أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مجدي مهني أمين - المؤمن ثقيل الظل














المزيد.....


المؤمن ثقيل الظل


مجدي مهني أمين

الحوار المتمدن-العدد: 7269 - 2022 / 6 / 4 - 00:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يتناول إنجيل لوقا الإصحاح 18، النص التالي:
9 وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرِينَ هذَا الْمَثَلَ: 10"إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالآخَرُ عَشَّارٌ. 11أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. 12أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. 13وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلًا: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ. 14أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ."

وهنا نجد أن يسوع قد استخدم هذا المَثَل ليخاطب حالة التفاخر التي يشعر بها بعض القوم الذين يتفاخرون أنهم أبرار، وطبعا في تفاخرهم يتصورن غيرهم خطاة، وأشرار، وكفار، "ومش هيوردوا على جنة."

وقد جاء المَثَل صادما، خاصة لمَن يسمعونه وقتها؛ فاليهود بشكل عام يتصورون أنهم شعب الله المختار، والفريسيون بشكل خاص قد كانوا فئة متشددة في المحافظة على شريعة موسى واتباع كافة الطقوس والشعائر بدقة شديدة. وفي المقابل، يتناول المَثَل شخص العشّار الخاطئ، والعشَّارون كانوا فئة من الناس تعمل في ذلك الوقت لحساب الرومان في جمع الضرائب من الناس، والأمر لا يمنع بما لهم من سلطة من جمع المزيد لضمان ما يخصهم، وبالتالي فهم فئة مرفوضة من المجتمع. ويضع المَثًل النقيضين معا أمام الهيكل يتعبدان لله، وهنا تكون النتيجة الصادمة؛ فالعشَّار هو مَن يعود إلى بيته مبررا بسبب توبته، بينما يعود الفريسي كما جاء، يعود متفاخرا، لم يعطِ شيئا، ولم يأخذ شيئا.

الفريسي في هذا المَثل يجسد صورة "المؤمن ثقيل الظل؛" تفاخره يجعله قصير النظر، لا يرى إلا ظواهر الأشياء، لا يرى الإمكانية في أن يكون أمام العشَّار طريقا جديدا ملئ بالأمل، بل جعله لا يرى طريقه هو المغلق، كان شخصًا منكفئا على نفسه، " كان شخصًا ثقيل الظل."

إذن فالمؤمن ثقيل الظل موجود منذ القِدَم، نراه أيضا في هذا الهندوسي، جودسي، الذي قتل غاندي، فقد اعتبر جودسي مواقف غاندي المتصالحة والمتسامحة مع الأقلية المسلمة في الهند بمثابة خيانة للوطن، وقد حكمت المحكمة على جودسي بالإعدام بعد عام من اغتياله المهاتما غاندي، ثم تظهر مؤخرا مجموعة من الهندوس المتشددين يحاولون تكريم جودسي وتصويره على أنه كان وطنيا.

التشدد هو هو كل مرة، "والمؤمن ثقيل الظل" هو هو كل مرة، نفس الأفعال، نفس التعالي والتفاخر، ونفس الجُرم والأذى، نحن نراهم كل يوم، نراهم في صفعة الصيدلي لنيفين، التي كان يحاول من خلالها أن يفرض رأيه للصورة التي يجب أن تكون عليها المرأة في رمضان، نراهم في مشاعرهم الغليظة وهم يرفضون الترحم على شيرين أبو عاقلة، تلك الفتاة التي أعطت حياتها لقضيتها بلا هوادة، نراهم في اعتداءاتهم على أولادنا مَن كانوا يحرسون آلة رفع المياه التي تروي سيناء الحبيبة.

• نعم، قد تكون أفعالهم أكثر قسوة من تصرفات "إنسان ثقيل الظل"؛ بدرجة تجعل الوصف لا يتناسب كثيرا مع أفعالهم.

ولكن هناك العديد من نقاط التلاقي، فكلاهما عابس، وكلاهما يتصرف بطريقة تعكر صفونا، عن قصد أو بدون قصد، والمؤكد أن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد؛ صفو الناس وعدم صفوهم مسالة لا تخص "المؤمن ثقيل الظل."
وكثيرا ما نجد هذا "المؤمن ثقيل الظل" في كل زمان ومكان، يتصرف بهذا الغلو وفي تصوره أنه يحمي الدين والعقيدة التي ينتمي إليها، وأن أفعاله المؤذية لغيره، هي أفعال صالحة، هو الذي يباركها فتصبح مباركة، وقد يجد حوله من يباركها له؛ فتصبح أفعاله مباركة أكثر وأكثر، يستقي صوت ضميره ممن حوله، أكثر من أن يستقيه من أعماق نفس صافية، لذا لو نسأله أو نسألهم:
• هل تشعر بسلام مع النفس؟

• هل أنت متصالح مع الحياة والناس؟
• ماذا تقول للناس كي يتبعوك؟
• أين النور في كل ما تعمل؟
هنا قد يرتبك، وقد يردد كلاما محفوظا لا يعبِّر عن فهم مكتمل ولا عن قلب محب، فمن حاولوا اغتيال نجيب محفوظ أو فرج فودة لم يكونوا قد قرأوا لهما، ومن شجعوهم على قتلهما لم يكونوا قادرين على مجاراتهما ولا على مناقشة أفكارهما، أي أننا أمام قلوب مغلقة، وعقول تفتقد البصيرة، وأفكار غير ملهِمَة، وأفعال تفتقد النور، هم محاصرون بأجواء تجعل كل منهم ينتمي لفئة "مؤمن ثقيل الظِل."
ولكن الأمر لا يخلو من بعض ضوء، الأمل في المراجعة، مراجعة القلب واستبصار الطريق، هكذا فعل العشَّار، ألقى بنفسه بين يدي الله يلتمس المغفرة، وسار في طريق جديد، هم ليسوا أقل شأنا من العشَّار، أبواب السماء تظل دائما مفتوحة، فربما يعود كل منهم من طريق العشَّار، يعود بلا أثقال "مؤمنا خفيف الظل"، بدل البقاء في مربع الفريسي "المؤمن ثقيل الظل."



#مجدي_مهني_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصيدلي المتشدد والعمل الإرهابي في سيناء
- دون مزايدة
- عَيِّلة تايهة يا ولاد الحلال
- أبونا عيروط، إصلاح الخطاب الديني
- يا أهل المحبة
- نبيل صموئيل: المصلح المسالم
- المستشارة تهاني الجبالي
- شريف منير وحكاية فيلم -ريش-
- طفلة بني مزار
- صناعة الإسفاف والعنف
- هل يمكن للطبيعة الإنسانية أن تحقق اليوتوبيا
- ليتورجيا الاحتجاج
- عندما تسعى الدولة كي تسلم تيران وصنافير لدولة أخرى مجاورة
- كيف نخرج من حالة -شبه الدولة- التي يتحدث عنها الرئيس؟
- حتى لا نكون سوريا وليبيا والعراق مثلما يقولون دائما
- خالد يوسف والرمز الأوحد
- وطن يبحث عن قُبلة الحياة
- الآباء الكبار
- فتاة المول، ضحية غياب الاحترام وانتهاك الخصوصية
- قوائم الشهداء الانتخابية


المزيد.....




- حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو ...
- الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر ...
- أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام ...
- اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع ...
- شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه ...
- تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال ...
- مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
- تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
- بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مجدي مهني أمين - المؤمن ثقيل الظل