|
ظاهرة الدعاة الجدد
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 7262 - 2022 / 5 / 28 - 13:54
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لعل المتأمل للمشهد الديني الإسلامي في مصر حاليا يقف بدهشة مبالغ فيها أمام المشهد الكلي،وأمام التفاصيل أيضًا في صدارة المشهد يبدو الدعاة الجدد كأهم ظاهرة إسلامية يشهدها المجتمع المصري حاليًا بعد انحسار نشاط التنظيمات الراديكالية العنيفة ومراجعاتها الفكرية التي أعلنت فيها عن تخليها عن العنف كوسيلة لتغيير المجتمع. وفي ضوء حالة من الركود يشهدها المجتمع علي مستويات السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني أيضًا وفي ضوء حالة الحصار المفروضة علي جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة تفتقر للشرعية علي المستوي السياسي الرسمي. في ضوء كل هذا تبدو ظاهرة الدعاة الدينيين الجدد كجزء مهم جدًا من المشهد الديني والاجتماعي وربما السياسي في مصر. وفي خلفية المشهد سنري العديد من التفاصيل ذات العلاقة بالمكون الرئيسي للمشهد( الدعاة الجدد) هذه التفاصيل عديدة ،هذا مايُغري بمحاولة وضعها في سياق واحد..بدءًا من شعار السينما الجديدة الذي رفعه مجموعة من الكوميديين الجدد في آواخر التسعينيات قاصدين به ذلك النوع من الأفلام الذي يخلو من مشاهد الجنس والقبلات والعلاقات المحرمة اجتماعيًا ،ويعتمد بشكل رئيسي علي الإضحاك، ومرورًا بصيحات الطب الإسلامي والعلاج بالحجامة والطب النبوي التي يشارك في التنظير لها علماء يحملون شهادات علمية يعتد بها ،ويستجيب لها جمهور ينتمي للشرائح العليا من الطبقة المتوسطة ، وهو جمهور لا ينقصه الوعي ولا المال للاعتماد علي الوسائل الطبية الحديثة للعلاج. لكن هناك ما يُغريه باتباع ذلك النوع من العلاج ربما ضمن حالة حنين كلي لماضٍ مثالي يشَّكل مهربًا من واقع مظلم..من التفاصيل في المشهد أيضًا أشياء أخري مثل فرق الموسيقي الإسلامية والأفراح البرجوازية التي تكتسي بالصبغة الدينية ،وعروض الأزياء الإسلامية التي تنظمها عارضات أزياء ومقدمات برامج يعلمن المرأة كيف تكون متدينة وجذابة في الوقت نفسه. وكيف يمكن أن تُغري الرجال دون أن تتورط في مخالفات دينية فيما يتعلق بالمظهر الشرعي للمرأة، فضلًا عن ظاهرة المعالجين النفسيين والاجتماعيين الإسلاميين الذين يتلقون شكاوي المراهقين والشبان المتدينين ويخبرونهم كيف يمكن أن يحلوا مشكلات الحب والغيرة وخلافات الآباء مع الأبناء في إطار إسلامي. ورغم أن النصائح من هذا النوع قد لا تختلف سواء كان الإخصائي النفسي إسلاميًا أم لا ، إلا أن إصرار الطرفين علي منح ما يتحدثون عنه صبغة إسلامية يفتح الباب أيضًا للتساؤل حول الدافع لذلك..وبالقرب من ذلك أيضًا يمكن أن نلمح ظواهر مثل الريجيم الإسلامي والصالونات النسائية الإسلامية التي استبدلتها الكثير من نساء المجتمع الراقي بجلسات النميمة في حدائق النوادي الكبيرة. وبشكل أو بآخر فإن الاقتصاد يبدو حاضرًا بقوة في كل تفاصيل هذا المشهد الديني الجديد سواء عبر رجال الأعمال الذين يتولون رعاية ودعم وتقديم الدعاة الجدد أو عبر شركات الكاسيت الإسلامي التي يملك الدعاة الجدد أجزاءًا منها،والتي تحقق أرباحًا طائلة من خلال أرقام مبيعات كبيرة لمجموعة من الدعاة الجدد مثل عمرو خالد الذي كانت مجموعاته هي الأعلي مبيعا في معرض القاهرة الدولي الكتاب. ويبدو الاقتصاد حاضرا أيضًا ،وبقوة من خلال الخطاب الديني الذي يوجهه الدعاة الجدد لجمهورهم،وهو خطاب يبارك الثروة ،ويجعلها دليلًا علي رضا الله ،ويعتبر أن تنميتها هي فعل من أفعال التقرب إلي الله . وإذا دققنا النظر في الجمهور نفسه سنجد أنه جمهور كبير ومتعدد ، لكن النسبة الغالبة والحضور الأكبر يبقي للشبان والشابات المنتمين للشرائح العليا من الطبقة الوسطي وهم مؤهلون تأهيلًا علميًا جيدًا،ومعظمهم مهنيون ناجحون يعمل معظمهم في مجالات البنوك وشركات الاتصالات والفروع المصرية للشركات الغربية وبشكل أو بآخر؛ فإن هؤلاء يشكلون النخبة القادمة في مصر- وإذا كان الأمر لا يخلو من دلالة سياسية ؛فإنه أيضًا يعني أن الاقتصاد يبقي حاضرًا وبقوة لدي كل أطراف اللعبة (الرعاة والدعاة والجمهور). من هم الدعاة الجدد؟! وفيم يختلفون عن غيرهم من الأزهريين الذين نعرفهم جميعا؟ وما الموضوعات التي يطرحونها ؟! وهل أصبح ظهورهم المطرد يشَّكل ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل؟! يحاول هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (ظاهرة الدعاة الجدد) للكاتب وائل لطفي، أن يقدم لنا إجابات شافية، وأن يحدد تعريفات جامعة لهذه الظاهرة التي طرأت علي المجتمع المصري في الآونة الأخيرة،واستطاعت أن تفرض نفسها علي الساحة نظرًا لاطرَّدها: إذ إن أولئك "الدعاة الجدد"..استغلوا جميع الوسائل المتاحة لنشر أفكارهم ،وتمكنوا من التعامل مع أدوات الحداثة ومنجزات التكنولوجيا الحديثة،ومع نتائج العولمة علي المستوي الاتصالي والمعرفي؛ فتوغلوا في الفضائيات ومواقع الإنترنت. والمؤلف في هذا الكتاب يحاول أن يرصد ويحلل تلك الظاهرة ،ويؤكد علي أن هؤلاء الدعاة الجدد يختلفون شكلًا ومضمونًا عن أولئك الدعاة التقليديين؛فلا يلتزموا بزيهم التقليدي،ولا بلغة الخطاب التراثية القديمة،ولا بالموضوعات-التي يصفها المؤلف- بانها قد تهم المتحدث أكثر مما تهم السامع،كما أن المؤلف وهو يرصد هذه الظاهرة يؤكد علي أنهم (الدعاة الجدد) دعاة أخلاقيون في المقام الأول؛يتبنون فكرة الإصلاح من أجل المجتمع؛لانهم يهدفون للوصول إلي مجتمع متدين،دون مخاطرة الانضمام لجماعة من الجماعاتنودون لن يتصدي لما هو سائد أو العداء مع (أي أنهم يتحمسون لفكرة الإسلام الاجتماعي وليس السياسي)،وأنهم يقدمون دروسهم بأسلوب جديد يعتمد علي الإلقاء بطريقة درامية متميزة تصل بالمتلقين إلي درجة عالية من المتعة والتشويق
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اختلاق الحرب الباردة- دور الولايات المتحدة في تقسيم العالم
-
فن الموسيقي السينمائية
-
أنغام فلكلورية مصرية
-
صورة المرأة في الرواية العربية
-
الفن القصصي بين جيلي طه حسين ونجيب محفوظ
-
المسرح الهندي : التراث والتواصل والتغير
-
حكايات مصرية من القنال
-
تراث الغناء العربي بين الموصلي وزرياب..وأم كلثوم وعبد الوهاب
-
الفيلم السياسي في مصر
-
الضمة البورسعيدية
-
الشرطة في عيون السينما المصرية
-
الفودفيل في تاريخ المسرح المصري
-
الدراما التلفزيونية: تحضير التاريخ..تأريخ الحاضر
-
الأراجوز مسرح خيال الظل التركي
-
اتجاهات الرواية المصرية منذ الحرب العالمية الثانية إلي سنة 1
...
-
المايسترو باركييڤ تسلاكيان أحد رواد الموسيقي في لبنان
-
روبين زارتاريان درة تاج الأدب الأرمني الحديث
-
كريكور زوهراب شهيد الإبادة ورائد القصة القصيرة الأرمنية
-
مع الأستاذة فيرا يعقوبيان رئيس الهيئة الوطنية الأرمنية في ال
...
-
تانييل فاروجان: ذاكرة الشعر الأرمني الحديث
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|