كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1677 - 2006 / 9 / 18 - 09:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كرس الأخ الأستاذ الدكتور منذر الفضل مقالاً بعنوان " فيدرالية الوسط والجنوب من الحقوق الدستورية في العراق" نشر على موقع "صوت العراق" الإلكروني. وقد قدم الكاتب استعراضاً للمناقشات التي تمت خلال الفترة التي سبقت سقوط النظام حول النظام الفيدرالي وحول السياسات الاستبدادية والقمعية التي مارسها النظام ضد الشعب الكردي وضد سكان الوسط والجنوب من العرب, إضافة إلى الكرد الفيلية, وهم جزء من الأمة الكردية أو الشعب الكردي في كردستان العراق. وإذ كنت حاضراً مؤتمر بيروت وكنت رئيساً للجنة مناقشة وصياغة القرارات السياسية للمؤتمر من جهة, ودعيت إلى مؤتمر مستقبل التنمية في العراق حتى العام 2020 ورفضت الحضور وقدمت رسالة في حينها إلى الأخ الدكتور صلاح الشيخلي أشير فيها إلى أهمية البحث في تعاون القوى السياسية لإسقاط النظام الدكتاتوري في العراق, بدلاً من انتظار قيام القوى الدولية بذلك, وبدلاً من البحث في مستقبل الاقتصاد العراقي في العام 2020, من جهة أخرى, وإطلاعي على الكثير من المناقشات الخاصة بالدستور وبالمواقف إزاء فيدرالية الوسط والجنوب والفيدرالية لكردستانية, وجدت مناسباً أن أحاور الدكتور منذر الفضل بشأن مقاله الذي يدعو بحرارة منقطعة النظير إلى إقامة فيدراليتي الوسط والجنوب, وتقريباً اتهم من يقف ضد هذا المشروع فهو إما أن يكون من معسكر صدام حسين أو معسكر السنة العرب أو ما شاكل ذلك. في مقال الدكتور الفضل الكثير من القضايا التي تستوجب الحوار.
ابتداءً أرى ضرورياً الفصل في الحوار بين مبدأ قيام عراق فيدرالي يحق فيه للشعبين العربي والكردي إقامة فيدراليتين, ومن ثم وجود حكومة اتحادية للدولة العراقية من جهة, وبين إقامة فيدراليات على أساس طائفي سياسي من خلال تقسيم المنطقة العربية والعرب إلى شيعة وسنة من جهة ثانية. وإذ أؤيد بقوة مبدأ الفيدرالية والعراق الاتحادي وحق العرب والكرد في إقامة فيدراليتين وحكومة اتحادية ومجلسين وطنيين ومجلس اتحادي في بغداد, لا أجد أي مبرر, رغم كل الظلم الذي وقع على الشيعة, ولم ينج منه السنة بطبيعة الحال, إذ أن النظام الدموي في العراق كان ضد كل من يقف ضده حتى لو كانت أمه.
لا شك لدي في أن لكل إنسان الحق في أن يلتزم بأي موقف أو سياسة يقدر أنها صائبة ومفيدة للوطن. وإذ لا أجد أي مبرر للحوار مع الدكتور الفضل حول فيدرالية كردستان, إذ أن المناداة بها بدأ في العام 1939, وأن الشعب الكردي وبقية الشعوب القاطنة في كردستان لها الحق في إقامة فيدرالية كردستان, كما لها الحق في تقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة, وهو أبعد من الفيدرالية, إن شاء الشعب الكردي ذلك, فأن من غير المفهوم إصرار الدكتور منذر الفضل على قيام فيدرالية خاصة بالجنوب وأخرى في الوسط وعلى أساس طائفي, شاء ذلك أم أبى, أعترف بذلك أم رفض الاعتراف به, وهو الذي يقف كما أعرف ضد الطائفية السياسية بقوة, وهو موقف سليم, حتى أنه حصد كراهية الطائفيين من أهل الشيعة, وربما الطائفيين من أهل السنة أيضاً.
وبودي مسبقاً أن أحدد بعض الملاحظات العامة قبل الخوض بحوار مكثف, ومنها:
1. لا أحد يشكك بصواب فكرة الفيدرالية والنظام الفيدرالي في العراق, وقد كرسه الدستور العراقي الجديد ولست ممن يريد تغيير هذه المادة, بل أؤكد وأناضل من أجل بقائها. ولكن يمكن قراءة المادة الدستورية وتفسيرها وفق أسس مختلفة وقواعد مختلفة يفترض أن تتجلى بقانون مناسب للمجتمع العراقي.
2. ليس من يقف ضد فيدراليات الوسط والجنوب يا مولانا هو من أتباع النظام السابق, فهناك كثرة كاثرة من الناس ترفض إقامة فيدراليات على أساس طائفي سياسي, وأنت كنت في موقع أدرى بذلك.
3. وليس كل رافضي الفيدرالية قي الجنوب والوسط هم يا أخي من أهل السنة فقط, بل هناك كثرة كاثرة من أهل الشيعة, إضافة إلى القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية العربية وغير العربية, هي الأخرى ترفض إقامة فيدراليات على أساس مذهبي سياسي.
4. من الصائب حين أن في العراق قوميات أو شعوب عديدة, وليس هذا باكتشاف جديد, ولكن ليس من الصائب أن تقول من الخطأ استعمال مصطلح الشعب العراقي. يمكنك استخدام الشعوب العراقية, ويمكنك استخدام الشعب العراقي في مواقع غير قليلة سياسياً واجتماعياً وليس في ذلك أي خلل, ما دمت تعرف وتقر من حيث المبدأ بوجود قوميات (شعوب) عدة في العراق ولها حقوق. ولو عدت إلى السادة المسؤولين في كردستان العراق لوجدتهم يستخدمون الشعب الكردي كما يستخدمون الشعب العراقي. ولو عدت إلى الأستاذ مام جلال الطالباني, رئيس الجمهورية العراقية الاتحادية, ولو عدت إلى الأستاذ مسعود البارزاني, رئيس إقليم كردستان, لوجدتهما يستخدمان وبمناسبات كثيرة الشعب العراقي, ولدي الكثير من الوثائق التي تؤكد ذلك, وهو بحكم المجاز الصائب, فهل هما مخطئان أيضاً أم أنهما لا يحملان المصطلحات السياسية ما تريد تحميله. لا يجوز المغالاة في الأمور وتثبيت الحقائق لا خلاف عليه. وقبل أيام تحدث شخص آخر عن الشعب الصابئي, في حين نحن نعرف أن الصابئة يؤكدون كونهم عرب, وأنهم أصحاب دين آخر وليس قومية أخرى.
5. لم يشكك أحد بعروبة العشائر العراقية ولم يشكك أحد بوطنيتهم العراقية, ولكن حديثنا يا سيدي الفاضل عن الهوية المذهبية والطائفية السياسية السائدة حالياً في العراق والتي وصلت رائحتها النتنة إلى عنان السماء, والتطهير الديني والطائفي في الجنوب وغير الجنوب والوسط قائم على قدم وساق, بل القتل على الهوية يا سيدي الفاضل. وهو جزء من التحضير لفيدرالية الوسط والجنوب أيها الأخ الكريم!
6. أدرك جيداً بأن الدكتور غسان العطية حين طرح مشروع الفيدراليات التسعة كان يريد تجاوز الجانب الطائفي ويمزج في فيدرالياته بين مناطق أكثرية سكانها من السنة ومناطق أكثرية سكانها من الشيعة, وهو أكثر رجاحة وعقلانية من مشروع السيد عبد العزيز الحكيم الذي تؤيده بحرارة في مقالتك المشار إليها في أعلاه دون أن تذكر اسمه, فهو مشروع طائفي سياسي واضح المعالم لا يقبل اللبس والإبهام حتى لو قلت لنا بأنك ضد المفهوم الطائفي للفيدرالية, إذ أنك تؤيد مثل هذه الفيدرالية وتدافع عنها دون أن تسميها باسمها الفعلي الذي يسعى إليه حزب "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" الذي يتزعمه السيد عبد العزيز الحكيم. إنه مشروع يسعى إلى إقامة فيدرالية شيعية في تسع محافظات وفيدرالية سنية في بقية المحافظات العربية, فهل تسعى أنت إلى ذلك أيضاً, رغم أنك تقول بأنك ضد الفيدرالية الطائفية.
7. لم تطرح قضية فيدرالية الجنوب ولم تقر من قبل مؤتمر المعارضة في بيروت في العام 1991, رغم وجود سيطرة إسلامية شيعية على المؤتمر في حينها ولم تقر أيضاً. ولكن الحوارات حولها كانت موجودة من قبل بعض الأوساط السياسية الإسلامية الشيعية فيما بعد أو حتى قبل ذاك.
8. إن احترامي لقوميتي العربية ومطالبتي بحقوقها كاملة غير منقوصة هو الذي منحني طاقة الاحترام والتأييد الكامل لحقوق الشعب الكردي ومطالبتي بمنحهم حق تقرير المصير بما فيه حق الانفصال وتشكيل دولتهم الوطنية المستقلة على أرض كردستان. ومن هنا تنشأ المبدئية في مواجهة مشاريع تقسيم العرب إلى سنة وشيعة رغم الفجوة المتسعة حالياً بينهما بسبب النشطات الطائفية المقيتة التي مارستها النظم السابقة في هذا المجال وعلينا ردم الفجوة لا تكريسها. ومشروع السيد الحكيم يريد تكريس ذلك شئنا أم أبينا.
لم يكن العراق يوماً ما ملكاً لدين أو طائفة دينية دون غيرها, بل هو ملك الشعوب القاطنة فيه, رغم أن بعض النخب السياسية قد هيمنت على العراق بقسيمة الكردستاني والعربي لسنوات طويلة وتحدثت باسم القومية العربية والطائفة السياسية دون غيرهما, ولكنها أذاقت الشعب العراقي كله بكل قومياته, مر العذاب والموت والحرمان. ورغم أن تلك النخب الحاكمة في ظل النظم الاستبدادية والرجعية قد اضطهدت الشعب الكردي واضطهدت عرب الوسط والجنوب من أتباع المذهب الشيعي طويلاً وكثيراً, إلا أنها لم ترحم الناس الطيبين والغالبية العظمى من أتباع المذهب السني في العراق, لأنها كانت سلطة فردية شمولية ونظام دكتاتوري عفن يكره ويصفي كل من يقف ضده بغض النظر عن قوميته ودينه ومذهبه وعشيرته أو حتى قرابته. ويبدو لكل ذي عقل حصيف وعاطفة دافئة على مستقبل العراق إن هذا الشعب العراقي (أرجو أن لا أتهم بأني ضد الشعب الكردي أو أني مخطئ بهذه التسمية حسب القاعدة التي تريد تكريسها ورفض المرونة حتى على الكرد) قد كره ورفض تلك السياسات القومية الشوفينية والعنصرية أو السياسات الطائفية المقيتة التي تميز بين المواطنين على أساس القومية والدين والمذهب, وأنه يتطلع إلى ممارسة سياسات أخرى تؤمن بحق المواطنة لكل العراقيين, لأن الدين يا سيدي لله والوطن للجميع. ولهذا فمن غير المعقول أن يتحول العراق من اضطهاد طائفي باتجاه معين من قبل نخبة جائرة إلى اضطهاد طائفي باتجاه آخر ومن نخبة أخرى تريد ممارسة الجور أيضاً رغم الادعاء بغير ذلك. إذ أن مثل هذه السياسات ستقود إلى تأجيج الصراع الطائفي بين المذاهب الإسلامية القائمة ليدمر البلاد كلها دون أي وعي وشعور بالمسؤولية الوطنية على العراق الجديد الذي تصور ويأمل الكثيرون أن يكون وطناً للجميع دون استثناء.
السؤال الذي يفترض الإجابة عنه هو: هل نسعى إلى إقامة فيدرالية طائفية في العراق تمارس سياسة طائفية مقيتة, كما فعل صدام حسين ورهطه عقوداً عديدة, وكما فعل نوري السعيد ورهطه في سنوات العهد الملكي أيضاً ولكن بمقاييس أقل مما فعله صدام حسين, وهو ما لا تقبل به ولا تريده, أم أنك ستسعى إلى التعاون مع كل القوى السياسية الديمقراطية والعلمانية واللبرالية التي تريد خلق أجواء جديدة في هذا العراق, الذي ما يزال مستباحاً دماً ودموعاً ومالاً, لبناء عراق خال من الطائفية السياسية والتمييز بين أتباع المذاهب الأخرى وخال من ممارسة سياسة العداء لأتباع الأديان الأخرى؟
أعرف أنك لا تريد ذلك, كما في أحادثنا الخاصة, ولكن ما تدعو إليه علناً وتبشر به يوصلنا إلى ذلك, وهو جار اليوم على أوسع نطاق ممكن. أنا وأنت نريد الثاني, إضافة إلى قيام فيدرالية كردستانية لأنها تمس شعباً أخر هو الشعب الكردي ومعه قوميات أخرى في كردستان, وتمس إقليماً آخر هو إقليم كردستان.
إن توزيع السلطات إلى فيدرالية جنوبية وأخرى وسط سيجعل هاتين الفيدراليتين أساساً لصراع طائفي مقيت لا في العراق وحده, بل على صعيد المنطقة بأسرها. فسوف لن تكف إيران عن الهيمنة على فيدرالية الجنوب, وليس لهذه علاقة بوطنية أو عروبة العشائر العربية, وأوضاع البصرة الحزينة والمستباحة تؤكد ذلك لكل ذي بصيرة وبصر, كما أن السعودية وغيرها من قوى الإسلام السياسي السنية في العالم العربي لن تكف عن التدخل في شؤون هذه الفيدرالية لتجعل منها قاعدة للصراع المذهبي, وهي الآن كذلك, فكيف بنا عندما تصبح السلطة في هذه المنطقة بيد تلك القوى الطائفية السياسية.
إن مبدأ الفيدرالية سليم جداً وهو نظام لتوزيع السلطات الثلاث عمودياً, كما أنه يتيح مجالاً لممارسة الحقوق على أفضل وجه ممكن, ولكنه لا يقوم على أساس طائفي كما يسعى إليه السيد عبد العزيز الحكيم, إذ حتى بعض القوى الإسلامية السياسية الشيعية ترفضه, وربما ترفض مبدأ الفدرالية أصلاً, كما في حالة آية الله الحسني البغدادي الذي حاورته يوم أمس. ومن هنا جاء تقديري الذي تحاورت به معك عبر فضائية كرد سات منذ فترة طويلة ورفضت قيام ثلاث فيدراليات ودعوت إلى فيدراليتين كردستانية ورافدينية أو عربيةإذ أرى إنها الأفضل, في حين أنك تبنيت كما تبنى المسؤولون الكرد مسألة ثلاث فيدراليات. أدرك حقيقة الموقف, ولكن ورغم ما تشعر به من احتمال تكاتف العرب الشوفينيين والإسلاميين السياسيين المتطرفين ضد الكرد في مثل هذه الحالة, في حين أن الوقت قد تغير وتكرست حقوق جديدة وواقعية للشعب الكردي يستحيل انتزاعها, إن سلكنا السياسات السليمة دفاعاً عن حقوق الكرد وعن وحدتهم الوطنية, وكذلك دفاعاً عن وحدة العرب وحقوقهم على أساس وطني وليس على أساس طائفي.
15/9/2006 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟