|
تاريخ نشأة مفاهيم حقوق الانسان
رائد سليمان الفقير
الحوار المتمدن-العدد: 1673 - 2006 / 9 / 14 - 00:45
المحور:
حقوق الانسان
1.حقوق الإنسان في العصور القديمة. أخذت فكرة حقوق الإنسان تتبلور منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد وانتهاء به بظهور مقدونيا كقوة جديدة، حيث أستطاع الأسكندر المقدوني أن يبني من خلالها إمبراطورية وصلت إلى أوج قوتها في العهد الهيلني، وكانت معظم حقوق الناس في تلك الفترة تعد مباشرة من قبل السيد المالك( ). ولقد ساهمت الحضارة الفرعونية التي تعد من أقدم الحضارات البشرية أن لم تكن أقدمها في تجسيد الفكر القانوني لحماية حقوق الإنسان( ). ويذهب المؤرخون إلى أن أول صفحات التاريخ البشري المكتوب بدأت في أراضي وادي النيل الأدنى، مصر الفرعونية – حوالي 3300 قبل الميلاد، وذلك عندما أتخذت القرى الزراعية على طول النيل في مملكتين هما مصر العليا ومصر السفلى تحت حكم الفراعنة( ) آنذاك، أخضع أهلها إلى قانون سماوي أسمه (ماعت)، وأن أهم الركائز التي كان يستند إليها هذا القانون هي مفاهيم الحق والعدل والصدق وبقي العمل بهذا القانون لفترة طويلة. ويذكر أيضا أنه أنشئ في عهد الأسرة الثامنة عشر مجالس للبلاد تحكم بالعدالة، وتنادي بضرورة تطبيق معايير العدالة، حيث صار من حق كل فرد ضمن حقوقه الدينية أن يحفظ جثته بعد موته، خاصة وأن التحنيط لم يكن من حقوق العامة، إذ تمارسه طبقة الأمراء والملوك فقط( ). ونرى أنه لمن المفيد في هذا السياق الإشارة إلى أن (ثورة أخناتون)،تعد من أهم الثورات التي جاءت لتجسد معايير ومفاهيم حقوق الإنسان في تلك الحقبة، حيث دعت إلى السلام والرحمة والتسامح ونبذ الحروب ونشر المساواة بين الناس في شؤونهم الدنيوية، كما دعت إلى تحقيق العدالة للجميع من دون تميز، وألغت التقديس المبالغ به للأسرة المالكة وذلك بشكل أصبـح بموجبه افراد العائلة المالكة كسائر أبناء الشعب من حيث المعاملة والأمتيازات( ). كما أن أهم ما جاء في تعاليم الملك (حريكارع) أحد حكماء الأسرة العاشرة الذي أوصى بإقامة العدل ووضرورة الشعور من الاخرين في محنهم، وفي هذا السياق تقول أحد التعاليم (أحتفظ بذكراك بين الناس بحبهم فالإنسان الذي يصل إلى الأخرة من دون أن يرتكب خطيئة فإنه سوف يمكث هناك ويمشي مرحا مثل الأرباب الخالدين) ( ) ونشير هنا إلى أن جميع الأمثال المرتبطة بحقوق الإنسان قام بتقديمها الحكماء المصريون في إطار التعليم والتربية قد كتبت على قطع من الخزف وشظايا من الحجر الجبري. وفي إطار المراجعة التاريخية، نجد أن الحضارة اليونانية قد شرعت على الصعيد الإجتماعي (نظام الرق العام، والرق الخاص أو تسنيد القبيد في خدمة البيوت والأمراء.... فكان للهياكل في اسيا الصغرى أرقاؤها الموقفون لها وكانت عليهم واجبات الخدمة والحراسة ولم يكن من حقهم ولاية اعمال الكهانة و العبادة العامة) ( ). وميز معظم عباقرة الفلسفة اليونانية، امثال ارسطو بين القانون الطبيعي والقوانين الوضعية. وأعتبر ارسطو أن مبدأ المساواة من المبادئ الأساسية التي تنظوي تحت لوائه جميع الحقوق والحريات المعترف بها للأثنين، وبهذا فأن مبدأ المساواة هذا يحتم معاملة جميع الناس بشكل متساو سواء أمام القانون، أو حتى فيما يتعلق بحقوقهم السياسية والوظيفية وممارسة الحق في الرأي وحرية التعبير( ). وأكد أرسطو في مذهبه أن (فريقا من الناس مخلوقون للعبودية لانهم يعملون على الالات التي يتصرف فيها الأحرار ذو الفكر والمشيئة) ( ) ووفقا لمفهوم أرسطو، فإن الله خلق فئتين من الناس، اليونانيون الذين يمتازون بالفعل والارادة، والبربر ذوي الطاقات البدنية التي تهيئهم لأن يكونوا عبيدا. ومع ظهور ما يعرف بالمدرسة الكلبية، أندحر الفكر الأروسطي التميزي الذي ينادي بالعبودية، وإسترقاق البشر، وجاءت هذه المدرسة تندد بالكثير من الممارسات الشنيعة والمتعارضة مع جوهر الكرامة البشرية، ودعت إلى ضرورة إلغاء مثل هذا الفكر، وإقرار مبدأ المساواة بين جميع أفراد المجتمع( ) ويقضي أفلاطون في جمهوريته الفاضلة بحرمان العبيد من حق المواطنة، وإجبارهم على الطاعة والخضوع للأحرار من سادتهم أو من السادة الغرباء، ومن تطاول منهم مع سيد غريب، اسلمته الدولة ليقض منه كما يشاء( ). ورأى بلوتارك أنه في (بلاد الأغريق كان يساء إلى العبيد أشد الإساءة .... وأخاف أن الحر منها اكثر حرية في حين كان الرقيق أشد استرقاقا) ( ) ونلاحظ مما تقدم، أن فكرة حقوق الإنسان كانت تنتقص للجوهر والوجه التي تعرف به اليوم في العصور الأغريقية القديمة، حيث كانت هذه الحقوق لا تشمل الفئات الإجتماعية الأخرى من غير اليونان، ومع ذلك وجدنا أن المدرسة الكلبية جاءت لتخفف من حدة التطرف الفكري والفلسفي اليوناني تجاه مسألة حقوق الإنسان، والتي تبعت خطاها بعد المدرسة الرواقية (430 – 490 ق . م) والتي كان من أهم مبادئها على الإطلاق، مبدأ الأخوة والذي يقضي بأن جميع البشر أخوان، وألغت ظاهرة العبودية والسيد والعبد، إذ تنظر هذه المدرسة أن جميع البشر أخوة مهما تباينت أصولهم وأجناسهم ولغاتهم، وذلك بإخضاعهم إلى قانون واحد هو القانون الطبيعي الذي لا يجوز أن يخالف من قبل نصوص القانون الوضعي( ) وذهب الرواقيون إلى أبعد مما سبق، حيث رأوا بأنه من غير المسوغ تحديد المواطنة بمدينة أو شعب معين، وأن جميع ابناء الجنس. وأعتبر الرواقيون الإنسانية جمعاء أسرة واحدة، مهما أختلفت شعوبها ومواطنها، وأن الإنسان يولد حرا في منظور قانون الطبيعة العادل، وأنه لا يجوز في أي حال من الأحوال مخالفة القوانين الإنسانية لنواميس الطبيعة وقوانينها( ) وفي سياق القراءة التاريخية لتطور مفهوم حقوق الإنسان، نرى لزاما ضرورة تسليط الضوء على بعض الإنجازات والمساهمات التي قدمتها حضارات بلاد ما بين النهرين في العراق القديم، ففي بلاد الرافدين كانت هناك حضارات عريقة حثت على وجوب احترام حقوق الإنسان، وجاءت لتشرع لهذه الحماية في قوانيين وتشريعات وصلنا بعضها، مثل قانون حمورابي، وعلى الرغم من القيمةالقانونية التي يحظى بها قانون حمورابي والذي يعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، لما تضمنه من تأكيدات على بعض حقوق الإنسان وصون كرامته، وكبح شهوات طغيان السادة والحكام، غير أن عيوب ونواقص كثيرة قد ظهرت ولا تـزال تظهر في هـذا القانون، حيث أنه لم يصل كاملا، وإنما وصلت منه قطع غير مترابطة( ) كما وتميز قانون حمورابي أيضا بإقرار قانون الثأر والذي يتنافى مع مبادئ العدالة وجوهر الإنسان، حيث كان يؤمن هذا القانون بمبدأ العدالة الفردية، بالإضافة إلى إقراره بمبدأ ملكية الأرض من قبل شخص واحد هو الملك، وتشدد أيضا في فرض العقوبات القاسية التي تتنافى مع الطبيعة البشرية، حيث أجاز بتر الأعضاء البشرية والإنسان لا يزال على قيد الحياة، وأجاز قتل الأبن بدل ابيه وهو ما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان والعدالة والشرائع السماوية( ). أما الحضارات العراقية القديمة مثل البابلية والسومرية، فقد أحتفظت بإرتباط وثيق بين التعاليم الدينية والنظرة إلى الإنسان وحقوقه وأشهر ما وصلنا من قوانيين تخص حقوق الإنسان في العصور القديمة شريعة (لبيث عشتار) وشريعة حمورابي الذي حكم الدولة البابلية من عام 2067-2025 ق . م ( ). 2. حقوق الإنسان والفلسفة الرومانية القديمة: أن أهم ما يميز الحضارة الرومانية وإسهاماتها على صعيد التطور الفكري البشري إقراراها بمبدأ الديمقراطية، حيث قامت بإسمة الثورات التي وجههتها الحريات المستخدمة، والتي لعبت دورا فاعلا فيما بعد بولادة معظم المواثيق والعهود الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في القرن الثامن عشر، وكانت روما للعديد من القرون والحقب الزمنية موطنا للصراع في سبيل إحقاق مبادئ المساواة وتحقيق الحرية. ولم يكن الحال عند الرومان بأفضل منه عند اليونان، فقد انتشر الإسترقاق بينهم من غير تفريق بين ما كـان رومانيا أو أجنبيا فكانـوا يملكونهم إما بحرب أو شراء أو بإختطاف( ). وتعتبر الألواح الاثني عشر من أقدم أثار الحق الروماني، وقد وَضعت في أواسط القرن الخامس قبل الميلاد للنضال بين العوام والخواص، فحلت محل حق العرف والعادة الساري المفعول في روما قبل ذلك، وقد عكست هذه القوانيين التمايز الطبقي والإجتماعي في نسيج المجتمع الروماني القديم، على أساس الملكية وتطور نظام الرق ونشوء دولة مالكي العبيد، وكتبت القوانيين على أثني عشر لوحا( ). ولقد تجاوزت فظائع إنتهاكات حقوق الإنسان في العصر الروماني كل أشكال الظلم والقهر التي شهدها الانسان في الحضارات الاخري. فقد كان الرقيق في العهد الروماني شيئا لا بشرا، فلا حقوق لهم، وكان سبب غزو الرومان لغيرهم هو لمجرد استعباد سكان الأقاليم التي تقع تحت إحتلالهم، وكان القانون الروماني يقسم الناس إلى وطنين وأجانب، والأخيرون في الأصل أعداء، وهم سكان البلاد المجاورة لهم، والتي تقع على الضفة الأخرى للنهر. وما لم يرتبط هؤلاء الأجانب بروما بمعاهده أو حلف فقد كان للرومان أن يستولوا عليهم وعلى أموالهم وممتلكاتهم وبالتالي كان مبدأ إستباحة الأخرين هو أهم المبادئ التي قامت عليه عناصر القوة الرومانية في التعامل مع الأخرين من شعوب هذه الأرض، ومن ثم كان القانون الروماني يقسم العالم إلى ثلاث ديار هي دار الوطنين، ودار الأعداء ودار المعاهدين والمحالفين( ) ومن ثم نرى فيما بعد بأن الرومان طبقوا المبادئ التي جاءت بها مدرسة القانون الطبيعي والتي هي من نتاج الفكر الفلسفي اليوناني والتي ترى بوجود قوة عليا تنفرد بوضع النواميس والقوانين الضابطة لحركة هذا الكون، وأن أهم المبادئ التي نادى بها القانون الطبيعي تلك الخاصة بالمساواة والتي لا تميز بين المواطن والأجنبي، والحر والعبد من حيث الحقوق والواجبات ( ) وكذلك مبدأ المساواة ومطابقة العدالة في النفس تعد من المبادئ الجوهرية التي تقوم عليها هذه الفكرة أو حتى العدالة في ظل أنعدام هذه المبادئ، وذهب معظم المفكرين والفلاسفة إلى أعتبار القانون الطبيعي مصدرا أساسيا للحقوق الثابتة للأفراد، ووصفه بعضهم بأنه جزء من القانون الالهي، ولكن القانوني الهولندي (هوغو غروشيوس) (1583- 1645) قام بعملية فصل بني القانون الطبيعي والقانون الإلهي، وجعل الأول مصدرا أساسيا للقوانين الدنيوية، الذي أرتأى أنها تقوم على المنطق والعقلانية، وانتهى (غروشيوس) إلى أن كل ما يتفق مع طبيعة الأمور شرعي عادل، وكل ما يحالفها غير شرعي وباطل( ) وتعرف قواعد القانون الطبيعي على أنها "مجموعة القواعد القانونية الأمرة التي يفرضها المنطق السليم والتي تجد أساسها في الأخلاق أو الضرورات الأخلاقية"( ) ولقد مهدت أعمال غروشيوس المناخ للمفكرين والفلاسفة للنظر إلى حقوق الإنسان وشرعيتها بإعتبارها حقوقا طبيعية( )، وكان لفكرة القانون الطبيعي أنعكاساتها في مجموعة قوانيين الإمبراطور البيزنطي "جو ستنان"، وهذا يظهر جليا في بعض النصوص التي تنادي بالدفاع عن الرقيق العامل في بيت صاحبه، وتلك التي تقف إلى جانب الحرية( ). وفي سياق تطور حقوق الإنسان في الحضارة الرومانية نجد تأثر الفلسفة الرومانية بالفلسفة الرواقية من حيث (مطالبتهم بعتق العبيد وتعاطفهم مع الفقراء والمساكين، وقد انتهج الخيب الروماني ششرون نفس النهج الرواقي، وتبلي القانون الطبيعي، وأكد على أن الناس أمة واحدة يستوي أفرادها في نظر الطبيعة) ( ). ولا زالت الدول الغربية تستخدم مبادئ نظرية القانون الطبيعي للتدخل في حماية حقوق الإنسان في كثير من أنحاء العالم، حيث استخدمت هذه النظرية ضد الدولة العثمانية في عام 1828 في اليونان، وفي عام 1876 في بلغاريا، ومع ذلك كان هذا مؤشرا على أعتماد الدولة لحقوق الإنسان، بمفهوم ذلك الوقت سندا للنضال ضد الإستبداد السياسي، وهذا ما دعا (موريس كرانستون) إلى القول بأنه (فجر الاستبداد في الإنسان الدعوة لحقوقه، التي أنكرت عليه سواء أكانت طبيعية أم إنسانية) ( ). 3. حقوق الإنسان في الفكر العربي القديم: على الرغم من إدعاء البعض بأن للعرب في العصر الجاهلي دورا في المساهمة الحضارية في تطوير فكرة حقوق الإنسان، إلا أننا نرى أن العرب لم يهتموا بهذا الجانب بشكل فكري وفلسفي، وإنما ربما كانت ممارساتهم في الغالب الاعم تتفق والمفهوم العام لحقوق الإنسان، وذلك لمجرد السمات السلوكية التي كانت تفرضها عليهم، طبائع الإنسان العربي، والأصالة المتجذرة في الدم العربي منذ القدم. ومع ذلك سجلت الذاكرة التاريخية أن وثيقة الفضلين من أقدم الوثائق التاريخية التي أهتمت بحقوق الإنسان، حيث كانت هذه الوثيقة قبل مجيء نبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم. ومما لا شك فيه أن الوثيقة جسدت أهم الحقوق للمواطنين الذين كانوا يقطنون شعاب مكة، ووضمت أسس ومعايير للإبقاء على مقاهيم ومعاني السلام والعدالة والمساواة بين جميع أعضاء المجتمع المكي. أن أهم ما تميز به تاريخ العرب قبل قدوم الإسلام هو اقراره بكافة حقوق المرأة، ما عدا حقها في الميراث( ) وفي هذا السياق تقول الكاتبة فاطمة حمادي بأن المراة قد مارست جميع حقوقها أيام جاهلية العرب وقبل قدوم الإسلام بإستثناء حقها في الميراث. وتعقب الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي في كتابها الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان (حقوق الإنسان في الفكر العربي: دراسات ونصوص) بأن (لا مجال للشك في أن كل هذا التراث الفكري، الذي زامن أيام الإسلام الأولى في الجزيرة العربية وخارجها، ونشأ من نضج الفكر الإنساني النزعة الذي عما في الجزيرة خلال تجارب حياتية ونفسية، لا بد من أنها قد تطورت عبر قرون من الزمن، ولعل وجود متسع لهذا الفكر العضوي التنور في ثقافة برزت على الساحة قبل أواسط القرن السابع للميلاد، إشارة إلى رقي إنساني في الأمة التي أفرزته والى نمو روحي وفكري، تفوق على شظف المحيط الجغرافي وبدائيته هذا لم يحدث كثيرا في التاريخ( )). ونلاحظ مما تقدم، بأن الدكتورة الجيوسي قد ركزت على مسألة مهمة وفي غاية الحساسية، خاصة مع إنكار الغرب للمساهمة الحضارية العربية في المشروع الحضاري الإنساني لتطوير مفهوم حقوق الإنسان، وفي هذا الصدد تدافع الجيوش قائلة بأنه كان هناك نزوع عربي مبكر نحو إقرار الحق، وضمان كرامة الإنسان. وعند البحث عن أصول فهم الفكر العربي القديم لحقوق الإنسان، نجد أن هناك تاصيلا نافذا في مفاهيم الحق والكرامة لدى قدماء العرب، ولكن كان ذلك غير مقنن وبعيدا عن النظريات المجردة. وفي هذا السياق كورد الباحثة "هية عزت" بأنه (لم يجيء حلف الفضول في مكة ما قبل الإسلام، عندما أتفق أعيان مكة على حماية الزائر والغريب من الظلم في بلدهم نتيجة لقانون مدني موضوع، بل استجابة لرؤية متغللة في الضمير لصول التعامل والتبادل) ( ). ولا أستغراب أن تسجل ذاكرة التاريخ البشري، أهم الوثائق العالمية لحماية حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية، والتي تعكس في مضمونها وفحواها مدى درجة الحضارة والتمدن التي وصل إليها الفكر العربي في القرن السابع للميلاد، والذي ينم عن زخم الميراث الحضاري العربي القديم الذي نما وترعرع في جزيرة العرب، وتجسد هذا التطور لمفهوم حقوق الإنسان على يد الإنسان العربي القديم بولادة ما يسمى "بصحيفة المدينة" والتي جاءت لتراعي حقوقا وواجبات خاصة لأطراف الوثيقة وخصوصا لليهود، والتي بموجبها أضحى اليهود جزءا من النسيج الإجتماعي العام، وأندأ بغيرهم من سكان المدينة، وتضمن لليهود حرية الدين والإعتماد، وكل المكتبات في الملكية والإقتصاد( ) وكان من أكثر تجليات الفكر العربي القديم ان حفظ للمرأة العديد من الحقوق، فكانت تشارك في الغزوات، وتعمل في التجارة ولها الحرية بأن تعتنق الدين الذي يناسبها دون أن تتبع إرادة زوجها سلبيا( )، وابعد من ذلك تشير الوثائق أن المرأة العربية كانت تستطيع أن تطلق زوجها، وأنها كانت سيدة نفسها وتختار زوجها ولها الحق بأن تهجره عندما يناسبها ذلك( )أما فيما يتعلق بالحجاب فتشير الوثائق الخاصة بالتاريخ العربي القديم، بأن هذه الممارسة من الممارسات العربية القديمة، وانها لم تكن وليدة الإسلام وتعاليمه، ومع كل ما تقدم، عرف تاريخ العرب القديم، العبودية والنظرة المشينة للمرأة، فقد كان هناك تميز واضح بين الحرة والعبدة، إذ كان يتصور أن تقوم العبدة وكان من ابشع العادات العربية التي تتنافى وإنسانتها(( . وكان من أبشع العادات العربية التي تتنافى وجوهر حقوق الإنسان عادة وأد البنات، والتي كان الباعث عليها إما مخافة العار الذي يلحقهم بسببهن إذا سبين، وطمع فيهن غير الإكفاء، وإما مخافة الفقر والإملاق. وكان من الأمثال العربية في هذا الصدد "أخل من موؤوده" ، و "أصنع من موؤودة"، ويروى إذا الوالدة جاءها المخاض حفرت حفرة فتمخضت على رأسها، فإن كان المولود بنتا رمت بها فيها(( . وتشير الوثائق التاريخية أن الحضارة العربية الكنعانية التي كانت تسود في فلسطين قد عرفت مفاهيم متقدمة في العدالة والمساواة وحفظ الحقوق، وكان ملوك تلك الحقبة يمتلكون أحساسا عظيما بالمسؤولية تجاه حفظ وحماية حقوق الإنسان، وفي هذا الصدد كانت "المدن الكنعانية: بيد ملوك صالحين يقضون بالعدل ويحفظون حقوق الارامل واليتامى، وأقرت هذه الحضارة العربية العظيمة بمبادئ هامة وهي الحق في ثورت العرش، والمشاركة السياسية في الشوؤن العامة المشتركة(( . وبناءا على ما تقدم، نرى أن التاريخ العربي القديم شهد نزعة ذاتية لدى حضاراته المختلفة تجاه أحترام مبادئ حقوق الإنسان وجوهرها، بالرغم من عدم توافر الإطار القانوني العام الذي ينظم هذه الحقوق، إذ بقيت الممارسات العملية والبعيدة عن الجانب التقني والفلسفي تزخر بمعايير حفظ وحماية تلك الحقوق. ولقد سجلت ذاكرة التاريخ العربي القديم شاهدين حيين على المساهمة العربية في مسيرة تبلور مفهوم حقوق الإنسان، وهما وثيقة الفضلين وصحيفة مكة، والتي تعد من أهم الوثائق التاريخية على صعيد حقوق الإنسان، ليس فقط على مستوى العالم العربي القديم، وإنما على المستوى الدولي والإنساني. وبهذا فإننا نجد أن وثيقة الفضلين تحتوي على مبادئ تضمن للإنسان كرامته وحريته وترقى في جوهرها إلى الماجناكارتا أو العهد العظيم الذي شهدته أنجلترا ولا زال العالم يتغنى بها حتى يومنا هذا.
4. حقوق الإنسان والحضارة الإسلامية: جاء الإسلام في فترة كان يسود فيها الظلم الأستبداد والقهر وإنتهاك كرامة الإنسان، حيث كانت البشرية فقط في ظلام دامس. ونزل القرآن الكريم على نبي الهدى محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ليجد الحلول الناجحة لضلالات البشر وطغيانهم، وبصورة تضمن للإنسان أدميته وكرامته وحرمة دمة وعرضه وممتلكاته. وكانت رسالة السماء مجسدة في القرآن الكريم واضحة كل الوضوح على صعيد أحترام حقوق الإنسان، حيث نادت بضرورة تحرير الإنسان من العبودية والرق والإستيعاب واقرت بمبادئ العدالة والمساواة وتحريم التميز، ولم تكن نظرة القرآن الكريم والشريعة الإسلامية تجاه مسألة حقوق الإنسان ناقصة، وذلك لسبب بسيط فهو أنها إنعكاس لعدالة الله عز وجل على الأرض. ومن أهم الحقوق التي ضمنتها الشريعة الإسلامية الحق في الحياة، المساواة، الحرية، العقيدة، حرية التعبير عن الرأي والشورى، حرية التنقل واللجوء، وحق العدل، العمل، وحقوق المرأة والطفل. ومن ثم نرى أن الحضارة الإسلامية لعبت دورا مهما في تطور وإنضاج وعي الإنسان بحقوقه وحرياته الأساسية، وذلك من خلال إقراره بمبادئ هامة تعد ركيزة لإي نظام اجتماعي قانوني بشري. ومهما يكون من إجحاف النظرة الغربية وعدم إنصافها للمساهمة الإسلامية في تطوير مفهوم حقوق الإنسان وصون كرامة الإنسان وترحيم الظلم والطغيان والإستبداد، تلك النظرة التي هظمت حق الإنسان المسلم، ودفعت به إلى التطرف والكراهية للأخرين، خاصة بعد أنكار حقوقه من قبل الغرب وأنظمته السياسية المختلفة. أن مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام يضبطه حقوق الناس على بعضهم في الإسلام وجلب كل مصلحة مندوبة ودرء كل مفسدة محرمة أو مكروهة، ويجمع ذلك قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ويؤسس هذا الحق العدل الواجب ومبدأ تكريم الإنسان، ويصنف الجابري حقوق الإنسان في الإسلام إلى عامة هي الحق في الحياة والتمتع بها، وحرية الاعتقاد والعرفة والاختلاف والشورى والمساواة، وحقوق خاصة هي البر والعفو للمستضعفين وحقوق المرأة(( . ويبين السامرائي أن تكريم الإنسان هو أساس فكرة حقوق الإنسان في القرآن الكريم، ولحفظ تلك الكرامة والمنزلة الرفيعة للإنسان شرع الله تعالى له الحقوق التي من شأنها تحقيق سعادته وحفظ مصالحه، فكان القرآن الكريم هو الأسبق في تقرير حقوق الإنسان التي تتغنى بها حضارات اليوم، والأشمل لجميع أنواع الحقوق والأكثر عدالة واحتراما للإنسان(( ، ومن الحقوق التي نص عليها القرآن الكريم حق الحياة والمساواة والحرية والملكية والتعليم والعمل والأمن وحقوق الأسرة والضمان والتكافل الاجتماعي. وتكاملت الصيغة النهائية لدستور حقوق الإنسان بنزول الدساتير الإلهية التي أولت تلك الحقوق اهتماما عظيما انطلاقا من مبدأ تكريم الإنسان خليفة الله في الأرض لإنسانيته الحقة التي لا تتكامل إلا بعد أن تحق له الحقوق الموجبة لإنسانيته ولفطرته البشرية، فحقه في الحياة وفي حرية التفكير والتعبير من مصاديق الإكرام له وطلب المساواة والسلام وعدم الاعتداء وحب الفضيلة وازدراء كل ما من شأنه التقليل من كرامته حق مشروع له مكفول بما شرعه الله وتعالى له ويجب أن تكفله له ايضا القوانين الوضعية ولنتوسع في حق الحرية المكفولة ضمن حقوقه الإنسانية نظرا لما به الحرية هي في جوانب التفكير والتعبير والحوار التي تربط مع بعضها ارتباطا وثيقا لأنها تتبع من مصدر واحد هو العقل البشري جوهر الإنسان المميز(( . الإسلام يقر بأن من العدل تأتي الحقوق، وتضمن سائر المقررات والحريات المشرعة لبني الإنسان، وإذا ما اغتصبت حقوق الإنسان الطبيعية وصودرت حرياته، فإن ذلك يعني تفشي الظلم والطغيان وما يترتب على ذلك، من اضطهاد ومعاناة لأبناء الشعوب والأمم، سواء من المسلمين أو غيرهم، وكل ذلك يعني الإخلال بالسلوك والنظام الإنساني وتغييب العدل(( . إن جميع الحقوق تستقى من حرية الإنسان، وتصبح مضمونة بتنفيذ الواجبات والتكاليف في الاجتماع والسياسة، والمجتمع السليم والسعيد هو الذي تكون فيه الحريات والحقوق مكفولة. لقد دعا الإسلام منذ بزوغ فجره إلى صيانة حقوق الإنسان ورفع شعارها في جميع المجالات، كما أنه دعا إلى حرية التفكير، ولم يلغ الطاقات العقلية التي وهبها الله للإنسان، فهو يقر إقرار صريحا وواضحا بحرية الفكر وانطلاق النفس من كل خرافة ووهم، ودعا بقوة إلى نبذ ما كان عليه السلف الجاهلي من ضلالات وتقاليد وهمية جائرة وسياسات ذات نزعة تسلطية، فهو قرر العبودية لله وحده، وهي التحرر الواقعي من الخضوع للغير؛ حيث أن الآية القرآنية المباركة تقول : (إياك نعبد وأياك نستعين) (( .
5. حقوق الإنسان والمناجنا كارتا والشريعة العامة: مع بداية عصر النهضة في القرن الثالث عشر الميلادي، صدرت في إنكلترا الوثيقة الكبرى (الماجنا كارتا) في عام 1215، على أثر ثورة عارمة معادية لطغيان الملك، ونصت (الماجنا كارتا) الناس على آيدي محلفين، وعدم سجن أي شخص أو القبض عليه بغير سند قانوني(( . ومن الواضح أن روح الماجنا كارتا كانت غير مباشرة، وقد نضيف أن الماجنا كارتا كانت موجهة لشعب واحد إلا بشكل غير مباشر. وقد نضيف أن الماجنا كارتا صحيفة كانت موجهة لشعب واحد ولم تضع أسس لتعاون عالمي يجمع أديانا وسلالات مختلفة كما كانت صحيفة المدنية، وتختلف صحيفة المدنية عما سبقها أو لحق بها من الوثائق أنها تجعل حقوق الإنسان وواجباته مرادفة للإيمان مخالطة للعقيدة، وليست مجرد قانون تفرضه السلطة الحاكمة، ذلك أن مراعاة هذه الحقوق والواجبات هي سلوك عام يتناول علاقات الأفراد ببعضهم، وعلاقاتتهم مع اسرهم واطفالهم والمجتمع بصورة عامة(( . ودعا (توما الأكويني) (1225- 1274) الذي ظهر كرجل دين في الدومينيكان، إلى التأكيد على فكرة الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، بمعنى التزام المالك بأن يدفع بملكيته مجتمعة الذي ينتمي إليه، وارتاى الأكويني، أن الإنسان مخلوق اجتماعي وسياسي في أن واحد معا، وأن أهداف الحكومة (أي حكومة) هو تأمين الخير العام(( . أما عريضة الحقوق التي أرسلها البرلمان الإنكليزي إلى الملك (شارل الأول) في عام 1628، والقانون الإنكليزي للحقوق 1689 بشأن حقوق الإنسان، فقد تضمن كل منها خطوات أخرى باتجاه مزيد من التبلور ومزيد من الضمانات، فقد أكدت الوثيقتان عدم جواز القبض على إنسان أو سجنه من غير سند قانوني، وعدم جواز فرض الأحكام العرفية في زمن السلم، وعدم جواز فرض ضرائب إلا بموافقة البرلمان وتعتبر مساهمات (جون لوك) و (فولتير) و (مونتسكيو) و (زوز) بارزة في مجال تمهيد الطريق أمام الاعتراف بحقوق الإنسان(( .، فقد قال الفليسوف الإنكليزي (جون لوك) (1623- 1704): إن الإنسان كائن عقلاني، وإن الحرية لا تنفصل عن السعادة)، وأكد أن غاية السياسة هي البحث عند السعادة التي تكمن في السلام والإنسجام والأمان، وهي رخن بتوفر الضمانات السياسية(( .
6. الثورة الفرنسية والأمريكية: لقد مرت المسيرة البشرية نحو تأكيد حقوق الإنسان بمراحل كثيرة منها الثورة الأمريكية (1776)، والثورة الفرنسية (1789)، وكان آخر تلك المراحل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1949، ومن الإنصاف القول أن هذه المواثيق بما فيها قانون حامرابي أو الماجناكارتا وغيرها قد شكلت علامات في تلك المسيرة، وعكست تطلعات الإنسان لاستكمال حريته، والحد من غائلة الظلم والاستعباد. كما أسهمت حركات التحرر بدور فعال في تطوير حقوق الإنسان من خلال المطالبة بتثبيت حقوق الإنسان وحرياته في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ولعل أهم ما حققته الثورات والانتفاضات الخيرة في مجى تاريخ الإنسانية، إنما هو إعلان حقوق الإنسان، اعترافا منها وتقديسا لواجب صيانتها وبذل الأرواح والجهود في سبيل الدفاع عنها وإذاعتها. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية لعبتا دورا بالغ الأهمية في تطوير نظرية حقوق الإنسان وبالتالي حركات حماية حقوق الإنسان في كافة مناطق العالم، وفي هذا الشأن لا بد من الإشارة إلى أن الموجهة لكل من الثورة الإنجليزية (الثورة المجيدة لعام 1688 وصدور قانون حرية التعبير في 1695) والثورة الأمريكية لعام (1776) والثورة الفرنسية لعام 1789، كان القانون الطبيعي ومدرسته الشهيرة. ويرتبط القانون الطبيعي بمفهوم التعاقد الذي طرحه الفلاسفة الغربيون (أهم الفلاسفة في الغرب هم مونتسيكيو (1689 – 1755)، فوالتير (1694- 1778) ، وجان جاك شخص الحرية والمساواة، فإن عملية إدارة شئون هذا المجموعة لا تتم إلا إذ تنازل طرف لاخر ليسمح له بإصدار أوامر تنفيذية، ولهذا فإن العقد الاجتماعي ما هو إلا تنازل عن جزء من تلك الحرية وجزء من تلك المساواة لكي تسير الامر من خلال هيئة نابعة من الجمع المتساوي، على اساس عقد اجتماعي وقواعد متفق عليها، يطلق عليها اسم الدستور. وفي فرنسا صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن على أثر ثورة 1789، والحق الإعلان بدستور 1791، وقد تضمن الإعلان مبادئ الثورة الفرنسية واشار إلى أن العشب مصدر المسلطات، وأن الناس خلقوا ويظلون متساوين في الحقوق. ونص القانون الصادر سنة 1946 في مقدمته على هذه الحقوق، ونص الدستور الصادر في تشرين الأول 1058 على تبني إعلان حقوق الإنسان والمواطن(( . فقد ورد في مقدمته وثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة 1776: (إن من الحقائق البديهية أن جميع الناس خلقوا متساوين، وقد وهبهم الله حقوقا معينة لا تتنزع منهم، ومن هذه الحقوق حقهم في الحياة والحرية والسعي لبلوغ السعادة، وكلما سارت أيه حكومة من الحكومات هادمة لهذه الغايات، فمن حق الشعب أن يغيرها أو يلزمها، وأن ينشئ حكومة جديدة، ترسي أسس تلك المبادئ، وان تنظم سلطاتها على الشكل الذي يبدو للشعب أنه أفى من سواه لضمان أمنه وسعادته) (( . وفي السادس والعشرين من عام 1789 نشرت الجمعية التأسيسية المنبثقة أبان الثورة الفرنسية (إعلان حقوق الإنسان والمواطن) الذي جاء نتاجا لتلك الثورة التي اقترنت كلمتا الحرية المساواة بها، كما عززت عام 1793 كلمات الدستور، القانون، حقوق الإنسان، المواطن، وغيرها من الكلمات التي أسهمت في التمسك بالثورة والدفاع عنها(( .
الفصل الثاني
ماهية وطبيعة حقوق الإنسان
تمهيد: جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من كانون أول عام 1948، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية للحقوق الثقافية والإجتماعية والإقتصادية لعام 1966، لتجسد جميعها المفهوم القائم لفكرة حقوق الإنسان وضرورة حمايتها. وتجدر الإشارة إلى أن الإتفاقية الأخيرة تتمتع بقوة إلزامية للدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة. أن فكرة حقوق الإنسان عالمية وشمولية حظيت بقبول معظم الدول والمنظمات والأنظمة التي تشكل النسيج العام للمجتمع الدولي( ). ولم تكن فكرة حقوق الإنسان مجرد فكرة مدنية وحضارية بل أصبحت تأخذ مناحي أخرى على الساحة السياسية الداخلية والخارجية للدول، وأصبحت الشغل الشاغل للدوائر السياسية العالمية وللإنتخابات المحلية التي تجرى في مختلف انحاء العالم ، وبالتالي فأن المحافظة عليها أو السعي لحمايتها وصونها تعد غاية في الأهمية وأساس لمعظم البرامج الإنتخابية للأحزاب السياسية على الاصعدة الاقليمية والمحلية. ونرى من الضروري ان يقسم هذا الفصل لمعالجة المحاور التالية: 1. ما هي حقوق الإنسان. 2. شمولية حقوق الإنسان 3. الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان 4. ما هي مسؤوليات وإلتزامات الإنسان 5. خصائص حقوق الإنسان 6. فئات الحقوق
ما هي حقوق الإنسان: أن أصطلاح الحقوق يعني "مجموعة من القواعد التي تخول حقوقا للفرد دون تقديم تنازلات من جانبه أو إذلال له. وبأختصار فإن هذا الإصطلاح يعني ايضا " حقوق وليس مجرد آمال. وهي حقوق وليست إحسانا أو حبا أو أخوة، إن كلمة حقوق تتضمن إعطاء الحق في .... فالإنسان له الحق في كل حقوقه....." (( . وتجدر الاشارة الى أن عصبة الأمم لم تعرف أي تنظيما واضحاً المعالم لحقوق الإنسان وحمايتها، بعني أن لم يكن هناك اطار عام يحدد ماهية هذه الحقوق وافئاتها وميزاتها وسبل حمايتها، بأستثناء النص المتعلق بضرورة معاملة اعضاء العصبة بصورة عادلة للشعوب التي تعيش في الأقاليم الخاضعة لسلطتهم وضرورة إحترام حقوق الشعوب التي تعيش في الأقاليم التي خضعت لنظام الإنتداب. وفي الوقت ذاته عملت إتفاقيات الصلح التي جاءت في أعقاب الحرب العالمية الأولى على تنظيم الحقوق الخاصة بشان الأقليات، الا أن فرة حقوق الانسان كما نلمسها اليوم لم تتبلور الا بميلاد هيئة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهود الدولية التي تم المصادقة عليها في عام 1966. ومن البديهات والمسلمات لدى علماء الاجتماع والانثروبوجي أن أهم ما يميز الانسان هو أنه كائن اجتماعي، لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن مجتمعه، وذلك لعجزه عن توفير احتياجاته الأساسية. ومن ثم فإن وجود الإنسان في المجتمع ينتج عنه معادلة ثابتة وهي العلاقة التي تربطه بغيره، ومن هذه الروابط الروابط الأسرية والإقتصادية والسياسية. ومما لا شك فيه أن هذه الروابط بحاجة إلى اساس ونظام واستقرار من خلال وضع ضوابط وقواعد تنظيم سلوك الأفراد وعلاقتهم ببعضهم البعض، ومن هنا برزت الحاجة ومنذ القدم لوجود قواعد قانونية تنظم علاقة الأفراد داخل المجتمع الواحد وبالتالي توفير نوع من التوازن في علاقاتهم الثنائية(( . ولا زالت حقوق الإنسان المحور الابرز في الفلسفات الوضعية والتشريعات الالهية، ولم يكون بعث الأنبياء والرسل، إلا لحفظ وصون الكرامة البشرية والارتقاء بالإنسان الى المستوى الذي اراده له الله عزوجل، وهو الحق مصدر الحقوق كافة، الا أن تلك الحقوق قد تجاذبتها الاهواء والمطامع التي ارتبطت بالنزعة البشرية وغريزة السيطرة... فأخذ القوى يأكل الضعيف بحكم القوة التي امتلكها أو يحاول امتلاكها على حساب الاخرين. أما فيما يتعلق بتاريخ ظهور اصطلاح " حقوق الإنسان" والمتعارف عليه اليوم للدلالة على " الحقوق الأساسية " في الحياة الكريمة للرجال والنساء من غير تميز، فأنها ظهرت حديثاً في أوروبا بعد الثورة الفرنسية وفي أواخر القرن الثامن عشر، وذلك باعلان الثورة لوثيقة حقوق الإنسان على لسان قادتها حينذاك .... والتي بموجبها تم إلغاء نظام الاقطاع الذي كان يسود حينذاك في أوروبا، بأستعباده لجميع العاملين في الأرض لحساب مالكــي الأرض(( . وتعتبر فكرة حقوق الإنسان مفهوماً جدلياً حظي بأهمية فائقة لتحديد طبيعة الروابط التي تربط بين مفهومي الحرية والحقوق(( ، ومما لا شك فيه أن الحرية البشرية ينبثق بشكل مباشر عن مفهوم "الكرامة البشرية"، ذلك المفهوم المبهم الذي لا يزال يكتنفه القصور في التفسير ويلفه الغموض والخلط. ويرى الاستاذ محمد الهويمل أن التفسيرات المألوفة للحرية تقوم على فكرة الوجود الحر وغير المقيد، خاصة وأن الفرد لا يجبر على التصرف بطريقة محددة، وبهذا المعنى، فإن الفرد يتحدث عن الحرية وفق توجيهات خارجية على سلوك شخص ما، والذي يسمح لشخص ما للبقاء سلبيا أو التصرف كرد فعل على الارادة الذاتية. وفي واقع الأمر، توجد عدة خصائص للاختيار في قياس الحرية(( . ويتفق الباحث هنا مع رأي الاستاذ الهويمل بأن مفهوم الحرية المطلقة اضحى محل انتقاد، وهو امر صعب التصور وذلك لحساسية الموقف ولتعلقه بالمفهوم العام للكرامة البشرية، التي تعني أن تداخل الحريات والحقوق، وتغول بعضها على الآخر يعني في نهاية المطاف تغليب احدها على الاخر، وهذا الامر لا يمكن القبول به في وسط عالم ينادي بصون كرامة الإنسان وادميته من أي اعتداء. ومن المعلوم أن حقوق الإنسان في اطارها العام متعددة ومتنوعة وتقع ضمن بوتقة من الأصول والفروع، حيث تنقسم الحقوق إلى حقوق فردية، سياسية وثقافية، اجتماعية واقتصادية واخرى مدنية، وتشتمل على مضامين متفاوتة بالمقارنة مع الحقوق الطبيعية. اما الحقوق الطبيعية النمطية فهي مدينة وسياسية، وتشمل الحق في الحياة، والحق في الحرية، وتولي المناصب العامة، والتملك. وبشكل عام تتسع حقوق الإنسان النمطية لتشمل الشؤون الإقتصادية – الإجتماعية، مثل الحق في التعليم، والعمل والحصول على حصة كافية من الغذاء والسكن، والتمتع بالأمن الإجتماعي(( . وعادة يكون هناك تداخل ما بين فكرة حقوق الانسان وما يسمي بالاحتياجات الاساسية لكينونة الانسان والتي صنفتها الامم المتحدة ومعظم الدراسات القانونية الى الحق في: المسكن، التعليم،الرعاية الصحية، بناء الاسرة...الخ. وأهم ما يميز حقوق الإنسان أنها مفهوم نسبي، تختلف النظرة اليه باختلاف الثقافات والإديان والعادات وفلسفات الشعوب. كما أن اقسام العالم على ذاته ذاته يساعد على تكريس نسبية حقوق الانسان، حيث ينقسم العالم الى راسمالي الغربي، وأشتراكي وثالث نامي. وكل نظام من هذه الانظمة يتميز بمفهومه الخاص للحقوق والحريات، وهو ما يفسر احجام العديد من الدول الأفريقية على سبيل المثال من التوقيع والمصادقة على العديد من المواثيق والعهود الدولية في حقوق الإنسان، كما أن تعدد واختلاف الأنظمة السياسية العالمية تنظر إلى مفهوم حقوق الإنسان بشكل متفاوت ومختلف. ولم تبق حقوق الإنسان مجرد فكرة، بل اضحت نظرية واسعة التطبيق لا يمكن تصور وجود للحرية والعدالة والسلام من دونها. ونكرر هنا بأن صون الكرامة البشرية يعد المحور الأساس الذي تقوم عليه النظرية العامو لحقوق الانسان، وتهدف فلسفة هذه الحقوق وحمايتها في نهاية المطاف إلى تحقيق اهداف وغايات سامية تتمثل في إحقاق الحرية والمساواة، واحترام حياة الإنسان وكرامته. وعلى وجه العموم، فأن الحق كأصطلاح يعرف على أنه (تغيير مضاد ذو علاقة متبادلة مع تغيير الواجب) (( أي ما يمكن اعتباره حقا للشخص ما يشكل واجبا على الشخص الآخر. ووفقا لما تقدم فإنه يمكن تعريف حقوق الإنسان على انها "المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها، أن يعيشوا بكرامة كبشر"(( . وحقوق الإنسان هي ضمانات عالمية تحمي الأفراد والجماعات من الإجراءات الحكومية التي تمس الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية. ويتميز قانون حقوق الإنسان بتركيزه على الفرد بأعتباره محلا للحماية القانونية وموضع للضمانة الدولية، وحقوق الانسان هي حقوق لا يمكن التنازل عنها او انتزاعها، متساوية ومترابطة، وعالمية(( . ويشير مصطلح حقوق الإنسان إلى الحقوق الواجب التمتع بها من قبل كافة البشر لكونهم (آدميين)، فهذه الحقوق ليست منحة من أحد، ولا يؤذن فيها من الدول، وهذه الأخيرة لا تمنحها ولا تمنعها. وعلى الرغم من اختلاف الدول والانظمة القانونية ازاء تطبيقات حقوق الانسان والاجراءات الواجب اتخاذها لحمايتها، الا أن الحقوق المرصودة والمقررة للإنسان تعد استحقاقات لا لبس ولا غموض حولها في القانون الدولي. فعلي سبيل المثال فإن حق الإنسان في المحاكمة العادلة ما هو الا استحقاق معترف به في ظل (قانون الشرائع العامة) (Common Law) و (القانون المدني) (Civil Law) والقانون الروماني (Law Roman). أي أن كل دولة مطالبة بأن تكيف أنظمتها القانونية بحيث تستوعب، تعكس، وتطبق، وتحترم مواد القانون الدولي الخاصة الإنسان(( . حياة الأمن والطمأنينة هي ضمانة الحقوق الإنسانية فالأمن حق في الحياة المعقولة حيث يرتهن أمن الفرد بامن الجماعة، ويعتمد التمتع الخاص بالحق على التمتع العام به والعكس صحيح أيضا. فالحرية والأمان ينتميان إلى مصدر واحد... والسلطات الحرة أكثر أمنا من السلطات غير الحرة(( . ويعرف الاستاذ جمال عبد اللطيف الرفاعي في مؤلفة منظومة حقوق الإنسان: بأن حقوق الانسان هي مجموعة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نصت على حقوق الإنسان الثابتة والغير قابلة للتصرف. ونرى بوضوح أن الصاق صفة الثبات على هذه الحقوق تكون سارية في أوقات الحرب والنزاعات المسلحة بإستثناء ما تقتضيه ضرورة الاوضاع في حدود نص المادة الرابعة من العهد الدولي. ويعتبر التطبيق الدولي لهذه القواعد من عدمها مؤشراً على طبيعة النظام في الدولة، والذي على اساسه يتم تقسيم الدول الى ديموقراطية وتحترم كرامة مواطنيها وآخرى دكتاتورية، والانظمة الدكتاتورية سواء في دول العالم النامي او المتقدم تنكر على الشعوب حقها في سيادتها الوطنية وتقرير مصيرها. وعلى الرغم من ان أحد الأسباب الأساسية الكامنة وراء صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان كانت الانتهاكات النازية الألمانية أبان الحرب العالمية الثانية وجرائمهم البشعة ضد اسرى الحرب، ومعاملتهم كأنهم حيوانات تجارب، الا أن هذه الانتهاكات على بشاعتها لا تختلف كثيراً عن انتهاكات المعاصرة على يد سلطات الدول المتمدنة. وهذا يتطلب حتما إصدار قرارات جديدة تلائم درجة الانتهاكات والأرهاب الدولي الذي يعيشه الأفراد في ظل السياسات العالمية الجديدة(( . ويحتوي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على قواعد اساسية اقرتها جميع الدول الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة مثل تقرر المصير للشعوب وتحريم إبادة الجنس البشري والأتجار بالرقيق، وهو ما يجعل من هذه الوثيقة اساساً دوليا لا يجوز الاتفاق على خلافه. ومما يلاحظ أن الجرائم التي ترتكب ضد حقوق الانسان اصبحت جرائم دولية لا تخضع لقاعدة التقادم، ولا تعفي مرتبيها من المحاكمة والعقاب تبع لتمتعهم بحصانات معينة. وهذا النوع من الجرائم يمس المجتمع الإنساني كله لذلك هناك تشدد دولي ازاء محاكمة ومعاقبة مرتبيه وذلك كضمانة لعدم تكرر الويلات التي شهدتها البشرية اثناء الحرب العالمية الاولي والثاني، وخير مثال على ذلك تشكيل محاكم لمجرمي الحرب في ليبزج، وطوكيو، ونورمبرج، ويوغسلافيا السابقة وروندا وسيراليون. ونرى أن قانون حقوق الإنسان يسمو على القوانين الاخري، ومن ثم اضحي من حق الفرد في جميع دول العالم اذا لم يحصل على حقوقه وينصف من قبل المؤسسات القضائية الوطنية او المحلية أن يلجاء الى القضاء الدولي وهو سلاح عملي وفعال وان كانت فعاليته تتفاوت من منظمة لاخرى(( . السلطة دائرة تشمل في بوتقتها الجميع، وتتعدد اشكالها ومسمياتها، فمثلا سلطة صاحب العمل والزوج والشريك والملك الذي يخضع لسلطة المجتمع الدولي وقوتنينه ومواثيقه(( . وفي هذا الصدد يميز الاستاذ نجيب النعيمي بين السلطة على المستوى الدولي والتي تهدف إلى تنظيم الحياة العامة للمصالح المشتركة والسلطة غير المنظمة حيث أن " الدولة بطبيعتها تقهر المواطن ولكن علينا أن نفرق بين القهر من اجل التنظيم كمثل الوقود عند الإشارة الحمراء، والقهر الذي يمس كرامة الإنسان ولا علاقة له بالتنظيم(( . أخيرا، نخلص مما تقدم أن حقوق الإنسان هي مجموعة من الحقوق متصلة بتصور معين للإنسان يقوم في جوهره على الحرية(( ، وتلعب السلطة في الدولة بلعب دور هام في تحديد الاطار العام للحرية والمجالات التي يمكن للانسان يمارس حقوقه خلالها، فهناك العديد من القوانين والانظمة واللوائح التي تحاول من قريب او بعيد المس بحرية الانسان، وفي جميع الاحوال فأن السلطة ملزمة بأن تقوم بدفع التعويض اللازم في حال انتهاكها لاي من الحقوق الاساسية للانسان في حال ما اذا تم ذلك بسبب سوء استخدام رجال السلطات العامة في الدولة لصلاحياتهم وبشكل يتنفي مع الحدود التي اوضحتها المواثيق العالمية بضرور أحترام حقوق الانسان وادميته، وبالتالي يكون لزاما على الدولة إعادة تأهيليهم وتجريم المنتهكين ومعاقبتهم(( . وبشكل عام فأن حقوق الإنسان هي حقوق متأصلة في طبيعتها ولا يمكن للفرد أن يعيش حياة كريمة بغيابها او الانتقاص منها، وهذا الحقوق تكفل للانسان كافة إمكانات التنمية والإستثمار والتقدم اضافة الى الحياة الكريمة التي تنسجم مع طبيعة الانسان.
2. شمولية حقوق الإنسان: لا يوجد تعريف ثابت وشامل لمفهوم حقوق الإنسان وذلك لاختلاف الثقافات والشعوب، والأنظمة الاقتصادية والسياسية في تعريفها للإنسان ذاته. ويختلف تعريف الإنسان وفقا لايدلوجيات كل نظام على حده فهو في النظام الرأسمالي يختلف عنه في النظام الاشتراكي أو حتى في ابجديات ومفاهيم العالم الثالث. وهناك في العالم الثالث من لا يتوانى في انتقاد الطابع الغربي لحقوق الإنسان ومثال ذلك ما صيغ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 والصادر عن الأمم المتحدة وكذلك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان 1950 والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان 1969 باعتبار أن جميع تلك الصيغ تصدر عن ثوابت الثقافة الأوروبية وتعكس خصوصية هذه الثقافة، وهي ثوابت وخصوصية تختلف عن ثوابت وخصوصيات ثقافات الشعوب الأخرى(( . ويتفق الباحث مع رأي الأستاذ محمد البجاوي الذي يقول "بأن تصور حقوق الإنسان والتمتع بها وممارستها لا يمكن أن تكون على الوتيرة نفسها في جميع أنحاء العالم، فحقوق الإنسان متأثرة بعوامل عديدة ذات طابع تاريخي وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي(( ". ومع ذلك نرى أن اختلاف الثقافات والمفاهيم لا ينفي على حقوق النسان صفة الشمولية والعالمية، ومن ثم ضرورة اتخاذ كافة الوسائل والأليات التي من شأنها أن تساهم في إنتشار نظرية حقوق الإنسان في كافة المجتمعات على اختلاف شعوبها وقاراتها، والعمل على ضرورة توفير سبل الحماية والدعم للعاملين على تنفيذ القوانين الخاصة بتطبيقها، بعيدا عن سياسات الأضطهاد والقهر التي أصبحت لغة العصر، وبعيدا عن جعل فكرة حماية الإنسان وحقوقه عباءة للاحتلال والاستعمار. وفي اطار تكريس مبادئ حقوق الانسان، أكد الإعلان العالمي على عدد من المبادئ أهمها مبدأ المشاركة السياسية والحريات، وكذلك حقوق الأفراد والجماعات، وهو ما يؤكد على شمولية حقوق الانسان وعالميتها، وبالتالي لابد من تعزيز الالتزام بالشمولية العالمية لحقوق الإنسان. ويري القاضي الدكتور محمد الطراونه أن مفهوم شمولية وعالمية حقوق الإنسان يعني " أن يكون لكل رجل وامرأة وطفل في كل أنحاء العالم حقا متساويا في التمتع بحقوق الإنسان الأساسية بدون أي تميز بسبب الدين أو العرق أو الرأي أو الجنس أو اللون أو أية صفة مميزة أخرى" (( . ويقول الطراونة أن أهم ما يميز هذا المفهوم هو أنه " يقوم على أساس الإعتراف بالقيمة والكرامة المتساوية لكل الأفراد، وهو مفهوم تؤمن به جميع الأديان العالمية"(( . وفي الاطار ذاته، فأن الحديث عن موضوع عالمية وشمولية فكرة حقوق الانسان يحتم علينا القول بأن الخلافات العقائدية التي كانت قائمة ابان الحرب الباردة قد أستبدلت بإنقسامات جديدة، مثال ذلك، الانتقائية في تطبيق قوانين حقوق الانسان واتباع سياسات الكيل بمكيالين تجاه التعامل مع قضايا حقوق الانسان والانتهاكات الموجهة لها في انحاء متفرقة من هذا العالم. وعلى سبيل المثال فأن الغرب لا يتعامل بنزاهة مع قضايا انتهاكات حقوق الانسان المسلم في البوسنة والهرسك، وفي جنوب تايلاند وكشمير والفلبين او حتى في افغانستان والعراق والشيشان والاراضي الفلسطينية المحتلة. هذه النزعة التميزية تهدد حقا مبدأ شمولية قوانين حقوق الانسان والتي تقوم على فكرة التعامل مع جميع البشر بالتساوي وبدون الالتفات الى اسس اخري تتعلق بالدين او اللغة اوالعرق. ومن ثم فأن انتفاء الموضوعية من قبل العالم الغربي في التعامل مع قضايا حقوق الانسان يبرهن على فشل الغرب في توفير دعائم مبدأ شمولية وعالمية حقوق الانسان(( . وتجدر الاشارة الى أن هناك العديد من العقبات التي تواجه مفهوم عالمية حقوق الإنسان، ومن أهـم هذه العقبات(( : 1. العقبات الفكرية: وتنقسم هذه العقبات إلى عقبات أيدلوجية وأخرى حضارية وعلى النحو التالي. أ. العقبات الإيدلوجية: وترجع هذه العقبة نتيجة إلى إنقسام العالم على ذاته بين رسمالي، وإشتراكي وعالم نامي، وعلى سبيل المثال يوجد إنفصال بين الحريات الشكلية والحقيقية في الدساتير الإشتراكية، بينما يؤمن العالم الغربي الرأسمالي بحقوق الفرد السيد، ولا زالت الدول النامية تعزف على وتر حق تقرير المصير. ب. العقبات الحضارية: أن أهم ما يواجه مفهوم عالمية حقوق الإنسان، هو أنه جاء بطابع غربي صرف، فمعظم الدول التي وقعت على الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 كانت من الدول الغربية، ولم تمثل القارة السوداء سوى بـ 3 دول هي مصر وأثيوبيا وليبريا، وهو ما يعكس عدم وجود اى تأثير للثقافات الافريقية او حتى الشرقية على صياغة المفهوم العام لعالميـة حقوق الإنسان، وهذا على العكس من العهدين الدوليين اللذان تم إقرارهما في عام 1966. وبناءاً على ما سبق، فقد تاثر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالمفاهيم والثقافات والتقاليد الغربية، أكثر من تأثره بمفاهيم الشعوب الشرقية، وهذا ما تكشف عنه مواد ونصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث لا وجود للفلسفات والقيم الدينية والأخلاقية الشرقية. ولهذا كان الخلاف حول فلسفة الإعلان ازاء التعامل مع قضايا المرأة واقرار مبادئ المساواة بين الجنسين لا تتفق والفكر الفلسفي والثقافي الشرقي، ويظهر هذا جليا من خلال التمعن في معارضة مفهوم المساواة في الإعلان بين الرجل والمرأة مع أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث. 2. العقبات المادية: وتنقسم العقبات المادية إلى عقبات إقتصادية وتقنية على النحو التالي: أ. العقبات الإقتصادية أن أهم المشاكل التي تواجه العالم النامي هي مشاكل الفقر والعوز، إذ يكاد من الصعب في معظم الأحيان تلبية الإحتياجات الأساسية للإنسان، من غذاء ودواء وتوفير التعليم والرعاية الصحية اللازمة، كما أن الحق في التطور التنموي تعد من أهم مسائل حقوق الإنسان التي ترمي بظلالها على العالم الثالث، هذه الهوة بين العالم المتحضر المتقدم صناعيا والعالم الثالث النامي من أهم المشاكل التي أدت إلى عدم مصادقة بعض الدول المنتمية الى الأخير على إتفاقيات حقوق الإنسان المتعاقبة، وهو ما أدى بدوره إلى بروز عقبات تقنية أمام عالمية حقوق الإنسان.
ب. العقبات التقنية: أن عدم قبول دول العالم بالإتفاقيات العالمية لحقوق الإنسان يؤثر سلبا على فعاليتها، وبالتالي أمتناع العديد من الدول بالقبول بأليات الرقابة على مدى تنفيذها لإلتزاماتها في مجال حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، يقول الدكتور قادري عبد العزيز أن 35 من الدول الأفريقية فقط صادقت على العهد المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، بينما 20 منها فقط قبلت حق الأفراد في اللجوء إلى لجنة حقوق الإنسان التي أنشئت بموجب البروتوكول الأختياري و7 دول قبلت بالشكاوي المقدمة من طرف الدول وهو ما تنص عليه المادة 41.
3. الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان: من خلال الدراسة التحليلية لنصوص ومواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نجد روح هذا الاعلان جاءت لتجسد قيم ومفاهيم عاليمة كانت سائدة في معظم الاديان والحضارات السابقة. وعلى سبيل المثال نرى أن روح المادة الأولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان مستمدة من مقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا". كانت كرامة الانسان محور الحياة منذ بدء الخليقة، وكما نعتقد نحن المسلمون أن الله بعد أن أتم خلق أدم عليه السلام امر جميع الملائكة أن تسجد له، الا أن ابليس رفض السجود ومن ثم حلت لعنة الله عليه، أن رفض أبليس للسجود الى انما كان من باب الانكار لكرامته، وأن احلال لعنة الله عليه انما هي اقرار بهذه الكرامة. ومن خلال ذلك نرى أن موضوع الكرامة الانسانية احتل اهمية كبيرة في السماء والارض وما كان ارسال الانبياء والرسل الى بني البشر الا اعترافاً ربانيا بكرامتهم وتميزهم عن سائر المخلوقات التي خلقها الله عزوجل. ومن ثم فأن الكرامة الإنسانية من أعز وأنبل القيم التي حفظها الله عز وجل لبني البشر، وميزهم بها عن المخلوقات الأخرى(( . إن مفهوم الكرامة قديم قدم الفلسفة اليونانية، وله صياغات خاصة في الأديان، ولكنه جديد من حيث كونيته، ومن حيث اعتبار الكرامة صفة تتوافر في كل الناس، لا نثبتها بل تقررها. هذه الصياغة الكونية الجديدة تعني أن لكل ذات بشرية قيمة في حد ذاتها، وبغض النظر عن المحددات الإجتماعية والدينية والعرقية. ومن المتفق عليه أن كرامة الإنسان التي هي الأساس في الحرب والعدل والسلام لن تصان وتحفظ إلا بوعي الأفراد والجماعات لمفهوم الكرامة الإنسانية، فالإحترام للاخر بغض النظر عن الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو النسب أو الثروة كان تحديا صارخا للمجتمعات التي تسودها العنصرية التي تنظر للإنسان بصورة مجردة من أي حس او كرامة. وتنص المادة الأولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان إلى أن "جميع الناس يولودون احراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل الوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الاخاء"(( . تعتبر حماية الإنسان في كرامته وأدميته المحور الاساس لرسالة حقوق الانسان، وساهمت معايير حقوق الإنسان في إعطاء مضمون للقيم التي استخدمتها البشرية لحقب زمنية ممعنة في القدم. وفي هذا الصدد يقول المفكر العربي زكي محمود(( " وإلا فقل لي متى كان العصر الذي ينكره للفضيلة بمعناه العام، أو (للعدالة) أو (الحرية) أو (لكرامة الإنسان) أو غير ذلك من المعاني ......؟ فهذه ألفاظ تبقى ولا تزول، تجيء حضارة وتذهب حضارة وتجئ عقيدة وتذهب عقيدة، لكن تبقى ألفاظ الفضيلة أو (العدالة) و (الكرامة) الخ، مرفوعة الأعلام، فما الذي يتغير بحيث نقول، ذهبت ثقافة وجاءت ثقافة، الذي يتغير هو المضمون الذي نعنيه، فقد تعني العدالة في عصر فكري معين أن يقتص المظلوم من ظالمه متى أستطاع ذلك بشخصه ثم يتغير العصر فتصبح العدالة أن يقف بين الطرفين قاضي محايد، وهكذا في سائر المعاني". تعرضت كرامة الإنسان كمفهوم عالمي للتشويه والتفسير المغلوط، فكرامة الإنسان مرتبطة بإحترام إحتياجاته النابعة من طبيعته البشرية. وبالتالي نرى أن أي انتهاك أو مساس بأي حق من حقوق الإنسان الأساسية التي يتمتع بها الفرد بوصفه إنسان يعتبر إنتهاكا صارخا لكرامته. وبهذا فإن الكرامة الإنسانية "مرتبطة بالتحرر من الخوف ومن الحاجة، ولذلك فإن من القضايا الأساسية في التربية على حقوق الإنسان هو توضيح مبادءها ومصطلحاتها من خلال إستخدام التفسير والأمثلة المرتبطة بالحياة اليومية، بدلا من الإستمرار في إستخدام كلمات نكتشف أن الكثير من العامة لا يفهمون معناها ويستخدمونها لأنها جرت العادة على استخدامها(( . إن حقوق الإنسان هي مبادئ في شكل صيغ، تعبر عن حاجات بشرية تلتف جميعها حول موضوع الكرامة الإنسانية(( ، والكرامة قاعدة أخلاقية وفلسفية لحقوق الإنسان الأساسية، نص عليها الفصل الأول من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 دون ذكر مباشر لحرفية العبارة: "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء"(( . يعتبر مفهوم الكرامة الإنسانية احد المنطلقات الإنسانية والتي تشمل ايضا: وحدة الجنس البشري، القيم الخلقية، جلب المصالح ودرء المفاسد، والتعارف والتواصل والتعاون على الحق ونفع البشرية(( . كما ويعني مفهوم الكرامة الانسانية على وجه التحديد: " أن من حق كل شخص أن يعامل في علاقاته بالأشخاص الآخرين أو بالدولة على أساس أنه غاية لا وسيلة، وعلى أنه اغلى من كل شيء وأن له قيمة قصوى(( ". ويرى الاستاذ محمد تقي الجعفري أن مفهوم الكرامة الأنسانية يعني "عبارة عن امتلاك الإنسان للشرف والعزة والتوفير والحيثية التقويمية" ويقسم الجعفري الكرامة الإنسانية البشرية إلى عدة أصناف وعلى النحو التالي: (( - الكرامة الطبيعية الإنسانية: وهي تلك التي متع الله تعالى الإنسان بها دون استثناء، حيث يقول الله عز وجل في القران الكريم "ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا(( . - الكرامة الإنسانية الإلهية: وهي عبارة عن ذلك الشرف والحيثية التقويمية التي يتم الحصول عليها بالسعي الاختياري في مسير التزكية النفسية وتحصيل المعرفة وإدراك الوجود والتقرب إلى الله، حيث أن معرفة الكرامة الإنسانية أواحترامها يشكل إحدى المقدمات الضرورية لذلك. إنها تلك الكرامة العظمى التي عينها الله سبحانه فقال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم"(( . ويعتقد سقراط أن الكرامة الحقيقية للنفس إنما تنبثق من العلم الذي هو ميراثها الحق، لأنه، وفق مفهومه، بات يجب على الروح، التي تخلت عن محاولة فهم الكون، الهبوط إلى اعماق نفسها، كي تستنبط الحقائق الأساسية الكامنة في تلك الأعماق على شكل حالات بالقوة الأمر الذي يجعل النفس قادرة على الإحاطة بالمعرفة، بدون أن تقع أسيرة للأشياء الخارجية(( .
4. ما هي مسؤوليات وإلتزامات الإنسان: يقع واجب حماية وأحترام حقوق الإنسان في المقام الأول على عاتق الحكومات والدول، التي تتمتع بمقادير السلطة والسيادة على الأفراد الذين يعانون من سيطرة الدولة عليهم، ولهذا السبب فإن الدول تعتبر المتهم الأول في التقصير تجاه البشر، وأساءة استخدام السلطة والتأثير السلبي على حقوق الإنسان من قبل أجهزة السلطات العامة المختلفة في الدولة، وعليه فإن الدساتير والمواثيق الدولية تخاطب عادة الدول والحكومات على وجه الخصوص؛ ولا تعفيها من المسؤولية من محاسبة المعتدي على حقوق الأخرين من أفراد السلطة. ومع ذلك، فإن الواقع العملي يضعها أمام حقيقة مفادها أن الدولة ليست وحدها في الساحة، حيث تقع على الأفراد مهمة المساهمة في مساعدة الدولة على تطبيق قانون حقوق الإنسان، ومن ثم تشجيعها على حماية حقوق الإنسان، فالأفراد يعتبروا شريكا أساسيا للدول في أحترام حقوق الإنسان، ونجد ذلك بشكل واضح وجلي في ديباحة العهدين الدوليين الذي يتكون من خمس فقرات، أربعة منها مخصصة للدول والحكومات وواحدة للأفراد ملقية عليهم واجبات إزاء الأفراد والجماعات الاخرى(( . وبناءا على ما تقدم، فإن الفرد يتلقى من الشرعية الدولية حقوقا أساسية بإعتباره إنسانا، ويتلقى منها واجبات تلقي عليه بهذه الصفة الإنسانية وبروحها التي تملي عليه أحترام حقوق وحريات الأخرين كما وردت في الشرعية الدولية (( . ومما تجدر الإشارة إليه إلى أن حقوق الإنسان وواجباته والتزاماته تختلف أيضا من وقت إلى أخر بحكم التطور الاجتماعي وأن معرفتها والالتزام بها أيضا يختلف من وقت إلى أخر ومن مجتمع إلى آخر، أي كلما توجه المجتمع نحو التقدم والتحضر كلما زدادت أهمية هذه الحقوق وهذه الالتزامات، فالإنسان عندما يولد، فإنه يكسب مع ولادته مجموعة من الحقوق دون الالتزامات تتمثل في الحق في الحياة والحق في النمو الطبيعي والحق في توفير وسائل الراحة والصحة والسلامة والحق في توفيير المأكل والملبس وغيرها من الحقوق التي تحافظ على انسانيته، وبعد بلوغه سن السادسة أو السابعة من العمر فإنه في هذه المرحلة يتمتع بحقوق اخرى اضافة إلى بعض الالتزامات التي تتناسب مع قدراته الذهنية ووضعه الاجتماعي والقانوني، ومن هذه الحقوق الحق: في التعلم وفي العيش في جو ملائم أو اسرة ملائمة وفي العيش بمستوى معيشي مناسب، وغيرها من الحقوق. أما الالتزامات في هذه المرحلة فتتمثل في مسائل اجتماعية اكثر منها قانونية لكونه لم يبلغ السن القانوني بعد، وتتمثل هذه الالتزامات في مسائل اخلاقية وادبية(( . ومع بلوغ الإنسان السن القانوني يصبح انسانا كاملا ناضجا له كامل الحقوق وعليه كامل الالتزامات ويصبح عنصرا مؤثرا في المجتمع سلبا كان أم إيجابا، ولاجل ذلك يجب أن يتمتع بجملة من الحقوق الطبيعية والإنسانية والمتفق عليها لدى أغلب المجتمعات في الوقت الحاضر. وكما ذكرنا سابقا فإن هذه الحقوق تطورت وتوسعت نتيجة لتقدم المجتمع نحو التحضر والتمدن أي اصبح مقدار ما يتمتع به الإنسان من حقوق في أي مجتمع مقياسا لمدى تقدم ذلك المجتمع(( . ويلاحظ في الوقت الحاضر أن اغلب دساتير الدول وتشريعاتها الداخلية تحدد السن القانوني الذي بموجبه يصبح الإنسان مسؤولا وتترتب له حقوق وعليه واجبات ويكون ملزما القيام بها. كما أن جميع الاعلانات والمواثيق الدولية المختصة بحقوق الإنسان تنص على هذه الحقوق، منها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسة الصادر عام 1966 وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادر في العام نفسه وغيرها(( . وتعود الجذور الاولي لمسؤولية البشر ونظرية المسائلة إلى الشرائع السماوية وفي مقدمتها الدين الإسلامي الحنيف الذي أقر بمبدأ المسؤولية الفردية للإنسان عن الخطاء أو الاثام التي يرتكبها في حياته اليومية اثناء وجوده في هذه الحياة، ومخالفته للتعاليــم الربانيـة(( . وعلى العموم فإن الظهور الفلسفي لحقوق الإنسان يستند إلى أربعة نظريات تاريخية(:(
1.نظرية القانون الطبيعي: وهي تقول بأن القانون المستمد منه حقوق الإنسان هو قانون الطبيعية، حيث أن الفرد هو اسمي من الدولة والأفراد بطبيعتهم أحرار ومتساويين، فالطبيعة قانون أسمي من القانون الوضعي لانها أرادة إلهية عامة وشاملة. 2. نظرية العقد الإجتماعي: وتنطلق من مبدأ أن مطلق الحرية والإرادة لا تخضع لقانون أو نظام أو أي سلطة من السلطات، إنما تخضع لقانون الغاب، ولأن الإنسان أراد تخليص نفسه من هذه الشرور البدائية. 3. نظرية المصلحة العليا للمجتمع: فمصلحة الأفراد لا تتعارض مع مصالح المجتمع العليا لأن هذه المصلحة تمثل مجموع الأفراد وأن افضل وسيلة لتحقيق المصلحة العليا للمجتمع هي إطلاق حرية الأفراد وحماية حقوقهم ووضع الضمانات الكفيلة لتحقيق ذلك. 4. نظرية التضامن الإجتماعي: وهي تنظر إلى الإنسان على أنه كائن لا يستطيع أن يعيش إلا في جماعة ورابطة التضامن تفرض على كل فرد أن يمتنع عن كل ما يخل بها، وتوجب عليه أن يدعمها ويقويها والحقوق يتلقاها بوصفه انسان ضمن الجماعة.
5. خصائص حقوق الإنسان: كثيرا ما ينظر إلى حقوق الإنسان على أنها قيم ومبادئ حديثة، بالنظر إلى الاهتمام الفائق بالدعوة لها والمطالبة بها في الآونة الأخيرة. وحقيقة القول أن حقوق الإنسان والمبادئ المستمدة منها هي قديمة قدم التاريخ ومستمدة من كل الأديان السماوية والموروث الإنساني برمته، وبإيجاز بسيط فأنها تشكل القاسم المشترك بين المجتمعات والحضارات المختلفة في العالم. وحقوق الإنسان تثبت للبشر لمجرد الصفة الادمية وهي لصيقة بالانسان لانها من الحقوق الطبيعية الثابتة للإنسان قبل وجوده مهما كان اصله أو دينه أو قوميته او عشيرته او لونه أو معتقده الفكري وسواء أكان الشخص وطنيا أو اجنبيا(( وارغمت انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الدول الاستبدادية على إنشاء محكمة جنائي دولية خاصة I.C.C لمحاكمة المجرمين الدوليين الذين غالبا ما يفلتوا من العقاب والعدالة الدولية، وقد تم الاتفاق بين العديد من الدول في روما في شهر تموز 1998 على تأسيس هذه المحكمة التي صادقت على انشائها الدول وصارت جاهزة لممارسة نشاطاتها اعتبارا من ايلول 2003، لأن ظاهرة افلات المجرمين من العقاب ادت إلى ازدياد انتهاكات حقوق البشر في العالم(( ونورد فيما يلي وبايجاز أهم الخصائص التي تتمتع بها حقوق الإنسان: 1. أنها حقوق لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث، فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر، وهي متأصلة في كل فرد. 2. إنها واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر او الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، حيث ولد البشر أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهذا ما يبرهن على عالمية حقوق الإنسان. 3. حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها؛ فليس من حق أحد أن يحرم شخصا أخر من حقوقه حتى لو لم تعترف بها قوانين بلده، أو عندما تنتهكها تلك القوانين. 4. حقوق الإنسان ثابتة "وغير قابلة للتصرف"، فلا يمكن بأي حال من الاحوال الانتقاص منها، فإن أحدا لا يملك الحق في حرمان شخص آخر منها مهما كانت الأسباب، وحتى لو كانت القوانين في بلد ما لا تعترف بذلك أو أن بلد ما يقوم بانتهاكاها، فإن ذلك لا يفقدها قيمتها ولا ينكر تأصلها في البشر. إن انتهاك الحقوق لا يعني عدم وجودها فهي غير قابلة للتصرف. 5. إن حقوق الإنسان في حالة تطور مستمر، وكما أنها مرتبطة بالإنسان بصفته إنسانا، فإن حاجة الإنسان وارتفاع مستواه المادي والروحي في حالة تطور مستمر يستوجب معه تطوير الحقوق والواجبات وبذلك يصار إلى تصنيف حقوق آخرى. 6. من أجل أن يعيش جميع الناس بكرامة، فإنه يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن، وبمستويات معيشية لائقة وحقوق الإنسان "غير قابلة للتجزؤ.
7. فئات الحقوق: ويمكن تصنيف الحقوق إلى ثلاث فئات: - الحقوق المدنية والسياسية (وتسمى أيضا "الجيل الأول من الحقوق)، وهي مرتبطة بالحريات، وتشمل الحقوق التالية: الحق في الحياة والحرية والأمن؛ وعدم التعرض للتعذيب والتحرر من العبودية؛ والمشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير والتفكير والضمير والدين؛ وحرية الاشتراك في الجمعيات والتجمع. - الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (وتسمى أيضا "الجيل الثاني من الحقوق")، وهي مرتبطة بالأمن وتشمل: العمل والتعليم والمستوى اللائق للمعيشة؛ والمأكل والمأوى والرعاية الصحية. - الحقوق البيئية والثقافية والتنموية (وتسمى أيضا "الجيل الثالث من الحقوق") وتشمل حق العيش في بيئة نظيفة ومصونة من التدمير؛ والحق في التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية. - وعندما نقول إن لكل شخص حقوقا إنسانية، فإننا نقول، كذلك، إن على كل شخص مسؤوليات نحو احترام الحقوق الإنسانية للآخرين. وفي السياق ذاته يقسم فقهاء القانون الإسلامي الحقوق إلى أقسام مختلفة وعلى النحو التالي(( : أ. التقسيم الثنائي: إلى الحقوق المادية والمعنوية فالمادية هي الحقوق المتعلقة بالحاجات المادية كحرية الملكية والعمل والسكن... والمعنوية هي المتعلقة بالفكر الإنساني كحرة العقيدة والرأي. ب. التقسيم الثلاثي: إلى الشخصية والفكرية والإقتصادية، والشخصية كحرية التنقل والمسكن والفكر وحرية الرأي والعقيدة والتعلم، والإقتصادية كحق التملك والتجارة والصناعة. ج. التقسيم الرباعي: إلى حقوق سياسية ومدنية، واقتصادية، وثقافية. د. التقسيم الخماسي: إلى الحرية الشخصية والجسدية كحق الأمان من العبودية والقهر والى حق الأمن والحرية الفردية، وإلى حرية جسدية وضمانات الحماية من التعذيب والإغتصاب ونحوها وإلى الحريات الثقافية والمعنوية. ويرى الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي وأخرون بأن هذه التقسيمات اكثر اقسامها متداخلة مع أن القسم يجب أن يكون مباينا لقسمه والتباين يتعارض مع التداخل، إضافة إلى أنها غير مبنية على معايير موضوعية ثابتة وإنما هي تقسيمات مبنية على الإستقرار الناقص وهذا غير مقبول منطقيا. ((
#رائد_سليمان_الفقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|