|
تحالف الإسلام السياسي والشيطان
ياسين النصير
الحوار المتمدن-العدد: 1676 - 2006 / 9 / 17 - 09:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
1 نأمل أن يجد الإسلام السياسي العراقي قنوات للتعامل مع الشيطان بمفهومه المجازي الذي يعني العلم والتقنية والتطويروالتقدم، فطريق الاعتماد على الروح والغيب لوحدهما ثبت فشلهما تاريخيا،ومن يؤمن عكس ذلك عليه أن يتخلى عن افكاره ليجلس في جامع او تكيته ويدع غيره القيام بالمهمة السياسية. عليه أن يكون في الوقت نفسه مع الله في السماء، ومع الشعب على الأرض. والمعادلة لا تُفرض من الخارج ولا تأتي بدون قناعة أيديولوجية، بل من تلك الخطط والبرامج التي تُحدِثْ المجتمع. لا يمكن للإسلام السياسي أن يكون غيبيا وماديا في آن واحد، إن لم يكن مؤمنا بأن المزاوجة الفكرية بينهما تتطلب تضحية من نوع ما. ولنا تجربة مريرةعندما خطط صدام حسين لتحديث المجتمع العراقي بأن جعل خططه تمرعبرمثل هذه المزاوجة، لكنه، وهذا هو الخلل، أن جعل من نفسه وحزبة مركزا لعالمي الروح والعلم في آن معاً، فكانت النتيجة أن دمرالعراق بموارد العراق.فلا هو استثمر العلم لتنمية بلد بحاجة إليه، ولا هو استثمر الروح بما يفيد ترسيخ وحدة العراق. على الإسلام السياسي أن يجد الطريق للتنمية بأسلوب تتوازن بها الحاجة إلى العلم والروح معا،وذلك بعزل ماهو ديني عن ما هو سياسي.وبالرغم من أن الطريق إلى التنمية يستعير أدوات سير حديثة، لن يخلو الاعتماد على الروح لوحدها من مآسي، وهو ما يحدث الآن،لكن إلغاءها خطأ هو الأخر. فنحن في مجتمع شرقي، ولدينا طاقة مخزونة من قوى الروح، ليس بسبب الدين وحده،بل بسبب التكوين المثيولوجي الغائر في الذات الشرقية، وقد ظهر ذلك جليا في الفنون والعمارة والزراعة التي حملتها حضارة وادي الرافدين. فبامكاننا أن نستغل هذه الطاقة دون أن ننجرف وراء غرائزنا، وأن نعيد لها الاعتبار بوصفها طاقة بناءة لا طاقة مجيرة للشيطان الروحي.. ما يجعلنا في صلب الحداثة هو هذا الميل إلى الانفتاح على قوى العقل المبدعة المتمثلة بالمزاوجة بين العقل والروح، في مرحلة تبدو فيها امكانيات المصالحة مرحلية. فعندما عقد فاوست حلفا مع مفستوفيلس من أجل تحديث ألمانيا كان غوته يفكر باستثمار الطاقة المائية والاراضي واستخراج الحديد والصلب وتعميم الرياضيات ونشرالعلوم ووضع خطط التحديث للمجتمع المدني وبناء السدود واستثمار الموارد المائية وبناء أحواض السفن وتشغيل ملايين العاطلين، فكانت رؤيته هي مفردات فكرة النهضة والتقدم يومذاك، وكانت معظم هذه مفردات النهضة بيد الارستقراطية والكنيسة الفرنسية والألمانية- تعمل إيران الأن بالطريقة نفسها عندما تستحضر روح النار الزرادشتية للتقدم، مع بقاء عباءة الدين بنوعيها المحافظة واللبرالية تغطي كراسي الحكم مع الهناف الموت لغسرائيل يسبقها الله "أجبر"- ومع بداية 1800 اكتملت رحلة غوته نحو الحداثة بالتحقق عندما شقت قناة السويس على يد السان سيمونيين المتنورين الذي حولوا مجتمع فرنسا إلى طاقة من العمل.وعندما سيرت السفن العملاقة بضاعتها إلى الشرق وإلى الغرب فتحت الاسواق، واشتغلت ملايين الايدي العاملة، وبدأ عصر العلم يؤتي ثماره، وحُدثت ألمانيا لاحقا لتصبح دولة قوية. لكن الروح الالمانية المتحالفة مع الشيطان لم تكن بالقدرة كي تصون نفسها من الإنصياع لرغبات الشيطان التدميرية،فالعلم ليس كله إيجابيا، فكانت الحرب العالمية الثانية تحت عباءة الفاشية الألمانية لتقمع وبالروح الشيطانية نفسها من قبل امريكا والحلفاء. فكانت نتيجتها المعروفة بداية لانهيارالعلم الذي غلبت عليه روح التسلط في قنبلة هيروشيما الامريكية، وبداية لاستعادته بعد أن توازنت الروح مع العلم. وعندما هزمت ألمانيا ودمرت وبنيت من جديد، تمثل الشيطان هذه المرة بمشروع مارشال وقيادة الولايات المتحدة له،في حين تُرك لموسكو المنتصرة على الفاشية والغارقة في النشيد الأممي، أن تؤلف أغاني النصر لتُنشد تحت الرايات في الساحة الحمراء ، بينما يتعمق تحالف الروح في اوربا مع الشيطان لتبنى لاحقا. لقد كان حلم غوته أن يفتح الطريق أمام الملايين من البشر للعمل والتحرر وهو يعرف أن الطريق ليست معبدة باستمرار، ولن يقود سفينة التقدم معممون متخلفون عن ركب العلم فانسحبت الكنيسة أمام التقدم العلمي واحتفظ بهيمنة الروح على الناس- كان الجعفري رئيس وزراء العراق يحضر احتفالا دينيا فبدلا من أن يتحدث علميا عن الدين، راح ينفخ على الشيطان بفمه كي يطرده من الحفل، كما لوكان ساحرا في حضرة نسوة يطلبن الوفاق مع ازواجهن- فمسار الحداثة لا يتم بالإيمان الغيبي بالروح وحدها، بل بالروح العملية تلك التي تنهض قوى الناس المبدعة لتقربها من الله، تلك القوى النشطة في المخيلة واليد كما دعى الله سبحانه البشر للعمل، لا للخنوع والسكينة خلف ابواب الجوامع والحسينيات كي ينتظروا العطايا والنذور والمنح. ان توفير فرض العمل، هو جزء من بناء الروح، وليس لاشباع حاجات الجسد. فهل نعي أن الروح لا تعني العبادة والشعوذة فقط، بنا البناء المشيد على قناعة أن عمل الإنسان هو صفحته البيضاء؟ ومع ذلك فالطريق لا يخلو من مأسي عندما يبدأ العمل بتغيير الخرائب المتداعية التي ستزال لمباشرة عمليات البناء، كما يقول مارشال بيرمان.هذا ما جعل العراق في عهد الدكتاتورالسابق متقدما على المرحلة التي سبقته علميا وتقنيا بوجود عشرات المصانع، وورشات العمل، وآلاف العلماء، ومئات المؤسسات، وبنى جيشا قويا، لكنه ابقى على العقل خاضعا لقواه الشيطانية التدميرية، السبب هو ايمانه الساذج أن كمية النقود الموجودة تحت يده في البنوك قادرة لوحدها على تحديث العراق، وكان يعتقد أنه وريث سلالة الأنبياء، هذا ما قاله يوما وهو يزور يوغسلافيا قبل انهيارها: أسألهم، يقول لطارق عزيز: كم نبي نزل في ارضهم؟ وكم نبي نزل في ارضنا؟!! كان صدام حسين مشبعا بافكار توحي له أنه الروح الكلية، وعليه يقع قدر الأمة، فكانت النتيجة أن فقد الطريق إلى العقل، فدمر العراق بموارد العراق نفسه.فتحولت تلك المشاريع الكبيرة إلى مشاريع اثقلت العراق، وهو امر يثير الاستغراب، ان تبني مفاعل تموزالنووي وتعجزعن حمايته، أو أن تؤسس جيشا وتوظفه للحرب، أو أن تؤسس منظمومة اجتماعية حزبية وتجعلها رقيبة وقامعة للناس. مازلت أمني نفسي أن لا يضيع الاسلام السياسي فرصة التحالف مع الشيطان العلمي من أجل تحديث العراق، وأن يلغي كل النغمات النشاز التي تغني اغنية العودة إلى الوراء. فالطريق إلى تحديث العراق يمر هذه المرة بالتحالف مع قوى الاقتصاد العالمي عندما نعي أنهم بحاجة لمواردنا، حاجتنا إليها للتنمية. فنحن نملك كل قوى التحديث، ما ينقصنا هو العقل، هو طريق التنمية وثقافتها. 2 ما نلاحظه أن الاسلام السياسي العراقي لايعقد حلفا مع الشيطان العلمي،بل مع الشيطان الروحي، ذلك الذي عاش مع الملائكة ثم نزل للأرض ليغوي السياسيين وليعبث في الأرض فسادا إلى يوم يبعثون، هذا هو الشيطان الذي يعقد الإسلام السياسي الأن معه أحلافا ومعاهدات ومشاريع تنمية كبرى، ولكن للتخريب. فالعقول التي تسكنها عشرات الشمطاوات الشائبات وهن يحملن تعاويذ السحر وكشف الغيب هن اللائي يقدن مجتمعا مثل العراق الذي لن تصفى له شائبة بوجودهن ما لم تتمثل كل قواه في استحضار روح المبادرة الخلاقة لدى العراقيين في البناء والتقدم. وإذا كان فاوست قد طرد النساء الشمطاوات الشائبات المتمثلات بـ "الحاجة والعوزوالذنب والهم" بالتنمية والعلم، بالرغم من بقائهن في عقله،بقي " الهم" ملازما لفاوست، و" الهم" كما يراه فاوست نفسه لا يلغى أو يزاح إلا بالحرية كما يشير بيرمان. فهل يؤمن الأسلام السياسي بالحرية؟ .كل ما يفكر فيه الإسلام السياسي أن يبقى محافظا على الخوف من الشيطان العلمي، بعد أن وسم امريكا بأنها الشيطان الأكبر، لذا فهو لا يقترب منها ليس لانها امريكا، بل لانها سميت من قبل الاسلام السياسي الإيراني بالشيطان الأكبر!!. في حين أن شيطانها الروحي والديني، عربي وفارسي وطائفي وتكفيري، وهؤلاء يمكن محاورتهم ولعب الأدوار معهم. فهم من انفسنا وقريبن منا، ونرميهم إذا ما غضبنا بالحجارة، أو نأكلهم إذا ما كانوا من تمر. فلا تصدقوا أن الإسلام السياسي العراقي لا يتعامل مع الشيطان الروحي الذي نعرفه لعقد اتفاقات هائلة معه، لا بل أنه تحول من مشروع فكرة لإغواء البشر، إلى مشروع عملي نوظف له التقنيات الحديثة؛ من ريموت كنترول ومواد كيمياوية ومعامل لصنع المفخخات، ونقود،وراسمال خليجي وأجنبي، وحسابات في بنوك عالمية، ومكاتب للصيرفة، وجنود اميون يؤمنون أن التحالف مع الشيطان يقضي على الشيعة وعلى السنة وعلى المسيحيين والصابئة. ونؤسس له شركات من الشاحنات ومن أنابيب النفط المخفية تحت البيوت وأن نختزن الأسلحة في الجوامع، شيطان موظف للتدمير عندما يفرخ ملايين الابناء الجدد.. هذه كذبة تروجها أحزاب الإسلام السياسي في العراق وفي الوطن العربي من أنهم يتعوذون من الشيطان الرجيم صباح مساء، ويصلون من أجل أن لا يدخل بيوتهم ومساجدهم، ويغوي نساءهم وابناءهم كي يجعلوا العامة تصدقهم بأنهم لا يقتربون من الشيطان ولا يتعاملون معه، ولا يعرفونه، بل ويقولون له من بعيد: كف عنا، فنحن قوم مسلمون، نخاف الله،ومسالمون نبغي الأمن لشعبنا، وإياك أن تقترب من جوامعنا، وحسينياتنا، وبلداتنا، ونفطنا، وآثارنا، ومليشياتنا، ومفخخاتنا،ولطمياتنا.فقد جعلناها في حرزيصونها من شرورك. فكف الشيطان عن الظهور،بعد أن أخذت امريكا منه صفة الشيطان الأكبر،وأن الشرور كل الشرور ستأتي منها، فهي سبب بلاء العالم في راي الئمة والخبراء، لما تمتلكه من علم وتقنية وخبرات وزورات دائمية للكواكب والنجوم، وتسعى لاكتشافات هائلة في الطب والفلسفة والتكنلوجيا،لخدمة البشر وحرية للانسان، وللقضاء على الامراض والمجاعة، وأنها تساعد الملايين بتغذيتهم، وبسعيها المستميت الذي تخسر عليه مليارات الدولارات من اجل تثبيت الديمقراطية. هذه هي امريكا الشيطان الاكبر فاجتنبوه أيها الناس فنحن مسلمون والمسلم لا يصدق ما يقال له في اعلام امريكا ومريديها الصدق كل الثدق خذوه من أفواه المعارضين للشيطان الأكبر.. أما الشيطان الذي نعرفه لم يعد أكبرا أو اصغرا، فقد ألغي تماما من عقول المتحديثين والصحفيين المرتزقة والشعراء والقوادين، وبقي غسما غير ذي نفع على السنتهم، فاستدار لربه ضاحكا: ألم اقل لك دعني إلى يوم يبعثون؟ فبعد أن ايقن الشيطان أنه ليس المقصود بما ينعته الساسة الأسلاميون وأن كل النعوت المشينة والسخيفة ذهبت لأمريكا، ركن نفسه مقهقها في كل زاوية وبيت، وتحت كل عباء وعمة، وعلى كل لسان وقلم. فدخل المجالس والجوامع والصحف والإذاعات والفضائيات،دخل لغة الخطاب السياسي والديني، فاقيمت له التكيات والمنابر، واطمئن إلى أن الإسلام السياسي لا يتعامل معه إلا بالشتم،وهو ما يرتاح إليه، فشتم الشيطان تعظيم له، فإذا كان أباؤنا وعددهم مليونا شخص قد شتموه كثيرا وغطوه بحجارة مكة حتى هامة رأسه، الأن يوجد أكثر من مليار مسلم يشتمه، وأحد عشر مليار حجر يلقى عليه، فمن هو الاكثر حظا بالحظور على ألسنة الناس؟. الآن ينزل الشيطان من على منصته ليبدأ العيش بيننا، نفكر كما يفكر، ويقودنا كما يريد، ويعبث بنا كما يحلو. له فقد مهد الجميع له الطرق للدخول إلى المنطقة الخضراء والحمراء والصفراء والملحاء، دخل البيوت كما دخل النفوس، وهيأ مصانع التدمير وعبد الطرق للنهب والسلب واستيراد السلاح، ووضع على ألسنة الجميع كلمات متقاطعة تؤدي إلى التدمير. يعقد الشيطان الصفقات مع تجارالسلاح، وصناع المفخخات، ومهربي النفط والالمنيوم والزجاج، فاقام له مخافر حدودية تمتد من زاخو حتى الفاو، نوافذ منفتحة على تركيا وعلى سوريا وعلى السعودية وعلى إيران ومن خلف هذه الدول تفتح دول جيران لها مخافر أخرى. مرورا بكل نوافذ الصحراء الغربية ووديان ووهاد المنافذ الشرقية، واسس له ميليشيات مسلحة تحمي طرقه ومنافذه ، تجيد صناعةالكذب وتزوير الوثائق والشهادت وسياقة الشاحنات. فقد ايقن انهم يعملون ما كان أريده منهم تماما، إن لم يتفوقوا عليه: فقد استأجر لتهريب النفط أناس من هذا الوطن، فمارسوا طريقة مخلة بشرف المواطنة. وأسسوا بثمن النفط المهرب مليشيات وجماعات وأحزاب سماها الشيطان باسماء الله وهي البعيدة عن اسم الجلالة. واستأجر أناسا شعبيين تطرق بمعاولها الهادمة كل تل وموقع وحجر لتسرق ثروة البلاد وتهربها، فالحضارة عدو لهم، وتراث حضارتنا ليس تراثهم، فكان ما عملوه في آثار العراق ومواقعه يعجز الشيطان الأكبر عن القيام به، وبدأت أحزاب الإسلام السياسي تؤسس جيوشا ليعبدوا رؤساءهم، بدلا من عبادة الله، فما تسمعه في فضائياتهم من أسماء يسبغونها على رؤسائهم يخجل الله سبحانه منها، فيضحك الشيطان وتصل ضحكاته لكل دول العالم، هو الآن اعظم معبود، يفوق بوذا في شرق اسيا، ويفوق زرادشت وكونفوشيوش، ويفوق العلم، فهو اكثر الحاضرين في عالم اليوم شتما ولعنة، يفوق ما يشتم به بوش في غزوته المحررة، فالشيطان الآن قائد للمليشيات، التي تغتال الناس وتقتل الاخضر والأصفر والأحمر، وتوزع الحلوى المسمومة، والسيارات المفخخة والمحمية بـ الله وأكبر، ويجفف النبع والمورد، ويعبث بارض العراق، ويرتزق من المال السحت. فاي مغنمة سيكسبها الشيطان بعد هذه المغانم؟.
2 وإليك ما يفعله تحالف الإسلام السياسي مع الشيطان:
اخر الاخبار تقول أن 50 الف طن من النفط الأسود ضاعت بين مصفى الدورة والمسيب، وأن خمسين شاحنة محملة بالمواد التموينية هربت عن طريق الحدود مع سوريا لم يجد أحد لها أثرا. وأن الف وخمسائة شاحنة محملة بالألمنيوم المنتزع من الطرق والجسور والمصابيح قد هربت إلى ايران عن طريق السليمانية. وان مليون راس غنم وجمل هرب عن طريق صفوان والزبير والحدود إلى دول الخليج. وان اكثر من 10 ألاف قطعة آثارية ما تزال مهربة في بلدان العالم. وأن ملايين، بل مليارات الدولارات لدى اصحاب كابونات النفط الجدد، وليس ما كان فقط في عهد صدام حسين. وان 26 ملجأ لتهريب النفط على الطريق بين ابي الخصيب والفاو فقط، وأن ألاف الشاحنات تعبر يوميا لتورد حملوتها لتنكرات مخباة في البساتين الجنوبية. وان ملايين الأطنان تهرب عبر ميسان والناصرية والكوت وبعقوبة والسليمانية ودهوك،والموصل وان نسبة البطالة بين القادرين على العمل من بين سن 25-40 هي 30% اي ما يعادل مليونين إنسان. وأن قيمة تهريب النفط يوميا تقدر بـ 8 ملايين دولار. اضربها في 30 يوما ومن ثم اضربها في 12 شهرا ستكون النتيجة بين 5-6 مليار دولار. وان 20- % من السكان يعيشون تحت خط الفقر، اي اقل من دولار واحد يوميا. وأن 40 % ممن يكون دخلهم اليومي دولارا واحدا. وأن نصف العاطلين عن العمل هم مليشيات عاطلة ومخربة. وأن 350 مليون دولار هي منح لحوالي مليون ونص عائلة عاطلة لم يصل نصفها للعوائل المحتاجة. وأن البطاقة التموينية فيها زيادة مليون اسم على عدد نفوس العراق، وأن هناك هجمة منظمة كما يقول خبراء النفط لقتل الكوادر العلمية... وهناك وهناك وهناك ....إلى ما ستكشفه حقيبة الشيطان الذي يعشعش في عقول الساسة.
3
كانت اليوتيبيا الماركسية واحدة من الأفكار التحديثية في المجتمعات العربية والإسلامية، لكنها كانت تحتاج إلى نص محلي يقرأها ويمثلها،وهو ما افتقدته طوال سنوات، لكنها عادت اليوم لتفتش عن النص المحلي فوجدته ممتلئ بأفكار الشيطان.ما العمل ونحن عراقيون ويجب ان نطبق افكارنا هنا قبل أن تكون هناك،وأرضنا ومجتمعنا وكل ما هو موجود ممتلئ بالشيطان. فاينما تروح تجده، واينما تحل تجده، فهل تتركه معافى؟ أم تقتحم معقله لتحاوره او لتلغيه أن أمكنك ذلك؟. هذا هو السؤال الجدلي الذي نعيشه، الشيطان بيننا، ويجد من يربيه ويطعمه ويحافظ عليه، ويسن له القوانين لحمايته، ويراعاه، ويؤسس له ويزرعه، ويبذره، وينشؤه، ويغذيه، ويربية، ويتبناه، وهناك من يدخله البرلمان ومن يجعله حاكما أحيانا؟ فهل نلغيه أم تتعامل معه؟ الشيطان ليس فكرة، كي يلغى، ولا هو راي كي يحاور، ولا هو عدو كي يحارب، او صديق كي يجاور، بل هو هذا الذي نحاول ان نعمله لصالح البلاد، لكنه يقفز مسلحا مدججا بالخبث والكراهية ليقطع الطريق على اي مشروع.علينا أن نهدأ، فالشيطان ليس نصبا نرجمه، ولا كلمة نتعوذ منها، ولا هو فكرة نحذفها، ولا هو سطرا في نص نلغيه، بل هو موجود تحت اللسان، وفي الكلمة، وفي فراش الزوجين. ما حدث بعد ثورة تموز 1958 بداية مشابهة لما حدث بعد 9 نيسان 2003 ، لكنها كانت بداية أكثر تنظيما،لم تسقط الدولة ولا مؤسساتها، لذا بقي الحلم الوطني قائماً، وبالامكان التعامل معه كوجه من أوجه الحداثة، وحين اكتشف الشارع العراقي أن تلك الحداثة غير مفهومة بالنسبة لطفولة التجربة الوطنية، ولعدم وجود رؤية تحديثية كاملة للمجتمع، بادرت قوى الردة على استيعاب هذه الفوضى بتنظيم ظاهرة العنف،والتشكيك فدخل اليدن بعمته وشياطينه لاجهاض تلك التجربة. وببساطة انكفأت مرة أخرى تلك الجماهير الصاخبة لحجورها، تقرأ القرآن علّه يجد لها حلا. الحل كان مزيدا من فتاوى القتل والسجون والتخوين، واصطفاف قوى عربية واجنبية للإجهاض، ليس على مشروع ثورة تموز فقط، بل وعلى مفردات النهضة العراقية. ومرة أخرى عاد المشروع الماركسي الحداثوي للسجون، ليبقى ثلاثين سنة كي يتفتت وهو داخل السجن إلى حداثويات كثيرة، منها ما يمكن أن نطلق عليه لاحقا فوضى التنظيم السياسي. 4 أرجو أن لا يفهم من العنوان أننا نتكلم عن الدين، فالدين هو أحد السبل المتقدمة للبشرية لخلاصها من مجتمع المشاعية والعبودية، بل نتكلم عن الإسلام السياسي الذي يوظف الدين كي يلتصق أكثر بالشيطان،ليعقد معه الصداقات،بل ولينشئ له مزرعة للإنبات، ومدرسة للتعليم،ومعلمين للتدريس،وطلابا لدراسة طرق التقرب إليه. فالشيطان الذي يريده الإسلام السياسي لنا هو رؤيتهم القاصرة لبناء خطابهم السياسي، ولتوجهاتهم في بناء الدولة والمجتمع. ولذا سيبقى الشيطان ملتصقا بالفقير والمريض والامي، و صديقا لصاحب الحاجة والبناء المهدم، والمدينة المتاخرة، والعلاقات المشوهة، والثقافة المحجبة، والموكب المرتبط بادوات اللطم والتطبير والتعازي والتكيات. شيطان ندفع شروره بالنذور وبالعطايا وبمنح الاراضي والوقفيات،وبترديد شعارات بالروح بالدم نفديك.... وبالوقف صفوفا غبية بانتظار من يفجرها،الشيطان الذي يفكرون به هو أن نبتعد عن العلم، فالعلم يقود للعلمانية والمجتمع المدني والديمقراطية والعدالة والحرية والثقافة. وهذه المفردات لم ترد لا في الكتب، ولا في الأسانيد والمراجع الدينية ، فهي الرمي إلى التهلكة.الشيطان الذي يفكرون به هو أن لا نسعى لبناء مجتمع الحداثة، فالحداثة ضد الرايات السود، والاكفان البيض، والخضر،وضد اللطم، وضرب الخناجر في التكيات، وضد الوهابية كما انه ضد الإمامية، وضد القومية الكردية، كما هو ضد القومية العربية والتركمانية.الشيطان الذي يفكرون به كائن خرافي متجدد،لا يظهرإلا للفقراء وللعاطلين وللمساكين وللمعوزين وللمرضى ولفاقدي الحاجة ولذوي العاهات ولغيرالقادرين على العمل، أما هم فلا يظهر لهم الشيطان ولا يجعلهم في مقدمة موكب للزيارة سيفجر بعد حين. فهم يدفعون الشيطان عنهم بالنذور وبالعطايا وبالرشوات وبالنفخ في وجوه الجان الأشرار، وبالدعاء لاستسقاء المطر وبذر البذور، وبالدعاء ليحل العمل محل البطالة، والبناء بالطابوق بدلا من البناء بالبردي والقصب، وخبرالأفران بدلا من خبز التنور، وملابس الافدنية بدلا من الدشداشة والجراوية، ولعب البليارد بدلا من الدومينو، والقلم بدلا من المسبحة. فلا شيء يقضي على هذه الشرورغير الوقوف قياما وقعودا طوال الليل والنهار رافعين رؤوسنا للسماء أن يديم حضور الشيطان في بيوت وشوارع الفقراء.. ففي كل زمان للشيطان هيأة وتكوين وشروط حياة، وفي كل مكان له صورة يرسمهاالاسلام السياسي له، فهو في فلسطين يهودي يجب قتله، وهو في مصرفرعوني يجب حذفه،وهو في العراق سني وشيعي يجب تصفيتهم، وهو في السعودية الثروة يحب تبديدها، وفي ايران الأمريكي يجب ان يلعن لانه الشيطان الأكبر، وهو لدى المسلمين غيره لدى المسيحيين، وهو لدى الصابئة غيره لدى الأيزيدية،وهو في لبنان متعدد تعدد طوائفه...الخ. فمثل هذا الشيطان هو الذي يجب أن يخلقه الإسلام السياسي وأن يعتاش عليه، محاربته تعني تغييبا لمشكلات العراق لتستبدل بمشكلات الطائفة، وتغييبا للوطنية لتستبدل بالفدرالية، وتغييبا للثورة لتستبدل بالاصلاح، وتغييبا للتقدم ليستبدل بالاحلام، وتغييبا للعلم ليستبدل بالسحر والشعوذة، وتغييبا للحداثة لتستبدل بالتخلف. فشيطان احزاب الإسلام السياسي ليس شيطان الفقر الذي يجب أن تحاربه خطط الدولة، وليس شحة الكهرباء الذي تسعى إليه اجهزة العمران، وليس شحة المياه الذي يتسعى غليها النوايا، ولا قلة الزرع، ولا البطالة ولا غياب الحوار الديمقراطي، ولا انعدام الحرية، ولا عدم الاستقرار والهدوء، ولا ضياع فرص السلام بين الناس، بل هو شيطان الحرب، وشيطان الفوضى، وشيطان المليشيات، وشيطان التهجير والقتل على الهوية، وشيطان الشحة والفاقة...مثل هذه الشياطين هي الموجوده في فكر احزاب الإسلام السياسي الحاكمة وغير الحاكمة، شياطين يصنعوها هم ليظهروها في احاديثم وندواتهم، شياطين يخدرون الناس بها في بيوتهم، وفي منظماتهم الحزبية، وفي المدن التي يجهلونها، وفي نوايا وافكار من يشاركهم المسؤولية. يصنعون شيطانا لا يخيفهم هم، بل يخيف من يبحث عن عمل، ويطالب بالعدالة. شياطين مسلحة بادوات القتل والتدمير،لا بمعاول الزرع ومناجل الحصاد، ومطارق العمال، ومعامل الصهر والنسيج والكهرباء والخيرات،وبناء السدود، شياطان لا تحارب الشيعة، بل تحارب السنة، ولا تحارب السنة بل تحارب الشيعة، ولا تحارب أهل الغربية بل أهل الشرقية، ولا تحارب الاكراد بل العرب والتركمان، ولا تحارب العرب والتركمان، بل المسيحيين والمندائيين.....ولله في خلقه شئوون. عندئذ نعود لبيوتنا مطمأنين بعد أن أخبرنا الحكام أن الشيطان مسيطر عليه، وانه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وان خطط الأمن الإولى والثانية والعاشرة ستقضي عليه،وها هو في مقبض اليد، وأن حياتنا ستسير على خيرما يرام. لكننا نفاجأ أن الليل يمسح أقوال الساسة في النهار، ويشطب على بيانات القادة ومؤتمراتهم الصحفية، وندوات القناة العراقية، وتصريحاتهم في مجالسهم الخاصة وفي برلمانهم العتيد. انهم كالسور المالح في قصة ياجوج وماجوج اللذان يلحسانه ليلا كي يصل أحدهما بالآخر، لكنهما قبل أن يكملا العمل يطلع النهار عليهما، فيعود السور كما كان ثانية، وعليهم ان يمارسا لعبة اللحس في اليلة القادمة، علهما ينجيان قبل طلوع الفجر، وفي كل مرة نجدهم كما كانا: متقابلين، يفصل بينهما الجدار المالح، ولن يصل أحدهما للآخر، ما دام الفجر يكشف أنهما كانا مذنبين.
#ياسين_النصير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناقشة هادئة لوثائق المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي
-
تراجيديا رجل الدين العراقي
-
الاسلام السياسي وصورة الحداثة في العراق
-
الاسلام السياسي وعنف المواكب
-
الإسلام السياسي وعنف المقال
-
فشل أحزاب الإسلام السياسي في العراق؟
-
المقال الثاني : العنف وتخطيط المدن
-
العنف وتحطيط المدن
-
الطائفية مصطلح بغيض
-
مرايا المقهى
-
الثقافة والمرحلة العراقية
-
الصين وافق الحداثة في العراق
-
سوق هرج
-
الرؤى السردية
-
كتاب شعرية الماء
-
حوار مع الدكتور كاظم الحبيب
-
عن المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي
-
مكونات الطبقة الوسطى العراق نموذجاً
-
قراءة في رواية الضالان
-
أدباء عراقيون - الشاعر سعدي يوسف
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|