مصطفى خالد المحمد
الحوار المتمدن-العدد: 7266 - 2022 / 6 / 1 - 02:16
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
تتميز الدبلوماسية الإماراتية في تبنيها سياسة الحياد الإيجابي، والتي تركزت على التحرك في مسارين متوازيين، الأول، هو تبني مواقف غير منحازة لأي طرف أو فريق للحفاظ على مصداقيتها كوسيط نزيه ومقبول من الطرفين، ما يساعد على تحقيق هدف الدولة المتمثل في تشجيع جميع الأطراف لتبني خيار الدبلوماسية والتفاوض لتسوية الأزمة سياسياً، من جانب، والحفاظ على علاقات الدولة ومصالحها الوطنية من جانب آخر بما في ذلك الحفاظ على علاقات الدولة الوثيقة مع طرفي الصراع ،
وتمثل في تركيز الدولة على ضرورة وقف الأعمال العدائية وتدهور الأوضاع الإنسانية المتفاقمة للمدنيين وضمان توفير الحماية لهم، وضرورة العمل على تخفيف معاناة المدنيين تحت وطأة الصراع، وهو موقف يعكس أحد أهم ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية وهو إغاثة الملهوف، وتقديم الدعم الإنساني لكل الشعوب بصرف النظر عن أي اعتبارات.
برزت دولة الإمارات، كما هي عادتها، بوصفها «صوت الحكمة» الذي يعمل من أجل تأكيد الثوابت الدولية، ولا سيما تلك المتعلقة بضرورة حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، وإفساح المجال أمام جهود الوساطة للوصول إلى حلول سلمية للأزمة، مع تجنب الانزلاق لحالة الاستقطاب التي أفرزتها الحرب، حيث كررت الدولة تأكيدها باستمرار على تقديم دعمها الكامل لجهود الوساطة كافة الرامية إلى إنهاء هذا الصراع.
دولة الإمارات اليوم لديها نظرة وعزيمة لتأسيس ما يمكن تسميته اليوم بالإدارة الجماعية لشؤون العالم. والهدف الأول يتمثل في تحقيق السلم و تم تطويره ليشمل باقي الدعائم الأخرى التي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة مثل التنمية وحقوق الإنسان وأخيرا حماية البيئة".
ومركز لمحافل "الإدارة الجماعية" لقضايا العالم، وهو الدور الذي "نحن في أشد الحاجة له اليوم"،
فإن العامل الذي سيعزز مكانة الإمارات سيتمثل في تحولها إلى مركز تتجمع فيه بكثافة خبرات متعددة ومترابطة تشمل السياسة وحقوق الإنسان والإقتصاد والتكنولوجيا والبيئة.
فالبلاد التي كانت تعتمد في بداياتها على صيد الأسماك واللؤلؤ، شهدت نمواً اقتصادياً هائلاً مدفوعا بثروتها من النفط والغاز، وأصبحت محطة استقطاب مالية وسياحية في الخليج والشرق الأوسط.
وفي هذه الأيام، تعقد سلطات دولة الإمارات العربية آمالاً كبرى على عودة روسيا الاتحادية إلى لعب الدور القيادي في إدارة الشؤون الدولية وذلك من خلال مشاركة فعالة في المحافل "الإدارة الجماعية" لشؤون العالم.
الدعم الروسي للأمارات في الماضي والحاضر سيكون الآن لاختيار الإمارات كمقر مستقبلي لاحتضان عصبة الأمم سيكون بدفع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سيحدد برنامجاً من 19 بنداً لدعم السلم في العالم الجديد والذي سيكون من ضمنه مشروع تأسيس عُصبة الأمم الجديدة بعيد عن التحيز الغربي.
أن هذا الإختيار سيكون لعدة أسباب تشمل "الحياد الاماراتي والموقع الجغرافي ولأن مدينة أبو ظبي ليست عاصمة سياسية فقط للإمارات العربية بل العاصمة المستقبلية الاقتصادية لكل البلدان وهو ما سيسمح بنوع من التجمع المركزي للجميع فيما يتعلق بالقضايا السياسية العالمية المصيرية.
وقد مرت سياسة الإمارات الخارجية بتحولات كبرى خلال الخمسين عاما الماضية: بدءا بالحياد، ومروراً بالانخراط في بعض الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، ووصولا إلى طي صفحة الخلافات مع بعض القوى الإقليمية
انتهجت الإمارات على مدى العقود الثلاثة التي قادها مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، سياسة وسطية حيادية إلى حد كبير في القضايا الإقليمية والدولية، وارتبطت بعلاقات وثيقة مع بلدان الخليج الأخرى، وكذلك الدول العربية والإسلامية.
أن الإمارات لم تعد لاعباً ثانوياً في الشرق الأوسط، بل أضحت تتمتع بنفوذ يتخطى حدودها بمسافات بعيدة، "كما أوضحت من خلال انسحابها الجزئي من اليمن في عام 2019 على أنها قادرة على انتهاج مسار مستقل عن أي دولة".
وانخرطت الإمارات خلال الفترة الماضية في العديد من المشروعات المتعلقة بصناعة المستقبل، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ من خلال استضافة فعاليات للبحث والتطوير في هذا المجال، وإطلاق مشروعات تنفيذية تخاطب المستقبل وتعمل على صياغته بما يتواكب مع الاستراتيجيات العالمية. وبالتالي سيكون "إكسبو 2020 دبي" فرصة مواتية لاستكشاف والكشف عن العديد من المشاريع في هذا المجال؛ فشعار الحدث هو "تواصل العقول وصُنع المستقبل".
كما كان هذا الحدث فرصة أيضاً لتوسيع دائرة تأثير الدولة ومكانتها في الإقليم والعالم، على أساس أن الفعاليات الكبرى عموماً لها أهميتها لدى صانعي السياسة من أجل تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية، مثل السياحة واستقطاب الاستثمارات، أو المكاسب المعنوية عبر بناء الصورة الذهنية للدولة عالمياً. بالإضافة إلى ما يعنيه ذلك من توسيع تأثير الإمارات على الساحة الدولية، خاصة وهي تملك مسبقاً مصادر متعددة ومتنوعة للقوة الناعمة وتستند على إرث ثقافي وإنساني كبير.
رغم أن الإمارات اختارت معسكرها منذ وقت بعيد وخلافاً لعدد من الجيران فإن مشروع الإمارات يتميز الى حد ما بالبساطة والانسجام مع الذات. وهو مشروع قديم ومستند الى إمكانيات تتسم بفعالية لا بأس بها. ومن الأسباب التي تجعل السياسيين الغربيين يرتاحون للإمارات هي سمعة الفعالية هذه. فإذا التزم الإماراتيون بأمر ما، قاموا به على أكمل وجه، سواءً أكان ذاك على الصعيد العسكري أم السياسي.
ولقد اكتسبت الإمارات بأقوالها وأفعالها ونهجها وسلوكها مصداقية في كل عاصمة من العواصم المهمَّة في العالم، ولدى كل زعيم من الزعماء الذين يتوافدون إلى أبوظبي .
صداقة وشراكة الإمارات عملة لها قدرها وتقديرها إقليميّاً وعالميّاً، ومصداقية الإمارات عملة نادرة، وهي من بين أكبر المكتسبات الوطنية، التي تحققت للإمارات في الخمسين عاماً الماضية.
وإن دلالات الامتناع الإماراتي بإدانة الوجود الروسي في أوكرانيا هو إرسال رسالة واضحة أن أبو ظبي لم تعد تصطف تماما مع الولايات المتحدة والغرب ضد روسيا، وهي رسالة لافتة خاصة في لحظة مهمة يبدو فيها النظام الدولي بصورة عامة مُقبلا على تحوُّل ملموس في ميزان القوى.
إن الإمارات هي أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، بحصة تبلغ 55% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع موسكو، كما تحتل المرتبة الثانية عربيا (بعد مصر). وتستحوذ الإمارات على 90% من الاستثمارات الروسية في المنطقة، كما أنها أكبر مستثمر عربي في روسيا بحصة تفوق 80% من إجمالي الاستثمارات العربية في روسيا.
تُسجِّل الإمارات منحنى متصاعداً في تطوير التعاون العسكري مع الصين وروسيا. بالرغم أن الولايات المتحدة تبقى هي الشريك العسكري الأول لأبو ظبي دون منازع، وهو موقع من المتوقَّع أن يتغير خلال السنوات القليلة القادمة، لكن الاستفادة من التعاون "غير المشروط" مع الصين وروسيا هذه القترة في ملفات أمنية ومشروعات تصنيع أسلحة مشتركة يبدو بالنسبة إليها خياراً منطقياً حالياً.
يعود الاهتمام الروسي بمنطقة الخليج إلى عهد روسيا القيصرية. ولقد برز في القرن التاسع عشر ما عرف بنظرية “العظمة”، التي كان مفادها أن من يسيطر على (قلب أورآسيا) يضمن السيطرة على العالم. و أن تلك النظرية لم تتحقق، إذ إن التوسع الروسي باتجاه وسط آسيا لم يحقق حلم الروس بالوصول إلى المياه الدافئة آنذاك.
وقد شهدت المنطقة العربية أنشطة دبلوماسية روسية مكثفة منذ عام 2009، مما أشار إلى إمكانية التعاون العربي – الروسي في نفس الوقت كان الإعلان الروسي أنها أحد أهم الأطراف المعنية بأمن الخليج من الأخطار التي تتهدده بل وعملت روسيا على توقيع العديد من الاتفاقات التي من شأنها ترسيخ التعاون والتبادل التجاري والثقافي والعلمي في وقت كانت فيه العلاقات الأمريكية – العربية تشهد قدراً من التراجع بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001, والحرب على الإرهاب.
فهل تتحول دولة الإمارات العربية المتحدة لقِبلة مستقبلية لكافة المنظمات السياسية ومنظمات حقوق الانسان وعصبة الامم المتحدة بديلاً عن جنيف ؟
#مصطفى_خالد_المحمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟