يونس الخشاب
الحوار المتمدن-العدد: 7252 - 2022 / 5 / 18 - 13:57
المحور:
سيرة ذاتية
الحلقة الأولى
أنهيت دراستي الجامعية في بغداد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بعد ان هيأني معدلي في الدروس في مرحلتي الثانوية للانتساب لها .اما الاختيار فله قصة اخرى اتمنى ان تسنح لي الفرصة للحديث عنها .لجئنا انا ومجموعة من الاصدقاء جميعنا من محافظة الموصل اذكر من اسمائهم طلال خليل وحبيب واقبال الى بغداد لاول مرة .في عام 1962 واستأجرنا غرفة في احدى مناطق بغداد الشعبية وبدأت اتعلم العيش مع الواجبات اليومية من طبخ وغسل الملابس والتسوق الخ. بسبب من الضائقة المالية التي كانت تعيشها عائلتنا اضطررت حين نجاحي الى السنة الثانية الى الانتقال الى القسم المسائي في نفس الكلية بعد عثوري على عمل في رئاسة جامعة بغداد كمستخدم بعنوان [ رزام ] براتب حوالي 20 دينار فانفصلت عن اصدقائي الذين عادوا الى الموصل اثناء العطلة الصيفية .ايام حرب حزيران 67 كنت في سنتي الاخيرة وكنا مليئين بمشاعر الوطنية .اتذكر ان استاذنا الراحل له الرحمة الدكتور خير الدين حسيب هو مشرف القاعة وقد طلب منا الاجابة فقط بكتابة اسمائنا لمعرفته بالظروف التي كنا نعيشها في حينها ، بعد التخرج لم تقم رئاسة جامعة بغداد التي اعمل فيها من تغيير عنواني لتتناسب مع شهادتي الجامعية فتركت العمل وقررت السفر الى السويد .كنت آنذاك ولا زلت مغرم بالرسم .وبالمبلغ الذي كنت ادخره اوصيت على حقيبة رسم محمولة .اعطتني امي رحمها الله حوالي 120 دولار وسافرت بعد حصولي على فيزا من فنلنده من السفارة الفنلندية في بغداد .كنت قد حصلت على الجائزة الثانية ولسنتين متتاليتين على محافظة الموصل في الرسم .وما ان وصلت الى السويد حتى عثرت على عمل كرسام اعمل على رسم المناظر الطبيعية في ورشة تقع ستوكهولم .كان صاحب الورشة يعلم بانني لا امتلك اقامة في السويد ولا حق لي في العمل بدون اقامة .منحني البوليس اقامة عمل وسألوني عن اختصاصي في دراستي فاقترحوا على ان اكمل دراستي في جامعة لوند وهكذا كان .
الحلقة الثانية
في عام 1968سنة وصولي الى السويد قادما من فنلندا ,كانت اخبار الحرب على فيتنام في أوجها .من المعروف ان السويد هي حيادية في اتجاهاتها السياسية. لكنها ادانت الجرائم التي ارتكبتها امريكا في فيتنام الشمالية. لهذا السبب تدفق الالوف من الجنود الامريكان اليها ,والبعض تآلف مع المجتمع السويدي وتكيف في ثقافته واندمج في المجتمع السويدي. في تلك الفترة كنت اعيش في المدينة القديمة في ستوكهولم ويسمونها ب[المدينة القديمة ] وكان على ان انتقل من سكني الى سكن جديد . كنت استمع الى موظف في الشركة التي تتولى تامين السكن يقول مع صاحبة السكن وصفه لي وكنا نتفاهم باللغة الانكليزية [ كلا ,كلا .انه شاب مهذب ومن الشرق الاوسط ولا يبدو عليه من الانواع التي سبق وان خبرتهم من الافارقة ].المهم تعرفت على صاحبة السكن الجديد واسمها[ السيدة فردين]كانت هذه السيدة لها شروط معينة على قبولي السكن في بيتها ومن شروطها[ انني لا ادخل المطبخ , وان لا احدث ضوضاء , ممنوع استقبال الضيوف وخاصة الفتيات ,ممنوع مشاهدة التلفزيون].كنت اعيش على السردين المعلب واشتريت سخان كهربائي للشاي والفطور كنت سعيدا بهذه الحرية. كان هناك اضراب عمالي في ستوكهولم وكانت نقابة العمال والأحزاب وخاصة الاشتراكي الديمقراطي هي من تشرف على هذه الإضرابات ,معظم المضربون هم من كبار السن او ممن لا حول ولا قوة لديهم إزاء ارباب الاعمال. فجأة وجدت نفسي اتعاطف معهم علما بانني لا اتحدث لغتهم, ولكن الكثير منهم يتحدث الانكليزية .بدأت بمشاركة فعالياتهم اليومية في تحضير السندويشات بمختلف انواعها وخدمة من يحتاج الى مساعدة الى ان شعرت انني جزء منهم , حتى ان سيدة مسنة سمعتها تتحدث عنى وعن جهودي معتقدة انني من اهل البلد فزادني ذلك اعتزازا بدوري في ذلك الاضراب .قررت ادارة الاضراب العمالي تنظيم مظاهرة تطالب الحكومة السويدية بقطع العلاقات مع امريكا لدورها الشائن في تلك الحرب القذرة في فيتنام .كانت الصحافة السويدية جاهزة لنقل تلك الاحداث بالصورة على التلفزيون .وربما لسوء حظي انني كنت ارفع احد اعلام الجبهة الفيتنامية واسير في مقدمة المظاهرة, لانني حين عدت الى بيتي مساء اخبرتني [ السيدة فردين ]انها شاهدت صورتي على التلفزيون وانها انسانة لا تحب المشاكل وعلي ان أحاول العثور على سكن جديد .اما السبب الحقيقي فانها عثرت على حذاء صديقتي الفنلندية مركون امام باب غرفتي.
الحلقة الثالثة والرابعة
كان لدينا في السنة الثانية من جامعة بغداد مادة اسمها [التاريخ الاقتصادي] .طبعا كان [ آدم سمث ] معروفا لدي معظم الطلبة الذين يدرسون الاقتصاد السياسي وهو الاقتصادي الذي بشر بالنظام الرأسمالي باعتباره ان كل شئ في ذلك النظام يخضع لقانون العرض والطلب وان الاسعار انما تتحدد وفق هذا المنطق. اما مادة التاريخ الاقتصادي كنا نسمع بمفكرين امثال كارل ماركس وفائض القيمة وان الربح الذي يحققه صاحب المشروع ما هو الا سرقة واضحة من جهد العامل الذي يتسلم ما يبقيه هو واسرته على قيد الحياة لتجديد طاقته . ومفكرين آخرين كروبرت اوين الذي دعا الى انشاء جمعيات تعاونية استهلاكية لتخطي
التجار.
.
منحتني [السيدة فيردين ] مهلة قصيرة لكي اتدبر سكني المقبل. في تلك الفترة وفي فترة اضرابات العمال في ستوكهولم والتي كانت تعقد ليل نهار وتعج بالمضربين في مدرسة الفنون التطبيقية وهي مدرسة واسعة ومليئة بالقاعات . اكتسبت صديقا طيبا في نفس عمري اسمه [ هانز ]. كان هانز قد جاء الى السويد من بلده في المانيا هربا من الخدمة العسكرية. كان يساري الهوى و .اخبرني انه يعيش في منطقة أخبرني انه يعيش في منطقة [سودرتاليا ] قريبة من ستوكهولم لكنها تقع حوالي نصف حوالي نصف ساعة بالقطار في شقة يسكنها مع شخص قيادي من حزب اليسار السويدي لقاء رعاية قرد صغير هو نسناس صغير يقوم بتوفير وجبات الطعام له ورعايته .اما صاحب الشقة واسمه يقوم بتوفير.اما صاحب الشقة واسمه [ماتس ]فهو شخص قيادي واسع الثقافة ويتكلم اربع لغات .اما الشقة فهي مليئة بالكتب العلمية والمجلدات وبيته يعج بالكثير من الشباب اليساري .وعدني [ هانز ] انه سيتحدث مع[ماتس ] بشأن سكني. بعد بضعة ايام تكللت جهوده بالنجاح .وهكذا انتقلت من منطقة [فارشتا ] الى[ سودرتاليا ] بقيت هناك مشكلة كيف ساكسب ود القرد العزيز والذي سرعان ما يقفز الى الرفوف العالية ويبدأ برمي الكتب الضخمة حالما يعتريه الغضب ,فما هي الا لحظات حتى تمتلئ كل زاوية في الشقة بالكتب والمجلات .كان[ ماتس ] خطيبا يتحدث الى الناس عن العدالة الاجتماعية والفوارق بين الجنسين في الاجور ومعظم مشاكل المجتمع السويدي. وهي مشاكل لا تزال قائمة الى يومنا هذا .كنت اتردد مرة كل اسبوع الى محل سكني القديم لارى ان كان لدي رسائل من اهلي في العراق .وبعد العديد من الاشهر وجدت رسالة من البوليس يطلبون مقابلتي وجلست امام المحققين ويسألونني عن كيفية دخولي الى السويد وماذا انوى ان اعمل وما هي دراستي في العراق .فاقترحوا علي ان اطلب اللجوء الى السويد .كنت قد سمعت بخبر اعدامات البعثيين لمجموعة من اليهود العراقيين في بغداد بتهمة التجسس فاثار ذلك الحدث حفيظة المحققين .خاصة ان عقوبة الاعدام غير موجودة في قاموس العقوبات السويدي. حددوا لي موعد للسفر الى معسكر للاجئين يقع في مدينة [ الفيستا ]
في اقصى الجنوب السويدي .وهكذا كان .في تلك الفترة كانت السويد بامس الحاجة الى الايدي العاملة فكانت حركة هجرة واسعة من [ يوغسلافيا ]الى السويد بسبب ارتفاع مستوى المعيشة مقارنة بيوغسلافيا .لم التق طوال وجودي في معسكر الا بشخص عربي واحد .كان وزوجته الهنغارية موسيقيان لجئا الى السويد .كلاهما كانا عازفان في الفيلهارمونيكا الهنغارية .كنت احب الاستماع الى احاديثه الشيقة عن السرقات الموسيقية في موسيقانا العربية. يتبع
4
بعد قضاء فترة قصيرة في معسكر [ الفستا ] للاجئين اخبروني انني ساتوجه الى مدينة [ فيكشه ] لدراسة الغة السويدية يقوم بتدريسها لنا زوجان شابان أتذكر انهما على قدر كبير من الكياسة والادب. اما نحن مجموعة الطلبة فلا تتعدى الخمسة , طبيب ولادة من بولونيا وزوجته طبيبة الاسنان إضافة الى دكتور متقاعد من بولونيا أيضا وشاب من افريقيا وانا . من البداية لاقينا صعوبة في لفظ مقاطع الحروف الابجدية خاصة الحروف [ أي , او و أي ] والتي يسميها البعض الخنازير الثلاثة لصعوبتها وبالتدريج بدأ اشعر بالتآلف مع اللغة السويدية وبعد خمسة أشهر اخبروني بانهم حجزوا لي في جامعة [ لوند ] في قسم الاقتصاد السياسي ومكانا للعيش في المدينة الجامعية .كانت الغرفة مريحة تدخلها من باب ثم ممر صغير فيه دولاب للملابس يقابله حمام وما ان تدخل الغرفة حتى يواجهك شباك على طول الجدار ومنضدة كتب وكرسي وقنفة صغيرة ومجموعة من الرفوف. اما العمارة فتحتوي على 8 طوابق كل طابق يتكون من 24 غرفة مع مطبخ مشترك .السويديون اناس من الصعوبة التواصل معهم باريحية, فهناك قواعد عامة معروفة لاتستسيغها الشخصية السويدية منها مثلا ان تسأل شخصا لا تعرفه بالقدر الكافي عن اراؤه السياسية او لمن ادلى بصوته في الانتخابات كما ان هناك قواعد غير مكتوبة يفترض باي انسان يعيش في المجتمع ان لا يعرض نفسه للاحراج في طرحها .بدأت تدريجيا بالتعرف على المدينة ونمط العيش فيها والحرية التي يعيشها الطالب السويدي حيث يجيز له التقليد الجامعي الاطلاع على بعض الكتب اثناء الامتحان. لان الغرض هو كيفية التفكير في حل اي مشكلة فهناك اكثر من حل ,وليس بطريقة استعراض المعلومات وحفظها كما في جامعاتنا . مع مرور الوقت انعقدت اواصر صداقة متينة مع ثلاثة من الشبان اليونانيون يدرسوا في نفس الفرع . اثنان منهم وهما [ نيكوس ] و[الفريد ] ارسلهم اهلهم للدراسة في السويد وثالث هو [ بيركيليس ] الذي يعاني من الضنك الاقتصادي .ثلاثتهم من اليساريين .بعد اداء الامتحانات نهاية الفصل جاءتني دعوة من استاذ الاقتصاد السياسي الى اداء القسم الشفهي من الامتحان ثم اخبرني قبل الخروج من القاعة الى دعوته الى عشاء في منزله وكتب العنوان على ورقة وسلمني إياها ..
السويدي حريص على المواعيد بدقة , في كل شئ عليك ان تلتزم بدقة في الموعد المتفق عليه .حين وصلت الى بيت استاذي بدأ الجليد يذوب بيننا فحدثته عن العراق وجماله وعن السومريين وحضارة الميسوبوتاميا وبلاد النهرين .فجأة وقع نظري على صورة لشاب في مثل سني آنذاك اثار فضولي فسالته هل هذا ابنكما ؟ فالتفت الى زوجته التي تجلس معنا ونظر اليها بحزن وقال بصوت مفجوع نعم فقدناه قبل اكثر من عامين في حادث سيارة .
#يونس_الخشاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟