أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عقولٌ نقيّة … قلوبٌ نظيفة














المزيد.....

عقولٌ نقيّة … قلوبٌ نظيفة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7273 - 2022 / 6 / 8 - 15:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


شابٌّ محترم قرّر مكافأة جارتِه السيدة الطيبة التي قامت على تربيته ورعايته بعد رحيل والدته، فحجز لها "رحلةَ عُمرة" وأوصلها إلى المطار بنفسه، ثم عاد واستقبلها في المطار بعد عودتها بسلامة الله من الأراضي المقدسة. ماذا نقولُ في هذا التصرف الرقيق؟ نقول إنه شابٌّ مباركٌ ابنُ أصول حافظٌ للجميل، وسوف يجازيه اللهُ خيرًا على تصرفه النبيل. لكنه خبرٌ عادي يتكرر كثيرًا في مجتمعنا الطيب. حسنًا، ماذا لو أضفنا معلومةً صغيرةً إلى الخبر السابق: "هذا الشابُّ مسيحيّ”. هنا سوف نتوقفُ، ثم نُنصتُ إلى صمتنا، وقد أخذتنا الدهشة! السؤالُ هنا: هل علينا الدهشةُ حقًّا؟! هل نندهشُ لأن سيدةً مسلمة قامت برعاية طفلٍ مسيحيٍّ رحلتْ عنه أمُّه؟ ثم نندهشُ لأن الطفل بعدما كبُرَ قدَّم لأمّه الثانية رحلةَ عمرة إلى بيت الله الحرام؟ الدهشةُ تعني أن بداخلنا شيئًا ليس على ما يُرام. لأن اندهاشَك من سلوك ما يعني أنه "نادرُ الحدوث"، أو أنك ما كنت لتفعله لو تيسر لك. نحن أمام سيدةٍ طيبة نقية العقل نظيفة القلب قامت بما يجب أن تقوم به أمٌّ صالحة، وشابٍّ طيب نقيِّ العقل نظيف القلب قام بما يجبُ أن يقوم به ابنٌ صالح. الأمرُ طبيعيٌّ، والدهشةُ لا محلّ لها من الإعراب. هكذا يجبُ أن يكون جميعُ الناس في مجتمع نظيفٍ خالٍ من المراهقات العنصرية والأدران الطائفية.
الشخصُ المؤمن بحق، يؤمنُ بعقيدته ولا ينزعجُ من إيمان الآخرين بعقائدهم المختلفة عن عقيدته. أذكرُ أنني كلما سافرتُ إلى لبنان كنتُ أشتري هديةً لأمي الروحية الفاضلة: "آنجيل غطاس"، الموجّهة بالتعليم. الهدية هي تمثالٌ صغير للسيدة العذراء أشتريه من كنيسة سيدة لبنان "الأم حريصا"، وهو المزار المريميّ الأكبر في الشرق الأوسط، يحجُّ إليه السياحُ من جميع أنحاء العالم على اختلاف عقائدهم للتبرّك بالأم البتول المقدسة سيدة نساء العالمين. وكذلك أذكر أن أكبرَ مصحف في بيتي أهدته لي والدة "دميانة" الشهيدة المسيحية التي اغتالت طفولتها يدُ الإرهاب السوداء في تفجير الكنيسة البطرسية في ١١ ديسمبر ٢٠١٦. هل تصدقون هذا؟ في أربعين الصبية الشهيدة اتّصل بي عمُّها ليُخبرني بأن الشهيدة الجميلة تودُّ أن تُهديني هديةً قيّمةً في أربعينها، وتدعوني أن أحضرَ ذكرى الأربعين، مثلما حضرتُ جِنازها ووقفتُ أمام نعشِها الأبيض الذي استقبله أهلُها وأقرباؤها وأصدقاؤها بالزغاريد والورود البيضاء والشموع. وحين قدّمت لي أمُّ الشهيدة "دميانة" مصحفًا ضخمًا أنيقًا مع صورة ابنتها، جرى الدمعُ من عيني، وارتبك الكلامُ فوق لساني، وعرفتُ أن حبيّ لأقباط مصر المسيحيين لم يكن من فراغ. فكيف لك ألا تحبَّ بشرًا يعالجون القسوةَ بالرحمة، ويداوون الإرهاب بالمحبة والمغفرة؟!
يومها أحببتُ أن أختبر فِطنةَ قرائي وحُسن حدسهم قبل أن أخبرهم بالهدية الثمينة التي أهدتني إياها الشهيدة "دميانة" يوم أربعينها، فكتبتُ على صفحتي أن يخمّن القراءُ ما تلك الهدية؟! وهالني إبداعُ القراء. كثيرون قد أحسنوا التخمين، وعرفوا الهدية، وكثيرون اقترحوا هدايا أخرى جميلة: كراسة من كراسات دميانة في المدرسة، أو خصلة من جديلتها، أو مِزقة من الثوب الذي صعدت روحُها الطيبة فيه إلى السماء، أو الكتاب المقدس مع القرآن الكريم، أو لعبة من لعب دميانة الطفلة الجميلة التي صدّعتها شظايا الغدر وهي لم تُكمل عامَها الرابع عشر، أو صورة لي مع دميانة، لم تُلتقَط أبدًا. وبعد وصول التخمينات إلى ألف تخمين جميل، نشرتُ صورة الهدية: مصحفٌ فخمٌ مُذهَّبٌ هائلُ الحجم، مع كلمة قلتُ فيها: لعلّ قرائي يعرفون اليومَ لماذا أحبُّ أشقائي المسيحيين حبًّا جمًّا، وأعتزُّ بهم وأفرح بوجودي معهم على أرض مصر، ووجودهم معنا. لعلّ الجميع يعرفون لماذا أُثمّن إثراءهم مصرَ بفيض غزير من الحب والغفران والتسامح ومقابلة البغضاء بالحب، والعداء بالسلام، والرصاص بالغفران ثم بالمباركة والصلاة من أجل الُمسيء. لعلّ الجميعَ يعرفون اليومَ لماذا أعايدهم فِي أفراحهم، وسأظل أُعايدهم في بيوتهم وفِي كنائسهم، من أجل فرحي أنا، لا من أجل فرحهم وحسب. ذاك أن فرحهم لن يزيد بوجودي، أو ينقص بغيابي. أواسيهم في مآسيهم، وسأظل أواسيهم في بيوتهم وفِي كنائسهم، من أجل راحة قلبي أنا، لا من أجل راحتهم. ذاك أن راحتَهم لن تزيد بوجودي، ولن تنقص بغيابي. سأظل أشهد لهم بالفضل عليّ في تعليمي طفلةً صغيرة في مدارسهم وعلى يد مُعلّميهم المتحضرين. وأشهد لهم بالفضل عليّ فِي تطبيبي واهنةً عليلةً في مشافيهم على يد أطبائهم الأمناء وممرضاتهم الراهبات ملائكة النور والبياض.
“الدينُ لله والوطنُ لأنقياء الوطن".
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحلةُ المقدّسةُ في أرضِ مصرَ
- هنا السُّليْمانية … الكُردية ... البهيّة1
- صلاح منتصر … هل قلتُ لكَ: أحبُّك؟!
- -ملك سيام- … عهدٌ من -صبحي- ... واجبُ النفاذ!
- أبناء الشيخ زايد … في عيون مصر
- ذكرى شهدائنا الأقباط في ليبيا
- مَن قتل شهداءَنا في شرق القناة؟
- صوتي في مسلسل -الاختيار-
- مسيحيون ...يغنّون لعيد الفطر
- هدايا/رسائلُ الرئيس السيسي في إفطار الأسرة المصرية
- أسبوع الآلام... وأسبوعُ الأعياد
- هؤلاءِ كلُّ مَن أحببتُ!
- السحورُ على شرف النسيج المصري
- نجدلُ من السَّعفِ تاجًا للوطن
- تشويهُ حائطٍ … بكلماتٍ عظيمة!
- الإفطارُ الرمضاني على المائدة الإنجيلية
- الأُسطى إسلام … عظمةُ امرأة مصرية
- رمضان كريم … والهدرُ غيرُ كريم
- رمضان كريم … في بلادي الجميلة
- الرئيس السيسي: المرأةُ المصرية … مفتاحُ حياة


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عقولٌ نقيّة … قلوبٌ نظيفة