يسري حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1677 - 2006 / 9 / 18 - 09:50
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
وقف النقابيون البريطانيون ضد سياسات توني بلير رئيس الوزراء ,الذي دفع حزبه العمالي إلى غزو العراق وأفغانستان والتحالف مع الولايات المتحدة لتجويع الشعب الفلسطيني وإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر , لقصف لبنان والسعي لتدمير المقاومة في منطقة الجنوب .
وبعد أن إستقبل رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة نظيره البريطاني بحفاوة وترحيب , تظاهر ضده النقابيون البريطانيون , ورفعوا لافتات تطالب بخروجه من زعامة حزب العمال الحاكم ومعاقبته على سياسته التي إبتعدت عن مسار الحزب التاريخي خلال أكثر من مئة عام .
حزب ضد الإستعمار
والإستغلال
وحزب العمال البريطاني تاريخياً , يعبر عن الطبقة العاملة وتحالف النقابات التي تمول الحزب وتنفق عليه , من أجل إحداث التوازن الإجتماعي والإقتصادي مع حزب المحافظين , الذي يمثل الطبقة الرأسمالية ومُلاك الأراضي وأصحاب العقارات والإحتكارات والمضاربين في أسواق المال .
سعى منذ توليه زعامة الحزب , فك الإرتباط مع النقابات ومحاولة العثور على جهة أخرى تمول نشاط بعد وصوله إلى السلطة في عام 1997 . وكان اللورد < ليفي > هو الوسيلة التي إتجهت لتنظيم إحتفالات والعمل على جمع تبرعات , خصوصاً من الأثرياء اليهود لتمويل الحزب البريطاني الحاكم .
واللورد < ليفي > صهيوني قُح , لا يخفي تعاطفه مع مشروع الصهيونية العالمية في إسرائيل . وإقترابه من < بلير > كان المسئول عن تغيير إتجاه الريح لصالح تأييد حكومات إسرائيل من < شارون > إلى < أولمرت > .
تميزت السياسة الخارجية البريطانية تحت حكم < بلير > بتبني المشروع الإسرائيلي الذي يضمن الأمن الصهيوني على حساب الأماني الوطنية للشعب الفلسطيني . جاء حادث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ليعيد تشكيل الساحة الدولية في ما يسمى بالحرب على الإرهاب . إستثمرت إسرائيل المناخ الجديد الذي إنطلق مع حملة الرئيس الأمريكي جورج بوش .
وكان اللوبي الصهيوني في واشنطن وراء الإندفاع لغزو العراق للوصول إلى العالم العربي , ومحاولة تكوين رياح النظم الجديدة من هناك , في تأكيد لقبول إسرائيل وإنهاء العداء لها وتسوية الموضوع الفلسطيني , بسحق كافة المطالب المرتبطة بالمقاومة والمناعة لإنتشار المستوطنات والإستيلاء على القدس .
وبزغ نجم توني بلير في شكل التحالف الثلاثي بين واشنطن ولندن وإسرائيل لصوغ ما يسمى الشرق الأوسط الجديد , وترويج مشروع للديمقراطية بثوابت غريبة عليها , أولها قبول إسرائيل في المنطقة والتخلي عن كافة الطموحات القومية , مع تلاشي المطالب بشأن دولة فلسطينية ذات سيادة , بجانب الضغط على الأنظمة لتسريع وتيرة التنمية الرأسمالية الإستهلاكية , وتحويل العالم العربي إلى ساحة إستهلاك للبضائع الأمريكية .
تفكيك نهج
التنمية المستقلة
كان الشرط الأول لترويج هذا المخطط , هو تفكيك صروح صناعية إنطلقت في عصور التنمية المستقلة . وإشترطت الصيغة الجديدة التي يطرحها المشروع الأمريكي على إزالة الممانعة الإقتصادية , بإعتبار إنهيار أسس الإقتصاد الوطني المستقل , في عالم < العولمة > المتوحشة التي تكتسح العالم .
وقد عارض النقابيون البريطانيون كل هذه السياسات مع تبلور إتجاهات بدأت في المرحلة الثانية من حكم < بلير > وغزوه للعراق على وجه التحديد .
وجاء موقف الحكومة البريطانية من لبنان المتواطؤ مع واشنطن وإسرائيل , ليفجر الصمت , وطرح إتهامات لبلير نفسه بأنه متورط في القتل للمدنيين حيث سمحت الإدارة الأمريكية لإسرائيل , ودعمتهما لندن بإستمرار القصف والتدمير دون دعوى لوقف إطلاق النار .
وكانت وقائع مؤتمر إتحاد النقابات , الذي إنعقد في مدينة < برايتون > ساخنة , بعودة الوعي العمالي السياسي وحالة ثورته وهياجه على الرجل الذي سرق < حزب العمال > وحوله إلى آداة إستعمارية تشن الحروب والهجوم على الشعوب وتعطي الحركة الصهيونية الفاشية والإستيطانية , المخالب التي تنهش بها فلسطين ولبنان .
كان < بلير > سمح لطائرات أمريكية تجمل الصواريخ الذكية لضرب المقاومة , بالتوقف في مطارات إسكتلندا , للتزود بالوقود . ولم تعترض وزيرة الخارجية البريطانية مارجريت بيكيت , التي وقفت بطريقة سلبية مثيرة , ولم تتحرك على الإطلاق خلال الأزمة اللبنانية , وعبرت عن عدم إهتمام للقتل والنسف الذي شنته إسرائيل على الجنوب اللبناني وضاحية بيروت الجنوبية .
لقد إنتقم النقابيون البريطانيون من < بلير > . فقد تمت إهانته ورفع اللافتات التي تطالب بخروجه من زعامة الحزب والحكومة الأن قبل الغد . وكان قد أعلن تنحيه العام المقبل بعد زيادة الضغوط عليه من داخل حزبه نفسه .
وشهدت قاعة المؤتمرات في مدينة < برايتون > رفع اللافتات والملصقات التي تتهم < بلير > بأنه مجرم حرب ويديه ملوثة بدماء الأبرياء . وقرر وفد نقابة عمال السكك الحديد , الإنسحاب من قاعة المؤتمر عندما بدأ رئيس الوزراء إلقاء كلمته . وكان الخروج بهذا الشكل من الإحتجاج , إهانة أخرى للسياسي الذي أمر قواته بغزو العراق . وطالبت لافتات بخروج هذه القوات , غير أن < بلير > أكد أنها موجودة بطلب من حكومات منتخبة في أفغانستان والعراق .
وكان الإحتجاج ضد < بلير > يؤكد على مدى وعي الحركة النقابية البريطانية وأنها لا تنظر فقط إلى مصالحها , وإنما لها رؤية للعالم ترفض الحروب والإستعمار وإستنزاف الشعوب الأخرى .
كتلة لصالح
الديمقراطية الحقيقية
وإتحاد النقابات العمالية كتلة ديمقراطية , حقيقية وتمثل وسيلة ضغط على الحكومات اليمينية , التي تتمكن من الوصول إلى السلطة وتفرض سياسات معادية للشعوب .
والنضال العربي الديمقراطي مُطالب بالنشاط في هذه الدائرة وحشد الأنصار والتعامل مع النقابات لشرح خطورة الحل الرأسمالي الإستعماري على أمن الشعوب وإستقلالها وتنميتها المستقلة , بعيداً عن دوائر الإستغلال والنهب والإستيطان .
وكانت < برايتون > خلال إنعقاد مؤتمر النقابات العمالية حافلة بالأعلام الفلسطينية واللبنانية والملصقات المنددة ببلير وبوش وأولمرت .
وإذا كانت < بيروت > الحكومية رحبت بتوني بلير , فأن < برايتون > العمالية رفضته وأهانته وتظاهرت ضده , وإنسحبت وفود لنقابات عندما بدأ يُلقي كلمته .
وقد تعرض < بلير > للتجريح خلال نقاش معه حول تخليه عن ثوابت حزب العمال ودعمه للمشروع الرأسمالي وقيامه ببيع القطاع العام على حساب معاناة الأيدي العاملة وبرنامج حزب العمال نفسه , الذي كان رائداً في تنمية الإقتصاد الذي يخدم رفاهية المجتمع . والرأسمالية المتوحشة , لا تبني المجتمعات وإنما ترهقها وتزيد الأرباح والمال في يد فئة قليلة بينما الأغلبية تعاني البؤس وتدني الخدمات الإجتماعية وتفشي الأمراض من جوع وإدمان وتدهور عام .
لقد تظاهر النقابيون البريطانيون في < برايتون > ضد الإستعمار الجديد , وحملوا اللافتات المنددة بسياسة الإحتلال والقتل التي تتم في العراق وبما جرى في سجن < أبو غريب > , وما يحدث في معتقل < جوانتانامو > والعدوان بالقتل المتعمد في غزة وبيروت والجنوب اللبناني .
والحركة النقابية البريطانية تقدمية المنحى , لا تنظر إلى عرق أو دين , ولا تتورط فيما يقال عن الحرب الدينية وصدام الحضارات والصراع بين الشرق والغرب . إنها حركة ديمقراطية ضد التمييز والإستغلال وتصدير الإستعمار إلى الشعوب للهيمنة عليها , مرة بحجة تحديثها ومرة أخرى بشعار تطبيق الديمقراطية ! .
شهدت < برايتون > هبٌة جديدة للوعي الإنساني ضد حملات الإستعمار بزخم الموقف الواضح والإنحياز إلى الحق والديمقراطية غير المزيفة التي لا يعرفها بوش وبلير وأولمرت .
إن الغرب ليس كتلى واحدة , وبريطانيا ليست < توني بلير > وإنما تشمل على تيارات إنسانية واعية لدورها وتعمل على وقف الجنون الإستعماري الجديد ورفع < لافتات > الحق ضد الظلم من محور الشر في لندن وواشنطن وإسرائيل .
#يسري_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟