النداء الذي وجهه الكاتب والروائي العراقي الشجاع سليم مطر من جنيف حول الدور الإجرامي الذي تقوم به عصابات الطارزاني ( الاسم المركب من الطالباني/ البارزاني) هو صيحة استغاثة جديدة يطلقها سليم مطر قبل فوات الأوان، وكنا في كتابات سابقة قد أشرنا إلى الدور الإجرامي الذي يقوم به هؤلاء في تنكر خطير للثورة الكردية وأهدافها النبيلة التي رفعها المرحوم ملا مصطفى البارزاني، وهي الحرية والإخاء والديمقراطية لكل العراقيين، يوم كان العراقيون في جنوب ووسط العراق يساقون إلى السجون والمنافي والموت وحتى القتال في الجبال من أجل الثورة الكردية على أساس أنها ثورة من أجل عودة الديمقراطية، تاركين أهلهم ومقاعدهم الدراسية وأعمالهم متحملين أشق الظروف في الجبال الوعرة، لتكون النتيجة هذه الخيانة القذرة التي لن تغتفر، للشعب الكردي أولا، والشعب العراقي ثانيا.
ولم نكن يوما لنشك في النوايا الحقيقية أبدا، وقبل الحرب بسنوات، بنوايا الطارزاني القومية العنصرية، واستخدام شعار النضال الديمقراطي كمظلة لأهداف جهنمية لا تقبل بغير تدمير العراق كأرض وشعب ووطن.
اليوم يجري ذبح وطرد وتهجير والسيطرة على أحياء ومنازل في شتى أنحاء العراق وخاصة في كركوك والموصل وديالى وحتى بغداد، بعد أن حصل هؤلاء على أسلحة الجيش الثقيلة استعدادا لحرب أهلية خسيسة لا يعرف أحد أهوالها، و إلا لماذا السيطرة على دبابات ومدافع ثقيلة وصواريخ ...؟
إن مخطط الطارزاني وهو قديم يقوم على الأهداف المرحلية التالية من أجل تدمير الوحدة الوطنية.
1 قام الطارزاني وعلى مدى سنوات بشراء ذمم وضمائر عشرات الكتاب الانتهازيين من الذين تلوثت حياتهم بكل أنواع المواقف الدنيئة، ومن الذين يخافون من ساعة الحساب والمحاكمة القانونية، ولا يستطيعون الحياة دون ركيزة أو سلطة أو حزب أو ممول لأن قوة شخصياتهم لا تكمن فيهم بل في السند أو العكاز. وتم في هذا المجال تسويق وتبني بطل كل العصور، وزلمة كل المراحل، ورجل كل دافع، ووزير كل مرحلة المدعو سعد البزاز من قبل البارزاني، وكانت جريدة "الزمان" المسوق والمروج الأول لطروحات عنصرية علنية انفصالية تحت دعاوى مزيفة، وكل شيء بسعره.
والبزاز تم إعداده بارزانيا، مع المدعو مشعان الجبوري، ووفيق السامرائي، ومن لف لفهم، من الذين يحملون نفس علامة المصنع، من أجل ترشيحهم لمواقع قيادية في سلطة المستقبل لضمان حصول أكبر نسبة أصوات في الحكومة القادمة لتسويغ وتلبية طلبات البارزاني المشبوهة.
2 تقوم خطة الطارزاني على مخطط صهيوني معروف في خلق مفهوم ( الضحية) والترويج لها، مع أن الشعب العراقي كله ضحية نظام الطاغية( وهي نفس الذهنية الاسرائيلية).
3 ويقوم هذه المخطط من المنطلق نفسه باعادة صياغة تاريخ العراق حسب الاسطورة الطارزانية، تأثرا بالأساطير الاسرائيلية في ( قدس الاكراد) على غراء قدس الأقداس، والوطن السليب، والعرب المحتلين، وخلق ذاكرة جديدة عن العراقي العربي المحتل، وتصوير تاريخ العراق على أنه تاريخ لا دور للعرب فيه( حتى بغداد ليست عربية!) وهذه الطروحات القومية معادية حتى لتطلعات شعبنا الكردي الذي وقع بين سندان الفاشية وبين مطرقة أحزاب الكمرك الذين تقاتلوا سنوات من أجل حفنة نقود على عوائد نفط منطقة العبور نحو تركيا.
4 إن الخيانة الطارزانية تتجاوز ذلك إلى الاستفادة من الوضع الحرج اليوم في العراق وفرض شروط القوة قبل صحوة الوطن والناس.
5 تكريس سياسة الأمر الواقع وعرقلة أية خطوة نحو حكومة وطنية منتخبة من الشعب العراقي، لأن هذه الفوضى تخدم الأهداف الخبيثة المعدة سلفا( يريد الطارزاني حكومة مؤلفة من 6 أو7 قوى نصفها مرتزق ومدعوم، والنص الآخر مسوغ طارزانيا لقول نعم في أي برلمان أو مؤسسة قانونية أو دستورية قادمة حقيقية أم شكلية).
6 ونتيجة قصر نظر هؤلاء، فهم يؤسسون لحرب أهلية، لأول مرة، تقوم على أساس قومي، وهذا ما كان يرفضه الشعب العراقي على مر السنوات، وسيعاد أنتاج الخطاب الفاشي السلطوي القديم عن النوايا الحقيقية لهؤلاء.
7 قبل سنوات رفضت جريدة المرتزقة ( الزمان) نشر مقالة لي تتحدث عن النوايا العنصرية لهؤلاء، واكتفوا، بأسلوب صفيق لا يصدر إلا من أذلاء بنشر الرسالة المرفقه بها ( التي بدت للقارئ بلا معنى ولا مناسبة) . و المقالة تتحدث عن: إن القومية الناشئة، في لحظة انتصارها، يجب أن تنعطف نحو الديمقراطية والبناء الاجتماعي حالا، و إلا ستتجه نحو الفاشية حتما. وهي مقولة كان المفكر الفرنسي المعروف فرانز فانون قد توقع من خلالها ظهور القوميات الفاشية والعنصرية قبل ظهور النازية والفاشية.
واليوم نكرر هذه المقولة العلمية الصحيحة من أن الطارزاني يقودان الشعب الكردي، بعد أن حقق معنا، ومن خلال نضال ديمقراطي طويل، نصرا على الفاشية وقبل سقوطها، نحو فاشية مقيتة، في لحظة زهو عابرة، وتأسيس ما يعرف بالكيان( المسعور) على غرار الدولة الأرتيرية التي تحولت إلى كلب يهجم مرة على أثيوبيا ومرة على اليمين ومرة على السودان، من أجل إثبات الذات، وبناء هوية فاشستية ستقوده حتما إلى الخراب.
8 إن طموح الطارزاني يقوم على ذات العقيدة العسكرية الاسرائيلية : تأسيس دولة قوية، وجيشا قويا، في محيط معاد، والقيام بدور الكلب النابح وفصل العراق عن محيطه العربي والإقليمي( أول دسيسة قام بها نائب الطالباني برهوم صالح هو الهجوم على الجامعة العربية في القاهرة باسم العراق كأنه وزير خارجية، والغرض ليس نقدا للجامعة التي لا قيمة حقيقية لها، بل هي بوادر دور قذر ستتبعه خطوات للإجهاز على الفريسة العراقية قبل أن يصحو الشعب العراقي من هذه المحنة. وقد مرت هذه الدسيسة بكل هدوء على حملة المكانس الذين لا هم لا هم غير مهاجمة قناة الجزيرة وقطر وعمر موسى أو هذا الكاتب أو ذاك والوطن يسرق ويباع علنا).
9 إن وجود الطارزاني في بغداد، والاستيلاء على عشرات المقرات والأراضي، ليس من أجل خلق عوامل الأمن والاستقرار، فهذا أشد ما يخافان منه، بل لإدارة صراع مع القوى الوطنية أو ما تبقى منها، حول تكريس الوضع الشاذ، وترسيخ واقع "الصوملة" الذي هو هدف جوهري من أهداف الحرب( ما معنى أن يلتقي البارزاني مع ممثل المخابرات الأمريكية في قضية تشكيل حكومة عراقية جديدة؟ طبعا للإصغاء للطلبات الطارزانية كهدية ما بعد الحرب!).
10، وليس أخيرا، إن الخطر الحقيقي اليوم على العراق ليس من الاحتلال، لأن هذا سيرحل يوما بلا شك، ولكن الخطر على العرب والأكراد والتركمان وغيرهم هو من هذين الجلوازين.
تذكروا جيدا:
إن تدمير العراق كوطن للجميع قد بدأ على يدي الطارزاني.
وإن تدمير الثورة الكردية، بمراهنة هذين الشخصين على اللحظة الراهنة، وهي لحظة زائلة بلا شك، قد بدأ، بعد حرفها عن طريق بناء الثورة الديمقراطية، وتكوين عصابات هجانة وشترين جديدة.
و أنهما بهذه الأعمال الإجرامية قد وضعا المقدمات والبنية التحتية الجهنمية لحرب أهلية، يحاول الكثير من المثقفين وأنصافهم، الهرب منها بشعارات مضحكة عن الوحدة الوطنية وعلى ما يقال ويكتب للاستهلاك والسخرية.
إن نضال الشعب العراقي بكل أطيافه لم يكن يوما مؤسسا على هذا الجنون الكلبي، بل كان نضالا وطنيا ديمقراطيا تحرريا.
وأن انتصار الثورة الكردية كان أملا عربيا، قبل أن يكون كرديا، وأن جرها نحو الطريق المسعور هي بوادر عودة كريهة لفاشية أكثر قذارة، أكثر وحشية.