عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1674 - 2006 / 9 / 15 - 08:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين إيمان وعمل , أي إيمان بوجود قوة خارقة فوق الطبيعة البشرية , ولهذه القوى تأثير في مجرى حياة الإنسان , وعمل أداء فرائض وشعائر وطقوس معينة , تفرضها الأديان السماوية والأرضية ( عبادة الأصنام ) لاسترضاء الآلهة 0 كما يقول :الأب جورجس داوود في كتابه أديان العرب قبل الإسلام والدين كما جاء في معجم لسان العرب هو : الطاعة , ومن جاءت لفظة دَيّان , وهي من أسماء الله ويوم الدين هو يوم الجزاء أي يوم الحساب وأيضاً قول الكتاب المقدس ( تدينوا لكي لا تدانوا , لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم , ( انجيل متى ) 0
فالدين هذا اللغز الكبير الذي يبحث عنه الإنسان منذ لحظة الوعي الأولى , كحاجة لابد منها للشعور بالأمان , ومن أجل الاستقرار , وضمان العيش الآمن , فالخوف الكبير من العوامل المحيطة بالإنسان , جعل ذلك يكون واقعاً حياتياً ونفسياً لابد منه , وبدأ الإنسان في مرحلة التيه , وصار وكما هو معلوم يعبد كل من يحيط به من المظاهر غير المدركة , وكل شيء صار مصدر خوف , من برق , ورعد , وشمس , وقمر , وجبال , ونار , ووحوش , كان يعبد , وكأن العبادة حاجة لاغنى عنها عند الإنسان البدائي , الذي كانت تدهشه كل ظواهر الطبيعة , ومكونات الألغاز التي كان يعتقد أنها تحدد له شيء من مسيرة حياته , أو شكل العيش الذي يعيش , حيث تحولت كل هذه المعطيات والظواهر إلى مجموعة مفاهيم, والقيم التي تم توارثها , وأضحت قنا عات مسلم بها , بل هي حقائق ليس فقط لا بد منها بل أيضاً تستحق أن يموت المؤمن من أجلها , ويدافع عنها ويُخوّن الذي لا يؤمن بآلهته , حتى لو كانت هذه الآلهة حجراً أو حيواناً , أو ظاهرة من ظواهر الطبيعة , فهذا الإيمان المقدس عند الإنسان , أصبح له مؤيدوه ومفكروه , وشراحه , والمتباركين به , وغاص عميقاً في عمق الذاكرة البشرية , وتحول إلى جزء من الكيان البشري للجماعة , وهو سلوك يومي , ويستمر اللجوء إليه عند الحاجة , أو عند الظواهر التي لا يستطاع تفسيرها , ويقدم له الأضاحي من بني البشر , والدواب , ويتم القسم به وأمامه , وتؤخذ المواثيق والعهود , ويقف الإنسان مرعوباً وحائراً أمام جلالته المقدسة المصنوعة من الأحجار , أو ظواهر الطبيعة وأحياناً يكون إنساناً من أبناء جلدتهم , كما هو الحال , عند شعوب كثيرة منها الفراعنة على سبيل المثال , أو ظواهر الطبيعة الخارقة الممزوجة بالخيال , كما لدى الإغريق , ومن بعد الرومان , وغيرهم من الديانات الوثنية المختلفة , ومن هنا أصبح المقدس , أيّ مقدس لا يجوز المساس به , لا لأنه مقدس فقط , بل لأنه أصبح حياة يومية يعتز ويفتخر بها, وتُجل وتُحترم , وكل من يحترم ويجل , يصبح جزءاً من الشخصية الاجتماعية , وتدخل فيه القناعات والقيم والكرامة , ضمن المنظومة النفسية للفرد , أو للجماعة ومن هنا يقول أحد الفلاسفة ( إن الأفكار التي تُسيطر على ذهننا والتي تخضع لها قناعاتنا ويُقيد العقلُ ضميرنا بها هي : أواصر لايمكن منها فكاكاً دون أن نمزق قلبنا ) فالأديان وعبر تاريخ البشر , كثيرة ومعقدة وتعمدّت بالمفاهيم والقيم التي تطَـلّب الدفاع عنها أن تُعمد بالدم 0 كثير من الشعوب التي آمنت بديانات مختلفة , عملت على تعميم هذا الفكر الديني , على الشعوب الأخرى , ولو كان ذلك بالقوة والإجبار كما تأمرهم دياناتهم وقيمهم , وتوسعت رقعة الدين إلا أن شملت أصقاع واسعة من العالم , كما فعل أتباع الديانة المسيحية , والديانة الإسلامية وغيرها, وبذا أصبح الدين ليس قيمة وجدانية ونفسية فقط , بل أضحى دين جاه وسلطان ونفوذ , يعتد به ويدر الأرباح الهائلة والنفوذ القوي , والسلطان البين , وأمام هذا الجموع الهائل للأديان التي يكفر بعضها بعضاً , أو على الأقل يتصور كل منها أنه صاحب الحق على الأرض , وخاصة الأديان التي تؤمن بالرسالات السماوية , كاليهودية , والمسيحية , والإسلامية , فليس أمامها إلا خيار وحيد , هو الحوار الذي يسوده العقل والمنطق , والاعتراف بالآخر المختلف لأن الإلغاء لا يؤدي إلا الىالكوارث التي عاشتها البشرية عبر أزمان طويلة , والإلغاء يؤدي إلى التصادم والتقاتل والتناحر الذي لا يرى الأمور إلا بمنظار ( أسود أو أبيض ) مسيحي أو مسلم, يهودي أو مسيحي إلخ, وهكذا وهذا غير صحيح لأنه ضد منطق الحياة , وهو يتنافى مع كل هذا الكم الهائل من المعرفة ,والعلوم التي يفتخر بها الإنسان السوي , ولكنه يفترض أن لا يفتخر بالمنطق المتخلف للأمور الذي لا يرى إلا المصالح الدينية الضيقة , والتي هي بالأصل مصالح عرقية ضيقة الأفق تنطلق من مفهوم ديني , فالمصالح بين الأديان , والحوار المشترك والاعتراف بالآخر واحترام العقائد , والقنا عات , والمفاهيم , والقيم , هي الحل الأنجع لخلافات البشر , أما السيطرة والهيمنة واستخدام القوة , وتأجيج الكراهية بين الناس , وإحياء الطوائف والملل والنعرات الدينية, والعرقية والعشائرية , ما هي إلا الإفلاس الأكبر للذين يستخدمونها , والأكثر سؤاً هو استخدام القوة والتلويح بها , واستخدامها لتأديب الشعوب , هذه السياسات التي تستخدمها الدول الأكثر قوة ونفوذاً لا تجلب إلا العار, ليس لها ولمفاهيمها فقط بل أيضاً لشعوبها وشعوب الدول المعتدى عليها , فمن الأكثر الحلول نجاعة هو الإيمان بالمفهوم الديمقراطي بمعناه الواسع والأشمل , بما في ذلك الديمقراطية الشعبية بالمفهوم العام والديمقراطية السياسية التي تطال كافة البنى الاجتماعية والاقتصادية ودراستها بما يلائم الظروف الموضوعية والذاتية لكل شعب , وفق خاصيته الإنسانية والاجتماعية , ومكوناته الديموغرافية والعقائدية ووفق منهج علماني, يستوعب الحالة الاجتماعية ويراعي مشاعر الناس, ومعتقداتهم الإنسانية , فالمجتمعات التي لا تستطيع أن تعيش الحرية , لا تنتج إلا الأفكار والمفاهيم المتحجرة , التي بدورها تكون مشروعاً دائماً للأحقاد والكره , والتظاهر بالإيمان من طرف واحد , وهذا يعزز التناقضات بين الشعوب , ويوفر روح الكراهية , فالديمقراطية , وتداول السلطة , واحترام العلم والسير باتجاه التفكير الأكثر انفتاحاً على الآخر , هو السبيل للخلاص من كل الأمراض , والنزاعات ضيقة الأفق , التي تمارسها بعض الدول , مسخِّرة الدين لإحتواء الآخر بحجة النقاوة الدينية, لطائفة أو لأمة , مستغلة الدين , وبسطاء الناس لأمور سياسية , وذلك لتغيير ديموغرافيا المنطقة علماً أن الحل يكمن في التسامح الديني, والاتجاه الديمقراطي وليس تكريس المفاهيم الطائفية, التي لا تنتج إلا الاحتقان اللذي يولد الكراهية, بدلاً من التسامح والإخاء , ويصبح الانتماء الديني أو الطائفي للجماعة أو الأفراد هو الأساس , وليس الانتماء للوطن , وهذا هو السلاح الأكثر فتكاً والأمضى عدوانية على أبناء الوطن الواحد , ونعود بالناس والأوطان إلى القرون الحجرية , إذ تُستنفر الغرائز بدلاً من العقل والمنطق, فالفتنة نائمة , ولا يقوم بإيقاظها إلا أعداء الوطن والمواطنة 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟