|
موت ثقافة التغيير .. لا مثقف جماهري ولا مثقف نخبوي
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7268 - 2022 / 6 / 3 - 16:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثقافة قضية ، والمثقف صاحبها . ومن دون قضية لا مثقف . فعندما كانت القضية مطروحة ، كان المثقفون كثيرون ، ومن منابر أيديولوجية مختلفة . وبما ان المثقفين يساريون ، كانت الثقافة يسارية الأصل ، لان اليساريين من يعنون بالثقافة من اجل نصرة القضية .. لكن عندما ماتت القضية ، مات المثقف ، ولم يبق لا مثقف نخبوي ، ولا اخر جماهيري . وبقدرة قادر ارتمى الكل والجميع في أحضان النظام ، يدافع ، ويطبل ، ويزمر لمشروعه الرجعي ، الذي حاربه بالأمس البعيد ، وحتى القريب .. وكل هذا التحول المفاجئ ، كان بفتح الصنابر Les robinets ، لإطعام من كان يتظاهر بالمثقف اللصيق بالثقافة القضية ، ومقابل دريهمات وسخة . حتى عندما تمت تعريتهم عن حقيقتهم ، تخلى عنهم النظام البتريركي ، البتريومونيالي ، الكمبرادوري ، الاثوقراطي ، الثيوقراطي ، والرعوي الذي يكره الثقافة ، ويكره المثقفين الذين اصبحوا رعايا ، من مجد تبخر منذ عشرين سنة مضت . فالبحث في المسالة الثقافية اذن ، لا يمكن ان يكون خصبا ومجديا ، دون ربط المسالة الثقافية بخلفياتها الاقتصادوية ، والاجتماعوية ، من حيث ان هذه المسألة كانت مرتبطة باليسار عامة ، من حيث تكوينه ، وتاريخه ، وعلاقاته بمحيطه القريب والبعيد . وهو اليوم الذي يعيش ازمة ذات ، ونكوص ، حولته الى مجرد عنوان دال على فترة ومرحلة سابقة . فالثقافة كانت مرتبطة باليسار ، وبتشتيت اليسار، تكون الثقافة قد ماتت بموت مثقف اليسار . فمن منا ينسى كتابات المثقفين التي شغلت الساحة الثقافية في الخمسينات ، والستينات ، والسبعينات من القرن الماضي .. ومن مدينة الانوار باريس Paris بالأخص . ان المشكلات المستعصية التي تواجهها الثقافة التي تروم التغيير ، هي في الجزء الأكبر منها ، تتعلق بالنظام السلطاني الاركاييكي Archaïque المحافظ ، الذي يكره الثقافة ، ويكره المثقفين . لان أصول تفكيره مزاجية ، وليست ثقافية . كما تتعلق بطبيعة السلطة القائمة ، من حيث هي مؤسسة قائمة ، لها آليات وضوابط قهرية ، جبرية ، وهياكل قمعية زجرية .. ومن حيث هي سياسات مخزنية نافدة ، وممارسات جارية في مجتمع تحول مثقفوه ، وبالشراء بأموال الشعب ، الى مجرد رعايا ممتازين Des supers sujets .. ان الجزء الأكبر من المشكلات المستعصية ، التي تواجهها الثقافة الحقيقية ، ثقافة القضية التي تروم التغيير ، هو طبيعة السلطة القائمة على القهر ، والاستبداد ، والاضطهاد الثقافي ، والتي تحتكر وسائل ترويج المنتجات الثقافية ، من وسائل اعلام ( صحافة تلفزة .. ) ، ودور نشر . ومن مدرسة تجعلها في خدمتها ، بما تسنه من مناهج ، وتنفده من خطط ، تحكم على كل الرعايا بالأمية والجهل الغارقة فيه . ومن ثم تقصيها من هذه المنتجات ، مما يجعل الرعايا تلوذ بثقافة سلطانية مخزنية قروسطوية ، تجد فيها أجوبة ( صحيحة ) على ما يطرحه عليها المجتمع والحياة . وهنا فان النظام السلطاني ، المخزنولوجي ، القروسطوي الغارق في التقاليد المرعية ، يروج لثقافة جامدة بالية ، تمزج في عجين فاسد هلامي ، بين التقليد والحداثة . فتنهل الرعايا من موروث تقليدي يشرعن الطغيان ، والاستبداد ، والجهل ، ويقصي العقل ، ويجعل من الطاعة والخضوع La soumission ، سيدة الفضائل السلطانية .. كما تنهل من حداثة مثقوبة لزجة ، تقوم على ثقافة استهلاكية مشوهة ، تمجد التقنية ، وتحتقر الانسان والتاريخ . وتقدم هذه الثقافة نفسها ، على انها أصولية خالدة ، وازلية ، غير مرتبطة لا بالمجتمع ، ولا بالتاريخ . وهي تعادي التغيير الذي تعتبره شذوذا عن الحالة الطبيعية . انها ثقافة السلطان اللاّثقافة ، التي تبرر الجمود ، والاتكالية ، والتعلق بالإهذاب الشريفة ، مع الركوع والخضوع للمراسيم الفريدة ، تبريرا للوضع القائم الذي تضفي عليه قداسة زائفة ومغشوشة . وحتى نلم جيدا بالوضع الثقافي ، لا بد من ابداء ملاحظات سريعة حول المثقفين بشكل عام ، الى جرد لاهم التطورات التي عرفها المثقفون منذ بداية استقلال Aix-les- bains الشكلي ، الذي رهن المغرب بيد فرنسا ، ووكلاء ، وعملاء الاستعمار ، وتصفية المقاومة وجيش التحرير . وهي نفس القناعة متولدة لجبهة البوليساريو ، عندما ترفض اية وحدة مع النظام السلطاني المخزنولوجي .. 1 ) موقع المثقفين في العلاقات الاجتماعية عموما ، وعلاقات الإنتاج خصوصا ، لفهم مواقفهم ، ودورهم في حركية المجتمع : ان المثقف يمثل احد قطبي التناقض في قسمة العمل الاجتماعي . قطب العمل الذهني ، في مقابل العمل اليدوي . لذلك فهو يحمل بشكل عفوي الأيديولوجية السائدة ، التي ترى في تلك القسمة حقيقة ازلية ، وترى ان هناك تفوقا للعمل الذهني ، على العمل اليدوي . وهذه الرؤية تطمس حقيقة انّ البنية الفوقية ، ما هي الاّ انعكاس معقد ، وغير مباشر ، وجدلي للبنية التحتية . أي لأنماط الإنتاج المتواجدة في تشكيلة اجتماعية معينة ، مع ما تقتضيه من علاقات انتاج ، وقوى انتاج ، وعلاقات اجتماعية متغيرة ومتناقضة . صحيح ان هناك مثقفون يحملون معرفة موضوعية ( مثلا في العلوم الطبيعية ) . لكن لا يجب ان ينسوا ان معارفهم لا تستغل ، الاّ اذا كان ذلك في مصلحة النظام السلطاني ، المخزنولوجي ، الرجعي ، وبالشكل والمضمون الذي يراه النظام المحافظ . لذلك . فان فقط وجودهم تحت حكم السلطان التقليدي ، يبطل ، ويدحض أيّ اعتقاد او شعور منهم ، بانهم فوق المجتمع ، وفوق تناقضاته الطبقية ، لانهم يحملون معرفة موضوعية .. هو ضرب من الوهم الذي يغطي وضعهم الحقيقي كرعايا ممتازين Des supers sujets وليسوا بمواطنين . وقبل ان نتطرق الى الفئة الواسعة من المثقفين . أي الذين يمارسون عملا ذهنيا ، لا بد من ان نميز داخلها فئة المبدعين الحقيقيين . ان المبدعين أكانوا مبدعين في العلوم الطبيعية ، فزياء ، كمياء ، علوم الأرض ، او علوم الحياة البيولوجيا الطب ، او في الرياضيات ، او حتى في العلوم الإنسانية بمفهومها الواسع ، اقتصاد ، علم الاجتماع ، فلسفة ، تاريخ ، او في الفنون والادب ... ان هؤلاء جميعهم رغم كونهم أبناءً لعصرهم . أي ان وعيهم مرتبط بما وصلت اليه الحضارة البشرية ، فكونهم يتواجدون في ظل دولة سلطانية ، مخزنولوجية ، كمبرادورية ، رعوية بتريمونيالية ، ثيوقراطية ، اثوقراطية ، بتريركية .. الخ ، يجعل من فكرهم وانجازاتهم مقيداً ومسلسلاً بالتقاليد المرعية ، وبالطقوس القروسطوية السائدة ، مما يجعلهم يعيشون الازدواجية ، واحدة شكلية تنم عن العصرنة او الحداثة ، وهذه نمطية صورية . والأخرى الثانية ، وهي السائدة ، ومن خلال خضوعهم للإجراءات السارية المخزنية ، فلا يعدو ان يكون وجودهم غير راعيا من دون مواطنة ، فأحرى ان يكونوا شعبا كما يشعرون توهماً ، عندما يكونون في اوربية ، او أمريكا في معاهد البحث العلمي .. وهنا تطرح مسالة الحرية ، والعقل ، والديمقراطية ، حتى يكون هؤلاء حقا يُكوّنون شعبا متميزا ، عن الرعايا المرتبطة مباشرة بشخص السلطان البتريركي ، الرعوي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي ، والاثوقراطي ، الحاكم لوحده بأمر الله ، الذي هو ظله بمقتضى السلطات الاستثنائية الموكلة له ، بمقتضى عقد البيعة الغير مكتوب .. ففرق بين مبدع ينتج وهو حر ، ويعتقد بإنتاجه انه فوق المجتمع ، وفوق الصراع الطبقي الجاري ، وبين مبدع يعتقد وهما انه فوق المجتمع ، لكنه في حقيقته مجرد رعية ممتازة مرتبطة بالسلطان ، الذي يعتبر نفسه هو كل شيء . أي هو المبدع الأول الذي بفضله ابدع المبدعون ، الذين يعيشون ازدواجية في الشخصية ، بين رعية ، وبين مواطن ، شعب ، حرية .. -- الحرية . لا عقل من دون حرية ، ولا حرية من دون ديمقراطية : ان الابداع يفترض توفر شرط الحرية ، والاّ كان ضئيلا ، وظل محصورا على الأقلية عبّادة العجل . لذلك لا يجب ابدا اخضاع توجيه الابداع ، الى النظام السلطاني المخزنولوجي ، او اية سلطنة او نظام حكم كان . لان الإنتاج هو انساني ، وفي ملكية الإنسانية ، وليس في ملكية الحكام المتسلطين ، الذي يرجعون أيّ جديد في الساحة ، لفضلهم ودورهم على النخبة التي تصرفت ضمن التقاليد المرعية .. فحتى عندما يحقق بعض الرياضيين نتائج حسنة . فعوض ان يبرقوا لتهنئة الشعب الذي بأمواله وحضنه لهم ، حققوا تلك المنجزات ، تراهم يبرقون الاهداء الى الحاكم الذي لا يعير انجازاتهم من أهمية ، الاّ اذا كانت ستخدمه سياسيا ودعائيا . أي إعلاميا .. فلكل ما سبق ، يبقى دور القوى الممثلة للطبقات الكادحة حاسما ، في الصراع ضد أوهام هذه الفئات الاجتماعية المستلبة . ووضعها لا يعدو الاّ ان يكون مجرد رعية ، ضمن دولة رعوية على راسها راعي كبير ، لا يجمعه بالثقافة ، والابداع ، والإنتاج ادنى رابط ، او علاقة .. ومع تسطيرنا على تذبذب المثقفين على غرار باقي الطبقات المتوسطة ، فانه لا بد من التأكيد على خاصيتهم التي تميزهم عن باقي الطبقات المتوسطة . وهذه الخاصية تتمثل في كونهم يعملون في الحقل الفكري ، لذلك فهم شديدو الحساسية للصراع الفكري والايديولوجي . ولهذا السبب يكتسي هذا الصراع أهمية قصوى بالنسبة لقوى التغيير ، بهدف ربح هذه الفئات او تحييدها . ان هذا الوقع ، هو الذي يفسر ان هذه الفئات ، او جزء منها ، قد يتخذ في بعض الأحيان مواقف لا تتوافق وموقعها الطبقي . كما انه يفسر أيضا تذبذب مواقف بعض المثقفين ، الذين نراهم ينتقلون من الليبرالية، الى القومية ، ثم الماركسية كما كان الحال في السبعينات . وليعودوا الى الليبرالية ، او يلتحقوا بالأصولية الإسلامية .. -- الديمقراطية : ان ثقافة التغيير ، معنية بالمسالة الديمقراطية في حدودها النسبية ، حتى لا تنتهي بأيدي فاشية اسلاموية ، ستنقلب على الممارسة الديمقراطية بمجرد ان يستكين الوضع لها . لأنها مشاريع مغلقة فاشية ، تكره وترفض الديمقراطية التي تعتبرها كفرا بواحا ، من انتاج وصنع الغرب الكافر ، الذي يريد ان يفرض علينا حتى شكل لباسنا ، وتزيينها ، وطرق اكلنا .. الخ . فالديمقراطية هي المطلب الاوسع للجماهير ، وبما هي شرط لازم لازدهارها وانتعاشها . وتقتضي الديمقراطية الغاء كافة التشريعات الإدارية القمعية ، الجبرية التي تضيق الخناق على ثقافة التغيير . ان ديمقراطية الثقافة ، تستوجب فتح المناطق المحروسة ، والحد من سلطة التحريم والمنع ، وكثرة التقديس المعبر عن نظام العبودية ، الذي يجتهد في إعادة تنزيل النماذج العبودية ، بما يساير ويتماشى مع الانتصارات التي يكون النظام الاستبدادي والطاغي قد حققها ، في صراعه الدكتاتوري الذي يركز الدولة ، بل كل الدولة في شخص الحاكم السلطان ظل الله في ارضه . . وفي هذا الاطار تبدو حاجة ثقافة التغيير ملحة ، الى نبد الانغلاق ، والتقوقع السائد داخلها ، واعتماد أساليب الحوار ، والجدل العلني ، دون رمي بالتكفير ، ولا الهرطقة . باعتبار ان سيادة الديمقراطية داخلها ، هي مجال لتفاعل الآراء وتخصيبها . وتقتضي هذه الديمقراطية ، الانفتاح على أوسع الجماهير ، لفض غبار الرعية عن اكتافها ، والبحث عن السبيل للنفاذ اليها ، وامكانيات التغلغل في الوجدان ، والوعي ، والسلوك . اعتبارا انه من دون هذا الانفتاح ، محكوم على هذه الثقافة بالضمور والكساح La maladie rachitisme . وهنا ينبغي بذل مجهود جبار لتجديد اللغة ، بما هي وسيلة تواصل ، وامدادها بالحياة دون السقوط في الابتذال ، ولا اهمال أي مكون من مكونات الهوية . 2 ) جرد لاهم التطورات التي عرفها المثقفون منذ الاستقلال الشكلي ، استقلال Aix-les-Bains : بالرجوع الى تحليل التطورات التي عرفها الحقل الثقافي المغربي منذ الاستقلال الشكلي ، يظهر ان هناك ثلاث مستويات تساعد على فهم تطورات واقع المثقفين المغاربة . ا --- ما هي الشرائح التي تتكون منها هذه الفئات المثقفة ؟ . ب --- كيف تطورت الأوضاع المادية لهذه الفئات كجزء من الطبقة المتوسطة ، مع اعتبار خصوصية هذه الفئات المثقفة ؟ . وما هي سياسات النظام السلطاني ذا الثقافة المخزنولوجية ازاءها ؟ . ج --- ما هي المؤشرات الفكرية التي فعلت في هذه الفئات ؟ . في نظرنا ، وبالنتيجة التي توصلنا لها من خلال تحليل فترة الاستقلال الشكلي ، وحتى نهاية عقد الثمانينات . هناك ثلاث شرائح أساسية ضمن فئة ، ولا نقول طبقة المثقفين المغاربة ؟ . --1— الشريحة المغتربة التي تعاني من مرض السكيزوفرانيا ، وهذه تعتبر تابعة للغرب على المستوى الثقافي . فهي حين تكون بديار الغرب ، تتمسك بإرثها الأيديولوجي الذي يمثله النظام السلطاني المخزنولوجي ، خاصة في الجانب التقليدي الثيوقراطي ، والاثوقراطي ، وفي جانب التقاليد المرعية .. وهي حين تتصرف هكذا تصرف ، فلتعويض شعورها بالدونية ، وبالانكسار امام الغرب الذي يحتضنها كوكلاء له في بلادها .. لكن حين ترجع لتعيش في بلادها ، فهي تحرص على الانساب الى مدنية الغرب ، وليس الى حضارته التي لا يمكن لها الانتساب او الانتماء لها ، نظرا لان الحضارة ترتبط بالشعب الأصيل ، ولا ترتبط بالأجانب حتى وان تجنسوا .. فجميع الشعوب لها حضارتها . حتى الهنود الحمر لهم حضارة تسمى ب Inca او Inka ، لكن ليس كل الشعوب متمدنة .. فهل العرب و الافارقة متمدنون ، رغم ان لهم حضارتهم .. فعندما يتظاهر هؤلاء في بلادهم بالمدنية ، التي يخلطونها بالحضارة ، فذلك لتجسيد السمو الاجتماعي ، والمكانة الخاصة عن شعوبهم التي تعيش دون مستواهم ( الراقي ) . لكن هؤلاء فقط يتوهمون ويصطنعون . لانهم في المغرب يعيشون رعايا مرتبطين بالسلطان التقليدي ، الرعوي ، البتريركي ، الفيودالي ، الثيوقراطي ، الاثوقراطي ، والكمبرادوري .. فمرض السكيزوفرانية الذي يعانون منه وفي صمت ، يفقدهم المشي الصحيح ، ويحولهم من جهة الى وكلاء فاشلين ، لتمثيل المدنية الغربية في بلادهم التقليدانية ، ومن جهة يكونون حراس الاعتاب الشريفة المخزنية ، كهيئة تتوسط بين الرعايا الجاهلة ، وبين السلطان الغارق في تقاليد الثقافة المخزنولوجية . وهو الذي يجسد هذه المفارقة عندما يتقمص جلبابين . واحد يخاطب به الغرب كملك عصري ، والثاني يخاطب به الرعية كسلطان ، امير للمؤمنين ، وامام معظم كبير ، وراعي بتريركي ابوي ، للرعية المرتبطة بشخص السلطان ، وبالدولة السلطانية .. --2 -- الشريحة المرتبطة فكريا بالمشرق العربي ، والتي تأثرت بالإيديولوجيات السائدة فيه ، كالقومية ، والفكر النهضوي ، والإصلاح الديني .. --3— الشريحة التي تلقت تكوينا تقليديا من القرويين ، والتعليم الأصيل .. ان هذا الشرائح لا يفصلها جدار صيني ، لكن انّ التمييز بينها ، يساعد على فهم واقع المثقفين المغاربة . ان هذا التصنيف للشرائح ، يعكس في حد ذاته ، التهميش الذي يصيب الثقافة الامازيغية ، حين تم تهميشها بالكامل بخطة انقلابية ، حبكها النظام السلطاني المخزنولوجي ، وطبقة آل الفاسي المتحالفة معه ، ضد القضية الامازيغية كقضية ثقافية وطبقية .. لقد تحالفت الشرائح الثلاثة فيما بينها ، في اطار ما يسمى ب ( الحركة الوطنية ) ، المعادية لثورات القبائل الامازيغية قبل سنة 1912 ، واستمرت تلك الثورات ضد النظام السلطاني المخزنولوجي ، الذي ادخل فرنسا الى المغرب كاستعمار للشعب ، خاصة البرابرة الثوار .. ودخل كحماية للنظام السلطاني من ثورات القبائل البربرية ، التي كانت تهدد وجوده الذي كاد ان يتحقق ، لو نجح انقلاب 1971 المسمى بانقلاب الصخيرات ، وانقلاب الطائرة في سنة 1972 . فلأول مرة كان سيتم تأسيس جمهورية بربرية ، برجوازية صغيرة في المغرب الأقصى . ان المستفيد الكبير من الاستقلال الشكلي ، كان هو الشريحة المتغربة occidentalisée عن بلدها ، والمتغربة تمسكا بقشور المدنية الغربية . ومهما يكن من امر . فان هذه الشرائح كانت قليلة آنذاك ، الشيء الذي جعلها تُستوْعب بسهولة من طرف أجهزة الدولة . وقد وفر الاجماع الذي كان سائدا في ذلك الوقت إمكانية استيعابها فكريا . لكن مع أوسط الستينات وبداية السبعينات ، بدأت الأجيال التي تكونت ابان الاستقلال الشكلي ، تطرق أبواب التشغيل . غير ان استمرار التبعية بشكل خطير إزاء الامبريالية الفرنسية ، أدى الى كوْن هؤلاء ، لم يجدوا امامهم إمكانيات كبيرة للارتقاء الاجتماعي . فقد كان جهاز الدولة في مكوناته المختلفة القمعية ( وزارة الداخلية ، البوليس ، الجيش ، الدرك ، القوات المساعدة ، وزارة العدل ) ، او الأيديولوجيا ( وزارة التعليم ، وزارة الثقافة ، الأوقاف او الشؤون الاسلامية) ، او التقنية ( وزارة المالية ، الصناعة والمعادن والطاقة ، الاشغال العمومية ... ) ، كان ذاك الجهاز قليل العدد نسبيا ، وكان في جزء هام منه ، وخاصة على مستوى المسؤوليات الأساسية في يد الفرنسيين . ومنذ سنة 1956 ، والى حدود أوساط الستينات ، كان الصراع محتدما ، ما بين القوى الجذرية في الحركة الوطنية ( المقاومة ، وجيش التحرير ، ثم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) ، وبين الطبقات السائدة التي كانت تعيد هيكلة نفسها ، وتضع الأسس السياسية لسيادتها في المجتمع ، عبر تصفية القوى الجذرية في حركة المقاومة وجيش التحرير ، واحتواء القوى المهادنة وسط ما يسمى ب ( الحركة الوطنية ) المتآمرة على جيش التحرير ، وعلى المقاومة المدينية . --- الستينات .. عوامل تجذر وعي المثقفين : هذه هي الشروط الموضوعية المادية والسياسية ، التي جعلت اغلبية المثقفين المغاربة آنذاك ، يلتحقون بالمعارضة ، او يلتزمون الحياد في اسوء الأحوال . وكانت تلك الفئات تطرح شعارات هي في نفس الوقت تقدمية ، وتخدم مصالح المثقفين ، كالمطالبة بالاستقلال السياسي ، والاقتصادي ، والثقافي عن الامبريالية الفرنسية ، وضرورة توفر اطر وطنية تحل محل الأطر الأجنبية . هناك عامل اخر دفع المثقفين الى المعارضة او الحياد ، وهو لجوء النظام الى حالة الاستثناء ، وتصعيد القمع ضد مناضلي الشعب ، ما بين 1965 ، وبداية السبعينات التي عرفت هزات ضربت اصل النظام ( محاولة الضباط الوطنيين الاحرار السيطرة على الحكم في سنتي 1971 و 1972 ) ، وما كان لهذا التحول من تجذير الوضع المادي للمثقفين ، التي كانت ثقافتهم ثقافة تقدمية ، مناهضة لأصول النظام السلطاني المخزنولوجي .. البتريركي .. وقد كانت هناك أيضا مؤشرات فكرية خارجية ، لعبت دورا لا يستهان به في مواقف المثقفين المغاربة . فالجزء الفاعل من المثقفين المغاربة ، وهو كما اشرنا الى ذلك ، الشريحة المتغربة التي تتميز بتبعية كبيرة إزاء الثقافة الغربية ، وخاصة الثقافة الفرنسية . لذلك لم يكن غريبا ان يتأثر هؤلاء المثقفين اشد التأثير ، بالصراعات الفكرية والسياسية ، التي عرفتها فرنسا في الستينات ، وطيلة السبعينات Panthéon – la Sorbonne / L’université de Vincennes Paris 8 . فقد كان المثقفون الفرنسيون آنذاك تقدميون في اغلبهم ، ولعل حالة Jean Paul Sartre الذي كان رمزا بامتياز للمثقف الفرنسي ، والذي كان يحظى باحترام على مستوى الساحة الفكرية العالمية ، واضحة في هذا المجال . ف Sartre انتقل من الوجودية الى الماركسية ، واصبح يناضل في قضايا التقدم والتحرر في العالم . وقد كتب Sartre قولته المشهورة . انّ الكاتب يجب ان يكون في اليسار . لقد كان التعاطف سائدا آنذاك وسط المثقفين الفرنسيين ، مع قضايا التحرر الوطني . وكانوا يناهضون الاستعمار والامبريالية . هكذا شهدت الخمسينات ، والستينات ، والسبعينات حركات قوية للمثقفين في فرنسا ، ضد الحروب الاستعمارية ، خاصة حرب التحرير الجزائرية ، وحرب الفيتنام ، وتعاطف كبير مع الثورات ، وحرب العصابات في أمريكا اللاتينية ، وافريقيا .. دون ان ننسى ثورة مايو 1968 التي كانت انطلاقتها جامعة La Sorbonne . اما على صعيد الوطن العربي ، فقد تميزت هذه المرحلة بصعود التيار القومي العربي الى السطلة . صعود ناصر الى حكم مصر بعد اسقاط الملكية العميلة للإنجليز في سنة 1952 ، وتطور الناصرية في اتجاه مناهض للامبريالية ، خصوصا بعد العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956 . وللصهيونية والرجعية العربية . كما صعد حزب البعث العربي الى السلطة في سورية والعراق .. انّ هذه التطورات ، كان لها تأثير كبير على فئات واسعة من المثقفين المغاربة ، خاصة أولئك الذين تكونوا بالمشرق العربي ، او أولئك الذين كانت لهم ارتباطات وعلاقات ، مع العديد من المصريين ، والشاميين الذين قدموا الى المغرب للعمل في ميدان التعليم . بل لقد كان للفكر القومي العروبي ، والمقاومة الفلسطينية تأثير كبير على باقي شرائح المثقفين ، نظرا لطابعهما المناهض للامبريالية ، والصهيونية ، والرجعية العربية . ولتركيزهما الى هذا الحد او ذاك على الإسلام ، كنقيض للاستعمار وللصهيونية . وفي المقابل ، كانت مواقف النظام السلطاني المخزنولوجي ، البتريركي ، التقليداني آنذاك ، واضحة في تبعيتها العمياء للصهيونية ، والامبريالية ، وتحالفها الظرفي وليس الاستراتيجي ، مع الأنظمة الرجعية العربية ، وعداءها السافر المطلق للقومية العربية .. الشيء الذي ساهم في تجذير مواقف المثقفين المغاربة ، وابتعاد اغلبيتهم عن النظام الرجعي المغربي ، والانتقال الى معارضته في المحافل الثقافية ، والسياسية ، والحقوقية .. --- في اتجاه التقارب ( التصالح ) بين المثقف الذي أصيب بالسكيزوفرينيا ، والنظام السلطاني الغارق في الثقافة المخزنولوجية : السؤال الذي نطرحه الآن هو التالي : لماذا تغيرت مواقف اغلبية المثقفين المغاربة ، لصالح النظام البتريركي الرعوي ، منذ نهاية السبعينات ، وطيلة الثمانينات .. وليرتمي الجميع ومن دون مقدمات ، في حضن الدولة السلطانية التي ظلت كدولة سلطانية استبدادية طاغية ، ولم تتغير قط ..؟ ماذا وقع على مستوى الأوضاع المادية لهذه الفئات ؟ . كيف تعامل معها النظام البتريركي الرعوي ؟ ماذا تغير على مستوى ساحة الصراع الفكري ، وصراع المشروع البديل ، والصراع السياسي الذي دخل اليوم النفق المسدود . لان الساحة فارغة ، والمغرب مقبل على تحولات غير مضبوطة الاتجاهات ..؟ 1 - بعد الهزات التي تعرض لها النظام في بداية السبعينات ، واسبابها اليوم مطروحة وبحدة . اقدم النظام على عدة إجراءات ، كان لها بالغ الأثر على الأوضاع المادية لأغلب المثقفين . بل حتى على أوضاعهم المعنوية . - لقد حاول النظام الذي كان مأزما سياسيا ، والطبقات السائدة ، توسيع قاعدته الاجتماعية ، عبر توسيع الطبقات المتوسطة . فجاءت مغربة القطاع الثالث ، ومغربة الأطر ، والمخطط الخماسي 1973 / 1977 ، وانتفاخ أجهزة القطاع العام بشكل لم يسبق له مثيل . وقد استفادت الفئات المثقفة بشكل خاص من هذا التطور ، ولو كان ذلك بشكل متفاوت ، حيث استفادت الفئات العليا من الأطر بالخصوص ، من السلمان 10 و 11 في الوظيفة العمومية .. ( خلال سنوات السبعينات كانت السلاليم 10 و 11 تمثل التمايز الحياتي داخل المجتمع ، بخلاف اليوم التي أضحت مظهرا من مظاهر البؤس ) . - من جهة ثانية ، أصبحت الأجهزة البوليسية للدولة السلطانية ، ممثلة بالجهاز السلطوي ، القروسطوي ، وزارة الداخلية ، تلعب دورا اكثر ديناميكية في الميادين التي ينشط فيها المثقفون ، حيث بدأت تغدق الأموال على المثقفين لشراء ولائهم ، وفتح باب الوزارة السلطوية لأساتذة الجامعات ، لتولي منصب عامل ، ووالي ، ومدراء مركزيون ، ومدراء عامون .. وتم خلق العديد من المؤسسات لاستيعابهم . بل دفعت القطاع الخاص نفسه الى لعب دور في هذا المجال . - انشاء اكاديمية الدولة السلطانية المسماة ب ( الأكاديمية الملكية ) ، لاستقطاب المثقفين لتهجينهم ضمن الطقوس المرعية ، خاصة الأكثر شهرة منهم كعبد الله العروي الذي تم تعيينه مكلفا بمهمة بالديوان الاميري / الديوان الملكي . - انشاء المجالس العلمية ، لاستقطاب وتهجين المثقفين الماضويين ، التقليديين ، وتوظيفهم ليصبحوا ابواقا في خدمة الدولة السلطانية في شكلها البتريركي ، الرعوي ، الثيوقرطي ، والاثوقراطي ، لتبرير النهب والافتراس . أيْ الخضوع التام والمطلق ، لان الموجود ، الله الذي أراده ، وفيه مصلحة الامة ، ومصلحة العباد . اطيعوا الله ، والرسول ، واولي الامر منكم .. حتى ولو كانوا فاسدين . أي لإشاعة الدروشة ، والمسكنة التي حولت شعب الجبارين ، الى جماعة من المتسولين ، الاسترزاقين ، الخنوعين .. ويبقى الهدف من انشاء هذا المجالس ( العلمية ) ، مناهضة الأصوليين الذين لا يعترفون للأمير بلقب امير الامارة .. ويزاحمونه التمثيلية الدينية ، لتجنب إعادة الحالة الإيرانية بشكل اكثر مأساة ودرامية . - انشاء العديد من جمعيات الأنهار ، والجبال ، والوديان ، وغيرها ، والتي تساهم بقسط وافر في تمويل أنشطة ثقافية ، ومثقفين .. - إقامة العديد من المهرجانات ، والمواسم ، والجامعات الموازية ، والمناظرات .. بما فيها مناظرات الوزارة السلطوية حول العديد من المواضيع الاستهلاكية ، كاللاّتمركز ، وعدم التركيز ، واللامركزية ، والجهوية .. وهي لقاءات من اجل اخذ الصور ، والترويج لشيء عند انطلاقته الأولى . لان النظام الترابي للدولة السلطانية ، ظل سلطانيا مخزنولوجيا ، مجسدا لمركزية مفرطة ، وضعت كل مفاتيح الدولة بيد السلطان ، لا بيد غيره من الفاعلين الذين كانوا يُستعملون لتبييض وجه السلطان ، وتبييض وجه السلطنة كنظام ، يعادي ويكره الديمقراطية .. وقد كان يتم توظيف أساتذة جامعات فرنسية في هذه اللعبة المذمومة ، مقابل عمولات ضخمة وامتيازات . مثلا Michel Rousset عميد جامعة Grenoble الذي ناقش فيها ادريس البصري ما يسمى بالدكتوراه في قاعة مغلقة A huit clos .. ونحن نعرف الجماعة التي كتبت ( دكتوراه ) ادريس البصري .. وهم من كتب دليل رجل السلطة Le guide de l’agent d’autorité ، وقد تم تعيينهم مدراء مركزيون ، وعمالا ، وولاة .. ونعرف الجماعة التي كتبت ( دكتوراه ) بجامعة Nice ، وكيف تمت مجازاتهم في مناصب استراتيجية عليا .. - مراقبة الاعلام والصحافة ، وتشجيع المنابر الموالية الرديئة ، كالمنابر الحموشية المحروقة ( المدير العام للبوليس السياسي DGST عبد اللطيف الحموشي الذي يعد من خوارق آخر الزمان ) ، او المنابر التي تقبل باللعبة السياسية المخزنولوجية .. - النجاح في التغلغل داخل اتحاد كتاب المغرب ، وداخل الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، بعد عملية توسيع الفروع . - بناء العديد من المركبات المخزنية ، باسم المركبات الثقافية . - دفع بعض المؤسسات الخاصة البنكية ، الى انشاء مؤسسة تشجع الثقافة والفن .. بنك الوفاء سبقا . وفي مقابل الأموال التي اصبح النظام السلطاني المخزنولوجي ينفقها على ( الثقافة ) و ( المثقفين ) ، للتهجين ، والضم ، والتذويب .. تزايدت بشكل خطير ، سيطرة الفكر، والثقافة المخزنولوجية للدولة السلطانية ، على الميادين ( الثقافية ) . هكذا أصبحت وزارة الداخلية السلطوية تتدخل في كل شيء ، وتراقب كل شيء .. ولتصبح محطة تسميات كثيرة ، كأم الوزارات ، والحزب السري .. ورقى السلطان وزيره البصري الى قديس من مقدسات السلطنة . كما يتوهم ، و يريد ان يوهم الرأي العام اليوم ، المدعو عبداللطيف الحموشي ، المدير العام للبوليس السياسي بشكل اكثر من رديء . ولو لم يكن رديئا هل كان له ان يتجرع اهانة القطريين له ، ومنه إهانة رئيسه صديق ومستشار السلطان المدعو فؤاد الهمة ، ومنهما إهانة كبرى لشخص السلطان ، عندما طوفوه بزيارة المراحيض مؤخرا ، وهو يزور احد الملاعب التي ستجري فيها لقاءات كروية .. 2 – كما ان النظام الدكتاتوري واجه القوى الثورية ، حركة 3 مارس 1973 ، والحركة الماركسية اللينينية المغربية بقمع شرس ، مما أدى الى تقوية النظام مرحليا ، والطبقات السائدة مرحليا كذلك ، وأصبحت جزءا من اجماع سياسي يتفق على مختلف شعارات الدولة المخزنولوجية ، من سلم اجتماعي ، وهو غير موجود ، و ( مسلسل ديمقرايطي ) دكتاتوري فلكلوري .. فان هذه الوضعية الجديدة ، وفرت للعديد من اشباه المثقفين الارتداديين ، والنفعيين ، والانتهازيين ، الذين اصبح لعابهم يسيل على فتاة الدولة البتريركية ، الرعوية .. الغطاء السياسي والايديولوجي ، للالتحاق بأجهزة الدولة القمعية والأيديولوجية ، دون إحساس بالذنب ، او بالخجل .. وقد أصبحت هذه الحالة المفروشة المفضوحة ، تتم بالنهار القهار ، في عهد محمد السادس .. 3 – لقد استطاعت الممالك ، والامارات ، والمشيخات الخليجية ، ان تلعب دورا خطيرا في افساد العديد من الرموز الثقافية ، بفضل الدولار الذي اغدقته عليها إمّا مباشرة ، او بشكل ملتوي عبر العديد من المنابر ، والمؤسسات الثقافية ، التي تمولها تلك الدول ، بفضل الطفرة النفطية ، وبفضل طفرة الغاز .. 4 – اما اوربة ، وخاصة فرنسا . فقد شهدت السبعينات ، والثمانينات ، والتسعينات ، صعود مثقفين جدد رجعيين ، تنكروا لمواقفهم ، وقناعاتهم السابقة ( الفلاسفة الجدد ، الصراع ضد الفكر العالم ثالثي ، محاولات تبرير ممارسات الامبريالية ، فحتى Sartre اضحى يطبل للدولة الصهيونية ، وتنكر لفلسطين وللثورة الفلسطينية .. الخ ) .. وكذلك نظريات رجعية تركز على حرية الفرد ، وعلى الفردانية ، والانانية ، وتجعل تلك الحرية الفردية في تعارض تام ، مع أي التزام تقدمي الذي أصبحت تماثله بالكليانية والديكتاتورية .. بروز نظريات لا ترى أي اتجاه ، ولا أي معنى للتاريخ البشري .. انتشار شكل جديد متوحش من الليبرالية ، يوجه أيّ تدخل للدولة ضد مصالح الشغيلة ، ويركز على الحرية التامة لرأس المال في الاستغلال بدون قيود ، ولا حدود جغرافية كانت ، او إنسانية ( الريگانية و التتشرية ) Ronald Reggan ، و رئيسة الوزراء البريطانية Margaret Thatcher .. ونظرا للتبعية الشبه كاملة للمثقفين المغاربة ، إزاء ما ينتجه المثقفون الباريسيون les intellectuelles parisiens ، فقد بدأت تلك النظريات تكتسح المثقفين المغاربة كذلك .. إذا كانت هناك عدة عوامل أدت الى تغيير مواقف ، ومواقع المثقفين الغربيين ، ومنها الانحلال البيروقراطي في الاتحاد السوفياتي ، والصراعات الدموية في بعض دول العالم الثالث .. فان من اللازم التأكيد على دور التلفزة في عملية التغيير . ذلك ان التلفزة تطورت خلال تلك الفترة بشكل جنوني ، الشيء الذي أدى الى ظهور اشباه المثقفين ، يتقنون استعمال هذه الوسيلة الإعلامية . وقد استطاعت الامبريالية استيعاب العديد من المثقفين ، في جهازها الإعلامي المتضخم باستمرار من جهة ، بينما سمح لها التلفزيون من جهة أخرى ، من ابراز المثقفين الذين يخدمون مصالحها ، وتهميش الاخرين المعارضين ، مما يدفع المثقفين الذين يطمحون الى الشهرة كأحمد عصيد ، الى القبول بالتعامل مع الأنظمة الاستبدادية ، والطاغية ، والدفاع عن الرأسمالية ، والتسامح مع ممارساتها . بل الدفاع عنها ، خاصة عندما يتحول ( المثقف ) الى بوق للصهيونية ، ويصبح أداة لإحداث التفرقة ، واداة لتفتيت الوطن . 5 – لقد تميزت نهاية الستينات ، وخاصة بعد هزيمة 1967 ، ببداية ازمة الأنظمة القومية البرجوازية الصغيرة العربية ، وأيديولوجيتها الشوفينية ، التي كانت ترى الوحدة العربية بشكل مثالي ، لا طبقي . وقسري هيمني ، وليس على أسس ديمقراطية ، واحتراما للخصوصيات ، والثقافات الشعبية المحلية ، واشكال التراث التي لم تكن تفتح امام الجماهير الكادحة ، الباب لفعلها المستقل . في نفس الوقت بدأت الرجعية العربية تتقوى ، مستفيدة من الطفرة النفطية ، ومن قصور واخطاء الفكر ، والممارسة القومية للبرجوازية الصغيرة . هذه التغييرات انعكست على العديد من المثقفين ، الذين بدأوا يتخلصون من الفكر القومي العروبي ، لفائدة القطرية . بل حتى الشوفينية العنصرية كما هو ملاحظ الآن .. 6 – وادى تطور ازمة المعسكر الاشتراكي بسبب الانحلال البيروقراطي الذي أصابه ، وقيام صراعات بين دول اشتراكية كالصراع الصيني السوفياتي ، والحرب الكمبودية الفتنامية ، وتحلل المعسكر الاشتراكي ، وسقوط جدار برلين .. وسقوط أنظمة برجوازية الدولة الصغيرة في اوربة الشرقية ، وسيادة القطبية الواحدية في قيادة العالم .. الخ ، الى طرح تساؤلات خطيرة حول البديل الاشتراكي ، ساهم في زرع اليأس والحيطة وسط المثقفين . 7 – وفي نفس الوقت . بدأ يظهر ان الإسلام ، ومن خلال الإسلام السياسي الرجعي ، يمكن ان يلعب دورا هاما في التغيير ، ولو كان على يد قوى ماضوية ، متعصبة ، ومتزمتة . ان هذا القوى تريد باسم رفض الغرب ، ان تدفع المجتمع المغربي الفطري ، للتخلي عن العديد من المكتسبات التي وفرها تطور البشرية . والحقيقة ان الغرب غَربان . غَرب امبريالي ، يضطهد ، ويستغل ، ويريد استعباد الشعوب . وغرب ديمقراطي تقدمي ، يقدم لنا العديد من القيم المتنورة ، ويناضل من اجل الحرية ، والديمقراطية ، واسعاد الانسان أينما كان .. هذه اذن الشروط الموضوعية والذاتية ، التي تفسر مواقف المثقفين المتنورة ، الى حدود أواسط الثمانينات . لكن مع مجيء محمد السادس الى الحكم ، تغير كل شيء ، خاصة الوضع المهترئ للمثقف الذي غاب بالمرة ، فغابت الثقافة .. وبغياب الثقافة ، وغياب المثقف ، غابت القضية التي لم تعد قضية ، وداب الجميع في صلب الدولة السلطانية المخزنولوجية ، التي افرغت الجميع من جوهر التمييز ، ليتحول الجميع خاصة أحزاب المثقفين ، الى مجرد صدفيات فارغة ينفخ فيها من روح السلطنة ، التي استفردت لوحدها بالساحة تنظمها ، وترتبها كيف شاءت ، وارادت . --- وضع المثقف الحالي والآفاق : في هذا العجالة ، سنحاول رصد واقع ووضع المثقف المغربي بعد منتصف الثمانينات ، وحتى منتصف التسعينات . ثم موقف ووضع المثقفون المغاربة جملة ، بعد إصابة الحسن الثاني بمرض L’emphysème ، حيث أصبحت حياته قضية وقت . وأخيرا كيف ارتمى الجميع مباشرة بعد موت الحسن ، في أحضان الدولة التي فتحت لهم صنابرها Les robinets ، وفتحت لهم تلفزاتها للظهور ، لترويج خطاباتها التي كانوا يعارضونها ، وهم في امس الحاجة للظهور امام الجمهور. لكن هذه المرة لتلويك خطاب انتهازي ، انتهى بانقراض المثقف الستيني ، والسبعيني ، وحتى النصف الأول من الثمانينات .. فما يسمى اليوم بالساحة الثقافية أصبحت عاقرا ، وانتفى كل شيء . لأننا نعيش حقيقة في عهد محمد السادس ، هي موت الثقافة ، وموت المثقف . لان الثقافة والمثقف قضية ... وهذا يعني موت القضية التي كانت احدى ارهاصات اليسار ، بكل تشعباته ، وامتداداته الفلسفية والإيديولوجية . فمنذ مجيء محمد السادس ، لم يسبق له في احد المناسبات ، انْ وشح مثقفا ، او وشح احد ممّنْ شاركوا في المسيرة ، او وشح احد عوائل حرب او مسجوني الصحراء .. لكنه وشح كثيرا ( فنانين ) من طينة سعد لمجرد ، ودنيا بطما ، ودِي دِي الشاب خالد ، الذي ذاعت اخبار تؤكد من ان محمد السادس اهدى له فيلا بشاطئ مدينة السعيدية ، مثل الاخبار التي تروج بمنحه قصرا لزمرة وشلة أبو زعيتر بطنجة ... الخ . فهؤلاء هم المثقفون الجدد بمعايير نظام محمد السادس الجديد .. ورحم الله الأستاذ احمد سطاتي ، والأستاذ محمد عابد الجابري ، والأستاذ محمد جسوس ، والأستاذ المهدي المنجرة ، والأستاذة المرنيسي ، والأستاذ محمد عزيز لحبابي ، والأستاذ محمد سبيلا ، والأستاذ طه عبدالرحمان ، والأستاذ عبدالله العروي ... الخ . اذا كان الوضع العام للمثقفين ، قد تراجع لصالح الدولة السلطانية المخزنولوجية ، بسبب التحولات التي عالجنا اعلام ، فان الفترة الممتدة حتى النصف الأول من الثمانينات ، ظلت محفورة في الوجدان ، وفي الحد الأدنى من المواقف ، التي استمر بعض المثقفين يرددونها كمعارضين للقروسطوية ، والتي اعتبرت حالة ليست بالسهلة في زمن طابعه النكوص ، والارتداد ، والعمالة .. وكيف ما كان مستواها ، ودرجة حدتها ، يجب اعتبارها آخر صيحة المثقف المرتبط بالهمّ الوطني ، وبالشأن العام الذي يتفاعل معه كمثقف ، له ضمير وواعز خلقي ، وقيم ترتقي به الى مصاف المثقف الحقيقي .. ان الوضع الثقافي وحتى النصف الأول من الثمانينات ، اتسم بالتناقض . فمن جهة وبسبب احداث اجتماعية حصلت ، كانتفاضة الشعب في سنة 1981 و 1984 ، أصبح جزءا من هيئة المثقفين ، معارضين للنظام كنظام ، ومنهم من اصبح معارضا للسلطة في ممارساتها السلطوية autoritaire . وهؤلاء هم من سينهي دور ووضع المثقف الملتزم ، عندما اصبح محمح السادس على رأس الدولة .. لان التطور والنمو الذي عرفته السلطنة في النصف الثاني من السبعينات وبداية الثمانينات ، ارتكز بالأساس على انتفاخ أجهزة الدولة البوليسية ، وأجهزتها الأيديولوجية ، والقطاع العام الذي كان يتحكم فيه البوليس السياسي ، من خلال وزارة الداخلية كهيئة سلطوية . وبما ان ذلك الانتفاخ مُوّل في جزء لا بأس به بالقروض الأجنبية ، ولم يستند الى أسس صلبة . أي نمو مماثل للبنية الإنتاجية للبلاد ، فانه سرعان ما افضى الى ازمة عميقة ، تمثلت في سياسات التقشف على الدراويش والمساكين ، وليس على عينة القوم ، وما يرافقها من تفقير لفئة المثقفين الاجتماعية ، وللطبقة المتوسطة التي نزلت الى حضيض معيشة الفقراء .. وهذا أدى الى توقفٍ لنموها ، وإعادة انتاجها كما تشهد على ذلك عطالة حملة الشهادات الجامعية .. وقد أدى تعمق الطابع المخزنولوجي للدولة السلطانية ، من خلال الجهاز القمعي لوزارة الداخلية كجهاز سلطوي ، وتدخلها في كل كبيرة وصغيرة ، الى تصاعد القمع ، وتضييق الخناق على هذه الفئات . هكذا فان هذه الفئات أصبحت توجد موضوعيا في خانة ( الشعب ) الرعايا ، وقواه التي كانت مناضلة ، ولم تعد مناضلة مع مجيء محمد السادس . لكنها لن تلتحق بالرعايا ( الشعب ) ، وبالحركة السياسية التقدمية التي تبخرت ، ليس كأفراد . بل كجماعات او فئات اجتماعية ، وبالطبقات الكادحة ، الاّ اذا توفرت الظروف التالية : -- نظرا للطابع المتجدد لهذه الفئات الاجتماعية ، فان تطور القوى الجذرية ، وخاصة تنظيمات الطبقات الكادحة ، ضرورة لا مناص منها ، لحسم ذلك التذبذب لصالح جر تلك الفئات ، الى جانب الطبقة العاملة ، وحلفاءها من المثقفين الثوريين . -- نظرا لطبيعتها كفئات مثقفة ، تتأثر الى حد كبير بالصراع الفكري السياسي والايديولوجي ، فان من الضروري بمكان ، وخاصة بعد الزلزال الذي عاشته البشرية كسقوط الاتحاد السوفياتي ، وجدار برلين ، ونهاية الصراع الأيديولوجي ... القيام بمجهود فكري جبار ( هذا المجهود لا يمكن ان ينجزه شخص بمفرده مهما كانت طاقاته ومؤهلاته . بل مطروح ان تقوم به القوى التقدمية والثورية ، التي انقرضت حين أصبحت جزءا من الدولة المخزنولوجية السلطانية ) ، لتوضيح الرؤيا ، وبلورة الخطوط العريضة ، لبديل معقول وملائم ، لواقع البلاد ، يعيد المثقفين المغاربة في إمكانية التغيير نحو الاحسن . لقد حاولت هذه الفئة من المثقفين التي تمايزت حتى النصف الأول من الثمانينات ، ان تقفز القفزة النوعية حين اجتهدت رغم اجنحتها المكسرة ، ان تصيغ برنامجا مرحليا يستجيب للمطالب الملحة للجماهير الشعبية / الرعايا / ، وضمنها طبعا هذه الفئات ، ليعيد لها الثقة في النفس ، ومنه تعيد الثقة في النضال . فكان من اساسيات أسلحتها ، طرح قضايا الديمقراطية ، والدولة الديمقراطية ، وقضايا حقوق الانسان ، والحريات العامة كمسألة لها أهميتها القصوى ، لانقاد من يمكن انقاده . فالعديد من المراجعات ، للعديد من النظريات الطابوهات ، التي شغلت فكر وتفكير المثقفين ، طيلة الستينات ، والسبعينات ، وحتى النصف الأول من الثمانينات . وكانت تعتبر من المسلمات التي لا يجب التشكيك فيها ، اصبحت محط نقاش ، ومحط مراجعة ، وكان على راسها اشتراكية الاتحاد السوفياتي ، والصراع الماوي الصيني السوفياتي ، والقومية العربية ، والتعريب ، واطروحات البرجوازية الصغيرة ، والتصورات السائدة حول الوطنية بصيغتها الشوفينية . لكن ما اسفرت عنه كل هذا المحاولات ، رغم الضعف العددي لأصحابها ، هو الفشل الذي سينتهي بعد النصف الثاني من الثمانينات ، وحتى النصف الثاني من التسعينات ، الى الانتصار لصالح السلطة .. وسينتهي بعد مجيء محمد السادس الى الارتماء الكلي في أحضان النظام المخزنولوجي السلطاني ، والتطبيل له ، وهو يشهر استبداده ، وطغيانه الذي قل نظيره ، في توجيه الدولة بأساليب لا علاقة لها بالديمقراطية اطلاقا .. وكأننا لا نزال نعيش القرون الوسطى في اوربة .. ومن خلال معاينتنا لمحاولة هذه التحولات ، ووضعها في اطارها الصحيح الذي يعكس المفاهيم الخاطئة ، لموقف هذه الفئات من الدولة المركزية في افقها ( الاشتراكي ) ، وهي التي طبلت له كثيرا ، نرصد الأخطاء التي اثرت في نصف مسيرة هؤلاء المثقفين رغم قلتهم : - الدولتية او المماثلة بين المِلكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، ومِلكية الدولة . فملكية الدولة ليست ملكية جماعية بالضرورة . بل عادة ما تكون غطاء لهيمنة البيروقراطية على وسائل الإنتاج . - الاقتصادوية ، او اعتبار ان تطوير الإنتاج المادي هو كل شيء ، وان الانسان ليس سوى خادم لذلك الإنتاج ، وبالتالي انتقاد التصنيع من اجل التصنيع . نقد المماثلة ما بين التقدم والنمو الكمي للإنتاج ( خاصة الصناعي ) . - التصور للحزب كطليعة تمتلك الحقيقة ، وتنوب على الجماهير ، وتهيمن على الدولة و( الشعب ) الرعايا .. وبالتالي تفرغ المنظمات الجماهيرية من مضمونها كمنظمات مستقلة ، وتحول المجتمع المدني الى جسم جامد . - المركزية الاوربية التي جعلت العديد من التحاليل حول العالم الثالث ، تستنسخ التجارب الاوربية الغربية .. مع العلم ان تعميم نموذج الرأسمالية الغربية على المستوى العالمي ، مستحيل تماما . لأنه نموذج يرتكز الى استغلال اغلبية البشر ، شعوب العالم الثالث بالخصوص ، ونهب خيراتها . ان تعميم نموذج الرأسمالية الغربية ، علاوة على كونه مستحيل تماما ، يعني وقوع كارثة بيئية اخطر من كل القنابل النووية . وفي بلاد امير المؤمنين ، والامام المعظم الله وليه . فلا نقد التصورات القرسطوية التي تروجها الدولة المخزنولوجية السلطانية ، والتي روجتها قبلها ما يسمى ب ( الحركة الوطنية ) ، والتي تختزل تاريخ البلاد في الأشخاص ، وتشوهه .. وان تستعيد الهوية الوطنية كل ابعادها ( العربية ، البربرية ، الإسلامية ، الافريقية ) ، التي يجب تخليصها من كل ما أصابها من مسخ ، وتفسخ ، وتخلف في القرون الأخيرة .. واخصابها بكل القيم والمكتسبات التقدمية الكونية .. ولا مناص أيضا من إعادة تأسيس مفهوم القومية العربية ، انطلاقا من نقد جوانب القصور والخطأ ، التي تميزت بها التصورات الناصرية والبعثية .. كل ذلك بهدف بناء تصور ديمقراطي للهوية الوطنية ، والقومية العربية ، وللبناء الديمقراطي التقدمي في بلادنا ، على مختلف المستويات الاقتصادية منها ، والاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية . بناء يرتكز الى الطاقات الخلاقة للشعب المغربي ، وليس للرعايا الذين لن يرتقوا يوما الى درجة مواطن ، فأحرى ان يصبحوا شعبا كامل الذات . وقبل الختام نشير الى ان النصف الثاني من التسعينات ، عرف تراجعا وتقهقرا للمثقفين ، الذين ظلوا يتمايزون في الساحة الثقافية بأطروحتهم الاصلاحوية الخجولة ، لصالح الدولة السلطانية في ثقافتها المخزنولوجية ، البتريركية ، والرعوية .. فمع مرض L’emphysème الذي أصاب السلطان الراحل الحسن الثاني ، وعندما أضحت حياته مجرد وقت تآكل ، وبدأ عده العكسي .. ونظرا للخوف الذي انتاب هذه الجماعة المثقفة الصغيرة ، وانتاب المشتغلين بالشأن العام على مختلف انتماءاتهم ، وتوجهاتهم .. من زحف التيار الإسلامي الذي يشكل الأكثرية ، والأكثر تنظيما عدة وعددا ، واصبح الجميع يستحضر التجربة الإيرانية التي أطاحت بأكبر دكتاتورية ، كان لها اقوى بوليس سياسي " السافاك " .. حتى سقطت الأقنعة عن الجميع ، وظهر ان تلك المتاجرة بالثقافة للوصول الى بيت السلطة ، لم يكن وراءه الدعوة الى الإصلاحات او الى التغيير . لكنه كان استثمارا في حقل ، وفي المجال الفضائي للنظام السلطاني ، الذي ظل نظاما سلطانيا قويا بهياكله الرجعية .. ومن دون مقدمات ستعرف سنوات اخر التسعينات الكولسة ، مع الأجهزة البوليسية للبوليس السياسي ، ومع منتمين للديوان السلطاني من أصدقاء ، ومن المقربين للسلطان حول العهد ( الجديد ) الذي نجح في استيعاب المنهزمين ، والمتربصين ، والمستعدين للبيع في كل شيء ، حتى المتاجرة بماضي كان في صلبه ، وفي اصله كاذبا ، يتعارض مع حقيقة الشعارات البراقة التي كانوا يرفعون .. وحتى يتم تجميع هؤلاء لاستعمالهم ، لإنجاح العهد الجديد ، انشأ صديق السلطان فؤاد الهمة جمعية للحوار سماها ( حركة لكل الديمقراطيين ) ، وسيتبعها بإنشاء حزب السلطان " حزب الاصالة والعاصرة " ، الذي كان يشتغل على خلق الحالة المصرية ( حزب حسني مبارك ) ، والحالة التونسية ( حزب زين العبدين بنعلي ) . أي السيطرة التامة على الدولة كآلية للكسب والاغتناء السريع .. لكن حركة 20 فبراير حالت دون تحقيق هذا المشروع . لكنه تحقق بآلية وطرق أخرى أوصلت المغرب اليوم الى حافة الإفلاس .. فبعد موت الحسن الثاني ، ومجيئ محمد السادس ، وارتماء الجميع في حضن الدولة السلطانية ، بدعوى الحيطة من زحف المشروع الاسلاموي الذي كان يطل من الثقب .. حتى تم تشييع اخر نعش في المشروع الثقافي اليساري . وبموت اليسار الذي ارتمى الباقي منه في أحضان الدولة ، يتنافس ليصبح موظفا ساميا ببرلمان الأمير ، الامام ، السلطان المعظم . او موظفا ساميا برتبة وزير في إدارة السلطان لتنزيل برنامج السلطان .. تكون القضية قد ماتت وانتهت . وتكون الثقافة التي هي قضية ، قد انتهت وماتت كذلك .. رحم الله الثقافة ، ورحم المثقفين ، وانا لله ( السلطان ) وانا اليه راجعون ، والعزاء كل العزاء لقضية شغلت الستينات ، والسبعينات ، وحتى النصف الثاني من الثمانينات .. فاستحالت الى اطلال لم يعد احد من ذاك الزمان يتغنى بها .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ويستمر نظام السلطان في الكذب على الرعايا . هل حقاً انّ الجمه
...
-
مجلس النواب الاسباني
-
هل يُحضّر النظام السلطاني المغربي ، لتنزيل الحكم الذاتي من ج
...
-
الصراع داخل القصر السلطاني المغربي .
-
قصيدة بعنوان : اضطهاد
-
تصريحات كاذبة . تصريحات مفندة . وتصريحات مضادة . هل تخطت الص
...
-
معارضة الخارج بين المعارضة البوليسية ، والمعارضة الارهابية .
-
بيدرو سنشيز رئيس الحكومة الاسبانية وبرنامج بگاسوس الاسرائيلي
...
-
شذرات في رسم خواطر في الثقافة السياسية ، كتبناها على ورق دفت
...
-
هل ستستعمل روسيا السلاح النووي للتغطية على الهزيمة في اكراني
...
-
هل رفضت الامم المتحدة اعتراف الدولة الاسبانية بمغربية الصحرا
...
-
حرية ، عدالة ، مساواة .
-
تفكيك مراحل تطور الدولة السلطانية البتريركية .
-
البرلمان الاسباني .
-
الى الضابط السابق في الجيش الملكي ، المعارض لمغربية الصحراء
...
-
11 ابريل 2007 - الحكم الذاتي - .
-
المعارضة في الاسلام
-
هل سيكون للرسالة الشخصية - لبيدرو سانشيز - رئيس الحكومة الاس
...
-
اهم مصطلح ساد في السبعينات اسمه - الانفتاح والاجماع -
-
زيارة وزير الخارجية الأمريكي الى الرباط ، والى الجزائر العاص
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|