علي الرديني
الحوار المتمدن-العدد: 7259 - 2022 / 5 / 25 - 19:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
خرجت يوما مع أحد الأصدقاء وكالعادة تطرقنا الى الوضع السئ الذي يمر به البلد بسبب فساد الاحزاب الحاكمة والازمة الاقتصادية التي يعاني منها كثيرمن الناس وكثرة العاطلين عن العمل ومنهم حملة شهادات اكاديمية عليا ! اضافة الى ملفات اخرى يصعب حصرها في هذا المقال.
فقال لي هذا الرفيق الصديق :"ماذا فعلناه وماهو ذنبنا لكي نعيش مثل هذه الأقدار وكل هذه المآسي والمعاناة والأمراض التي تحيط بنا من كل جانب؟ "
وأيضا على الصعيد الشخصي أواجه مشاكل كثيرة في حياتي , فمتى نتذوق طعم السعادة من كل هذا ونحن غارقون في وحل الظروف الصعبة؟
قلت له عندما تتحرر منها , فرد مستغربا :"وهل لي قدرة لتحرر مما لا طاقة لي به".
نعم المشكلة تكمن في ذبول الطاقة التي تجعل المرء يشعر بالوهن ولاحول ولا قوة لديه للنهوض بنفسه وإن ملأ بطنه بالطعام والشراب , والذي اقصده هنا الطاقة الروحية التي تنبع من عمق حياتنا الباطنية ومتى ما قطعت الصلة بها وتماهينا مع العواطف السلبية وضعنا حواجز في مساراتها الطبيعة نحو قلوبنا وعقولنا وعندها تخور قوانا ونمرض ويصبح مزاجنا حادا وتفكيرنا ضيقا وشعورنا مستلبا.
ومن شأن هذه الطاقة الداخلية أن تجعلك تشعر بالبهجة والمتعة والراحة والنشاط وكانك منشيا لكن للاسف نميل نحن البشر بالغالب الأعم الى لوم أنفسنا والناس والمجتمع والظروف من حولنا والتمركز حول العواطف المدمرة كالشعور بالذنب والغضب والندم والحزن والاستياء بدلا من الميل الى التفاؤل والقبول والقناعة والرضا والتصالح مع الذات.
نتوقع حياة خالية من الألم والحقيقة لا تنمو حياتنا بدون ألم , ونتذمر من الحياة ونمثل دور الضحية بدلا من استحضار شجاعتنا وحكمتنا لحل مشاكلها ,و ننجر الى المشاعر والافكار السلبية بدلا من التخلي عنها والعمل على تحرر ومنها وهذا لا يكون الا بتالي :
أولا : التخلي عن التماهي بها
التخلص من ترسبات تجارب الماضي والحاضر السلبية , والقلق من المستقبل الذي يعكر صفو الحياة ويحجب الرؤية الجلية للامور وهذا بسبب ادماج الوعي مع الافكار التي تولدها المشاعر السلبية وعندما نقوم بالتركيز عليها ستغذيها ونمنحها القوة وهذا ممكن ان نمثله عندما نشاهد فلم حزين ونندمج مع احداثه وكاننا نعيش قصته فعليا وننسى ذاوتنا وواقعنا الحقيقي.
وواقعنا الحقيقي هو إننا لسنا مشاعر ولا افكار بل نحن ذاتنا ووعينا الذي يراهما وهما يحدثان داخلنا نتيجة مثيرات ومحفزات داخلية وخارجية ولكل حالة عاطفية صوتها الخاص التي تنادينا به لتشدنا اليه كما وللنفس لغتها لمحاسبتنا واقناعنا برغباتها وشهواتها وللعقل لغته في النقد وكشف الاخطاء المنطقية وهذا هو الكلام الداخلي الأنوي الذي يطغي على معظم حياتنا الواعية ويساعدنا لتشكيل الافكار واتخاذ القرارات وتلبية حاجات النفس وفهمها وتوجيهنا للعالم الخارجي.
هذه الأصوات التي تتجاذبنا وكاننا نملك أنوات متعددة بحيث تختلط علينا ولا نميزها في كثير من الأحيان , وعندما نراقبها بدون ان نتقمصها ونحكم عليها سنضع حد لعبثيتها التي تشتت الوعي وسنقلل من الاجهاد والتوتر.
تجنب الاخيلة والحوارات السلبية الداخلية التي تكون هدامه وتزعزع الثقة بالذات لان الدماغ سيتفاعل معها ويعطي ردة فعل اتجاهها وهذا ما يستنزف طاقتك عن امور انت في غنى عنها, وركز على الهدف لا المشكلة وتعاطى مع حالتك النفسية بايجابية عن طريق توكيد كلمات في نفسك مثل الايمان والسلام والامتنان وقوة الجأش وفوق هذا كله حب الله الذي يكتنفنا.
ثانيا :ترك المقاومة
اكتفي بمراقبة كل سلبية بدون مقاومة واعد صياغتها وتشكيلها بالاتجاه الايجابي ولا تحاول الدخول في صراع معها لانك ستحصر الوعي في الصراع ويبقى في دوامته ,ومكافحته يعني تهيجه اكثر كمصاب بمرض الجرب تكون عندع رغبة شديدة بالحك وكل ما حك جلده اكثر هيجه اكثر والحل يكونن بعلاجه لا بكثرة الحك.
السعي لحماية نفسك من المشاكل يزيد من مشاكلك وقلقك ومخاوفك.
ثالثا : الغوص في الجوهر لجعلها تتلاشى
نكون صورة عن انفسنا وما يقوله الناس عنا وما نظن كيف ينظر المجتمع الينا وهذه هي الأنا المزيفة , الا ان حقيقة ذاتك ليس تلك الأنا بل انت وعي بسيط تعي انك تدرك الافكار وتشعر بالمشاعر وتحس بالحواس وترى انعكاس جسدك في مراتك , وعندما تضع وعيك في اطار أنوي وتحدده بمجموعة مشاعر او أفكار تكون قد سجنتك نفسك ومنعتها من الى العودة الى موطنها الاصلي في قاع باطنك الأمن الفارغ الذي لا يشغله شئ بحيث تصبح وجودا واعيا بما تعي من انت وماهي الاشياء التي حولك.
مهما بلغت المشاعر من تطرف والافكار من حده فانا تاثيرها عليك سيزول كفقاعة صابون ما دام انك جالس في جوهرك تراقبها فقط ,كزائر يحاول ان يزعجك بالحديث عن مشاكله فانت لا تنصت اليه لتفاهة ثرثرته بل تنصت الى صوت الوعي الباطني (البصيرة) التي ترشدك الى حقيقة نفسك.
أما الزائر فيريد ان ياخذك معه ويربطك بسعادة سطحية هشة والقيام باعمال مقيدة بالمنطق حسب ما يملي عليه العالم الخارجي ثم يضعك في سجن ويوهمك ان هذا المكان المظلم المحصور باربعة جدران هو حماية لك من المخاطر وعندما تقبع فيه لاترى سوى ظلمة حالكة وستشعر بالممل والضيق ثم الحزن وهذا كله بسبب الخوف من الوقوع مما قد يسبب لك الألم فتحرم نفسك من الضوء الذي يساعدك على النمو النفسي والروحي.
الخوف الزائد عن حده هو الشعور الاكثر خطورة لانه يدفعنا الى البقاء دون تغير والعمل على استباقه لمنع حدوث اشياء لا نرغب بها محاولين خلق الامان والسيطرة والتحكم بمن حولنا وبهذه الطريقة جعلنا العالم مخيفا اكثر لاننا لم نتعامل مع الخوف بموضوعية وبحنكه بل جعلناه هو المتحكم بنا ,و حقيقة الامر نحن من نتحمل مسؤولية انفسنا وكيفية التحرر من قبضة المخاوف والهموم والتخطيط بهدوء وذكاء لحل المشاكل بدل من كبتها والهروب ومنها ولعب دور الضحية والشعور بالذنب اي البحث عن عقاب لتجلد ذاتك فنحن اسوأ من يجلد ذاتنا بدلا من التنفيس عن الاحتقان العاطفي وحاولة ايقافه وابقاءه داخلنا ليدمرنا بل اسمح له بمرور بكل اريحية وان عاود ورجع مرات ومرات فسيمل ويختفي في النهاية.
من يريد ان يعيش في سعادة فعليه بالسلام الداخلي والتحرر من الأنا المزيفه لا يتوقع سعادة بدون حزن وألم فمن يتوقع هذا لن يشعر الا بسعادة سطحية سرعان ما تزول , فنحن نبحث عن طعام لنعيش فاذا حصلنا يوما على طعام غير مرغوب به ولا يوجد خيار امامنا الا هذا نوع من الطعام سناكله لكي نبقى على قيد الحياة كذلك السعادة هي في فهم ان سنة الحياة التغير وطبيعتها في صيرورة تنتقل من حال الى حال كتعاقب الليل والنهار نعيش لنراهما لا لنذهب معهما.
#علي_الرديني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟