أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور - الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية سوسيولوجية















المزيد.....



الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية سوسيولوجية


وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور

الحوار المتمدن-العدد: 7267 - 2022 / 6 / 2 - 12:19
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


تمهـــــــــــــيد
تعد الحوكمة متطلباً أساسي لضمان تطور القطاع الحكومي واتخاذ القرارات الرشيدة التي تراعي متطلبات وتوقعات جميع المعنيين والمستفيدين من خدمات القطاع الحكومي، وأن تطوير أنظمة عمل متكاملة وتحديد المسؤوليات وأطر العمل والإلتزام بها يضع الأسس الصحيحة للحوكمة والإدارة الرشيدة. وتعزيز ثقافة التميز والإبداع ونشرها على كل مستويات العمل الحكومي لجعل الحكومة في مصاف الحكومات العالمية .
و قد أكدت العديد من الدراسات على أهمية الإلتزام بمبادئ الحوكمة وأثرها في زيادة ثقة الشعب في إدارة الحكومة، وبالتالي قدرة الدول على جذب مستثمرين محليين أو أجانب، وما يترتب على ذلك من تنمية اقتصادات تلك الدول. وصاحب ذلك قيام العديد من دول العالم والمنظمات الدولية بالاهتمام بمفهوم الحوكمة، وذلك من خلال قيام الهيئات العلمية، والجهات التشريعية بإصدار مجموعة من اللوائح والقوانين والتقارير والقواعد التي تؤكد على أهمية الالتزام تطبيق تلك المبادى والقواعد ..
مفهوم الحوكمة
هي تدعيم مراقبة نشاط المؤسسة ومتابعة مستوى أداء القائمين عليها، وهي مصطلح جديد في العربية وُضِع في مقابل اللفظ الإنجليزي (governance) أو الفرنسي (gouvernance)، ويستعمل أيضا لفظ حاكمية، ولّد مصطلح «الحوكمة» على وزن فوعلة )في سياق كل من العولمة و الحوسبة(( ) .
وتعتبر الحوكمة أو كما يُطلق عليها في الإنجليزية (governance) من أهم المتطلبات والضروريات الحتمية التي أضحى تطبيقها أساساً في الآونة الأخيرة، لضمان تنظيم العمل في منظمات القطاع الخاص والعام على كلّ من المستوى المحلي والإقليمي والعالمي لغرض وضع قواعد ومبادئ لإدارة المؤسسات والرقابة عليها، وتطبيق أسلوب ممارسة الإدارة الرشيدة فيها لتشمل هذه القواعد المتينة ليس فقط منظمات القطاع الخاص فحسب، بل مؤسسات المجتمع المدني والقطاع العام. تستخدم الحوكمة السُبل الكفيلة بالتطبيق الفعال لها بصورة تضمن استمرار العمل، والقدرة على المنافسة، وعدم الانهيار أمام تغيرات العملات العالمية، وبشكل يضمن الحفاظ على حقوق أصحاب المصالح وهم: المساهمون، والدائنون، والمستهلكون، والموردون، والقوى العاملة بكافة المناصب العُليا والدنيا، ويشمل ذلك كلاً من الأفراد والدولة والمجتمع( ).

والحوكمة هي النشاط الذي تقوم به الإدارة. وهي تتعلق بالقرارات التي تحدد التوقعات، أو منح السلطة، أو التحقق من الأداء. وهي تتألف إما من عملية منفصلة أو من جزء محدد من عمليات الإدارة أو القيادة. وفي بعض الأحيان مجموعة من الناس تشكل حكومة لإدارة هذه العمليات والنظم( ).
وعند الحديث عن منظمة ما سواء كانت هادفة أو غير هادفة للربح، فإن الحوكمة تعني إدارة متسقة، وسياسات متماسكة، والتوجيه، والعمليات، واتخاذ القرارات في جزء معين من المسؤولية. على سبيل المثال، الإدارة على مستوى الشركات قد تنطوي على تطور السياسات المتعلقة بالخصوصية وعلى الاستثمار الداخلي وعلى استخدام البيانات.
من حيث التمييز بين الحوكمة والحكومة – "الحوكمة" هي ما تقوم به "الحكومة" من أنشطة. وهي قد تكون حكومة جغرافية - سياسية (دولة قومية)، أو شركات حكومية (كيان تجاري)، أو حكومة اجتماعية - سياسية (قبيلة، أسرة، الخ)، أو أي عدد من أنواع مختلفة من الحكومات. لكن الحوكمة هي الممارسة الحركية لسلطة الإدارة والسياسة، بالرغم أن الحكومة هي الأداة (بشكل إجمالي) التي تقوم بهذه الممارسة. كما يستخدم تجريديا مصطلح الحكومة كمرادف لمصطلح الحوكمة، كما هو الحال في الشعار الكندي، "السلام والنظام والحكومة الجيدة((
على غرار كلمة حكومة فكلمة الحوكمة مشتقة من الفعل اليوناني (κυβερνάω, kubernáo) والذي يعني توجيه، وقد استخدمه أفلاطون لأول مرة بالمعنى المجازي. وفيما بعد انتقلت إلى اللاتينية ومن ثم إلى لغات أخرى. وتم استخدامها في اللغة الإنجليزية للتعبير عن نوع محدد من حكم الدولة ويمكن إرجاعة إلى إنجلترا الحديثة عندما ظهر مصطلح (حكم العالم)"governance of the realm" في أعمال ويليام تيندال. بالإضافة إلى المراسلات الملكية ما بين الملك جيمس الخامس ملك اسكتلندا والملك هنري الثامن ملك إنجلترا. وكان استخدامها للمرة الأولى وربطها بمفهوم الهياكل الموسساتية (بمعزل عن مفهوم الحكم الفردي) في أعمال المؤرخ الإنجليزي تشارلز بلومير (1851–1927) في كتابه The Governance of England والذي يعتبر ترجمة تمت في عام 1885 لكتاب لاتيني من القرن الخامس عشر للقاضي جون فورتسكو (قاضي) تحت اسم The Difference between an Absolute and a-limit-ed Monarchy (الفرق بين الملكية المطلقة والملكية المحدودة). كما تم استخدامه بواسطة كتاب ومؤرخين آخرين فيما بعد.
ومع ذلك، فإن استخدام مصطلح الحوكمة بمعناه الحالي الأوسع يشمل أنشطة أوسع لمجموعة من المؤسسات العامة والخاصة، وأصبح متداول بشكل واسع في مطلع التسعينات 1990 بعدما تمت إعادة صياغته بواسطة علماء الاقتصاد والعلوم السياسية، وتم نشره بصورة أوسع بواسطة مؤسسات كبرى مثل الأمم المتحدة و صندوق النقد الدولي و المؤسسة الدولي ، ومنذ ذلك الحين بدأ المصطلح يأخذ صدى أوسع وانتشار أكبر في الدوريات والنشرات العلمية والتقارير. ((
عمليا، قد تمارس عملية الحوكمة في أي منظمة بغض النظر عن حجمها (من قبل إنسان واحد وصولا إلى البشرية جمعاء، وقد توظف الحوكمة لأي غرض كان، خيرا أو شرا، ومن أجل الربح أو لا. والغرض المعقول للحوكمة ربما يهدف إلى التأكيد (أحيانا نيابة عن الآخرين) بأن المنظمة تنتج نمطا مجديا من النتائج الجيدة مع تجنب النمط غير المرغوب فيه في الظروف السيئة.
وفي نفس السياق، قد تتكون الحوكمة الجيدة من مجموعة من المواقف المترابطة تمارس السلطة القسرية التي تؤكد ونيابة عن أولئك المحكومين، بوجود نمط من النتائج الجيدة مع تجنب النمط غير المرغوب فيه في الظروف السيئة، من خلال اتخاذ القرارات التي تحدد التوقعات، ومنح السلطة، والتحقق من الأداء.
السياسة توفر الوسائل التي تمكن عملية الحوكمة من العمل. على سبيل المثال، قد يختار الناس توقعات عن طريق النشاط السياسي، وقد يمنحون السلطة من خلال العمل السياسي، وقد يقيمون الأداء من خلال السلوك السياسي.
وعندما ينظر للحوكمة من هذه الزاوية، يمكن للمرء أن يطبق هذا المفهوم على الدول، وعلى الشركات العامة، وعلى المنظمات غير الهادفة للربح، وعلى المنظمات غير الحكومية، وعلى الشركات الخاصة، وغيرها من الجمعيات، وعلى فرق العمل، وعلى أي عدد من البشر الذين يعملون في بعض الأنشطة الهادفة.( )
وفي ضوء التعريفات السابقة يتضح ما يلي :-
ويتضح مما سبق أن إنّ الحوكمة هي مجموعة من القواعد والقوانين والمعايير والإجراءات التي تجري بموجبها إدارة المنظمات، والرقابة الفاعلة عليها، ويقع على عاتقها مسؤولية تنظيم العلاقة بين الأطراف الفاعلة في المؤسسة، وأصحاب المصالح، وتساعد القائمين تحديد توجه وأداء المنظمة، ويمكن من خلالها حماية المصالح والاستثمارات المالية للمساهمين، وكذلك تعظيم أرباح المنظمة وقيمتها السوقية على المدى البعيد، وتنظيم العلاقة بين الإدارة العُليا التي تشمل (الأدارة التنفيذية والممثلة في وكيل الوزارة والمديرين العموم والقيادات الوزارية ) وبين حملة الأسهم وأصحاب المصالح المرتبطين بالمنظمة. تعتبر الحوكمة نتيجة نهائية لعمليات متعددة الأوجه وطويلة الأمد يجب التخطيط لها جيداً وتنفيذها بعناية، وأن يكون هناك إيمان لدى القائمين على المؤسسة بالأثر الإيجابي لتطبيق هذه المبادئ في المنظمة، بحيث تشمل هيكل وعناصر وعمليات يتم ربطها وترتيبها كأساسات للإدارة الجيدة الرشيدة، ويتم من خلالها الاستغلال الأفضل للموارد الموجودة، وإدارتها بصورة سليمة، وفق معايير معينة، مثل الكفاءة، الفاعلية، والاستدامة، والأثر( ).
والتعريف الأكثر شيوعا للحوكمة المؤسسية هو التعريف الذي تتبناه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية " مجموعة من العلاقات التي تربط بين القائمين على إدارة المؤسسة و مجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من أصحاب المصلحة«
كما في النقاط التالية:
• «ممارسة السلطة في تدبير موارد الدولة الاقتصادية والاجتماعية من أجل التنمية»
• «نظام فعال ومتكامل مدعوم بقوانين وسياسات وقيم لضمان الإدارة الرشيدة للموارد وصحة وسلامة الإجراءات والقدرات في كافة نواحي العمل المؤسسي»
• «نظام لإدارة العمليات المؤسسية وتصنيفها إلى عمليات رئيسية وأخرى مساندة بهدف تحسينها مع ترشيد النفقات وتنمية الإيرادات المؤسسية»منظمة دولية مكونة من مجموعة من البلدان المتقدمة التي تقبل مبادئ الديمقراطية التمثيلية واقتصاد السوق الحر. نشأت في سنة 1948 عن منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي
بينما تبنت مؤسسة التمويل الدولية تعريفا للحوكمة بأنها:
»النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها«
وعلى ضوء ما تقدم يمكننا تعريف الحوكمة المؤسسية بشكل عامة بأنها “مجموعة الضوابط والمعايير والإجراءات التي تحقق أعلى مستويات الإدارة الرشيدة والانضباط للمؤسسة” وذلك وفقاً للمعايير والأساليب المعتمدة عالمياً، من خلال تحديد دور ومسؤوليات وواجبات مختلف الأطراف والكيانات الممثلة في منظومة الحوكمة (المساهمون – أعضاء مجلس الإدارة والأوصياء – الإدارة التنفيذية) . بهدف تحقيق عوامل – الشفافية – وضمان المساءلة – أو حماية حقوق وواجبات جميع أصحاب المصلحة المعنيين بالمؤسسة . في وجود أنظمة محكمة للإشراف والرقابة الداخلية تهدف بالإضافة إلى أن المؤسسة تعمل على تحقيق أهدافها واستراتيجياتها طويلة المدى، إلى منح الحقوق ومساءلة إدارة المؤسسة لحماية المساهمين والملاك ووضع وتقييم وسائل وإجراءات إدارة المخاطر في المؤسسة وتطبيق قواعد الحوكمة فيها على نحو سليم، والتحقق من التزام المؤسسة والعاملين فيها بأحكام القوانين والأنظمة والقرارات واللوائح المعمول بها والتي تنظم أنشطة عملياتها والسياسات والإجراءات الداخلية ومراجعة البيانات المالية التي تعرض على الإدارة العليا.
علاقة مفهوم الحوكمة بالمفاهيم الأخرى ذات الصلة
يتم استعراض في الجزء التالى من الورقة البحثية علاقة الحوكمة بمفاهيم التنمية والعدالة الاجتماعية والسياسات العامة والمجتمع المدنى والإدارة المحلية والنوع الإجتماعى (المرأة والشباب والأشخاص ذوى الإعاقة ( .
الحوكمة والتنمية
ارتبط المعنى الشامل للتنمية بمفهوم الحكم الرشيد من خلال دعمه بالحرية المدنية والسياسية وتخليص المجتمع من قهر الجوع والمرض والجهل والفقر والخوف ومظاهر الحط من الكرامة الإنسانية( )من خلال تدبير مصالح المواطنين، والتحلى بمحتوى منظومة حقوق الإنسان وتحقيق مجتمع المواطنة المتعاونة المتكافلة فى تحملها للمسؤولية وتأدية الواجبات، عبر صيانة الحريات والمشاركة الشعبية والمؤسسات العاملة بالشفافية الخاضعة للمساءلة وسيادة القانون وليس للتسلط الفردى.
الحوكمة والعدالة الاجتماعية
يعنى ذلك أن يرتبط النمو بالعدالة التوزيعية وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن وتوفير الخدمات التى تؤدى الى اشباع الحاجات الأساسية للمواطنين والارتقاء بأوضاعهم وتحقيق التنمية المستدامة فى ظل تضافر جهود شركاء التنمية.
ويتطلب ذلك ما يلي :-
• القناعة بأن موارد المجتمع بدون هدر أو فساد قادرة على تمويل التنمية ومجالاتها بمايعنى امتلاك القدرات المادية المطلوبة لذلك.
• وجود قوة مجتمية تدفع عملية التنمية نحو الأمام .
• بقاء القوى المجتمعية حية وفاعلة تحرس حركة المجتمع فى اتجاه تحقيق أهدافه.
الحوكمة والسياسات العامة
يستهدف الحكم الرشيد بناء عملية سليمة لصنع السياسات العامة وتنفيذها وتقييمها وتقويمها، يتضمن:
• مشاركة الأفراد والجماعات فى عملية صنع السياسات العامة.
• شبكة العلاقات والاتصال بين المشاركين بالشكل الذى يصبح فيه الحكم الرشيد أوسع وأشمل من مجرد الحديث عن الحكومة بكونه يشمل الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين ويسمح باستقطاب ماهو عام وخاص وتطوعى بشكل منسجم ومتفاعل.
الحوكمة والإدارة المحلية (سياسات اللامركزية)
تمثل الإدارة المحلية قاعدة لتوسيع المشاركة المجتمعية فى إدارة شئون الدولة والمجتمع (الحكم الرشيد) وكذلك تقريب مؤسسات صنع القرار من المواطنين وزيادة كفاءة الرقابة والمساءلة الشعبية، وتعطى الدولة للتنمية المحلية والتوجه نحو اللامركزية أهمية خاصة، حيث أن؛ التنمية المحلية هى التى تضمن النمو والتوزيع العادل للموارد، وتوسيع خيارات البشر فى العيش فى ظل حياة كريمة، ومشاركة المجتمعات المحلية لتعزيز فرص التنمية المستدامة، والتوسع فى تطبيق اللامركزية مع مراعاة التنوع الواسع فى الأهداف لأفراد المجتمعات المحلية، وهذا يحقق النهوض والارتقاء المجتمعى وتعليم قيم الإنتماء والمساواة والشعور بالمسئولية الاجتماعية التى تحافظ على أمن المجتمع واستقراره، وتمكن المواطنين فى نفس الوقت، ويعد ذلك من أبرز مقاييس نجاح استراتيجيات التنمية على المستوى القومى للدولة.
دور اللامركزية فى تعزيز الحكم الرشيد فى المجتمعات المحلية:
1. تحديد أفضل لاحتياجات المواطنين وتحديد مشكلاتهم.
2. تحسين مستوى كفاءة إدارة وتشغيل المرافق العامة وزيادة جودة السلع والخدمات للمواطنين وتخفيض النفقات العامة وتوظيف أفضل للموارد.
3. تنمية الكوادر الإدارية المحلية.
4. تقوية الرقابة وزيادة المساءلة والمحاسبية وتدفق المعلومات والحد من الفساد.
5. زيادة مشاركة المواطنين فى صنع السياسات وتقريب مؤسسات صنع القرار المحلى من المواطنين وإتاحة فرصة أكبر للحوار والنقاش والمشاركة.
6. زيادة الثقة بين المواطن والحكومة حيث أن السياسات المحلية تتعلق بالمصالح المباشرة للمواطنين (سياسات الحياة اليومية )
الحوكمة والنوع الاجتماعى (المرأة والشباب والأشخاص ذوى الإعاقة( )
استنادا إلى كون الحوكمة فى بعض جوانبها على أنها إطار مؤسسى يجسد قيما سياسية تعطى للفرد “القدرة على الاختيار”، وبالتالى خلق وتعزيز الميل إلى السعى والمنافسة وتنمية القدرات لإدارة شئون الدولة والمجتمع. فمن ناحية، من المفترض أن يشرك الحكم الرشيد الأفراد المعنيين كافة وعلى قدم المساواة فى التخطيط والتنفيذ والرقابة، كما لاأن التنمية من ناحية أخرى هى مدخل إلى الحكم الرشيد لأن من شأنها تحقيق المساواة والتمكين للمرأة والشباب والأشخاص ذوى الإعاقة بما يؤهل الجميع للمشاركة على قدم المساواة فى الحكم والإدارة.
الحوكمة والمجتمع المدنى
تعد منظمات المجتمع المدنى رافدا حيويا فى تأمين قيم المواطنة وسلوكيات الدور الاضافى وثقافة العمل التطوعى والنهوض بالانشطة ذات المضامين الاجتماعية وحقوق الانسان بالشكل الذى يجسد المسؤلية الجماعية المشتركة ويعزز من حقيقة كون عملية الحكم إنما تتم فى إطار شبكة من السياسات التى تمثلها مجموعة حيوية من التنظيمات والعلاقات المترابطة مع بعضها البعض وتعمل على تلبية احتياجات المواطنين.
من أبرز مجالات مشاركة منظمات المجتمع المدنى تتمثل فى توسطها للعلاقة بين الفرد والدولة وتعبئة قطاعات من السكان للتأثير على السياسة العامة والتعليم المدنى على المواطنة والديمقراطية ومساعدة الحكومة على تقديدم الخدمات بشكل أفضل وتعميق المساءلة الاجتماعية والسعى والضغط على المؤسسات الحكومية العامة فى سبيل إصدار أنظمة قانونية تصب فى مصلحة المجتمع والمواطنين والتنمية بالشكل الذى ينتج شكلا إيجابيا للحكم ويبنى الثقة ويولد القناعة السليمة لدى المواطنين بمسار الحكم الرشيد وأدلة وجود مؤشرات تنموية واقعية( ).
تتمثل مزايا الدور الإيجابى لمنظمات المجتمع المدنى بين كافة قطاعات الدولة الأخرى فيما يلى:
1. المهام الاجتماعية لتنمية المجتمع المحلى وإيجاد الحل الجماعى للمشكلات وتعزيز روح المسؤلية المجتمعية ودعم روح التعاون الاجتماعى.
• تعزيز القوة فى قيم المواطنين وتطلعاتهم وأهدافهم الحالية والمستقبلية من خلال الجهود التطوعية وسلوكيات الدور الاضافى والمشاركة والتعبير عن الرأى وعمليات التأثير الايجابى الفعال على برامج وعمل الحكومة.


متطلبات الحوكمة والتمكين المتبادل بين الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر
فى ضوء الدراسات المقارنة لتجارب الحوكمة يتبين أن هناك مجموعة من الاشتراطات الواجب توافرها لتحقيق التمكين المتبادل بين الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر وبما يتانسب مع السياق المصرى، ولا يمكن أن تكون اللامركزية الحل السحرى لمواجهة كل مشاكل الدول، بل يمكن القول إن لها مميزات لا يمكن الاستفادة منها إلا بتوافر بيئة سليمة، من أهم عناصره( )؛ استقلال منظمات المجتمع المدنى، والأحزاب، وعقد انتخابات محلية نزيهة وعادلة وحرة تضمن عدم تركز السلطة السياسية فى يد شخص أو مجموعة أشخاص. فالعبرة ليست بالإعلان عن تبنى أو التوجه نحو اللامركزية –الذى قد يكون صوريا- ولكن بالسلطات والمسئوليات الواضحة التى يتم نقلها إلى الوحدات الإدارية المحلية، مع ملائمة ذلك لظروف الدولة ذاتها، فحتى الدول التى تطبق اللامركزية تختلف فيما بينها.
وقد أثبتت الثورات العربية أنه ينبغى العمل على انتشار السلطة، وتنظيم ذلك الانتشار، وتأمين التوازن بين القوى الاجتماعية الرئيسية، ثم إشراكها فى صنع وتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية( ) .
هذا هو الخيار الأمثل للدولة فى مصر، فالأهم هو إيجاد صيغة واضحة للعلاقة بين المركز واللامركزية متفق عليها دستوريا وقانونيا.
وهذه المتطلبات، تتمثل فيما يلى:
• الإطار الدستورى والتشريعى للإدارة المحلية
تضمن دستور مصر 2014 حق المواطنين فى التنظيم كأحزاب أو جمعيات أو نقابات واتحادات أو مبادرات وحركات مجتمعية وذلك فى مواده من 73 إلى 77، كما ذكرت المادة 87 من الدستور مشاركة المواطن فى الحياة العامة كواجب، وأن نص المادة يشير بعد ذلك إلى الانتخابات وضمانات الحيدة والنزاهة، وذكرت 6 جهات أو مكونات يحظر عليهم الاستخدام فى الدعاية أو الأغراض السياسية وبذلك فصلت المادة بين المجال العام والمجال السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى أو الدينى الخاص، وتتمثل المكونات أو الهيئات فى؛ المال العام، والمصالح الحوكمية، والمرافق العامة، ودور العبادة، ومؤسسات قطاع الأعمال، والجمعيات والمؤسسات الأهلية.
كما تناول قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 ومذكرته الايضاحية ولائحته التنفيذية وفقا لآخر التعديلات فى مادته 41( )؛ للمجلس الشعبى المحلى بالاتفاق مع المحافظ أن يقرر تمثيل المنتفعين من المواطنين فى الإدارة والإشراف على المشروعات والأجهزة والخدمات العامة بالمحافظة، وحددت المادة شروط التمثيل لضمان الشفافية والمشاركة الفعالة من المواطنين فى الإدارة والرقابة الشعبية المحليين، ومن أهم الشروط؛ النزاهة والغيرة على الصالح العام، مقيم بالوحدة المحلية، لا يكون عاملا أو من أعضاء المجالس الشعبية المحلية، وتسرى المادة على المجالس الشعبية المحلية الأدنى.
• إعادة تعريف دور الدولة
فى المرحلة الراهنة، يشهد مفهوم وظائف الدولة تحولا جديدا، كنتيجة مباشرة للأزمة المالية العالمية التى اندلعت فى عام 2008. وترجع جذور الأزمة إلى عملية التحرير الاقتصادى التى انطلقت خلال العقدين الماضيين، وما تضمنته من تهميش دور الدولة فى الاقتصاد، مع تعظيم دور الشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى تقليل أى قيود أو ضوابط على عمل القطاع الرأسمالى الخاص، وتحرير التجارة الدولية وإنشاء منظمة التجارة العالمية سنة 1994، وقد نتج عن ذلك أزمات مالية واقتصادية فى العديد من الدول التى طبقت منهج الليبرالية الجديدة. ثم جاءت الأزمة المالية العالمية فى 2008 كنتيجة مباشرة لغياب الضوابط التى تفرضها الدولة على عملية الاقتراض، خاصة فى القطاع العقارى، وقد نتج عن الأزمة المالية تسريح ملايين العمال فى الدول الصناعية، وهو ما أدى إلى خروج شرائح عديدة من هذه الطبقة، فى احتجاجات اجتماعية وشعبية للتنديد بسياسات العولمة والليبرالية الجديدة. أما فى الدول النامية، فقد كان تأثير الليبرالية الجديدة أكثر عنفا، حيث أدت هذه السياسات إلى إفقار الغالبية العظمى من شعوب هذه الدول. وقد كان لذلك العامل أكبر الأثر فى اندلاع سلسلة الانتفاضات الشعبية التى شهدتها المنطقة العربية فيما يعرف بثورات “الربيع العربى”، وهى الثورات التى رفعت شعارات المطالبة بتوفير الخبز والعدالة الاجتماعية( ) .
وقد عبر عن هذا التحول فى وظائف الدولة إعادة الاعتبار لدور الدولة فى الاقتصاد، خاصة فيما يتعلق بتنظيم السوق، وتوفير الخدمات الاجتماعية، حيث بدأ مفهوم السوق الحر البعيد عن تدخل الدولة فى الأفول لصالح النموذج الكينزى القائم على الدور التدخلى الرقابى والتنظيمى للدولة. وكما حدث تحول عقب الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929 نحو المفهوم الكينزى لدور الدولة فى خلق الطلب الفعال، فإن الفكر الاقتصادى يشهد حاليا تحولا نحو إعادة دور الدولة التدخلية.
يمكن القول إن هناك عملية إعادة اعتبار لدور الدولة فى الاقتصاد والسياسة، فى ضوء خبرة الأعوام العشرين الأخيرة. وقد أثبتت خبرات الثورات العربية الأثر السلبى لانسحاب الدولة من المجال الاقتصادى، وتسليم زمام القيادة للطبقات الرأسمالية الجديدة. ومن المؤكد أنه فى دول الثورات العربية، ومنها مصر، توقفت عمليات الخصخصة، وبيع القطاع العام إلى أجل غير منظور.
وفى هذا الإطار، هناك إعادة لتأكيد دور الدولة على مستويين رئيسسن( )، يتمثل المستوى الأول فى الدور الإرشادى والرقابى للدولة فى الاقتصاد القومى، أى حق الدولة فى التدخل لضبط ومراقبة الأنشطة الرأسمالية، والتأكد من أنها لا تعمل لصالح فئة محدودة على حساب المصلحة العامة، كما برهنت على ذلك الأزمة العالمية.
ويتعلق المستوى الثانى بالعودة إلى تأكيد سيادة الدولة القومية على مواردها، ونقصد بذلك التخلى عن فكرة تفكيك الدولة القومية، والحد من سيادتها، وإمكانية تدخل الدول الكبرى فى شئونها تحت دعاوى التدخل الإنسانى. فقد أدت تلك العقائد الأيديولوجية إلى كثير من الصراعات الدولية، وإلى إشعال نيران الحروب الانفصالية، وإلى تفكيك عدد من الدول، مما أدى إلى تضخم هائل فى الإنفاق العسكرى العالمى على حساب التنمية، كما أدت إلى التدخل فى شئون الدول النامية، من خلال مؤسسات بريتون وودز، لإجبارها على اتباع “روشتة” تلك المؤسسات، والتى أدت إلى كوارث اقتصادية واجتماعية، ولم تفد سوى الأغنياء.
• ضرورات الإصلاح المؤسسى والهيكلى
يرتكز الحكم الرشيد على مبادئ الشفافية والمشاركة والمساءلة، وهو ما يتحقق من خلال تبنى مفاهيم الحكومة المنفتحة. ويتناول هذا القسم الإطار المفاهيمى والنظرى لمفهوم الحكومة المنفتحة، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على أهم مبادئ الحكومة المنفتحة.
• تعريف الحكومة المنفتحة( ) :
قامت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بتعريف الحكومة المنفتحة على أنها “الالتزام بمبدأ الشفافية فى الإجراءات الحكومية وسهولة الحصول على الخدمات الحكومية والمعلومات، وقدرة الحكومة على الاستجابة للأفكار الجديدة والمطالب والاحتياجات”.
وتتمثل أهم مبادئ الحكومة المنفتحة فى( )؛ الشفافية وتوفير معلومات وبيانات كافية وموثوق بها عن أنشطة ومجالات عمل الحكومة وإتاحتها للجمهور، مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن أعمالهم، والانفتاح والاهتمام بآراء المواطنين والجهات المختلفة وأخذها بعين الاعتبار عند صنع وتنفيذ السياسات العامة.
فى هذا السياق تتزايد أهمية الحديث عن ضرورات الإصلاح المؤسسى والهيكلى، جنبا إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادى، خاصة من جانب مؤسسات التمويل الدولية كالصندوق والمؤسسة الدوليين. وهو ما أدى إلى قيام العديد من البلدان، خلال حقبة التعينيات من القرن الماضى، بتطبيق سياسات للإصلاح الاقتصادى، وشهدت تلك الفترة زيادة محسوسة وملموسة فى هذه البرامج سواء من حيث نطاقها أو اتساعها وعمقها. بيد أن النتائج التى أسفرت عنها لم تكن على نفس مستوى التوقعات، حيث نجحت بشدة فى بعضها وفشلت بشدة فى البعض الآخر. وهذا ما أشار إليه ما يسمى “توافق برشلونة” وأكد على مجموعة من الأمور المهمة التى يجب مراعاتها فى برامج الإصلاح، يأتى على رأسها أهمية معرفة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكل بلد على حده، والتركيز على ضرورة الإصلاح المؤسسى والحوكمة.
وبالتالى أصبحت “الحوكمة” أو “الحكم الجيد” ضرورة أساسية لضمان ممارسة الحكم بصورة صحيحة، من حيث؛ بناء أسلوب جيد للإدارة، والتضمينية أو المساواة أى أن كل من له مصلحة فى عملية إدارة الحكم ويود المشاركة فيها يمكنه فعل ذلك على قدم المساواة مع الجميع. وبمعنى آخر فإن معاملة الحكومة للمواطنين يجب أن تتم على قدم المساواة أمام القانون دون تمييز، وكذلك تأمين فرص متساوية لهم لكى يستفيدوا من الخدمات التى توفرها الحكومة. مع الإشارة إلى أن المساواة هنا لا تتعلق فقط بالمساواة بين الجنسين، ولكنها تمتد لتشمل المساواة فى التنمية بين الأقاليم المختلفة فى الدولة والمساواة فى الحصول على الخدمات العامة وغيرها من الأمور، أما المساءلة فهى تنبع من التمثيل الشعبى إلى الشفافية فى آليات الحكم وتوافر المعلومات والمعرفة المتعلقة بحقوق المواطنين والخدمات التى يحق لهم القيام بها وسبل الحصول على تلك الحقوق وتعميمها، أى أن مفهوم الحوكمة يتصل بتحول مضمون الديمقراطية من التمثيل النيابى إلى المشاركة والشفافية والمساءلة.
وبالتالى فإن أسلوب التنظيم والإدارة فى المجمتع والمتعلق بكيفية ممارسة السلطة فى البلد، هو الحاكم الأساسى لهذه المسألة، ويتطلب ذلك معرفة العملية التى تختار بواسطتها الحكومات وآليات مراقبتها ومساءلتها، وقدرة الحكومة على إدارة الموارد بكفاءة وفعالية، وفرض قواعد تنظيمية سليمة، وثالثا مدى احترام المواطنين والحكومة للمؤسسات التى تحكم المعاملات الاقتصادية والاجتماعية المتبادلة بينهم( ).
• نحو المزيد من المشاركة وتفعيل دور الأحزاب والمجتمع المدنى
أشارت التجارب الدولية المختلفة، إلى أهمية التلازم بين الديمقراطية واقتصاد السوق، بل إن هذا التلازم شرط أساسى لإنجاح عملية التحول، إذ أن التجارب التى نجحت قد ارتبطت أساسا بتدعيم آليات المشاركة الشعبية والديمقراطية والشفافية، وتطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة عند وضع السياسيات المختلفة.
وقد أثبتت الدراسات أن البلدان التى تتمتع بحريات سياسية واسعة، مع استبعاد أثر المتغيرات الأخرى، قد حققت أداء أفضل فى توفير التعليم الأساسى والصحة، والحد من تضارب المصالح.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ومما يثير الدهشة، أن البلدان التى تتمتع بمعدلات نمو اقتصادية عالية وقعت فيها أحداث من الشغب والاضطرابات والتظاهرات أكثر مما وقع فى البلدان ذات المعدلات المنخفضة. وكان هذا الأمر مثيرا للحيرة لأن التعبيرات الاجتماعية من هذا النوع تدعو إلى الاعتقاد بأن لها تأثيرا سلبيا على مناخ الاستثمار ومعدلات النمو، ولكن الدراسات الحديثة أشارت إلى أن البلدان ذات الحريات المدنية المحدودة لا تعبر إلا بقدر ضئيل عن سخطها الاجتماعى، فى حين أن هذا التعبير يتم بدرجة أكبر كثيرا فى البلدان التى تتمتع بحريات مدنية أوسع. أى أن البلدان التى يتم فيها قمع كل أساليب التعبير عن الاستياء، تعانى أداء أسوء فى مشروعاتها الاستثمارية، مقارنة بتلك التى تسمح بمثل هذه المظاهر( )
لا شك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب بالضرورة تفعيل دور المجتمع المدنى والأحزاب المصرية فى المتابعة والتقييم المجتمعى للخدمات وتطويريهما بغية جعلهما قادرين على المشاركة الفعالة فى بناء جدول أعمال المستقبل، وهى مسألة هامة خاصة وأن ظروف الحياة السياسية فى مصر ووضعها الحالى قد أديا إلى العديد من المشكلات الحزبية بعضها داخلى، يظهر فى صورة انقسامات وانشقاقات داخل عدد من الأحزاب نفسها. وبعضها خارجى يتعلق بالبيئة السياسية التى تعمل فى إطارها، وغياب ثقافة البرامج الحزبية ودورها فى جذب الجماهير من جهة، مع زيادة التركيز على قضايا السياسة بأكثر يكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى.
مستقبل علاقة الدولة والمجتمعات المحلية فى مصر فى ضوء الحوكمة( مقترح)
جاءت ثورة (25) يناير لتمثل في مجموعها وتأثيراتها الممتدة نقطة تحول تاريخية على طريق التطور الديمقراطي الحقيقي فى مصر، فبالنظر إلى أحداث هذه الثورة التى قام بها الشباب وشمول مطالبها الإصلاحية وانتقالها من ممارسة السياسة عبر العالم الافتراضي إلى المشاركة السياسية على أرض الواقع بل المطالبة بتغيير الواقع السياسي المصري الراهن، يتضح أهميتها في التاريخ المصري، والتي خلقت حراكاً سياسياً وجددت حيوية الدولة المصرية.
وقد جاءت مشاركة هؤلاء الشباب متحضرة في التعبير عن آرائهم واحتجاجاتهم، مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، مستخدمين المعرفة المتجددة والأدوات الحديثة مما يتيحها عصر التكنولوجيا ونظم المعلومات المتطورة، وتركزت مطالبهم حول تغيير النظام السياسي القائم ويعني ذلك في التحليل الأخير تحقيق الإصلاح السياسي المنشود وتصويب العلاقة بين الدولة والمواطنين، والقضاء على الفساد الذى كاد أن يتحول إلى مؤسسة، وتعزيز قيم النزاهة والعدالة والمساءلة والمحاسبية، وتصحيح مسارات السياسات العامة في مصر.
انطلاقا من هذه الرؤية تتأكد ضرورة فكرة تأسيس برنامج علمى متخصص فى تطبيقات الحكم الرشيد والتنمية ليواكب الحالة الثورية ومقتضيات بناء الدولة الديمقراطية فى مصر، ويعمل على تعزيز الحكم الرشيد من أجل تطوير مؤسسات الدولة وتنمية المجتمعات، والتأثير على السياسات العامة والعمل على تغيير الممارسات نحو بناء دولة المواطنة والحكم الرشيد والأمن الإنسانى، ويعمل البرنامج على تحسين نوعية حياة البشر فى إطار مفهوم متكامل للتنمية يعتمد على الاستدامة والتطور، وترسيخ ثقافة الحوكمة وإرساء قواعدها فى المجتمع وتعزيز قدرات المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والهيئات المنتخبة (دعم نزاهة وعدالة وحرية العمليات الانتخابية، وتفعيل أدوارها). ويعطى أولوية خاصة للمناطق والفئات الأكثر عرضة لمخاطر التهميش وهكذا فأن؛ الهدف الرئيس للبرنامج يتمثل فى بناء الشخصية المتكاملة للإنسان من خلال العمل على التحرر من الخوف والعوز وإطلاق روح المبادرة لكل مصرى وكل مصرية وبناء مصر الديمقراطية وتحقيق قيمة “إرفع رأسك فأنت مصرى”.
وذلك من خلال جانبين؛ أولهما جانب مدخلات العمليات السياسية: التأثير على التشريعات والسياسات والبرامج والممارسات الحكومية فى مجال الخدمات الأساسية للمواطنين، أما الجانب الآخر يتعلق بالمخرجات من خلال طرح مبادرات التمكين الاقتصادى والاجتماعى فى مجالات تنمية المجتمع وبرامج المشاركة المجتمعية وتنمية الموارد وحسن إستغلالها والتنمية المهنية بهدف سد الاحتياجات الملحة وبالتالى الوصول إلى مجتمع ممانع للاستبداد والفساد
على أن يهتم البرنامج بالقضايا التى تعد محددة لمسار التطور فى مصر فى ضوء رؤية أهم ما يميزها أنها تتسم بالشمول، حيث أن ما يطبق على الجزء يمتد ليشمل الكل، فمجموع الأفراد والمؤسسات يشكل المجتمع والدولة، تلك القضايا يمكن عرضها على النحو التالى:
1. فهم أن التنمية المحلية هى التى تضمن النمو والتوزيع العادل للموارد، وتوسيع خيارات البشر فى العيش فى ظل حياة كريمة، ومشاركة المجتمعات المحلية لتعزيز فرص التنمية المستدامة، والتوسع فى تطبيق اللامركزية مع مراعاة التنوع الواسع فى الأهداف لأفراد المجتمعات المحلية، وهذا يحقق النهوض والارتقاء المجتمعى وتعليم قيم الإنتماء والمساواة والشعور بالمسئولية الاجتماعية التى تحافظ على أمن المجتمع واستقراره، وتمكن المواطنين فى نفس الوقت، ويعد ذلك من أبرز مقاييس نجاح استراتيجيات التنمية على المستوى القومى للدولة.
2. فهم الدور الواضح والفاعل للمعلومات بمختلف أفرعها وأدواتها وتكنولوجياتها فى عملية صنع السياسات العامة وإتخاذ القرار الرشيد بالنظام السياسى وإدارة شئون الدولة والمجتمع، بما يهيأ الفرصة لإصلاحات واسعة النطاق فى جميع المسارات التنموية الأخرى بالدولة.
3. التأكيد على أن التقدم مفهوم شامل يستهدف تحقيق منظومة مترابطة من الغايات التى لا تقبل الانتقائية والتجزئة والتفكيك، ويتطلب ذلك جهداً وطنياً لشركاء التنمية، فالتقدم الذى يجدر بنا أن نتطلع إليه لا يتحقق باستهداف هدف من أهداف دون غيره، وإنما يتضمن أهداف : تحقيق الكفاءة الاقتصادية، وتحقيق التنمية التكنولوجية المستدامة، وإنتاج التقنية الحديثة، وعدالة التوزيع، والاستثمار فى البشر للارتقاء بنوعية تعليم وصحة وحياة الإنسان، وإعلاء الكرامة الإنسانية، وتحقيق الأمن الإنسانى، وممارسة الحقوق الديمقراطية، وارتقاء المكانة الدولية وضمان الاستقلال الوطنى.
وفى سبيل تحقيق ذلك يتعاون البرنامج مع كافة المؤسسات التنموية والهيئات العلمية ومراكز البحوث ومنظمات التدريب التى تتفق أهدافها مع نهج وتوجهات البرنامج.
بنية البرنامج للحوكمة
يستند البرنامج فى بنيته إلى ثلاث دعائم بمثابة القيم المؤسسية؛ وهى:
• تنمية .. حق المواطنين.
• مشاركة .. واجب المجتمع.
• تمكين .. أساس المواطنة.
مجالات البرنامج
• إعداد وتأهيل الباحثين فى مجال قضايا وتطبيقات الحكم الرشيد.
• مشروعات ومبادرات اجتماعية واقتصادية فى مجالات الخدمات الأساسية والاحتياجات التنموية للمواطنين بغرض التمكين الاقتصادى والاجتماعى وتلبية الاحتياجات ومواجهة المخاطر وحماية الفئات الهشة/ أو الضعيفة.
• بحوث ودراسات وتحليلات للسياسات مبنية على الأدلة وصياغة نماذج عملية لمؤشرات الحكم الرشيد.
• التدريب والمشورة فى مجالات التنمية الإنسانية والمستدامة ونظم التطوير المؤسسى.
• دعم نزاهة وعدالة وحرية العمليات الانتخابية، وتفعيل أدوار الهيئات والمؤسسات المنتخبة.
شبكات البرنامج
1. يساعد البرنامج فى تأسيس حركة شعبية للحوكميين.
2. يعمل البرنامج على بناء ائتلاف مدنى للمنظمات ومؤسسات البحث والتدريب والحركات المجتمعية التى تعمل فى مجال الحوكمة وتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد أو تضع ضمن أهدافها وتعرف نفسها بأنها تهتم بهذه المجالات والقضايا.
الموارد البشرية
فى سبيل تلبية الاحتياجات التنموية، ينفذ البرنامج بالاعتماد على شباب الباحثين والمبادرين والمدربين الجدد والميسرين ممن لديهم رؤى وتصورات حول المجالات التى يهتم بها وتتوفر فيهم عناصر التكوين العلمى السليم والإستعداد العملى بما يعنيه ذلك من تميز علمى وكفاءة مهنية مما يجعلهم مؤهلين للإحترافية فى إنجاز مهامهم والتكليفات المنوطة لهم وجديرين للالتحاق بالعمل فى البرنامج، مع الاستعانة بخبراء ذوى تخصصات علمية متنوعة وخلفيات مهنية متعددة عاملين فى الجامعات والقطاعات الأخرى ذات الصلة بأنشطة البرنامج.
وأخيرا وفى إطار الاهتمام بإعادة دور الدولة والدعوة إلى أن تفعيل الحوكمة لن يتحقق إلا من خلال مجموعة من الإجراءات أهمها:
• ضرورة تفعيل اتفاقية مكافحة الفساد التي وقعت عليها مصر في 14 أكتوبر 2003 والخاصة بمواجهة كل صور الفساد بشتي الوسائل التشريعية والرقابية.
• التخلى عن أن الدولة هى المورد الوحيد للخدمات الاجتماعية وغيرها من السلع وتشجيع مبادرات الأفراد فى التعاونيات والحركات المجتمعية، وضرورة اعتماد الدولة (مبدأ المشاركة) مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى والإدارة المحلية، فى تحديد احتياجات التنمية وبناء آليات تحقيقها, حيث لم تعد الحكومة هى المنفردة بصناعة القرار التنموى والسياسى.
• المؤامة بين دور الدولة وقدراتها، والعمل على تعزيز قدراتها المؤسسية. وذلك يوجب مراجعة وظيفة الدولة (بما يؤدى إلى ترشيد حجم جهازها الإدارى، وإعادة هيكلة وحداتها الإدارية).
• تعزيز وتنمية القدرات المؤسسية للدولة من خلال تأمين الأساسيات الاقتصادية والاجتماعية، بما يمكنها من الوفاء بمهام برامج التنمية.
• اعتماد سياسة مالية واقتصادية مواتية تكفل المحافظة على الاستقرار الاقتصادى، وتحقيق معدلات نمو قابلة للاستمرار.
• توجيه الدولة لإدارتها العامة بحيث يعاد تأسيسها وتصميم هيكلتها، بما يخدم تحقيق الوظائف الأساسية للدولة فى المجال الاقتصادى: وظائف رسم السياسات والتنظيم، والتوسط فى حال بروز بعض الاختلالات فى بعض أوضاع اقتصادى السوق. ووظيفة مطالب التنمية، وتصميم برامج مكافحة أسباب الفقر، وتأمين شروط التمكين لتشجيع نمو القطاع الخاص الوطنى.
• أن تعيد الإدارة العامة توجيه آليات عملها فى سياق من الإجراءات التى تتسم بالشفافية والفاعلية، والترشيد فى الجهد والتكلفة، ومؤسسة فى بنيتها على مبدأ احترام العميل أو المستفيد من الخدمة (المواطن( .
• مكافحة الفساد وتعزيز الخضوع للمساءلة، وذلك من خلال تأمينه بقواعد وتشريعات ومؤسسات دستورية تتمثل فى تقسيم سلطات الدولة أفقيا تشريعية وتنفيذية وقضائية، ورأسيا (فى نطاق السلطة التنفيذية والمنتخبة) إلى مركزية ومحلية تتكون من جناحين؛ السلطات التنفيذية المحلية المعينة والمجالس الشعبية المحلية المنتخبة، وتعزيز دور القضاء والأجهزة التشريعية والرقابية.
• اعتماد مبدأ الجدارة والاستحقاق والمعايير المهنية والشفافية فى عملية التوظيف والترقيات فى الخدمة المدنية.
• أن يكون للدولة استراتيجياتها الخاصة بالتنمية المستدامة فى مجالاتها: الهيكلية والبشرية والمادية والقطاعية.
• مواجهة مسألة تضارب المصالح فمن أكثر الأسباب التي تشجع علي الفساد فى المحافظات ووحداتها المحلية (أو ما يعرف إعلاميا وشعبيا بفساد المحليات) وجود تعارض في المصالح، وبناء ثقافة مجتمعية جديدة تجرم سلوكيات الفساد أو مخالفة القانون.
• مثل اعتبار تقاضي الرشوة جريمة مخلة بالشرف وهو ما يعتبر رادعا معنويا للحد من ممارسات الفساد.
• حث منظمات المجتمع المدني القيام بدورها في بناء الرقابة الشعبية وتشجيع المواطنين للمشاركة في الانتخابات المحلية.
مما لاشك فيه إن الفساد المالي والإداري أصبح سمة بارزة من سمات العصر الحديث ، رغم إن نشأته تعود في جذورها إلى بداية الخليقة ونشأت البشرية ، وذلك بدلالة ما ورد في القران الكريم من قصص الخلائق ومنذ ادم عليه السلام ، إذ إن أول من بدأ بالإفساد هو إبليس الذي استأذن رب العزة تعالى ( قال ربي فانظرني إلى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) ( الآيات 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 من سورة ص ) . واليوم تعد ظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ، وذات جذور تأخذ أبعادا واسعة وتتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها ، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر ، وهو داء خطير يهلك الحرث والنسل لم تسلم منه أي دولة في العالم متقدمة كانت أم نامية ، ولكن بدرجات ونسب متفاوتة ، وهذا ما تؤكده العديد من الدراسات بان الفساد المالي والإداري يقل كثيرا في الدول ذات الاقتصاد القوي ، والمستوى المعيشي المرتفع ، بينما يرتفع بمعدلات و وتائر كبيرة في الدول النامية بصفة عامة ، وذات المستوى المعيشي المنخفض على وجه الخصوص . ويتجلى ذلك من خلال الأوجه العديدة للفساد المالي والإداري ، كانتشار الرشوة ، والتسيب بين الموظفين وضعف الإنتاجية وتفشي المحسوبية والوساطة وزيادة الروتين وتعقيد الإجراءات في تنفيذ المعاملات . سوف يتناول الباحث في هذه الفقرة مفهوم الفساد ، ومظاهره ، وأسبابه وآثاره وانعكاساته .

1 . مفهوم الفساد لغة واصطلاحا
لقد دأب معظم الباحثين الأكاديميين على تحديد معاني المصطلحات التي تستعمل في بحوثهم ، وذلك لكي لا تخرج النقاشات والتحليلات عن إطارها الموضوعي ويتشتت جهد الباحث بدلا من التركيز على نقاط محددة. وعليه سوف يتم تحديد معنى الفساد لغة وتعريفه اصطلاحا .
الفساد لغة : ورد الفساد في معاجم اللغة في ( فسد ) الشيء يفسد بضم السين ( فسادا ) فهو فاسد ، والمفسدة ضد المصلحة
. كما ورد الفساد في القران الكريم في مواضع عديدة ليدل على معاني مختلفة ، فقد ورد ليعبر عن ( الطغيان والتجبر ) ، كما في قوله تعالى ( الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) (الآية 83 من سورة القصص ) ، أو ( الجدب والقحط ) كما في قوله تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) (الآية 41 من سورة الروم ) ، أو ( عصيان إطاعة الله ) كما في قوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم ) (الآية 33 من سورة المائدة ) .
تعريف الفساد : لقد وردت تعاريف عديدة للفساد ، إذ لا يوجد تعريف واحد محدد له ، إلا أنها تمحورت جميعها على مضمون واحد وهو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية . لقد ارتبط مفهوم الفساد في أذهان العديد من البشر بالشر ، و ربما يكون اصدق تعريف له هو الذي ورد في موسوعة العلوم الاجتماعية " الفساد هو سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق مكاسب خاصة ، ويشتمل ذلك على جميع أنواع رشاوى المسؤوليين المحليين أو الوطنيين أو السياسيين ، ولكنه لا يتضمن الرشاوى التي تحدث فيما بين القطاع " .
ويرى الباحث انه في إطار هذا البحث يمكن أن ينظر إلى الفساد المالي والإداري بأنه التغيير غير المرغوب فيه في المعاملة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، الذي يمثل تقويضا للثقة العامة ، أو خرقا للقوانين والسياسات والإجراءات التي توضع موضع التنفيذ للصالح العام ، لغرض تحقيق المنافع الشخصية على حساب المجتمع ، وذلك بإعطاء أو اخذ الرشاوى أو الامتيازات ، وذلك بإساءة استعمال السلطة والنفوذ في المؤسسات الرسمية( ) .

2 . أسباب ظهور الفساد المالي والإداري
لا يمكن معالجة الظواهر السلبية التي تعاني منها المجتمعات مالم يتم تشخيص أسبابها وبواعث نشؤها . وقد حدد البنك الدولي World Bank مجموعة من الأسباب لظهور الفساد المالي والإداري أبرزها ما يأتي :
أ – تهميش دور المؤسسات الرقابية ، وقد تكون تعاني من الفساد هي
نفسها .
ب – وجود البيروقراطية في مؤسسات الدولة .
ج – حصول فراغ في السلطة السياسية ناتج عن الصراع من اجل
السيطرة على مؤسسات الدولة .
د – ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتهميش دورها .
هـ - توفر البيئة الاجتماعية والسياسية الملائمة لظهور الفساد .
إضافة إلى ما تقدم ، يمكن تحديد ثلاثة أبعاد لأسباب حدوث الفساد المالي والإداري وهي :
• البعد السياسي ، تتمثل أسباب الفساد الإداري والمالي بالإرادة السياسية الضعيفة التي تتعايش مع الفساد ، ولا تمتلك المبادرات لمكافحته ، فإنها حتى وان أعلنت عن إصلاحات ، فإنها تبقى من قبيل العبث ، ويصبح من ثم وجود المصلحين بلا معنى ، حتى وان توفرت لديهم الجدية والرغبة الصادقة في الإصلاح . وبدون الإرادة السياسية ، فان مواجهة الفساد ستقتصر على الشكل ليس إلا ، ويبقى دور المصلحين مقتصرا على المناشدات والنداءات والتمنيات التي لا تغني ولا تسمن من جوع . وان غياب الإرادة السياسية يؤدي إلى غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية . وعند هذا المستوى تظهر حالة غياب الحافز الذاتي لمحاربة الفساد تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي . كما تتعطل إلى حد بعيد آليات الرقابة في الدولة ويخبو وازع المساءلة والمحاسبة ، حيث إن الحكومة لا تحاسب الإدارة مع علمها بالفساد المستشري في أوصالها ، وان يد القضاء لا تطول المسؤولين في الدولة مهما قيل أو عرف أو شاع عنهم ، وان هيئات الرقابة تكون معطلة أما بفعل شدة الفساد الذي يتجاوز في أبعاده قدرتها ، أو لان دم الفساد اخذ يدب في عروق بعضها .
• البعد الاقتصادي ، يتمثل في البطالة وتدني الرواتب والأجور وتباين الدخول بشكل كبير وانخفاض مستو المعيشة بشكل عام ، فضلا عن غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة وكثرة الصفقات التجارية المشبوهة او الناتجة عن عمليات السمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزا واسعا .
• البعد الاجتماعي ، يتجلى عندما يغدو لكل شيء ثمن يقاس بالدنانير ، وعندما يغدو للقيام بواجب وظيفي معين ثمن ، و لإجراء معاملة مع إدارات الدولة ثمن ، ولتصريف أعمال الحكم ثمن ، وللكلمة في وسائل الإعلام ثمن ، ولحكم القضاء في بعض الحالات ثمن . وعندما يصبح لكل شيء ثمن ، فان الفساد قد أضحى في حياتنا العامة من صلب ثقافة المجتمع وبذلك يكون المجتمع في هذا الحال قد ابتلي بما نسميه ثقافة الفساد ، وعندما يكون الفساد من صلب ثقافة المجتمع يصعب علاجه . فالفساد لا ينتج إلا مزيدا من الفساد ، والفاسد لا يرى في فساد عيبا ، وهنا يشكل الفساد طوقا يحتاج إلى من يكسره بقوة خارقة .

3 . مظاهر الفساد المالي والإداري
ينطوي الفساد على آثار بالغة الخطورة ، مدمرة للمجتمع ، وبوصفه يمثل احد أشكال السرقة العامة للثروة الوطنية ، فانه يتسبب في تسرب الأموال العامة بطرق غير مشروعة إلى جيوب مرتكبي الفساد ، وغالبا ما تجد طريقها إلى خارج البلد ، بدلا من توظيفها داخل البلد لجلب المنفعة العامة .وان الفساد كالجرثومة الخبيثة تفترس الحكم الجيد وتقوض أركانه ، وتدمر الشرعية السياسية ، وتغتصب حقوق المواطنين العاديين وتهمشهم في الحياة السياسية ، بل يسهم في تشويه القرار الاقتصادي والسياسي ، وتكون الخيارات والقرارات خاطئة ، فتتسبب في تحويل الخدمات من الفئات التي هي بأمس الحاجة إليها إلى جماعات المصالح المكتسبة . وعندما يستشري الفساد في المجتمع ويتحكم به ، تهتز أركان الحكم وتنقص سيادة القانون ويتمادى مرتكبو الفساد في البحث عن وسائل أخرى جديدة للحصول على مزيد من الأموال بطرق غير مشروعة ، وعندما يتحكم الفساد بالمجتمع ويضرب أطنابه فيه ، تدخل البلاد في حلقة مفرغة ، حيث يغذي الفساد في إطارها نفسه بنفسه ، وعندها يتعذر السيطرة عليه بسهولة . وللفساد المالي والإداري مظاهر متعددة وآثار خطيرة .
أ – مظاهر الفساد المالي والإداري
للفساد المالي والإداري مظاهر وتجليات سياسية ومالية وإدارية وأخلاقية .
ففي الجانب السياسي ، يتجلى الفساد في الحكم الشمولي الفاسد ، وفقدان الديمقراطية وفقدان المشاركة وفساد الحكام وسيطرة نظام الحكم على الاقتصاد وتفشي المحسوبية .
وفي الجانب المالي ، يتمثل الفساد بالانحرافات المالية وعدم الالتزام بالقواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة تعليمات أجهزة الرقابة المالية . وتتجسد مظاهر الفساد المالي بالرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي والمحسوبية في التعيينات والمراكز الوظيفية .
أما الفساد الإداري ، فانه يتعلق بالانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية التي تصدر عن الموظفين العموميين أثناء تأديتهم لمهام عملهم ، وتتجسد مظاهر الفساد الإداري في التسيب لدى الموظفين وعدم احترام الوقت وتمضيته في أمور لا علاقة لها بمهام الوظيفة واستحقاقاتها ، وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار العمل وغبرها .
وفي الجانب الأخلاقي ، يتمثل الفساد بالانحرافات الأخلاقية والسلوكية التي يقوم بها موظفي الدولة ، والمتعلقة بسلوكهم الشخصي وتصرفاتهم المتمثلة باستغلال الوظيفة لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة و ممارسة المحسوبية دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة عند تعيين الموظفين .

ب – آثار الفساد المالي والإداري
إن للفساد المالي والإداري تكلفة ، وخاصة في الشركات العامة ، حيث يتم الحصول على مكاسب مالية وامتيازات أخرى على حساب المجتمع . وتتمثل تكاليف الفساد المالي والإداري في الزيادة المباشرة التي تطرأ على تكلفة المعاملة ، ومن ثم على السعر الذي يدفعه المستهلك للسلع أو المستفيد من الخدمات التي تقدمها الجهة التي تدفع الرشوة . إن الزيادة في التكلفة لا تعد بأي حال من الأحوال الجانب الأكثر خطورة من الجوانب الأخرى ، فعندما يكون احتمال الحصول على مكاسب شخصية عنصرا من العناصر ، فانه يتحول سريعا ليكون العنصر الأوحد الهام في المعاملة ، مع إزاحة عناصر التكلفة والنوعية ، وموعد وكيفية التسليم ، وجميع الاعتبارات القانونية الأخرى جانبا عند الموافقة على منح العقود . وينتج عن ذلك اختيار موردين غير مناسبين ، أو مقاولين غير ملائمين ، بالإضافة إلى شراء السلع غير المناسبة . وبناء على ذلك يتم إعطاء الأولوية للمشروعات الغير ضرورية على حساب الأولويات الوطنية الهامة بدون سبب سوى تمكين متخذي القرار الحكوميين من الحصول على رشاوى كبيرة وسريعة . وبصفة عامة يمكن تلمس بعض الآثار الاقتصادية للفساد ومنها( ):

• يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة ، وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من تكلفتها .

• للفساد اثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنولوجيا ، فقد أثبتت الدراسات إن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها ، وبالتالي يسهم في تدني حجم الضرائب ومن ثم تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصة فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة

• يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة ، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي ، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بشكل مستمر مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع .

رابعا : دور آليات الحوكمة في الحد من الفساد المالي
والإداري
يعد الفساد المالي والإداري من اخطر المشكلات التي تعاني منها مؤسسات الدولة بصفة عامة ، والشركات المملوكة للدولة بصفة خاصة . ويتمثل الفساد المالي والاداري بالمكاسب والامتيازات التي يتم الحصول عليها بشكل غير مشروع ، والتي سبق وان أشار أليها الباحث آنفا ، ويترتب عليها تحمل الشركات تكاليف إضافية تنعكس على أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي التي تقدمها ، مما يضعف قدرتها على التنافس والبقاء ، وبالتالي تآكل رأس المال . وبدلا من أن تكون هذه الشركات احد محركات الاقتصاد وعامل من عوامل النمو ، تصبح عبئا على الاقتصاد الوطني يتحمله المجتمع بأسره . تؤدي حوكمة الشركات دورا مهما في معالجة المشكلات التي تعاني منها هذه الشركات ، والتي من أبرزها مشكلة الفساد المالي والإداري ، وذلك من خلال مجموعة من الآليات صنفها كل من Hess و Impavido إلى آليات حوكمة داخلية وأخرى خارجية . سيتم تناول هذه الآليات بشكل مختصر وكما يأتي :

1 . الآليات الداخلية لحوكمة الشركات
تنصب آليات حوكمة الشركات الداخلية على أنشطة وفعاليات الشركة ، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الشركة . ويمكن تصنيف آليات حوكمة الشركات الداخلية إلى ما يأتي :

أ – مجلس الإدارة
يذكر كل من Singh و Harianto إن الناشطين في مجال حوكمة الشركات والباحثين والممارسين يعدون مجلس الإدارة أحسن أداة لمراقبة سلوك الإدارة ، إذ انه يحمي رأس المال المستثمر في الشركة من سوء الاستعمال من قبل الإدارة ، وذلك من خلال صلاحياته القانونية في تعيين وإعفاء ومكافأة الإدارة العليا . كما إن مجلس الإدارة القوي يشارك بفاعلية في وضع إستراتيجية الشركة ، ويقدم الحوافز المناسبة للإدارة ، ويراقب سلوكها ويقوم أدائها .
وبالتالي تعظيم قيمة الشركة ولكي تكون هذه المجالس فعالة ينبغي أن تكون في الموقف الذي يؤهلها للعمل لمصلحة الشركة ، وفي ذات الوقت تأخذ الأهداف الاجتماعية للشركة بعين الاعتبار ، كما يجب أن تمتلك السلطة اللازمة لممارسة أحكامها الخاصة بعيدا عن التدخلات السياسية والبيروقراطية في شؤونها ، وتقوم باختيار الإدارة العليا ، فضلا عن الإشراف المستمر على أداء الشركة والإفصاح عن ذلك. وفي هذا السياق يأتي تأكيد ( PSCGT ) * على ضرورة أن تقاد كل شركة من الشركات المملوكة للدولة بمجلس إدارة فعال ، يمارس القيادة ويوجه الشركة بنزاهة وحكمة ويعمل لمصلحة الشركة بشفافية ومسؤولية.
ولكي يتمكن مجلس الإدارة في الشركة المملوكة للدولة من القيام بواجباته في التوجيه والمراقبة ، يلجا إلى تأليف مجموعة من اللجان من بين أعضائه من غير التنفيذيين ، أبرزها ما يأتي
:

لجنة التدقيق
لقد حظيت لجنة التدقيق في الوقت الحاضر باهتمام بالغ من قبل الهيئات العلمية الدولية ، والمحلية المتخصصة والباحثين ، وبخاصة بعد الإخفاقات والاضطرابات المالية التي حصلت في الشركات العالمية . ويرجع هذا الاهتمام للدور الذي يمكن أن تؤديه لجنة التدقيق كأداة من أدوات حوكمة الشركات في زيادة الثقة والشفافية في المعلومات المالية التي تفصح عنها الشركات ، وذلك من خلال دورها في إعداد التقارير المالية وإشرافها على وظيفة التدقيق الداخلي في الشركات ، وكذلك دورها في دعم هيئات التدقيق الخارجي وزيادة استقلاليتها ، فضلا عن دورها في التأكيد على الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات .
لقد ظهر مفهوم هذه اللجنة بعد الانهيارات المالية لبعض الشركات الكبير كما تم ذكره . ففي الولايات المتحدة الأمريكية تم إصدار قانون Sarbanse Oxley Act في سنة 2002 ، الذي ألزم جميع الشركات بتشكيل لجنة التدقيق لما لها من دور هام في منع حدوث تلك الانهيارات المالية في المستقبل ، وذلك من خلال دورها في عملية إعداد القوائم المالية وكذلك في زيادة استقلالية كل من المدقق الداخلي والخارجي .
أما في المملكة المتحدة فقد صدر عددا من التوصيات بتشكيل هذه اللجنة ، من أبرزها تقرير Smith Report في سنة 2003 ، الذي تضمن العديد من التوصيات الخاصة بدور ومسؤوليات لجنة التدقيق وكيفية الإفصاح عن هذه المسؤوليات في التقارير السنوية للشركات . وتجدر الإشارة إلى انه هناك العديد من الدول الأخرى مثل كندا ، وفرنسا ، وألمانيا ، وماليزيا وسنغافوره قد ظهر فيها مفهوم هذه اللجنة منذ سنوات عديدة ، وتطور هذا المفهوم بعد صدور العديد من التوصيات والمقترحات لحل المشكلات التي تواجهها هذه اللجنة في الواقع العملي ، وبالشكل الذي أصبحت هذه اللجان في الوقت الحاضر أداة هامة من أدوات حوكمة الشركات .
وعن تشكيل لجنة التدقيق في الشركات المملوكة للدولة ، فإنها على وفق المعلومات التي توفرت للباحث قد ظهرت الدعوة إليها لأول مرة في توصيات تقرير King Report * في جنوب أفريقيا في سنة 1994 وتلا ذلك صدور العديد من التوصيات لتأليف مثل هذه اللجنة في العديد من الدول . وقبل التطرق إلى أهمية هذه اللجنة والواجبات التي تقوم بها ، لابد من الإشارة إلى المقصود بها . ونظرا لتعدد التعاريف في أدبيات التدقيق لهذه اللجنة ، سوف يكتفي الباحث بإيراد تعريفين احدهما لإحدى الهيئات المهنية والآخر لأحد الباحثين .

• لقد عرفت لجنة التدقيق من قبل الهيأة الكندية للمحاسبين القانونيين ( CTCA )* بأنها " لجنة مكونة من أعضاء مجلس إدارة الشركة الذين تتركز مسؤولياتهم في مراجعة القوائم المالية السنوية قبل تسليمها إلى مجلس الإدارة ، وتتلخص نشاطاتها في ترشيح المدقق الخارجي ومناقشة نطاق ونتائج التدقيق معه ، وكذلك مراجعة نظام الرقابة الداخلية للشركة والتأكد من فاعليته ، وكذلك التأكد من تطبيق قواعد حوكمة الشركات في الشركة.
• كما عرفها ( ميخائيل ) بأنها لجنة منبثقة عن مجلس الإدارة ، تتكون من عدد من الأعضاء غير التنفيذيين ، ويحضر اجتماعات هذه اللجنة المدققون الداخليون والخارجيون إذا اقتضى الأمر ذلك ، وتفوض هذه اللجنة صلاحيات العمل طبقا للأحكام التي يقررها مجلس الإدارة ، وترفع تقاريرها الدورية إلى رئيس مجلس الإدارة
ويتضح للباحث من خلال التعاريف السابقة انه يتم تعريف هذه اللجنة في ضوء عضويتها ومسؤولياتها ، وإنها تتميز بأنها منبثقة عن مجلس الادارة وتقتصر عضويتها على أعضاء مجلس الإدارة من غير التنفيذيين ، والذين تتوافر لديهم الاستقلالية والخبرة في مجال المحاسبة والتدقيق ، وتتعلق مسؤوليتها بتدقيق عمليات إعداد التقارير المالية ومراجعة عمليات التدقيق الداخلي والخارجي ، وكذلك مراجعة الالتزام بتطبيق قواعد حوكمة الشركات من قبل إدارة الشركة .

وظائف وواجبات ( مسؤوليات ) لجنة التدقيق
سبق وان أشار الباحث إلى إن إحدى أهم مسؤوليات لجنة التدقيق هي التأكد من تطبيق قواعد الحوكمة على ارض الواقع ، والذي يتم من خلال مجموعة من الآليات ، كما إن وجود نظام رقابة داخلية يعد من أهم مسؤوليات مجلس الإدارة ، ويتمثل الدور الرئيسي للجنة التدقيق فيما يتصل بهذا النظام بالتحقيق من كفايته ، وفاعلية تنفيذه وتقديم التوصيات إلى مجلس الإدارة ، والتي من شانها تفعيل النظام وتطويره ، بما يحقق أغراض الشركة ويحمي مصالح المالكين وبقية أصحاب المصالح بكفاية عالية وتكلفة معقولة . وتقترح PSCGT الوظائف التالية للجنة التدقيق:
• مراجعة الكشوفات المالية قبل تقديمها إلى مجلس الإدارة .
• التوصية بتعيين ومكافأة وإعفاء المدقق الخارجي .
• مناقشة نطاق وطبيعة الأولويات في التدقيق والاتفاق عليها .
• المناقشة مع المدققين الخارجيين لأية تحفظات أو مشكلات تنشأ أثناء عملية التدقيق .
• المناقشة مع المدققين الخارجيين والداخليين لتقويم فاعلية نظام الرقابة الداخلية في الشركة وإدارة المخاطر فيها .
• الإشراف على وظيفة التدقيق الداخلي ومراجعة التقارير التي تقدمها والنتائج التي تتوصل إليها وتقديم التوصيات للإدارة لاتخاذ الإجراءات اللازمة .
• القيام بأية واجبات تكلف بها من قبل مجلس الإدارة ، والتي لها صلة بأعمال التدقيق والرقابة( ) .

لجنة المكافآت
توصي اغلب الدراسات الخاصة بحوكمة الشركات والتوصيات الصادرة عن الجهات المهتمة بها بأنه يجب أن تشكل لجان المكافآت من أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين. وفي مجال الشركات المملوكة للدولة فقد تضمنت إرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) تأكيدا على ضرورة أن تكون مكافآت أعضاء مجلس الإدارة و الإدارة العليا معقولة ، وذلك لضمان تعزيز مصالح الشركة في الأمد البعيد من خلال جذب المهنيين من ذوي الكفاءات العالية .

وظائف لجنة المكافآت وواجباتها
تتركز وظائف لجنة المكافآت وواجباتها في تحديد الرواتب والمكافآت والمزايا الخاصة بالإدارة العليا لذا فان Mintz حدد تلك الواجبات بما يأتي :
- تحديد والمكافآت والمزايا الأخرى للإدارة العليا ، و مراجعتها والتوصية
لمجلس الإدارة بالمصادقة عليها .
- وضع سياسات لإدارة برامج مكافأة الإدارة العليا و مراجعة هذه
السياسات بشكل دوري .
- اتخاذ خطوات لتعديل برامج مكافآت الإدارة العليا التي ينتج عنها دفعات
لا ترتبط بشكل معقول بأداء عضو الإدارة العليا .
- وضع سياسات لمزايا الإدارة ومراجعتها باستمرار .

لجنة التعيينات
يجب أن يتم تعيين أعضاء مجلس الإدارة والموظفين من بين أفضل المرشحين الذين تتلاءم مهاراتهم وخبراتهم مع المهارات والخبرات المحددة من الشركة . ولضمان الشفافية في تعيين أعضاء مجلس الإدارة وبقية الموظفين فقد وضعت PSCGT لهذه اللجنة مجموعة من الواجبات هي :
– أن تقوم لجنة التعيينات في الشركة مع مجلس الإدارة وبمصادقة الوزير
المختص بوضع المهارات والخبرات المطلوب توافرها لدى عضو مجلس
الإدارة والموظفين المطلوبين .
– يجب على لجنة التعيينات أن تضع آليات شفافة للتعيين، بما يضمن
الحصول على أفضل المرشحين المؤهلين .

– أن تقوم اللجنة مع بقية أعضاء مجلس الإدارة بتقويم المهارات المطلوبة
للشركة باستمرار .
– يجب أن تقوم اللجنة بالإعلان عن الوظيفة المطلوب إشغالها ، ودعوة
المؤهلين لتقديم طلباتهم للتعيين.
– على اللجنة أن تتوخى الموضوعية ، وذلك بمقارنة مؤهلات ومهارات
المتقدم مع المواصفات الموضوعة من الشركة .

ب- التدقيق الداخلي
تؤدي وظيفة التدقيق الداخلي دورا مهما في عملية الحوكمة ، إذ إنها تعزز هذه العملية ، وذلك بزيادة قدرة المواطنين على مساءلة الشركة . حيث يقوم المدققون الداخليون من خلال الأنشطة التي ينفذونها بزيادة المصداقية ، العدالة ، تحسين سلوك الموظفين العاملين في الشركات المملوكة للدولة وتقليل مخاطر الفساد الإداري والمالي . وفي هذا السياق يرى Archambeault إن كل من التدقيق الداخلي والخارجي يعد آلية مهمة من آليات المراقبة ضمن إطار هيكل الحوكمة ، وبشكل خاص فيما يتصل بضمان دقة ونزاهة التقارير المالية ومنع واكتشاف حالات الغش والتزوير. وقد اعترفت الهيئات المهنية والتنظيمية بأهمية وظيفة التدقيق الداخلي في عملية الحوكمة . فقد أكدت لجنة كادبيريCadbury committee على أهمية مسؤولية المدقق الداخلي في منع واكتشاف الغش والتزوير.
ولتحقيق هذه الوظيفة لأهدافها ، يجب أن تكون مستقلة وتنظم بشكل جيد وتستند إلى تشريع خاص بها .
وفي هذا الاتجاه يؤكد Cohen et al. على انه يتم تقوية استقلالية هذه الوظيفة عندما ترفع تقاريرها إلى لجنة التدقيق بشكل مباشر وليس إلى الإدارة . يضاف إلى ذلك يمكن أن تزداد فاعلية لجنة التدقيق الداخلي عندما تكون قادرة على توزيع ملاك التدقيق الداخلي للحصول على معلومات مهمة عن قضايا خاصة بالشركة ، مثل تقوية نظام الرقابة الداخلية ونوعية السياسات المحاسبية المستخدمة .

2 . الآليات الخارجية لحوكمة الشركات
تتمثل آليات حوكمة الشركات الخارجية بالرقابات التي يمارسها أصحاب المصالح الخارجيين على الشركة ، والضغوط التي تمارسها المنظمات الدولية المهتمة بهذا الموضوع ، حيث يشكل هذا المصدر احد المصادر الكبرى المولدة لضغط هائل من اجل تطبيق قواعد الحوكمة . ومن الأمثلة على هذه الآليات ما يأتي:
أ- منافسة سوق المنتجات ( الخدمات ) وسوق العمل الإداري
تعد منافسة سوق المنتجات ( أو الخدمات ) احد الآليات المهمة لحوكمة الشركات . ويؤكد على هذه الأهمية كل من ( Hess and Impavido ) ، وذلك بقولهم إذا لم تقم الإدارة بواجباتها بالشكل الصحيح ( أو إنها غير مؤهلة ) ، إنها سوف تفشل في منافسة الشركات التي تعمل في نفس حقل الصناعة ، وبالتالي تتعرض للإفلاس . إذن إن منافسة سوق المنتجات ( أو الخدمات ) تهذب سلوك الإدارة ، وبخاصة إذا كانت هناك سوق فعالة للعمل الإداري Labor Market للإدارة العليا ، وهذا يعني إن إدارة الشركة إلى حالة الإفلاس سوف يكون له تأثير سيئ على مستقبل المدير وأعضاء مجلس الإدارة ، إذ غالبا ما تحدد اختبارات الملائمة للتعيين انه لا يتم إشغال مواقع المسؤولية من أعضاء مجلس إدارة أو مديرين تنفيذيين سبق أن قادوا شركاتهم إلى الإفلاس أو التصفية( ).
ب - الاندماجات والاكتسابات Mergers and Acquisitions
مما لاشك فيه إن الاندماجات والاكتسابات من الأدوات التقليدية لإعادة الهيكلة في قطاع الشركات في أنحاء العالم . ويشير كل من (John and Kedia ) إلى وجود العديد من الأدبيات والأدلة التي تدعم وجهة النظر التي ترى إن الاكتساب آلية مهمة من آليات الحوكمة ( في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال ) ، وبدونه لا يمكن السيطرة على سلوك الإدارة بشكل فعال ، حيث غالبا ما يتم الاستغناء عن خدمات الإدارات ذات الأداء المنخفض عندما تحصل عملية الاكتساب أو الاندماج
.
أما في الشركات المملوكة للدولة فتشير OECD إلى إن الحكومة الصينية على سبيل المثال قد استفادت من هذه الآلية ، وذلك بعد إعطاء هذه الشركات قدرا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات ومنها قرارات الاكتساب والاندماج ، ولكن تبقى الدولة بحاجة إلى أن تتأكد من عدم الإضرار بحقوقها كمالك للأسهم جراء مثل هذه القرارات المهمة التي تتخذها الإدارات.
ويرى الباحث إن آلية الاكتساب ليس لها تأثيرا على الشركات المملوكة للدولة ، وذلك لأنها يمكن أن تحصل في الشركات المساهمة الخاصة ، وهي ليست موضوع الدراسة . أما الاندماج فقد نص عليه قانون الشركات العامة ، إلا انه على حد علم الباحث لم يتم تفعيل هذه الآلية .

ج - التدقيق الخارجي External Auditing
يؤدي المدقق الخارجي دورا مهما في المساعدة على تحسين نوعية الكشوفات المالية ، ولتحقيق ذلك ينبغي عليه مناقشة لجنة التدقيق في نوعية تلك الكشوفات ، وليس مقبوليتها فقط . ومع تزايد التركيز على دور مجالس الإدارة ، وعلى وجه الخصوص لجنة التدقيق في اختيار المدقق الخارجي والاستمرار في تكليفه ، يرى Abbot and Parker إن لجان التدقيق المستقلة والنشيطة سوف تطلب تدقيقا ذا نوعية عالية ، وبالتالي اختيار المدققين الأكفاء والمتخصصين في حقل الصناعة الذي تعمل فيه الشركة.
يمثل التدقيق الخارجي حجر الزاوية لحوكمة جيدة للشركات المملوكة للدولة ، إذ يساعد المدققون الخارجيون هذه الشركات على تحقيق المساءلة والنزاهة وتحسين العمليات فيها ، ويغرسون الثقة بين أصحاب المصالح والمواطنين بشكل عام . ويؤكد معهد المدققين الداخليين في الولايات المتحدة الأمريكية Institute of Internal Auditiors ( IIA ) على إن دور التدقيق الخارجي يعزز مسؤوليات الحوكمة في الإشراف Oversight ، التبصر Insight والحكمة Foresight . ينصب الإشراف على التحقق مما إذا كانت الشركات المملوكة للدولة تعمل ما هو مفروض أن تعمله ويفيد في اكتشاف ومنع الفساد الإداري والمالي . أما التبصر فانه يساعد متخذي القرارات ، وذلك بتزويدهم بتقويم مستقل للبرامج والسياسات، العمليات والنتائج . وأخيرا تحدد الحكمة الاتجاهات والتحديات التي تواجهها الشركة . ولانجاز كل دور من هذه الأدوار يستخدم المدققون الخارجيون التدقيق المالي ، وتدقيق الأداء ، والتحقق والخدمات الاستشارية . وقد أكدت بعض المنظمات المهنية والهيئات التنظيمية على ضرورة اخذ وظيفة التدقيق الداخلي بنظر الاعتبار من المدقق الخارجي . فعلى سبيل المثال تطلب معيار التدقيق SAS No. 65 الصادر عن المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين من المدقق الخارجي أن يأخذ بعين الاعتبار وظيفة التدقيق الداخلي عند التخطيط لعملية التدقيق . أما معيار التدقيق SAS No.78 فقد عرف وظيفة التدقيق الداخلي كمصدر للمراقبة يجب على المدقق الخارجي أن يأخذه بنظر الاعتبار عند تقييمه لنظام الرقابة الداخلية في الشركة( ) .

د - التشريع والقوانين
غالبا ما تشكل وتؤثر هذه الآليات على التفاعلات التي تجري بين الفاعلين الذين يشتركون بشكل مباشر في عملية الحوكمة . لقد أثرت بعض التشريعات على الفاعلين الأساسيين في عملية الحوكمة ، ليس فيما يتصل بدورهم ووظيفتهم في هذه العملية ، بل على كيفية تفاعلهم مع بعضهم . فعلى سبيل المثال قد فرض قانون Sarbanes-Oxly Act متطلبات جديدة على الشركات المساهمة العامة ، تتمثل بزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة المستقلين ، وتقوية إشراف لجنة التدقيق على عملية إعداد التقارير المالية ، والطلب من المدير التنفيذي ( CEO ) ومدير الشؤون المالية ( CFO ) الشهادة على صحة التقارير المالية وعلى نظام الرقابة الداخلية ، ووضع خطوط اتصال فعالة بين المدقق الخارجي ولجنة التدقيق وتحديد قدرة المسؤولين في الشركة على المصادقة على المعاملات التي تخصهم في الشركة ، والتي قد تكون مضرة بمصالح المالكين وأصحاب المصالح الآخرين في الشركة . كما أناط مسؤولية تعيين وإعفاء المدقق الخارجي والمصادقة على الخدمات غير التدقيقية التي يمكن أن تقدمها شركات التدقيق لزبائنها بلجنة التدقيق. وفي العراق ، فقد نظم قانون الشركات العامة رقم (22 ) لسنة 1977 شؤون الشركات المملوكة للدولة من حيث التأسيس والإدارة والتصفية وكذلك أخضعها لرقابة ديوان الرقابة المالية .

هـ - آليات حوكمة خارجية أخرى Another Corporate Governance Mechanisms
هناك آليات حوكمة خارجية أخرى فضلا عن ما تقدم ذكره ، تؤثر على فاعلية الحوكمة بطرق هامة ومكملة للآليات الأخرى في حماية مصالح أصحاب المصالح في الشركة . ويذكر Cohen et al. إنها تتضمن ( ولكن لا تقتصر على ) المنظمين ، المحللين الماليين وبعض المنظمات الدولية (45 ) . فعلى سبيل المثال تمارس منظمة الشفافية العالمية ضغوطا هائلة على الحكومات والدول ، من اجل محاربة الفساد المالي والإداري ، وتضغط منظمة التجارة العالمية ( WOT ) من اجل تحسين النظم المالية والمحاسبية ، وفي قطاع البنوك ، تمارس لجنة بازل ضغطا من اجل ممارسة الحوكمة فيها .
ويرى الباحث انهبسبب تنوع آليات الحوكمة وتعدد مصادرها ، فان تنفيذها يتطلب وضع إطار شامل لها ، يأخذ بنظر الاعتبار جميع أصحاب المصالح في الشركات سواء أكانت خاصة أم مملوكة للدولة . إذ أن كل طرف من هذه الأطراف يؤدي دورا مهما في عملية الحوكمة ، وإنها تتفاعل فبما بينها ضمن إطار الحوكمة . مثال على ذلك التفاعل فيما بين لجنة التدقيق والمدقق الخارجي ، المدقق الداخلي ، مجلس الإدارة والإدارة العليا . وان لهذا التفاعل تأثيرا كبيرا في الحد من حالات الفساد المالي والإداري .

تعقيب
اكد الموضوع علي الإنهيارات المالية للعديد من الشركات دولية النشاط عن وجود قصور في الإفصاح بالتقارير المالية، و تدني في جودة تقارير المراجعة، و عدم تناسق القوانين و التشريعات التجارية مع المتغيرات الدولية المستجدة، و غير ذلك من المظاهر السلبية الأخرى التي أثرت على الممارسات الإدارية بهذه الشركات، ولإعادة الثقة في البيانات المالية للشركات و طمأنة أصحاب المصالح المتعارضة و دعم ترشيد القرار الإداري، فقد كان لمفهوم حوكمة الشركات الدور الرائد في هذا الصدد. و نظرا للأهمية المتزايدة لظاهرة حوكمة الشركات، فقد حرصت العديد من المنظمات الدولية و بورصات الأوراق المالية بمعظم الدول المتقدمة على إصدار مجموعة من القواعد و المعايير المحددة لمجموعة من مبادئ حوكمة الشركات، التي تمثل خلفية مرجعية قابلة للتطبيق من قبل صانعي السياسات الاقتصادية بمعظم دول العالم و خاصة بالدول النامية، ولعل الريادة ترجع في هذا المقام إلى جهود منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية، التي أرست مبادئ الحوكمة في جولات متعددة آخرها الإصدار المعاصر لعام 2004 بغرض مساعدة حكومات الدول النامية في تطوير و تحسين الأبعاد القانونية و التشريعية للشركات العاملة بها ودعم التوجه نحو العمل بفلسفة الإدارة الرشيدة، و شأنها في ذلك شأن لجنة بازل و مؤسسة التمويل الدولية في إصدار مبادئ تحكم التطبيق السليم لحوكمة الشركات .



#وليد_محمد_عبدالحليم_محمد_عاشور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الفضاء العمومي الافتراضي في تنمية الوعي الصحي للتعايش مع ...


المزيد.....




- أهالي بلدات وقرى جنوب لبنان يسارعون للعودة إلى مساكنهم رغم ا ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- كلمة عمال وعاملات شركة سيكوم/سيكوميك بمناسبة اليوم العالمي ل ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ...دفاعا عن الجدل (الجزء الث ...
- صفارات الانذار تدوي في شمال فلسطين المحتلة وشمال تل أبيب وفي ...
- م.م.ن.ص // تأييد الحكم الابتدائي في حق المعتقلة السياسية سم ...
- تصاعد المواجهات بين الشرطة الباكستانية وأنصار عمران خان، ومق ...
- أكبر جامع في ألبانيا والبلقان.. شاهد: -نمازجاه- في تيرانا ما ...
- باكستان: مقتل أربعة من قوات الأمن بصدامات مع متظاهرين مؤيدين ...
- المستشار الألماني شولتز يقود الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ا ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور - الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية سوسيولوجية