|
السهر مع رجل غيرك
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7267 - 2022 / 6 / 2 - 21:36
المحور:
الادب والفن
----------------------------------- دعانى صديق قديم إلى العشاء . لم أتساءل بأى ثوب أذهب إليه ، وهل أرتب خصلات شعرى ، أم أتركها فى فوضاها المعهودة ، ما فائدة السؤال ؟ . والأثواب كلها دون رؤياك ، باهتة الشكل والقوام . ما فائدة السؤال ؟ . وخصلات شعرى تقفد – وهى غائبة عنك – سحر العنفوان . دعانى صديق قديم إلى العشاء . لم يحيرنى اختيار المكان أو الزمان . فكل الأمكنة والأزمنة ، التى لا تجمعنى بك سواء . استقبلنى صديقى القديم بدفء مؤجل سنوات ، وابتسامات ود معطرة الأشواق . أرد الدفء والود فى لا مبالاة . كيف أبالى ، وأنت وحدك الذى يسكن خيالى ، ويهفو على بالى ؟ . يسألنى صديقى عن حياتى ، وأحوالى ، وأخبار صحتى ، ومزاجى . يطلب مشروباً أحبه ، يقدم لى هدية ، يرسل نظرات الصداقة المتزجة بالإعجاب . بينما أنا سابحة فى ملكوت أخر ، أسمه " أنت " . أشعر بالذنب . فالصداقة القديمة ، تحتم أن أهتم ولو قليلاً ، بهذا الرجل الجالس أمامى . أتذكر أننى فى وقت من الأوقات ، كنت معجبة به . الليلة ، أتأمل ملامحه ، وأستمع إلى كلامه ، فأجدنى محايدة تماماً تجاهه . كيف تغيرت إلى هذه الدرجة ؟ . كيف وصلت إلى هذا الحياد العاطفى ؟. لكننى لست مندهشة . منذ عرفتك ، وأحببتك ، وأنا محايدة تجاه كل الرجال ، أنت تملؤنى . بقسوتك ورقتك ، ترضينى ، وتفرحنى . " احتليت " كل خلية فى كيانى ، وامتزجت بدمى . الرجال كلهم مقارنة بك ، مجرد أشخاص ، يروحون ويجيئون أمامى . هم راكدون و " أنت " نار متأججة .. هم خانعون ، و " أنت " ثورة عارمة .. هم عاديون فى كل شىء ، و" أنت " غير عادى فى كل شىء ، " أنت " جميل الوجه ، وجميل الخطوات ، وهم لا يلفتون النظر ، أو السمع . نفوسهم منكسرة ، ونفسك أنت تسكن العلياء . لك جسد ذو كبرياء عفيف ، وأجسادهم هم متأكلة لا تعرف الحياء . فكيف بعد أن عرفتك ، وأحببتك ، يستهوينى أى رجل كان ؟. كيف بعد أن عرفتك ، وأحببتك ، لا يكون الحياد العاطفى هو ، حالى مع كل الرجال ؟. يسألنى صديقى : " فيم تشردين " ؟ . قلت : " لا شىء " . برقة يهمس : " وحشتينى " . قلت : " أشكرك " . يسألنى : " ماذا بك ؟ لم أتوقع أن أراكِ هكذا " . قلت : " أعذرنى .. أنا الليلة منفصلة عن العالم والبشر والأشياء .. " قال : " معرفتى بك تؤكد أنك مشغولة القلب .. أحكى لى عن الفارس الجديد الذى أخذك من العالم ، والبشر ، والأشياء ، وجعلك تشردين وأنتِ معى ". فقط هذه اللحظة ، حين سألنى عنك ، بدأ اهتمامى بالجلسة . ظهر البريق فى عيوننى ، انتعش الدم فى عروقى . فقط حين سألنى عنك ، بدا المكان جميلاً . وأصبح هناك مبرر وجيه للحديث ، والابتسام ، وتناول العشاء . لست أدرى كم مضى من الوقت ، وأنا أتكلم عنك . قلت كل شىء ، ولم أقل شيئاً . حكيت عن كل شىء ، ولم أحك شيئاً . فأنت ، رجل لا يُقال ، ولا يُحكى عنه . أنت مثل الحياة ، سر كبير ، يظل كامناً بالقلب . أعيشه ، ولست أستطيع الإفصاح عنه . لست أدرى كم مضى من الوقت ، وأنا وصديقى ، نشرب نخب اشتياقى إليك ، وولعى بك . قال صديقى : " أول مرة أراكِ بهذا الحب " . قلت : " و أخر مرة . إنه الرجل الذى لا تمن به الحياة إلا مرة واحدة . إنه عابر السبيل الذى ينزل ضيفاً ليلة على البيت . ويرحل بعد أن يقلب حال الأشياء .. إنه الألم اللذيذ الذى يمنحنى الحق فى الحياة . وهو الظمأ الذى ينتظرنى بعد كل رشفة إرتواء " . يرمقنى صديقى بنظرات متداخلة المعانى .. يقول : " بداخلى مشاعر متناقضة . أحس بالغيرة . طالما تمنيت أن كون أنا منْ يفجر لديك هذه الأحساسيس . لكننى أيضاً أحس بالشفقة عليك ... حب كهذا يمكن أن يدمرك ". قلت : " إنه قدرى ، لا أملك الهروب منه ، حب عمرى المؤجل طوال العمر . ليته يدمرنى حتى أهتدى إلى سر وجودى " . يسألنى : " لماذا هو بالتحديد ، أهى الفرحة بعد أن فاض قلبك بالأحزان ؟ " . أقول : " مجرد وجوده معى تحت سماء واحدة ، يغمرنى بفرحة غريبة المذاق . هو يفرح عقلى ، ويفرح قلبى ويفرح خيالى . الفرح مع غيره مستحيل . لكن هناك أكثر من الفرح معه . كل شىء عنه ، ومنه ، حكاية أعيشها مثل الأساطير . لست أدرى أين الخيال فيها ، وأين الحقيقة . كل لقاء معه مصير مجهول . إذا شاء يدخلنى إلى النعيم ، وإذا تعكرت مشيئته ، أرسلنى إلى الجحيم . معه أنا لست فى علاقة مع رجل واحد . إنه رجل جديد كل يوم " . يقاطعنى صديقى : " ولأنك امرأة متجددة كل يوم . يلائمك جداً هذا الرجل " . أبتسم ، ويأخذنى الشرود إليك . يتركنى صديقى فى شرودى لحظات ثم يسألنى : " ما اسمه ؟ . ما اسم ذلك الرجل الذى لا تمن به الحياة إلا مرة واحدة ؟ " . أفيق من شرودى ، وأنظر إلى صديقى .. لكن عيونى لا تلتحم إلا بملامحك أنت . يكرر السؤال : " ما اسمه ؟ ". قلت : " اسمه مكون من أجمل الحروف ، مشتق من أنبل الغايات ، لاسمه رنين الموسيقى ورقة الأشعار ، وفضية الماء .. بين كل حرف وآخر ، وهج ، وحكمة ، وشىء من الأسفار " . يقول صديقى : " ألن تبوحى باسمه ؟ ". قلت : " ماذا يفيد البوح مع رجل أشبه بالأساطير ؟ ... ماذا يجدى البوح مع رجل يتجدد كل يوم ؟ " . يصمت صديقى لحظات ، يكاد ينطق بشىء ، لكه يتردد .. يصب لى كأسا أخرى .. فى صمت أرتشف المشروب .. أقول : " تصور ، هذا المشروب تذوقته لأول مرة معه . جعلنى أحب هذا المشروب الذى أصبح ثالثنا فى أمسيات الوصال " . يقول صديقى : " لم تتخيلى أن تشربيه مع رجل آخر .. أليس كذلك ؟ " . قلت : " أحس أنه مشروب مختلف " . يقول : " معكِ حق .. مذاق الصداقة غير مذاق العشق " . قلت : " صحيح .. لكننى لست فقط فى حالة عشق .. تصور أن كل شىء أمارسه معه له طعم مختلف ، الهواء الذى أتنفسه معه ، ليس هو الهواء . والماء فى حضوره ليس كالماء . لا الأشكال هى الأشكال ، حين أكون معه ، ولا الألوان هى الألوان . حين تلمسنى يداه ، تهجر الأرض مدارها ، وعن الأنظار تُحجب السماء " . يهمس صديقى : " أحسدك وأخاف عليكِ من هذا الطوفان " . تسحبنى تنهيدة عميقة ، أقول هامسة : " هو الطوفان الذى ينقذنى ، وهو الفناء الذى يبعثنى من جديد " . تركت صديقى القديم، وأسرعت إلى بيتى ، لأختلى وحدى بذكراك . الليلة ، كم أنا فى حاجة إلى صحبتك . كم أحن إليك ، وأتمنى لو ينتهى الليل وأنا بين يديك . أخرج للسهر والعشاء مع غيرك ، فإذا المساء كله كان معك . أريد أن أحكى لك عن هذا الموقف الغريب . لابد أن تعرف ، أنك ألغيت كل الرجال فى نظرى . أنت مَنْ أحمله ، على إمتداد قامتى ، وأنت مَنْ أشتهيه . يرن الهاتف .. يفاجئنى صوتك الدافىء فى لهفة متسائلاً : " أين أنتِ ؟ حاولت الأتصال بكِ أكثر من مرة " .. تهزنى المفاجأة ، والفرحة .. أقول : " دعانى صديق قديم إلى العشاء " . قال : " يا لها من مصادفة .. أنا الأخر سهرت الليلة مع صديقة قديمة عادت من السفر .. تصورى ، قضيت الوقت كله أكلمها عنكِ دون أن أقصد ..... كنت أشرب معك أنتِ ، وأتناول الطعام معك أنتِ .. تعجلت انتهاء السهرة لأكلمك .. " . أقاطعه : " أريد أن أراك .. لابد أن نلتقى الليلة .. أنا قادمة إليك ". بمزيج من الدهشة والترقب يسألنى : " أحقاً ستأتين ؟ . أنا فى انتظارك " . لم أشعر بنفسى ، إلا وأنا أقود سيارتى ، فى الطريق إليه .. يا كل العمر المؤجل من الفرح ، الليلة أزف إلى عينيه . ما أحلى أن بنتهى الأجل الليلة .
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحباب الله ليسوا أحبائى ...... قصيدتان
-
حُريتِك هى حُريتى
-
ما اسم هذه الحياة ؟ .... قصيدة
-
- فاتن - لم تخرج من الفن لتدخل الجنة
-
الغرف السِرية .......... قصيدتان
-
حصرية الجدل الأخلاقى مع النساء وقانون - ازدراء الحرية -
-
دمى يسبق دربى ..... قصيدة
-
عند مماتى قصيدة
-
المعوجة الضعيفة المحاصرة بالشرف والفضيلة
-
داخل كل بيت مغلق هناك - صّياد - و - فريسة -
-
أنا ...... قصيدة
-
الاحتفال الحقيقى المثمر بالعمل .. سبب الوجود وأصل الحياة
-
لن يأتى ..... قصيدة
-
الكحك والفسيخ ... قصيدة
-
شاعر يكتب قصائده بدمه وحزنه وعشقه للبحر
-
مجد الكتابة
-
الأعياد بعد أمى - نوال - .... قصيدة
-
القبر الضائع ...... ست قصائد
-
الأحلام لا تتزوج قصة قصيرة
-
رمضان والدولة المدنية
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|