يتأتي فقط بتلافي السلبيات الكثيرة التي أشرنا بسرعة إلي بعضها، وإنما أيضاً ببذل جهد منهجي للتصدي الشامل للظاهرة الإرهابية التي نتوقع ألا تنحسر في السنوات القادمة، بل نتوقع بالعكس أن تتعاظم لأسباب كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها. * ورقة مقدمة إلي مؤتمر »الأبعاد السياسية لتشريعات مكافحة الإرهاب« الذي نظمه برنامج دراسات وأبحاث الإرهاب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بالتعاون مع »مركز الجمهورية لدراسات مكافحة الإرهاب« يومي 12 و13 سبتمبر الجاري.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البقية في حياتكم!
-
سخافات بوش
-
الصحافة ليست قلة أدب .. وحملة الأقلام ليسوا شتامين
-
الانتماء والمواطنة: كلام جاد بعيداً عن الشعارات المستهلكة
-
»صاحبة الجلالة« حافية علي جسر من الذهب
-
مأساة -المواطن- أمجد حسين
-
رشيد يعيد الاعتبار لآليات رأسمالية القرن التاسع عشر!
-
هل ندافع عن لصوص الرغيف .. بسبب الدعم؟!
-
ماذا أنت فاعل يا وزير الثقافة؟
-
هل جامعات مصر عضو غريب في جسم يرفضه؟!
-
الفساد .. وسنينه 6
-
الفساد .. وسنينه 7
-
الفساد .. وسنينه 8-8
-
قطارات الموت
-
الفساد .. وسنينه 5
-
تحالف الاشتراكيين : إنجاز لمصر .. وليس لليسار فقط
-
الفساد .. وسنينه 2
-
الفساد .. وسنينه 3
-
الفساد .. وسنينه 4
-
التطبيع .. مع الفساد
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|