|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 56
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7250 - 2022 / 5 / 16 - 15:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قولوا آمَنّا بِاللهِ وَما أُنزِلَ إِلَينا وَما أُنزِلَ إِلى إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطِ وَما أوتِيَ موسى وَعيسى وَما أوتِيَ النَّبِيّونَ مِن رَّبِّهِم لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّنهُم وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ (136) وما هذا إلا تعبير آخر لعبارة «كونوا مُسلِمينَ تُفلِحوا»، وقد عيب آنفا عليهم قولهم، إن كانوا قد قالوه «كونوا هودًا أَو نَصارى تُفلِحوا». فَإِن آمَنوا بِمِثلِ ما آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا وَإِن تَوَلَّوا فَهُم في شِقاقٍ فَسَيَكفيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ (137) وهنا يتضح الأمر أكثر بأن المسلمين لم يتصرفوا بالنتيجة إلا بما عابوه على اليهود والمسيحيين، فلا يكونون مهتدين إلا بإيمانهم بما آمن به المسلمون، أي أن محمدا رسول الله، مع نفي المسيحيين لبنوة عيسى لله، وإقرار اليهود بنبوة إسماعيل، واعتبار كل منهما لكتلا شريعتيهما منسوختين بشريعة محمد، بل بتصحيح عقائدهم واعتماد ما جاء به الإسلام من عقائد. ولا ننفي أن الإسلام في بعض الأمور من العقائد كان أكثر معقولية مما مطروح في الديانتين السابقتين، لكن حتى إذا أقررنا بذلك، فهذا لا يحوله بالضرورة إلى دين حق، فما فيه كواحد من الأديان الثلاثة أكثر معقولية من الدينين السابقين لا يعني بالنتيجة إلا أنه أقل لامعقولية منهما فيما هو أكثر معقولية، وإلا فاللامعقولية ملازمة بقدر أو بآخر لكل الأديان. فالمسيحية خففت من التزامات شريعة موسى، فجاء الإسلام ليعيد التشدد في الشريعة، علاوة على كل آيات الدعوة لمقاتلة غير المسلمين، كما سنمر عليه، كلما وردت تلك الآيات. صِبغَةَ اللهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً وَّنَحنُ لَهُ عابِدونَ (138) وهذا احتكار للحقيقة مرة أخرى، فالإسلام وحده يمثل ما أسمته هذه الآية «صِبغَةَ اللهِ». بلا شك إذا عرفنا ما الذي يمثل صبغة الله، فلن تكون صبغة أحسن منها، لكن الإسلام، كما الديانتيان الإبراهيميتان السابقتان له، أبعد ما يكون وتكونان عما أسمته الآية هنا بصبغة الله. فكل يستطيع أن يدعي لنفسه ما يدعيه، ثم يشهد هو على صدق وصحة دعواه، ولا يحول ادعاء المدعي ادعاءه إلى حقيقة بشهادته هو على أنها تمثل الحقيقة، بل يجب أن تكون هناك أدلة من خارج المُدَّعَى ومن غير المُدَّعِي. قُل أَفَتُحاجّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُم وَلَنا أَعمالُنا وَلَكُم أَعمالُكُم وَنَحن لَهُو مُخلِصونَ (139) القرآن في الكثير من آياته يحاجج اليهود والمسيحيين والمشركين في الله، لكنه يستنكر هنا عليهم أن يحاججوه في الله. إذا كان التحاجج قائما على أدلة عقلية خارج دعوى امتلاك الحقيقة النازلة عليه من الله دون غيره، فالتحاجج، أو لنقل الحوار الموضوعي المتجرد في قضية كهذه ليس أمرا معيبا، لكنه إذا نكتشف ألا جدوى من الحوار، وأنه يتحول إلى هدر للوقت، دون إمكانية حسم القضايا المختلف عليها، فلعل يكون من العقلانية أن يقرر الفريقان المتحاوران، أو أحدهما إنهاء الحوار والجدال والتحاجج، وحسم الموضوع، إذا كان النقاش يدور حول الله، ويكتفى بالقول أنه ربنا وربكم، ولنا فهمنا له، ولكم فهمكم، ولنا أعمالنا التي لا تكونون مسؤولين عنها، ولكم أعمالكم التي لا نكون مسؤولين عنها، ما لم تكن أعمالنا تمس مصالحكم وحقوقكم، أو أعمالكم تمس مصالحنا وحقوقنا. لكن الآية تنهي الحوار بقول المسلمين «وَنَحنُ لَهُ مُخلِصونَ»، وهذا يمكن أن يفهم على عدة أنحاء، على نحو احتكار دعوى الإخلاص لله، أو إنه يعبر عن معرفة المتكلمين بنواياهم هم، بقولهم فيما نعلمه عن أنفسنا فنحن مخلصون لله في عبادتنا له، ولا ننفي احتمال أن تكونوا أنتم أيضا مخلصين له، أو ألا تكونوا، أو قد يقصد القائل لها أننا له مخلصون ولسنا مثلكم غير مخلصين له. ولكن الذي يؤخذ على العبارة هنا هو التحدث بشكل مطلق وعلى نحو التعميم عن دعوى إخلاص جماعة بكاملها وبكل أفرادها، بينما الإخلاص ودرجة الإخلاص قضية فردية، وهذا مؤشر آخر على عدم دقة التعبير في القرآن، وهو أمر طبيعي، عندما يكون تأليفا واجتهادا بشريا، يصيب صاحبه ويخطئ، ولا يقبل من الله الحكيم المطلق، بل لا يقبل من إنسان حكيم حكمة بدرجة عالية جدا، وليس بالضرورة بالمطلق، كون عالم الإنسان يبقى عالم النسبية. أَم تَقولونَ إِنَّ إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطَ كانوا هودًا أَو نَصارى قُل أَأَنتُم أَعلَمُ أَمِ اللهُ وَمَن أَظلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ (140) نتفق مع القرآن هنا في استنكاره على كل من اليهود أو المسيحيين ادعاء كل منهما، في حال كان قد حصل هكذا ادعاء بأن الأنبياء المذكورين كانوا يهودا أو مسيحيين، لكنه يجب استنكار ذلك أيضا على المسلمين، إذا ما ادعوا كون هؤلاء كانوا مسلمين، أو لا أقل من كون الإسلام هو الأقرب إلى هؤلاء. طبعا يجب ابتداءً أن نفترض أن كل الذين ذكرتهم الآية هم أشخاص حقيقيون كان لهم وجود فعلي، ولا يمثلون ربما مجرد شخصيات أسطورية وهمية، ثم في حال وجدوا يجب أن نفترض أنهم كانوا فعلا أنبياء مبعوثين من الله، وقبلها يجب أن نفترض تحقق النبوة والرسالة أي التحقق من وجود أنبياء ومرسلين أصلا، بقطع النظر عن شخوصهم. بعد التحقق من حقيقة كل ذلك، تستحق القضية أن يفتح فيها باب الجدل والمغالبة بين أتباع كل من الديانات الثلاث. وإلا فهو جدال وخصام على شيء لا واقع له. ثم يرد سؤال غريب يطرحه مؤلف القرآن على أتباع الديانتين الإبراهيميتين السابقتين للإسلام بقوله: «أَأَنتُم أَعلَمُ أَمِ اللهُ؟». بكل تأكيد إن الله أعلم منهم ومنك، لكن من أين لنا الدليل بأنك أنت الذي تنبئنا بما يعلمه الله؟ فلا يمكن لأي إنسان أن ينصب نفسه بنفسه ناطقا رسميا عن الله ومطلعا وحده على ما يعلمه الله من حقائق، ولا دليل على ذلك إلا شهادته هو لصالح نفسه ولصالح مدعاه، وما على الناس إلا أن يسلموا بصحة وصدق وحقيقية وواقع ما يقوله. ثم من أين جاء بحقيقة أن لدى كل من اليهود والمسيحيين شهادة من الله، ثم يدعي أنهم يكتمون هذه الشهادة. فعلينا أولا أن نتحقق من حصول أي من ذلك، وبعد ثبوت تحققه، يحق لنا أن نطرح سؤال: «وَمَن أَظلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ»، وإلا فحقا «مَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ»، عما يعمل وعما يدعي اليهود، وعما يعمل وعما يدعي المسيحيون، وعما يعمل وعما يدعي محمد والذين آمنوا به. فتقرير هذه الحقيقة مردود ومنطبق على الناطق بها، تماما بنفس مقدار انطباقها على الذين يخاطبهم بها.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 55
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 54
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 53
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 52
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 51
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 50
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 49
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 48
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 47
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 46
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 45
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 44
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 43
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 42
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 41
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 40
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 39
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 38
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 37
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 36
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|