|
الأخلاق والإيمان في فلسفة محمد عزيز الحبابي
محمد الجلالي
الحوار المتمدن-العدد: 7276 - 2022 / 6 / 11 - 04:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدتي رئيسة الجلسة العلمية أستاذي أحمد بوعود أساتذتي الأجلاء أيها الحضور الكريم إنه لمن دواعي سروري أن أحظى بشرف المشاركة في تقديم كتاب "الأخلاق والإيمان في فلسفة محمد عزيز الحبابي" لمؤلفه الدكتور أحمد بوعود، الذي وقف من خلاله على تصور الفيلسوف محمد عزيز الحبابي للأخلاق ومقاربة علاقتها بالإيمان، إلى جانب تقييم الواقع الأخلاقي المعاصر، بحثاً عن حلول لأزمات الإنسان المعاصرة، وذلك من خلال إجراء حوار شيق وبناء بين مجموعة من النصوص تنتمي إلى مجالات معرفية مُختلفة كالفلسفة والدين والأدب والتاريخ. إن الورقة التي سأقدمها لن تكون عبارة عن سرد لمضامين المؤلف أو تمحيصاً دقيقاً في منهجيته بقدر كا هي مناسبة للتفكير والتفاكر؛ أي للتفاعل حول مجموعة من الأسئلة التي تؤرقنا جميعا عن وعي أو غير وعي بالنظر إلى ارتباطنا بالإنسانية من جهة وإلى انهجاسنا بالقضايا التربوية والأخلاقية من جهة أخرى. لذلك سأحاول ما أمكن الوقوف على المجهود المحمود الذي بذله الدكتور أحمد بوعود لاستنطاق النصوص الفلسفية للحبابي في ترابطها مع نصوص أخرى، استعان بها لتحقيق أهداف بحثه. سأنطلق في هذه الورقة المُختصرة من قصة أعتبرها بمثابة الدرر المبثوثة في كل تضاعيف هذا الكتاب وهي قصة "الحكيم والحفيد"، تقول القصة: قال الحكيم لحفيده اليوم سوف أخبرك عن حقيقة من حقائق الحياة. فقال له الحفيد أسمعك يا جدي فقال الحكيم في نفس كل شخص تدور معركة ضارية هي أشبه بمعركة بين ذئبين أحد الذئاب: يُمثل الشر، الحسد، الغيرة، الأنانية، الكذب. هز الحفيد رأسه وقال " والآخر؟". فقال الجد "الآخر يُمثل: الخير، والسلام، والحب، والحقيقة، والإخلاص، والصدق...إلى غير ذلك من الخصال الإيجابية...". تأثر الطفل بهذه الكلمات وفهمها رغم صعوبتها، وبعد تأمل وتفكير سأل جده: في النهاية أي ذئب ينتصر؟؟؟ ابتسم الجد وقال:" دائما ينتصر ذلك الذئب الذي أنت تطعمه وتغذيه". إذا غذيت الشر غلب الشر وإذا غذيت الخير غلب الخير فالذي تزرعه تحصده... لماذا هذه القصة؟ وما علاقتها بما كتبه الدكتور أحمد بوعود؟ ما نستشفه من هذه القصة البليغة الأهمية هو أن التربية الأخلاقية تُعد مدخلاً أساسياً لبناء المجتمع الخير الذي تسود فيه الفضيلة على مستوى النظر والعمل. يمثل الذئب الأول في سياقنا هذا الأزمات الأخلاقية التي يشهدها المجتمع المعاصر والتي حددها الأستاذ بوعود توسطاً بما كتبه الحبابي في ثلاثة مظاهر أساسية وهي: أولاً: انتشار الكذب خاصة ما سماه الحبابي الكذب السياسي الذي تكون له نتائج وخيمة على العلاقات بين الدول. ثانياً: انتشار الأنانية وما يرافقها من نزعات مرتبطة بالغيرة والحسد وتبخيس ما يمتلكه الآخر على حساب ما تنفرد به الذات. ثالثا: تفاقم مُعضلة المُزاحمة وتناقضها مع قيم الغيرية القائمة على التشارك في الخيرات المادية والرمزية. فهل نحن هنا أمام خطاب الأزمة أم أزمة للخطاب؟ نحن في الحقيقة في مواجهتهما معاً على اعتبار أن هناك نزوع مبالغ فيه إلى ترويج خطاب المصلحة والمنفعة في التعامل مع العالم/ وهذا ما يؤكده حضور البعد المادي الاستهلاكي في ممارسات الأفراد وفي خطاباتهم/ حيث تُعطى القيمة لما هو مادي استهلاكي على حساب ما هو رمزي روحي. وهذا ينم في حقيقة عن تهافت الخطاب الغربي حول حقوق الإنسان سواء تعلق الأمر بخطاب اليمين أو بخطاب اليسار. بينما يُمثل الذئب الثاني: الإنسان المنشود أو المأمول الذي يرمي إليه هذا الكتاب على صغر حجمه؛ أي ذلك الإنسان الذي يتأرجح سلوكه بين أخلاق العقل ونور الإيمان، وهو ما نلمسه في إحالات الدكتور بوعود التي تتوزع على الفلسفة والدين، لذلك يصح لنا أن نسميه سفير التقريب بين العديد من الحقوق المعرفية. لكن قبل الشروع في تقديم مضامين الكتاب، لابد من تسجيل بعض الملاحظات: أولا: ينبغي الإشارة إلى أن هذا العمل من الأبحاث الفلسفية النادرة التي تناولت فلسفة محمد عزيز الحبابي بالدراسة والتحليل في كتاب مُستقل. ثانيا: للأستاذ أحمد بوعود قدرة عظيمة على تبسيط المفاهيم الفلسفية وجعلها في متناول القارئ العادي والمُتخصص على حد سواء. ثالثاً: يستحق هذ العمل أن يكون من بين الكتب الموازية لتدريس مادة الفلسفة بحكم تضمنه لمادة خصبة من شأنها أن تُساعد المدرسيين على تجويد ممارستهم الفصلية، خاصة بالنسبة للسنة الثانية باكالوريا في مجزوءة الأخلاق ومجزوءة الوضع البشري. وتجدر الإشارة إلى أن هذ الكتاب يتشكل من: فصلين متكاملين إلى جانب مقدمة ومدخل تعريفي: حدد الدكتور بوعود في المُقدمة الإطار النظري للبحث وإشكاليته وأهدافه وأهميته كما أشار إلى خطة البحث، مُحترماً بذلك الأعراف المعمول بها في التأليف الأكاديمي. ووقف في المدخل التعريفي على مفهوم الأخلاقي مُستعينا بالعديد من المعاجم اللغوية والفلسفية، وظل وفياً بذلك لروح الفلسفة القائمة على الاشتغال بالمفاهيم. تناول في الفصل الأول: النقد الأخلاقي للمجتمع المعاصر، حيث انطلق من تعريف مفهوم الأزمة مُستعينا بأطروحات العديد من الفلاسفة كإدغار موران في كتابه إلى أين يسير العالم، وانتقل لتحليل مظاهر الأزمات الأخلاقية، كالكذب والأنانية والمُزاحمة، لينتهي إلى الوقوف سلبيات الحلين الليبرالي والاشتراكي لتجاوز هذه الأزمات، مُبرزاً أهمية أطروحة الغدية بوصفها فلسفة تبحث عن معنى الحياة من أجل إعادة الإنسان إلى منزلته الصحيحة، حتى يظفر بالحقوق التي يستحقها؛ فالغدية كونية وتهم الجميع في حين أن المستقبلية تهم البعض. تطرق في الفصل الثاني إلى الأخلاق والإيمان؛ حيث انطلق من تعريف مفهومي الوحي والإيمان، حيث ربط الإيمان بالفعل وبالممارسة استنادا إلى نصوص فلسفية ودينية، إذ يرتبط الإيمان ارتباطاً وثيقا بالعبادة، وهو الأمر الذي يقتضي اتباع طريق الوحي، الذي يعتبره الحبابي ثورة تغيير تتوخى الأفضل، إذ على الرغم من ارتباط الوحي بإطار تاريخي معين إلا أنه يسعى إلى الشمولية والكونية. بعد ذلك انتقل الباحث إلى إبراز أهمية الشهادة في تأسيس العلاقة مع الغير مُنتهياً إلى محورية مسألة الكرامة في الحكم على قيمة الوجود الإنساني. بعد ذلك وقف الأستاذ بوعود على موقف التيار العقلاني من الإيمان وأبزر حدوده وكشف تناقضاته، التي تتعارض من حيث الشكل والمضمون مع الطاقات الأخلاقية للإسلام، الذي يعتبره الحبابي الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه التفاعلات بين الأفراد، على اعتبار أن الإسلام قد أحدث في الإنسان ثورة حيث نقلهم من حالة الجور والحقد والتخلف إلى وضعية السلم والتعايش والتضامن...وهي القيم التي أُعجب لها مالكوم إكس الذي غير الإسلام من نظرته لذاته ونظرته للآخرين. بعد هذه الرحلة الشيقة في الحقول الفكرية لفلسفة الحبابي وغيره ختم الأستاذ بوعود عمله بخلاصة أشار فيها إلى أهم النقط التي تعرض لها بالدراسة والتحليل في هذا العمل.
#محمد_الجلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسفة الطفل ورهان بناء مجتمع المواطنة
-
الفلسفة السياسية النسوية ورهان المواطنة الكاملة
-
من نظام الإنسان إلى نظام الأشياء: قراءة في أعمال جون بودريار
-
المريض بالسيدا بين الإندماج والتهميش
-
المعرفة والسلطة في تصور ميشيل فوكو
-
من الفعل الإجتماعي إلى الفعل الإستهلاكي
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|