|
تعزيز نرجسيتنا بفلاتر الجمال الرقمي
شهد السويدي
باحثة و كاتبة
(Shahad Al-suwaidi)
الحوار المتمدن-العدد: 7277 - 2022 / 6 / 12 - 17:52
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
تعزيز الأنا العليا بفلاتر الجمال الرقمي
"كن جميلاً ترى الوجود جميلاً" إيليا ابو ماضي
عند بزوغ عصر العولمة باستخدام اجهزة الحاسوب كان هناك تطبيقات تم وضعها كألعاب نمارسها على صورنا او صور الأصدقاء عند المزاح و الضحك كاستخدام أُذن أرنب او وضع قطعة بيتزا على الوجه والخ من الملصقات اللطيفة التي توقظ احاسيسنا الطفولية بالجمال. و بعد فرض الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي خلال العامين المنصرمين واستخدامنا بصورة مكثفة للتطبيقات الرقمية كأسلوب حياة نجد أنفسنا في حالة تركيز مكثف على أشكالنا ووضع قائمة امنيات بالتغييرات التي نود أحداثها لا من اجل ان نصبح نسخة اخرى من احد المشاهير كما كان في السابق بل تحول الأمر إلى أن نصبح نسخة من أنفسنا بعد استخدام الفلاتر و التعديلات فاقدين بذلك أصالة أنفسنا وذواتنا الفريدة. فنجد كم هائل من التطبيقات التي صنعت خصيصاً لمساعدتنا على اختيار نسخة أفضل من أشكالنا على ارض الواقع (الانستغرام،السناب،الخ) . ابتدا الامر بمزحة والآن اصبح واجب علينا كغسل اليدين قبل الطعام ! فلا بد لنا من اضافة تعديل هنا وفلتر هناك لنحصل على صورة مختلفة تماماً نفضلها على أنفسنا غير مبالين بعواقب تلك الجراحة التجميلية الرقمية التي خضعنا لها عن طيب خاطر على صحتنا النفسية والعقلية.
ان مقاييس الجمال شانها شان كل ما في هذا الكون من قوانين وموجودات ابعد ما تكون عن الاستاتيكية فهي دائماً في حالة من الحركة الدائمة لتأتي وتذهب محافظةً على استمرارية العجلة بالدوران والتي لن تتوقف سواء كنا موجودين ام لا . ولكي نخضع لتلك المقاييس التي اصطفيناها لانفسنا فلا بد من تطبيق مجموعة من الشروط التي توفرها لنا تلك التطبيقات المجانية من بشرة ناعمة ذات لون موحد ويفضل ان تكون فاتحة وعظام وجنتان عاليتان و عيون قطة كبيرة وأنف صغير وشفاه ممتلئه ورموش طويلة بشكل لا يوصف. وهي معايير جمال أوروبية صرفة تجعلنا في حالة من التشوش باختلال بوصلة المعايير التي يدعونا اليها صناع القرار لخلق قرية عالمية واحدة بازالة السمات العرقية التقليدية من اجل الوصول لإجماع يسعنا معه استعادة شعورنا بالطمأنينة حسب ما يصورون !
فيشير علماء النفس الى ان الامر غير ضار في البداية لكن الاستمرار به يؤدي الى حدوث فجوة بين ذواتنا الحقيقة والذات المثالية المحسنة فتزداد فرص تطور المخاوف نتيجة استنزاف احترام الذات وتشويه صورة الجسد مما يؤدي إلى سلسلة من الاضطرابات العقلية مثل القلق و الاكتئاب والوسواس التي تنتهي بالإصابة ب"الديسمورفوبيا" اي عدم إعجاب الشخص بنفسه أبداً ومحاولة اللجوء دائماً لعمليات التجميل خصوصاً لدى المراهقين .
فنرى الشكل الخارجي لنا جميل ولا يشوبه شائبة ولكن شعورنا الداخلي محطم لابتعادنا عن ذواتنا الحقيقية بعد ان نسينا انه لا يوجد أصلاً شي اسمه جمال او قبح في ذاته ،فالأشياء لا تحتوي على جزيئات في تكوينها الوجودي والبنائي و المادي اسمه جمال او قبح ولسنا مضطرين ان نتفق مع هذه الأحكام للإقرار بعقلانيتها ،ذلك ان مكانة الجمال باعتباره قيمة مطلقة( اي اننا نسعى إليه لذاته) امر مشكوك فيه اصلاً، باعتبارنا كائنات مفكرة فلا نستطيع أن نتغافل عن الطبيعة المراوغة لمفهوم الجمال. فالجمال البشري سمة من سمات المظهر و ليس الوجود حيث انه يستحضر الذات المتعالية امام اعيننا فتكون في متناولها ويؤثر فينا على غرار تأثير المقدسات فينا ،كشئ يسهل تدنيسه ويصعب امتلاكه ، بالتالي وبدلاً من ان يكون لكل منا وجهاً يرتديه لتعزيز غرورنا اليس من الأفضل أن نقدم الحب للوجه الذي نملكه الآن ؟! قد نتمكن يوماً ما من استخراج تمثال اصلي لهيلين من أرض طروادة فنتفاجئ بامرأة قبيحة أقيمت الحروب واريقت انهار الدماء في سبيلها. كذلك لا نستطيع أن ننكر جمال الرباعية الثانية للموسيقار "جاناسيك" ، واوبرا "تريستان وازولد" لفاجنر، ونتمنى أن نرى المرأة التي كانت سر لالهام هذين المبدعين بأعمالهم التي تحمل شهادة لا شك فيها على جمالهما، فننصدم عندما نرى الصورة الحقيقة ل"كاميلا شتوسلوفا" و "ماتيلدا يزيندونك" مثال لبشاعة المظهر ورثاثة الهيئة طبقاً لمعاييرنا الجمالية. يقول ميخائيل نعيمة : “يقولون إن الحب أعمى, و ذاك خطأ. بل الحب مبصر, و لكنه يرى بعين الجمال فيرى كل شيء جميلاً. لذاك كان الحب خلاصة الحياة. فمتى أحب الناسُ الناسَ تقلصت عنهم كل ظلال الشناعة فرأوا كل ما فيهم جميلاً. و متى رأى الناس كل ما فيهم جميلاً عرفوا الحب. و متى عرفوا الحب عرفوا الحياة.”
#شهد_السويدي (هاشتاغ)
Shahad_Al-suwaidi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأثير بائعات الجسد على الدبلوماسية الفيكتورية
-
ثلاثة كلمات سحرية لتهدئة شخص يحتضر
-
أسطورة الغربان ومذاهب الأديان
-
فقاعة الحلم الأمريكي
-
فقاعة الحريم المغولي
-
فقاعة (الحريم العثماني)
-
هل نحن عبيد البروباغندا؟!
-
مراجعة كتاب (اقنعة جنسية)
-
من غرس بذرة انعدام المساواة بين البشر؟
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|