أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - شيزوفرينيا















المزيد.....

شيزوفرينيا


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7259 - 2022 / 5 / 25 - 15:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة للقفص الزجاجي
١٤١ - الإنسان بين الله والطبيعة

شوبنهاور، الفيلسوف الكئيب، كان يعتقد أن قاعدة الإختيار الإنساني في الحياة لا تتعدى إختيارين " حيوان سعيد أو إله معذب " ولا مخرج للإنسان من هذا الفخ وليس له إمكانية تجاوز هذين الإحتمالين، وهو موقف متطرف يحصر الإنسان بين حدي المعادلة المستحيلة ويرفض الديالكتيك، الذي يفترض أن الإنسان يقف في منتصف الطريق بين الحيوان والإله. أما هايدغر، فبدوره أراد الخروج من عالم "الإنسان-الحيوان" أو الإنسان الطبيعي والملتصق بالتفاهات اليومية والإهتمامات التي ترسخه في عالم "الإنحطاط" والذي يسميه باللاأصالة inauthentique، للخروج من هذا العالم المزيف إلى الوجود الحقيقي الأصلي للإنسان، هناك إحتمالين كما هو الحال عند شوبنهاور. الإحتمال الأول هو إدراك الموت والوعي بإلتصاقه بالحياة، أي أن الإنسان يستطيع الهروب من الإنحطاطية لو أستطاع تنمية وتطوير عضو داخلي ينبئه ويذكره في كل لحظة عن موعد جنازته. أما الإحتمال الآخر فيقع في مملكة الشعر والفن والأدب، حيث الخيال الخلاق هو البديل لعالم التفاهات اليومية. ويبدو الأمر كما لو أن هايدغر قلب معادلة شوبنهاور، حيث أصبح الإختيار بين " حيوان معذب يترقب الموت وبين إله سعيد يعيش في السحاب". أما سارتر، فإنه فجر المعادلة أساسا ونفي فكرة الإحتمالات المتعددة، الإنسان حرية وملزم أن يكون حرا ليس له الخيار سوى بين الحرية والحرية، أي يستطيع أن يكون حيوانا أو إلها أوجنيا أو شيطانا، ولكنه يكون دائما حرا، وحريته تسمح له أن يكون حتى عبدا مكبلا بالأغلال. وهذا سيضع الإنسان في معادلة جديدة هي " الإنسان في العالم " فهو لا يوجد في فراغ سديمي بل يعيش في وسط مليء بالعوائق والمطبات والفخاخ من كل نوع، وعليه أن يشق طريقه وسط هذه الأهوال ويبني مشروعه خطوة خطوة. فالواقع الإنساني "وجود حر" بمقدار ما عليه أن يكون "عدما" لكينونته وتجاوزا لها بواسطة "الفعل". فـ"الفعل" يعني تغيير العالم، وذلك يستدعي "إمتلاك" الوسائل في سبيل تحقيق غاية مقصودة وواعية وهي المشروع الوجودي للكائن البشري.
الإنسان لكي يكون لا بد له أن يفعل، ولكي يفعل لا بد له من أن يملك الوسائل التي تمكنه من الفعل. "الكينونة"، "التملك" و"الفعل" هو الثالوث الأنطولوجي المقدس الذي يشكل خصوصية الإنسان وإندماجه في مشروع لا ضرورة له وكان بالإمكان ألا يكون وهو مشروع الحياة. وحرية الإنسان لا تترك له مجالا للخروج من دائرة الفعل والتملك في حياته اليومية وفي علاقاته المعقدة بالآخرين داخل المجتمع البشري المكون من أمثاله المختلفين. هذه العناصر الثلاثة تشكل جوهر وصلب الإنسان المعاصر الباحث عن مصدر شرعية وجوده في هذا الكون، دون أن يدرك خصائص وعرضية هذا العالم الذي ينغمس في تضاريسه حتى الإختناق. ولا شك أن الفعل والتملك والكينونة الفردية كعناصر أولية في جوهرها تبدو لأول وهلة وكأنه لا علاقة لها بالمؤثرات الخارجية كالثقافة أو البيئة أو التاريخ أو حرارة الشمس أو برودة الثلج، غير أنه ما أن تترجم عمليا وتتموضع في سلوك أو تصرف فردي أو جماعي في الحياة العملية وتترجم بلغة المجتمع إلى مفاهيم أكثر وضوحا مثل السلطة المتمثلة في الدولة والمؤسسات الحكومية، والمال المتمثل في المؤسسات الإقتصادية، والسلاح الذي تمثله المؤسسات العسكرية بكل أنواعها، حتى تعود المؤثرات الخارجية لتأخذ أهميتها ودورها في تحديد السلوك الإنساني في الحياة العملية الحقيقية. فعندما نحاول تحليل ظواهر إجتماعية كظاهرة العنف مثلا أو الأنظمة الشمولية السلطوية أو ظاهرة الفساد السياسي وسرقة المال العام والتمسك بالسلطة، فإنه لا يمكن فهم هذه الظواهر المتفشية في المجتمعات المختلفة دون الرجوع إلى الأسس الأنطولوجية التي تنبع منها هذه المصائب والكوارث الإجتماعية. العنف مثلا ليس مثل الزكام أو الإنفلونزا أو الكوفيد أو مرض القرحة، العنف ليس ظاهرة مرضية بل رغبة في التواجد في هذا العالم وفرض كينونته على الأشياء والفضاء والمكان والزمان، باختصار العنف هو وجه من وجوه الرغبة في الحياة. و"الرغبة " هي "الوعي" ذاته في بنيته الأصلية المتعالية المندفعة نحو الخارج - فالوعي دائما وعي بشيء ما - الرغبات ليست جواهر نفسية صغيرة قابعة في طيات الوعي أو تسكن مندسة بين ثناياه. الرغبة هي كينونة الواقع الإنساني بمعنى النقص والسلب وعدم كمال هذه الكينونة، وبالتالي هي في سباق مجنون لتجاوز ذاتها ولتجاوز كل عرضية وكل وجود. وكما يحدد سارتر في كتابه الكبير "الكينونة والعدم"، الإنسان هو ما ليس هو، وليس هو ماهو، بمعنى أنه في محاولة أزلية للتطابق مع كينونته دون جدوى، كمن يحاول أن يسبق ظله أو يمسك به. الواقع الإنساني مجهود عبثي وبطولة أسطورية كي يصبح إلها تتطابق كينونته مع وجوده، من دون أن يرتكز هذا المجهود على أية أسس مسبقة، بل ومن دون وجود موضوع يبذل هذا المجهود، الرغبة وحدها هي التي تعبر وتمثل هذا المجهود العدمي والمتعالي. الرغبة في السلطة والمال كوسائل ليتمكن الإنسان من الإستحواذ على الأشياء وتغييرها أو خلقها - ماياكوفسكي يقول بأنه لم يربي عقله لسنوات طويلة من أجل إستنشاق عبير الأزهار، وإنما من أجل خلقها - التملك والفعل إذا وسائل من أجل الكينونة. كينونتي ستنكمش إلى الصفر المطلق إذا لم أتملك أي شيء من أشياء هذا العالم، من الأشياء المادية كالسيارة والآي باد والبيت والأرض ورأس المال إلخ، أو من الأشياء الغير مادية كالذكاء والمعرفة والعلم والجمال والقوة والعلاقات البشرية إلخ. وعدم تملكي لأي شيء على الإطلاق سينتج عنه عدم قدرتي على الفعل والحركة والتأثير في الأشياء والمجتمع، وسأصبح بطبيعة الحال مجرد رقم في سلسلة الأرقام الطويلة لمجهولي الهوية. فلكي لا تكون فقط مجرد رقم في سجلات البلدية، لابد لك من العمل والقيام بشيء ما، وللفعل أدوات ووسائل لابد لك من الحصول عليها وإمتلاكها بطريقة أو بأخرى، وفي هذا العالم الرأسمالي الذي نعوم فيه اليوم كأسماك عمياء وعارية، السلطة والمال والسلاح أو القوة هي الوسائل البدائية التي تمكن الإنسان من تغيير العالم وبالتالي من حجز مكان أو مقعد له تحت الشمس وصفحة بإسمه في سجل التاريخ الإجتماعي والبشري.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحول
- اغنية الحجر
- تشققات
- هزيمة الكلمات المنهكة
- حلم الذئاب المرقطة
- زريبة الوعي
- العبث والطريق المسدود
- الحاضنة
- رسالة من لا مبيدوزا
- ثورة العمال
- إستحالة الهروب
- الهزيمة
- فعل التكوين
- السلم الطائر
- الكابوس المجوف
- ليلة الإنتظار
- المخطط الخفي
- عدسات المعنى
- الحاضنة الزجاجية
- نزول القرد من الشجرة


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - شيزوفرينيا