أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مسعود آذربيجاني - علم نفس الدين قراءة تحليلية في تنظيرات فرويد ويونغ















المزيد.....



علم نفس الدين قراءة تحليلية في تنظيرات فرويد ويونغ


مسعود آذربيجاني

الحوار المتمدن-العدد: 7238 - 2022 / 5 / 4 - 22:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تضم هذه المقالة رؤية إجمالية إلى تاريخ علم نفس الدين، وتعريفه ومكانته. ثم تمضي إلى بسط رؤية كل من فرويد ويونغ للدين، لتدرس هذه الرؤية دراسة نقدية. والواضح من المقالة ـ على ما يبدوـ ليس إجراء دراسة نقدية مقارنة بين الرجلين، مع أن الكاتب حرص على أن يأخذ بالحسبان، نظرة فرويد السلبية إلى الدين ونظرة يونغ الإيجابية إليه، وانتماء كل منهما إلى مذهب واحد هو مذهب التحليل النفسي.

سوف يتبين لنا أن الأمر لا يخلو من وجوه التلاقي والخلاف بينهما في عرض الآراء؛ وهو ما سيتم التركيز عليه في سياق الجهد التحليلي الذي يبينه هذا البحث.

المحرر

لقد اعتمدنا في طرح تفسير فرويد للدين على القواعد الخاصة بالتحليل النفسي، الواردة في كتبه الأربعة: الطوطم والمحرم 1914))م، ومستقبل أخدوعة (7192)م، والحضارة وكروبها (1930م)، وموسى وعقيدة التوحيد (1939م). بشكل عام يتحصل لنا من كتبه هذه تفسيران سنقوم بدراستهم دراسة نقدية: التفسير الأول، أن الدين عصاب وسواسي وهو أثر جماعي، من الآثار التي خلفها ذبح الأب في القبائل البدائية في العصور الغابرة، والإحساس بالذنب الناجم عن ذلك، وعبادة الله (الأب نفسه الذي اكتسب صفة الألوهية) تعويضا عن ذنب القتل والتفسير الثاني، أن الدين هو هذا الشعور البشري بالضعف، من مخلفات الضعف والخوف الطفوليين، والحاجة إلى حماية الأب ودعمه.

تفسير يونغ للدين مستمد أيضا من دراسات التحليل النفسي وأسسه، بتوجه آثاري، هو خليط من الفلسفة والخيميائية. وقد أورد يونغ آراءه في آثاره المتعددة، وأفرد لهذه الرؤية كتابا مستقلا عنوانه: الدين وعلم النفس، وهو يعد الدين أمرا إيجابيا، شافيا قدسيا، مسبوقا بالعلة الإلهية والخيميائية الفلسفية في نظره حلقة وسطى بين الدين وعلم النفس، وهي التي تكشف اللاوعي الجمعي، والصور المثالية الناجمة عن المواضعات الدينية، ومع أن يونغ يرى أن البعد الروحي للدين مختلف عن بعديه الفلسفي والخارجي، لكن جميع بحوثه عالمـا نفسيا تتمركز حول البعد الأول. سنجيب في هذه المقالة عن عدد من الانتقادات التي وجهت إلى يونغ، وقد عددنا نظريته مقبولة بشكل عام أما الحكم على النقاط المتعلقة بمنهجيته فمنوطة بالمزيد من التحقيقات والبحوث.

الكلمات المفتاحية: علم نفس الدين، تفسير الدين، فرويد والدين، يونغ والدين، التحليل النفسي.





المقدمة:
شهد القرن التاسع عشر الميلادي في الغرب بالتزامن مع ولادة علم النفس العلمي، أول ازدهار كبير للمقاربات ووجهات النظر المنهجية غير الفئوية وغير المذهبية في دراسة الظواهر الدينية. لقد تطرق عدد كبير من علماء النفس لدراسة الدين والظواهر الدينية، نشير من بينهم إلى ليوبا (Leuba)، صاحب كتاب علم نفس الظواهر الدينية (1896م)، وستارباك Starbuck, j.r مؤلف كتاب علم نفس الدين (1899م)، وجورج كو Coe, G.A، واضع كتابين في الحياة المعنوية: دراسات في العلم المتعلق بالدين (1900م)، وعلم نفس الدين (1916م)، وويليام جيمس James, W. صاحب كتاب أنواع التجربة الدينية (1902م) وغوردون ألبورت Allport, G. صاحب كتاب الفرد ودينه: تفسير نفس، وفيكتور فرانكل Frankle, W مؤلف: الإنسان في بحثه عن المعنى (1962م)، والله في اللاوعي، العلاج النفس واللاهوت (1975م)، وآبراهام مازلو Maslow, A.، مؤلف كتابي الأديان والقيم وتجربة التسامي (1946م).

إن الكتب التي صدرت في العقدين الأخيرين تتميز بمعظمها بصفة الجمع والموسوعية، من بينها: علم نفس الدين، النظريات الكلاسيكية والمعاصرة، لديفيد وولف (1991م)Wulff, D.M، وكتاب علم نفس الدين: توجه تجريبي لرالف هود Hood, R. وزملائه (1996م). وبما أن فرويد ويونغ يحتلان مكانة مميزة بين المنظرين وعلماء النفس الذين تطرقوا للبحث حول الدين، والأول نظر إلى الدين نظرة سلبية، والثاني نظر إليه نظرة إيجابية، سنتطرق في هذه المقالة إلى دراسة آراء عالمي النفس هذين، وقبل الشروع بالبحث، سنتطرق إلى تعريف علم نفس الدين ومكانته.

علم نفس الدين فرع من فروع علم النفس، يتطرق إلى دراسة الدين دراسة علمية بمنظار علم النفس. بعبارة أخرى علم نفس الدين يسعى إلى استخدام قواعد علم النفس الناجمة عن الدراسة العامة للسلوك، في دراسة السلوك الديني، ليتمكن من تفسيره وتوضيحه. أما القضايا والمسائل التي تتم دراستها فهي: ما هو مصدر التدين؟ هل للأشخاص المتدينين شخصية خاصة؟ هل يبعث الدين على المزيد من الرضى عن الحياة لدى الأفراد، وهل يضمن لهم نجاحا أكبر في الزواج والعمل؟ وهل يتمتع المتدينون بصحة جسدية ونفسية أكبر، وغير ذلك من الأسئلة ([1]). لمعرفة مكانة علم نفس الدين، يمكننا الانطلاق من رؤيتين: رؤية إبستيمولوجية، ورؤية منهجية: من خلال الرؤية الأولى، الدين بصفته معرفة من المعارف، هو واحد من فروع البحث الديني، بموازاة الفروع الأخرى ومنها: فلسفة الدين، وعلم اجتماع الدين، وتاريخ الأديان، والفقه المقارن، والإلهيات مع الفارق، أن علم نفس الدين كعلم اجتماع الدين، وتاريخ الأديان، يتطرق بشكل أساسي إلى دراسة تحليلية، وصفية للدين، وهو على العكس من فلسفة الدين والإلهيات، لا ينصب اهتمامه على صدق أو كذب المضامين الدينية. ومن خلال الرؤية الثانية، علم نفس الدين أحد مناهج البحث الديني، وهو على العكس من المناهج: التاريخي والعلم-اجتماعي، أو الفلسفي-الكلامي، يدرس الدين بشكل أساسي على أساس أنه ظاهرة نفسانية، وتتم الدراسة بواسطة اتجاهات مختلفة: تحليل نفسي ودراسة مسلكية، ودراسة معرفية، وغير ذلك ([2]).

1- سيغموند فرويد (1856 ـ 1939م).

بذل فرويد جهودا جمة لتقديم تحليل نفسي للظواهر الثقافية، ومن بينها الفن والأدب والدين، لكن تفسيره للدين، أثار الكثير من الإشكالات، ليس فقط لتقويمه السلبي للدين، وإنما أيضا، بسبب القضايا المنهجية المثيرة لعلامات الاستفهام، التي انبثقت عنها معتقداته اللاأدرية.

في كل الأحوال يمكن القول إن هذه المسائل معقدة، وإن القراءات والتفاسير التي أنجزت حول آثار فرويد خلال ستة عقود ونيف، أي المدة التي أعقبت سنة وفاته، إنما هي حصيلة استنباطاته وثمارها، بمعنى أنه حتى وإن كان قد أخطأ في سعيه لاستخدام منهج التحليل النفسي في دراسة الظواهر الثقافية، لكنه نجح في فتح آفاق جديدة وطرح احتمالات جديدة، وجعل التحقيقات والأبحاث أكثر غنى وعمقا والنموذج الأكمل في هذا الصدد تحقيقاته وأبحاثه المتعلقة بالدين ([3]). إن آراء فرويد المتعلقة بالدين، من أشهر نظريات التحليل النفس للدين، والتي لا يمكن تجاهلها في تحليل المعتقدات الدينية، وإنما بسبب تأثيره في علماء النفس اللاحقين، وإلى حد ما تغلغله في الحقول الفنية والأدبية.

ينتمي فرويد إلى عائلة يهودية، لكنه لم يمارس مطلقا الطقوس والعبادات اليهودية، ومع أنه كان يؤمن أن الدين يمكن أن يؤدي أحيانا دورا في التخلص من الأعراض العصابية، لكنه كان يؤمن إيمانا راسخا أن الإيمان الديني وهم في الطريق إلى تحقق الأمل ([4]). لقد حول فرويد بإبداعه الدبي وإيمانه المطلق بصحة آرائه التحليل النفسي إلى طاقة مهمة. إن هذه النظرة المطلقة الأحكام، والتعميم المبالغ فيه، أفقداه حتى زملاءه المقربين كآدلر وستيكل ويونغ ورانك وآخرين. أول من عارضه كان زميله برويير الذي يقول: «إن فرويد شخص لديه مجموعات من القواعد الدوغماتية الوثوقية الحصرية. وأنا أعتقد أن هذه حاجة روحية لديه، تدفعه إلى تعميم القضايا على نحو مفرط ([5])». إن النقاط المحورية في النظام الفكري لفرويد تتجلي في آراء منها إرجاع الأمراض العصبية إلى التجربة الجنسية الطفولية، وعقدة أوديب، وبنية الشخصية على أساس ثلاثية الهوا والأنا والأنا الأعلى، والتأكيد على حصر الغرائز باثنتين هم الغريزة الجنسية وتناقض (الحياة والموت)؛ وبالتأكيد كذلك على أن بعض جوانب الحياة الروحية والعقلية ليست في متناول اللاوعي البشري، وفي الوقت عينه هي المصدر والواقع اللاواعي لتصرفات الإنسان في الكثير من مجالات الحياة. اللافت والمثير للانتباه والجدير بالتأمل دخول آرائه في المجالات الفنية والأدبية والثقافية والدينية. فعلى سبيل المثال كان فرويد يعتقد أن الارتقاء بالليبيدو المكبوت، يؤدي إلى إنتاج الفن والأدب أي أنه كان يؤمن أن الفنانين يتخلصون من عقدهم الجنسية المرتبطة بالطفولة، من خلال تحويلها إلى صور غير غريزية. وعلي أساس هذه القاعدة كتب عدة مقالات عن الفن والفنانين أشهرها: ليوناردو دوفنشي وذكرى طفولته، وموسى ميكيل آنج ودستويفسكي وقتل الأب وهو في هذه المقالات الثلاثة قد أرجع مصادر الإبداع الفني لدى النوابغ الثلاثة ميكيل آنج ودوفنشي ودستويفسكي إلى الدوافع الجنسية ([6]).

يمكننا استخلاص بعض قواعد فرويد الفكرية والفلسفية كما يلي:

كان فرويد، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر يعيش في خضم نوع من التفكير الفلسفي الرائج في أوروبا، الرافض لأي نوع من أنواع الماورائيات، والذي يعتقد أن الكون يجب أن يدرس دراسة علمية؛ نوع من العلموية المفرطة الناجمة عن الفلسفة الوضعية، والاكتفاء بالعلم وبالوسائل العلمية التجريبية لفهم العالم. وقد أدت هذه النظرة إلى إلغاء الروح من علم النفس، والحيوية من علم الحياء، والغائية من التطور. في كتاب فرويد مستقبل أخدوعة نلاحظ بوضوح خليطا من الوضعية والعلموية والإلحاد ([7]).
يذكر فرويد في سيرته الذاتية معرفته بنظرية شوبنهاور وقرابتها إلى التحليل النفسي. يدعي عدد من الكتاب، من بينهم توماس مان وفيليب ريف، وهنري برغر، أن فرويد قبل نجاحه، كان متأثرا بشوبنهاور ونيتشه ([8]). من العناصر التي أثرت في مذهب فرويد نظرته إلى الإنسان، ورد كل الظواهر النفسية إلى التجارب الجنسية (يعتقد شوبنهاور أيضا أن الإرادة والنفس هما أصل العالم وحقيقته، والعلم والعقل فرعان وعرضان، والنفس تتغلب على العقل ([9]).
منادولوجية لايب نيتس (الجواهر البسيطة الحقيقية ليست مادية، لكنها حين تتراكم بما يكفي تخلق مصداقا)، التي انتشرت من بعده على يد كل من هاربرت وفاغنر، قد ساعدت في تطور
نظرية اللاوعي. فقد استخدم فاغنر بصراحة مفهوم جبل الجليد السابح، الذي يقبع جزء كبير منه تحت الماء، تعبيرا عن ذهن الإنسان أو نفسه ([10]).

د- نظرية النفعية الدغماتية للفيلسوف الإنجليزي بنثام، المبنية على مبدأ اللذة، التي أيدها بعض أصحاب نظرية تداعي الأفكار الإنجليز، قد لفتت انتباه فرويد. فهذا المبدأ من مبادئ الأناسة يؤكد على أن الإنسان يسعى جاهدا لاكتساب اللذة ليتخلص من الألم ([11]).

هـ- مبدا الحتمية، الذي يؤكد على الجبرية العلية والمعلولية، كان قد أثر على فرويد أيضا.

فهو يعتقد أن الظواهر النفسية تابعة كليا لقوانين العلة والمعلول، وليس هناك أي مجال للإرادة الحرة ([12]).

و- يمكن القول إن فرويد قد تأثر تأثرا عميقا بداروين أكثر من أي عالم آخر. فمعظم الفرضيات المسبقة الأساسية المعتمدة في التحليل النفسي، كمفهوم النضج، ومفهوم التغيير، ومفهومي التثبيت والارتكاس مصدرها المباشر فكرة التطور. من ناحية أخرى يعرف داروين علم النفس المرتكز على الغرائز، والذي يؤكد بشكل خاص على عزيزتي العدوانية والعشق ([13]). كما أن داروين في حطه من قيمة الإنسان في مسيرة تطور حياة الحيوان، والإشارة إلى قرابته من الحيوانات (بحسب زعمه)، قد مهد الأرضية المناسبة لفرويد الذي ادعى أن الإنسان أحقر مما يظن نفسه، ويصغي أكثر مما هو معلوم إلى أوامر وساوسه، وحتى أرفع منجزات البشر الفنية والفلسفية، ليست سوى تسامي الغرائز البدائية الحيوانية ([14]).

من المؤكد أيضا أن نبوغ فرويد وشخصيته المفكرة والوسواسية، كان لها تأثير حاسم في نضج نظام التحليل النفسي واتساعه، وتفصيل قواعده ومبادئه.

علم نفس الدين بمنظار فرويد:
يمكننا تصنيف تطور نظريات فرويد حول الدين في أربعة مراحل، تميزها من بعضها مؤلفاته المحورية المتتالية: المرحلة الأولى كتاب الطوطم والمحرم ([15]) (1984م)، والمرحلة الثانية كتاب مستقبل أخدوعة ([16]) (1927م)، والمرحلة الثالثة كتاب الحضارة وكروبها ([17]) (1930م) والمرحلة الرابعة والأخيرة كتاب موسى عقيدة التوحيد ([18]) (1939 م). هذه المؤلفات تعكس الجوانب الجريئة في تفكير فرويد، وتشير كذلك إلى تشبثه بأفكاره الأصلية المتعلقة بتراتبية الأعراض الأوديبية وتطورها ([19]).

المرحلة الأولى: ولد كتاب الطوطم والمحرم من تزاوج أمرين: أحدهما شغف فرويد بعلم الإناسة، والآخر، نظرياته التي وضعها من قبل، والمبنية على أن التفكير والسلوك الدينيين مرتبطان بأوليات القلق الوسواسي اللاإرادي (1907م).

يرجع فرويد الأعراض الوسواسية والطقوس الدينية إلى ماهية واحدة، ويؤكد بشكل خاص على الشعور بالذنب الناجم عن صدور هذا العمل، والحاجة إلى الأمان لمواجهة الضغوط الخارجية، وانشغال الذهن بالجزئيات، والميل نحو التعقيد الزائد، والأهمية الرمزية لهذه الطقوس. والدين حسب التفسير الفرويدي نوع من المقاومة، وخرافة طفولية، ونوع من المشاعر الانفعالية، وقد ورث فرويد هذه النظرة من شلاير ماخر وفويرباخ. كما أن فرويد قد استند في مساعيه لتوضيح طريقة أداء هذه الأواليات البدائية لدورها في منطلقات التجربة الدينية، إلى ما افترضه في هذا الكتاب من شبه بين تفكير البشر البدائيين والوساوس. وقد رد منطلقات الطوطمية ومحرماتها ومن ضمنها تحريم الزنا بالمحارم والزواج بالغرباء، إلى الأساطير المتخيلة للقبائل البدائية. فالقبيلة البدائية، على أساس مخيلته الإناسية، كانت محكومة لنظام يخضع فيه أفرادها حصرا لسلطة زعيم القبيلة، أو لصورة الأب، وكان الشبان من أبناء القبيلة، للخلاص من سيطرة الزعيم وقمعه، لا سيما منعه لهم من إقامة علاقات جنسية مع نساء القبيلة اللواتي هن ملك له وحده، يتعاضدون من طور لآخر لقتل الأب والتهامه. لقد مثل قتل الأب الجناية الأولى. إن الشعور بالذنب بسبب الخلاف الأول جعل الأبناء يستعيدون التحريم الذي أرادوا في الأصل أن يتحرروا منه، فأحلوا الحيوان الطوطم مكان الأب الأصلي وعبدوه، وامتنعوا عن قتل الحيوان الطوطم، وحرموا الارتباط غير الشرعي بنساء القبيلة الطوطمية وعلى ذلك باتت العياد والأضاحي الطوطمية التي يقتل خلالها الحيوان الطوطمي ويؤكل على نحو طقوسي، تمثل إحياء لهذا الحدث التاريخي المتمثل بقتل الأب والتهامه. بناءا عليه فإن ظاهرة الطوطم والمحرمات الجنسية المتعلقة به، تعود جذورها إلى الظواهر الأوديبية الأولية، التي كانت موجودة لدى القبائل البدائية. وهذه الظواهر مبنية على الرغبة البدائية بقتل الأب والاستمتاع الجنس بالأم. لقد أسفر عن احترام الجداد الطوطميين والخوف منهم ارتقاء الطوطم الأب إلى مقام الألوهية.

المرحلة الثانية: في كتابه مستقبل أخدوعة، خطى فرويد خطوة جديدة، فالبذور التي بذرها ونبتت في محاولاته السابقة، أثمرت في هذا الكتاب. حيث تبرز واضحة أفكاره المتعلقة بالتجربة الدينية، وما يرافق ذلك من تأثير تام لتعصبه لرأيه المناهض للدين، ولا أدريته.

لم ينحرف البحث في هذا الكتاب كثيرا عن المسارات السابقة؛ فالدين (كما يزعم فرويد في هذا الكتاب) تعود جذوره إلى ضعف الإنسان، وتبعيته الأصلية للأب، وفي الرغبات المكبوتة لتلبية الحاجات الطفولية، التي تتجلى بصورة الله. فنحن قد تعلمنا من خلال تعلقنا القلبي بالله والخضوع له، والتضرع إليه سواء كان الله الأب القادر الرحيم ـ أو الآلهة المتعددة ـ في النظم الإيمانية، أن نتخلص من وحشة الدنيا المخيفة. فللآلهة وقوانينهم سلطة وسيطرة على العالم، لكن البشر تركوا وحدهم للدفاع عن أنفسهم في مواجهة القوى التي ترسم مصائرهم. إن المسؤولية عن تهدئة الآلهة، والعثور على طريق السعادة، تؤدي إلى الأخلاق الدينية وإلى مجموعة من الأوامر والنواهي والأحكام الإلهية، التي يجب أن يذعن لها الفرد، ويتأقلم معها. لذا فإن التعاسة والتبعية في مرحلة الطفولة، والخوف من غضب الأب وعقابه، تنتقل إلى حياة الكبار، وتحل محلها علاقة الفرد المؤمن بربه، حتى عذاب القبر والألم الناجم عنه، تسكنه وعود الآخرة، والتعاسة في هذه الحياة الدنيا يعوض عنها الوعد باللذة المقدسة في الحياة الآخرة. إن استمرار الشعور بالتعاسة والعجز طيلة العمر، يفرض علينا أن نتوسل بالأب بحسب مصطلح مرحلة الطفولة، وببديله أي الأب السماوي القوي، الحي الناصر والمعين. إذا الإيمان بالسلطة الخيرة للعناية الإلهية، يحمينا من شرور هذا العالم. إن الدين هو الذي يعطينا هذه الضمانة، وطالما أننا نطيع الله السماوي، ونعتمد على محبته لنا، ونؤمن أنه يريد لنا الخير، ونثق بوعوده، فإننا سنتغلب على المصاعب التي تواجهنا، ونجدها تاليا عين الجلال والمحبة التي تنجينا هنا والآن. هذه الرغبات والآمال بحسب تفسير فرويد اقتباسات طفولية، تعكس رغباتنا الأساسية، وليس أكثر من ذلك، وطالما أنها غير متلائمة مع الواقع، فهي في رأيه فوق الخيال وشكل من أشكال الهذيان الجمعي Mass delusion تتشارك فيه الجماعة المؤمنة. وقد صرح فرويد أن ما يجب الاعتماد عليه إنما هو العلم، ويقول:

«أنا أدرك إلى أي حد هو صعب تجنب الأوهام. ربما قيل أن هذا الواقع من حيث ماهيته وهم أيضا، لكنني مصر على إصدار حكم بالنسبة إلى الموضوع. فبغض النظر عن واقع عدم إجراء أي محاسبة على هذه الأوهام المشتركة، أوهامي كالأوهام الدينية ليست عصية على التصحيح. هذه الأوهام ليس لها ميزة هذيانية... إذا كان ما أعتقده وهم، فحالي كحالهم. لكن العلم، بنجاحاته المتعددة والمهمة، يقدم لنا شواهد تؤكد أن العلم ليس وهما»([20]).

أكد فيشر Fisher (أحد القساوسة المسيحيين)، في ردوده على فرويد، على انحرافاته في فهم الدين. إن آراء الرجلين حول الدين متعارضة كليا إن كان فرويد يعد الدين موضوعا مرتبطا بحاجات الطفولة وضعفها، فإن فيشر يرى فيه مخزونا لأعظم الجهود وأسمى الأفكار المتعلقة بالأحوال الإنسانية. وإذا كان فرويد مصرا على التمايز الجذري بين الدين والتحليل النفسي، فإن فيشر يرى أنهم يدعمان بعضهم، ووجهتهم الأهداف والحقائق الواحدة، وإذا كانت نظرة فرويد أساسا تشاؤمية وجبرية، فإن نظرة فيشر متفائلة جدا ومفعمة بالأمل. يمكن عد الاختلافات والتناقض بين هذين الرائدين انعكاسا للكثير من التيارات، التي تنوجد باستمرار حين يجري البحث عن العلاقة بين التحليل النفسي والدين.

المرحلة الثالثة: بعد وقت قصير من إنجاز فرويد للكتاب السابق الذكر، عاد في كتابه الحضارة وكروبها إلى بعض هذه المواضيع. إن الطروحات والمضمرات التي ظهرت على نحو بارز في كتاب مستقبل أخدوعة اتسعت لتحمل حياض الحضارة والثقافة الإنسانيتين كلها. وقد طرح فرويد التضاد والاختلاف الحتمي بين الحاجات الغريزية من ناحية وحاجات الحياة المدنية من ناحية أخرى. إن منع بروز الغريزة الجنسية أساس تكيف الطفل مع محيطه، الأمر الذي يتم أساسا في مرحلة الكمون (من الخامسة حتى الثانية عشرة من العمر). إن البشر يبحثون عن السعادة، ومحركهم هو البحث عن اللذة وتجنب الألم. إن الحاجات الحياتية شديدة وملحة، لكن الواقع والظروف لا تسمح لنا أن نلبي هذه الحاجات، وفي النهاية نرى أنفسنا مجبرين على إشباعها على نحو خيالي وهمي. هذا الموضوع مرتبط بالبحث الوارد في كتاب مستقبل أخدوعة، وفي الوقت نفسه يتسع ليشمل جوانب أخرى من الوحدة الاجتماعية والثقافية أيضا. في كل الأحوال إن التكلفة التي نتحملها في هذه الأحوال هي قمع الحاجات والغرائز الأساسية. يمكننا أن نجد الأنموذج البدائي لهذه الظاهرة في الأوهام الدينية والمذهبية. مع ذلك هذه الأوهام غير ناجمة عن «الشعور الأوقيانوسي ([21]) Oceanic feeling المتسع المدى وغير المحدود، كما وصفه رومين رولاند ([22]) Romain Roland، وإنما ينبع من الشعور بالتعاسة والتبعية الكامنين منذ الطفولة في الكينونة المحورية للتجربة الإنسانية.

المرحلة الرابعة: آخر مؤلفات فرويد عن الدين كتابه موسى وعقيدة التوحيد الذي كتبه في أواخر عمره. يعود فرويد في هذا الكتاب إلى المواضيع التي كان قد شرحها في كتاب الطوطم والمحرم. يقول فرويد إن موسى هو في الحقيقة أمير مصري كان يعيش في قصر الفرعون (الذي تولى الحكم حوالى العام 1375 قبل الميلاد، واهتدى إلى مصطلحات دينية لافتة مثل العبادة التوحيدية لإله اسمه آتين aten). ثم نقل موسى هذه النظرية الدينية إلى العبرانيين، من خلال عبارة الإله يهوه، لكن اليهود الذين لم يستطيعوا تحمل هذا الدين الروحاني المعنوي المقيد لهم، ثاروا على هذا النبي الذي كان يريد أن يعرض هذا الأمر عليهم، وقتلوه. بعد ذلك أدرك اليهود أنهم بحاجة إلى الوحدة القبلية والدين الجامع المشترك، فعادوا إلى الدين نفسه، الذي قتلوا النبي الذي بشر به، وإلى عبادة الله الواحد الجبار. يقول فرويد «إن الحدث المحوري في تطور الدين اليهودي، هو أن الإله يهوه فقد بمرور الزمان ميزاته، وصار أكثر فأكثر أشبه بإله موسى القديم، آتين»([23]).

دراسة نقدية:
على الرغم من أن فرويد قد طرح آراءه حول الدين على أربع مراحل وفي أربعة كتب، لكن حصيلة المسائل التي طرحها تعود إلى تفسيرين: الأول، تفسير إناسي ـ نفسى عرضه في كتابيه: الطوطم والمحرم، وموسى وعقيدة التوحيد؛ أي أن أسطورة ذبح الأب في الزمان الغابر، كانت حادثة واقعية، تركت آثارا وبقايا وندوبا في تاريخ البشرية، لا يمكن محوها. تجلت شعورا بالإثم وتحريما للزنا بالمحارم وغير ذلك، ولمواجهة الشعور بالإثم جاء التوجه إلى عبادة الله (الأب نفسه الذي نحا منحى إلهيا)، وفي النهاية يفسر الدين أنه «عصاب وسواسي جماعي». أما التفسير الثاني، فهو تفسير نفسى صرف طرحه في كتابيه: مستقبل أخدوعة والحضارة وكروبها أي أن مصدر الدين، شعور الإنسان بالتعاسة، وبعبارة أخرى هو نفسه الخوف الطفولي، والحاجة إلى حماية الأب القوي، وهذه الحالة لان تكون مستمرة ودائمة. ففي المستقبل البعيد سيثبت العقل البشري تقدمه، وسيتم التخلي عن العقائد الدينية، وستترك وتنسخ. يحسب فرويد العقل البشري معادلا للعلم، ويقول صراحة: إن صوت العقل ناعم ولطيف، لكنه لان يصمت ما لم يجد أذنا واعية، وبعد الكثير من الأخذ والرد لمرات متتالية لا عد لها ولا حصر، سيحالفه النجاح ([24]).

إن تحليلات فرويد في شرحه للدين، قد تعرضت للنقد من عدد كبير من المفكرين، وقد رفض نظرياته أقرب تلاميذه إليه ومنهم يونغ وآدلر. إن بعض الإشكالات الواردة في هذه التحليلات هي التالية:

أولا: إن تفسير فرويد للدين تفسيرا طبيعيا (بناء على النظرية الفلسفية التي يعد اتباعها الطبيعة المبدأ الأول)، وأيضا على أساس النظرة الإوالية والجبرية إلى الإنسان، إنما هو تفسير مرفوض، بسبب الأساس الفلسفي الطبيعي الذي اعتمده؛ فهو على الرغم من هذا الادعاء المبني على معطيات داعمة، يثبت البحث العلمي صحتها، نجد بعد الدراسة أن هذا الادعاء لا ركيزة له. فمن ناحية يدل الخلاف بين علماء النفس حول شرح التحليل النفسي على ارتكاز نتائجهم على فرضيات ونظريات فلسفية خاصة، ومن ناحية أخرى تأخذ الفلسفة الطبيعية جزءا من التجربة (القسم القابل للقياس وللتحليل الكمي)، وتعرضه على أنه الواقع كله. في كل الأحوال، إن مذهب فرويد الوضعي غير مقبول اليوم، ولا يمكن اختصار الإنسان بأبعاده المادية وحدها ([25]).

ثانيا: يقول يونغ في نقده لنظرية فرويد الجنسية، التي هي أساس تحليله حول الدين ما يلي:

«... إن العقيدة المذكورة، تبين جانبا من جوانب الواقع فحسب لأن الإنسان لا يخضع فقط لضغط الغريزة الجنسية، فلديه غرائز أخرى غيرها. وفي علم الحياة مثلا، أن غريزة الغذاء مهمة كالغريزة الجنسية. في المجتمعات البدائية، على الرغم من دور الجنس، للغذاء مكانة أكبر، فهو أهم رغبات الإنسان البدائي وأقوى ميوله... هنالك مجتمعات أخرى قائمة أيضا- المقصود المجتمعات المتحضرة- تؤدي السلطة فيها دورا أكبر من دور الجنس. والملاحظ أن عددا كبيرا من التجار والصناعيين لديهم عجز جنسي لأنهم يصرفون معظم طاقاتهم في الأنشطة التجارية أو الأعمال الإدارية، وهم يولون هذه العمل أهمية أكبر من الأمور والقضايا المتعلقة بالمرأة ([26]).

ثالثا: يعتقد فرويد أن ذبح الأب في الغابر من الأيام كان حادثة واقعية تركت في البشر آثارا وندوبا لا تحول ولا تزول. بعبارة أخرى كان مؤمنا بنظرية لامارك المتعلقة بالوراثة، التي تفتقد إلى القيمة والأهمية، والتي تزعم أن الصفات المكتسبة وراثية في حين أن نظرية التطور الداروينية، قد محت أفكار لامارك من أذهان جميع علماء الحياة تقريبا. فضلا عن ذلك، لا يمكن القول، بعد الاطلاع على شواهد علم الإناسة، ودراسة الآباء الأوائل (القرود الشبيهة بالبشر)، إن القبائل البدائية التي كانت خاضعة لسلطة رجل واحد، كانت موجودة في زمن من الزمان. والولائم الطوطمية نادرة الوجود أيضا، ولم تلحظ إلا لدى قلة قليلة من القبائل التي مارست الطقوس الطوطمية ([27]).

رابعا: لا تأثير لمصدر أو منطلق أي عقيدة أو سنة خاصة في قيمتها ومدى صحتها في صورتها الحالية، وتاليا أصل العديد من الفاعليات والنشاطات يعود إلى مصادر ومنطلقات غير ذات أهمية. فنحن مثلا لا ننظر إلى علم الفلك نظرة سلبية لأنه نشأ في أحضان التنجيم، لكن هذا الأمر يتم تجاهله ونسيانه حين يتعلق الأمر بالدين ([28]).

خامسا: إن فرويد كما يقر هو نفسه، عاجز عن إدراك حالات الانخطاف والوجد، والتجارب الروحية والعرفانية، في حين أن هذه التجارب هي بنظر الكثيرين مصدر المشاعر الدينية. حين ارسل فرويد نسخة من كتابه مستقبل أخدوعة، الذي ينكر فيه الدين إلى «رومان رولان»، صرح هذا الخير أن فرويد لم يفهم المصدر الحقيقي للمشاعر الدينية ([29]).

أما إريك فروم Erick from فقد قدم في كتابه التحليل النفسي والدين (1984) مرافعتين دفاعا فرويد: أولا: هو يعتقد أن فرويد بإشاعته تفسير الرؤيا وضع في متناولنا هذا التعبير المنسي، ودلنا في الوقت نفسه على أن لغة الأساطير الدينية لا تختلف بالضرورة عن لغة الرؤى التي هي تجل ذي معنى لتجربتنا الشديدة الأهمية. وعلى الرغم من أن تفسير فرويد للرؤى والأساطير وتعبيره عنها يبدو ضيق الأفق، لأنه أكد في كتابه على نحو مفرط على الغرائز الجنسية، فقد وضع حجر أساس جديد لفهم الرموز الدينية والأساطير، والقواعد اليقينية والشعائر الدينية. إن هذا الاستنباط وإن لم تكن خاتمته عودة الدين لكنه يرشدنا إلى تقويم جديد للعقل وللعلم المعمق، الذي ظهر بواسطة الدين بلغة رمزية ([30]). ثانيا: إن فرويد معارض للدين باسم الخلاق، أي إنه يختار في الواقع موقفا يمكن أن نسميه موقفا دينيا. بعبارة أخرى، تحدث فرويد عن جانب من الكينونة الأخلاقية للدين، منتقدا جوانبه اللاهوتية ـ الماورائية لأنها تعيق تحقق الهداف الأخلاقية المذكورة. وهو يرى أن المفاهيم اللاهوتية ـ الماورائية تعود إلى مرحلة من مراحل التطور الإنساني كانت ضرورية، لكنها اليوم معيقة للتطور. لذا فإن القول إن فرويد «معارض» أو «معاد» للدين قول مضلل، إلا إن نحن بينا أي جانب من جوانب الدين يؤيد، وأي جانب يعارض ([31]).

على الرغم من أن الكلام الأول الذي قاله فروم دفاعا عن النتائج الإيجابية غير المقصودة لفرويد مقبول إلى حد ما، لا سيما إن نحن أخذنا في الحسبان مساعي يونغ في تبسيط تفسير الرؤى وتعبيرها، وشرح لغة الأساطير الرمزية، مقولة فروم الثانية مرفوضة كليا، فهي أولا نوع من تحجيم الدين والحط من شأنه، وتجاهل أبعاده الشعورية والعرفانية والإيمانية ([32])، وثانيا، أن نعد فرويد مدافعا عن القيم الأخلاقية ومروجا لها أمر انتقد بشدة ([33])، حتى أن دون كيوبت Don Cupit يعتقد «أن الهيكلية العامة لبحوث فرويد هي رفض مفهوم الاستقامة، فهو ينفي وجود أي مساهمة قيمة للدين في النمو الروحي (وضمنا الخلاق)؛ لأن النمو الروحي في الكبر تبعا لنظامه الفكري ضحل لا يعتد به ([34]).

أخيرا يرى جان هيك (J. Hick) فيلسوف الدين الشهير، أن انتشار تفسير فرويد للدين أحد أسباب إنكار وجود الله (لدى غير المؤمنين)، ويتوصل هيك من خلال نقده ودراسته لآراء فرويد إلى انطباع إيجابي يمكن الاستفادة منه في مباحث علم النفس عن المعتقدات الدينية، يقول: «... على الرغم من أن تصور فرويد عن الدين بمجمله تصور ذهني بامتياز، وسيكون على الأرجح الجانب القصر حياة من جوانب تفكيره، فقد لقيت نظرته الإجمالية إلى موضوع الإيمان على أنه نوع من «الدعم الروحي» ويتضمن شكلا من أشكال الأفكار المتخيلة، تأييدا من عدد كبير من النقاد المؤيدين للدين وغير المؤيدين له، الذين يرون أن هذا النوع من التفكير يمكن أن يطلق على أي أمر يسميه عامة الناس «الدين». فالدين التجريبي، العملي (المظهر الخارجي للدين) تركيب غريب من العناصر، ومن دون شك للرغبات دور في إدخال التمنيات ضمنه، وهو عامل مهم في أذهان الكثيرين من المؤمنين به. لعل أكثر تفسير كلامي (لاهوتي) لافت في وجهة نظر فرويد هو أنه على الأرجح قد أماط اللثام في بحثه حول صورة الأب عن الأولية نفسها التي خلقها ذلك الإله لصورة الألوهية في أذهان البشر لأن علاقة الأب البشري بأولاده بحسب تعاليم السنن اليهودية ـ المسيحية شبيهة بعلاقة الله بالبشر، بناء عليه ليس عجيبا ولا مستغربا أن الطفل يعد الله أباه السماوي، ويتعرفه من خلال تجربة تبعيته المطلقة له، والتجربة الفائقة للحب، ورعاية العائلة وتربيتها ([35]).

ب :كارل غوستاريونغ Carl Gustar yong 1961 – 1875) )

سيرته وآثاره :

يونغ ابن قسيس سويسري كاثوليكي المذهب، وقف حياته على خدمة الكنيسة. وكان من بين أقارب يونغ أيضا ثمانية من الرهبان الكاثوليك. قضى عمره دارسا الفلسفة وعلم الآثار والخيمياء، وأخيرا علم النفس. في أول الأمر أعجب بفرويد وأيد آراءه، لكنه عاد واستقل عنه. وصف يونغ معالم شخصيته وأفكاره وتجاربه في كتابه: الذكريات والرؤى والأفكار mémoires, dreams, reflections 1963 الذي يروي فيه تجاربه الروحية والدينية، وأنه حامل أسرار، وشخصيته ذات وجهين: ظاهر وباطن، وتحدث عن إيمانه بأن الأمور مقدرة، وعن معرفته بأفكار كانط الفلسفية، وأفكار نيتشه وشوبنهاور ([36]). في العام 1952م، كتب إلى راهب شاب: «كما تدور الكواكب جميعها حول الشمس، تدور أفكاري كلها حول الله، وتنجذب إليه، على نحو لا يمكن مقاومته. أشعر أنني إن أبديت تجاه هذه القوة أي نوع من المقاومة، أكون قد ارتكبت إثما عظيما»... ومرة قال في آونة ثورته على الكنيسة: «أدركت في ذلك الحين أن الله ـ على الأقل بالنسبة إلي ـ أقل التجارب حاجة إلى الواسطة»([37]). على الرغم من أن يونغ كان دائما ينظر إلى التعاليم الدينية المسيحية نظرة شك وتردد، كان شكه مقترنا دائما بالإيمان بالله، يقول: «في أحد الأيام كنت أتصفح كتاب التعاليم الدينية، يحدوني الأمل بأن أجد في ثناياه شيئا عن عيسى المسيح غير العبارات العاطفية، التي لا تدرك عادة، وتفتقد بالقدر نفسه إلى الجاذبية. وصلت إلى مبحث التثليث، فوجدت فيه ما لفت انتباهي: الوحدة في التثليث. هذه المسألة جذبتني لما فيها من تناقض. وانتظرت بشوق الوصول إلى هذا الدرس. لكن حين وصلنا قال أبي: الآن وصلنا إلى التثليث، لكن يجب أن نتجاوزه، لأنني أنا نفسي لم أفهم في الواقع منه شيئا. قدرت صدق أبي، لكنني شعرت في قرارة نفس باليأس، وقلت في نفسي، طالما أنهم لا يعرفون شيئا عن هذه القضية، ولا يفكرون فيها، فكيف يمكنني إذا أن أتحدث عن سري؟... على الرغم من الملل الذي كان ينتابني، جاهدت نفسي قدر المستطاع أن أؤمن من دون إدراك، وحضرت نفسي لطقوس العشاء الرباني، الذي عقدت عليه أملي الخير. في أثناء إحياء المراسم، وحين وصل الدور إلي فجأة، تناولت خبزي، وكما كنت أتوقع لم أستطعم به ورشفة الخمر التي قاربت شفتي كانت رقيقة، أقرب إلى الحموضة، وخلاصة الأمر أنها لم تكن شهية، ثم بدأ دور الدعاء الختامي، وبعده خرج الناس، وسيماهم خالية من علائم الحزن أو الفرح، وكأنهم يقولون «حسنا انتهى الأمر»... طيلة الأيام التي تلت بات معلوما بالنسبة إلي أن أي حدث لان يقع. فأنا كنت قد وصلت إلى آخر المراسم الدينية، منتظرا أن يحدث أمر ما لا أعرف كنهه، لكن شيئا لم يحدث... إنما كان في هذه الطقوس، على الأقل في نظري، دليل على وجود الله... منذ تلك اللحظة لم يعد بإمكاني المساهمة في الإيمان الجماعي، لكنني رأيت نفسي جزءا من شيء يفوق الوصف ([38]). كنت يوما بعد يوم أجد من غير الممكن أن تعتريني حالة إيجابية بالنسبة إلى عيسى المسيح، مع ذلك أتذكر أن تصور الله جذبني مذ كنت في الحادية عشرة، وبدأت أناجيه، وهذا الأمر أسعدني، فليس في هذه العبادة أي تناقض ([39]).

كان يونغ يشعر بوجود الله في حياته، وأنه خاضع لقضاء الله وقدره: منذ البداية كنت أحس يد الأقدار. كأن القدر هو الذي عين مهمتي في الحياة، وأن على إنجازها. كان ذلك يمنحني أمانا داخليا، لم أستطع إثباته أبدا لنفسي، إنما هو الذي أثبت لي نفسه. لست «أنا» من يقرر، إنه «هو» الذي يفرض على ذلك. ما من أحد كان بإمكانه أن يصرفني عن الاعتقاد أن من المفروض على أن أعمل بإرادة الله لا بإرادتي، وهذا ما كان يمنحني القوة لأكمل طريقي. غالبا ما كنت أحس أنني في المواضيع الحاسمة لست بين البشر، وإنما أنا وحيد مع الله. حين أكون «هناك» حيث لا أكون وحيدا، خارج الزمان أكون، ابن القرون والعصور، يكون هو الذي كان ويكون. هو الذي كان قبل ولادتي، هو الموجود دائما وأبدا، كان هناك. هذه الأصلة مع ذلك «الآخر» شكلت أعمق تجاربي، فمن ناحية صراع عنيف، ومن ناحية أخرى وجد وشغف ساميين... على حين غرة (بعد أن درست الكتب الفلسفية وفرضيات الفلاسفة الخيالية عن الله) أدركت أن الله، على الأقل بالنسبة إلي، أحد أكثر التجارب الموثوقة غير المحتاجة إلى وسيط ([40]). كان لهذا الإيمان والمعتقد ظهور خارجي: يقول ميغيل سيرانو Miguel Serrano الذي كان قد ذهب إلى بيت يونغ لإجراء مقابلة معه، إنه رأى هذه العبارة تعلو مدخل منزله: «سواء قرأت أو لم تقرأ فالله حاضر»([41]).

من ميزات يونغ اللافتة، وربما الفريدة من نوعها، لدى علماء النفس البارزين، معرفته الجيدة نسبيا بنصوص الأديان المختلفة، لا سيما القرآن الكريم. فعلى سبيل المثال في كتابه أربع صور مثالية ([42]) في أثناء شرحه لسورة الكهف، يرى أن القصص المختلفة في هذه السورة، إنما هي تعبير رمزي عن الصورة المثالية لولادة الإنسان «ولادة جديدة». وفي أثناء كلامه على رحلته إلى كينيا يقول: «لقد عدوني مؤمنا بالقرآن، لأنهم وجدوا أنني مطلع على القرآن الكريم. لقد كنت في نظرهم من أتباع محمد صلي الله عليه وسلم سرا ([43]).

خلف يونغ كتبا ومقالات عديدة ومتنوعة في علم النفس والخيمياء والدين، وقد بلغ مجموع آثاره باللغة الإنجليزية عشرين مجلدا ([44]). ربما تحدث عن الدين أكثر من أي موضوع آخر، وأهم آثاره في هذا المجال: علم النفس والدين ([45]) psychology and religion 1938، باراسلسيكا paracelsica 1942 تطرق فيه إلى العلاقات بين الدين وعلم النفس؛ علم النفس والخيمياء psychology and alchemy 1944 ([46])؛ جواب أيوب ([47]) answer to job 1952؛ أربعة نماذج مثالية، الأم، الأولاد الروحية الجديدة، الروح، والمخادع ([48])؛four Archetypes, mother, rebirth, spirit, Trickster وإيون ([49])aion 1951، تطرق فيه لدراسة شخصية السيد المسيح عليه السلام بمنظار علم النفس ([50]) في آثاره الأخرى ومنها: المعالجة بالتحليل النفسي psycho analyses 1957 إشارات إلى موضوع الدين ومكانة علم نفس الدين بالنسبة إلى الإنسان.

علم نفس الدين بمنظار يونغ
على الرغم من أن نظرية يونغ مسبوقة بنظرية علم نفس الدين لدى فرويد واللاوعي، لم تبق محصورة في حدود التأملات النفسانية، وإنما تتخللها النظريات الإبيستيمولوجية والمنهجية. هو يتبنى نظرية اللاوعي الجمعي، لكنه لا يعد التجربة الدينية محصورة في نطاق العقل المجرد أو نطاق العلوم التجريبية. إن نظرية يونغ المتعلقة بالدين، نظرية تعددية إلى حد ما، أسطورية-رمزية، وجوهرية المحور. ما من نطاق أو موضع يظهر فيه الخلاف بين يونغ وفرويد، أكثر وضوحا منه في رؤية كل منهما إلى الدين. لقد رفض يونغ إلحاد فرويد الحاسم، وهو في الواقع يولي الأديان كلها قيمة حقيقية. وفي حين يرى فرويد أن الدين ظاهرة مرضية، يراه يونغ ظاهرة شافية.

كانت أفكار يونغ في أول الأمر شبيهة بآراء فرويد، وكان يعد العقائد الدينية إزاحة وإسقاطا لصور الوالدين. لكن حين اكتشف اللاوعي الجمعي collective unconscious، تغيرت تصوراته هذه كلها. ففي نظره الدين ليس عصابا وإنما هو حاجة لنمو شخصية الإنسان وتساميها وهو يرى كذلك أن الدين غير مرتكز على المسائل الجنسية، لان الليبيدو أوسع من ذلك بكثير. ويرى كذلك أن تصور الإنسان لله غير مبني على صورة والده، وإنما على النموذج المثالي(Arche type) العام للأب. وعلى العكس من فرويد يدافع يونغ عن الدين، ويعتقد أن التجارب الدينية، هي بمعنى من المعاني واقعية، والدين ضروري للمجتمع. إن الاكتشاف الأساسي ليونغ، فكرته القائلة إن من الممكن مشاهدة الموضوعات الخاصة والمشتركة في أحلام المرضى، في عدد من الأديان والأساطير العالمية وفي علم الخيمياء. فالرؤى بنظره تتضمن غالبا لحظات ملكوتية، تثير لدى الفرد الإحساس بالقدسية، ولحظات الرؤيا هذه طريق إلى اللاوعي، وفي رأيه أن بعض مرضاه لديهم أفكار ورؤى غير متأتية من تجاربهم العادية والمألوفة. كان النهج الذي اعتمده هو دراسة رؤى المرضى والرؤى الواردة في الروايات التاريخية، وكذلك دراسة الأديان والأساطير ([51]). بالنسبة إليه الوعي الفردي - كالوعي الفردي لدى فرويد- يتضمن الذكريات المتقهقرة المكبوتة التي اتخذ بعضها شكل العقدة، وأجزاء مستقلة ومنفصلة عن الشخصية، وهذه الأجزاء التي عدها فرويد مصدر العصاب، يحسبها يونغ مصدر النضج ومنبع النمو الجديد، وقد لجأ إلى تقويمها من خلال اختبار تداعي كلمات الله (1918م). يرى يونغ أن اللاوعي الجمعي كامن تحت اللاوعي الفردي والمعلومات الناجمة عن اللاوعي الجمعي، تختلف عن المعلومات الناجمة عن اللاوعي الفردي ومن الممكن أن تكون المعلومات الناجمة عن اللاوعي الجمعي أكثر تبصرا، وتكون متضمنة لقوة ونفوذ قدسيين، وتبدو كأنها محصلة من خارج الفرد، وتتمتع بقوة عاطفية. يتضمن اللاوعي الجمعي الصور الأزلية الأولية، التي توافرت كالغرائز من قبل تاريخ النوع البشري. هذه النماذج المثالية (Archestypes) هي الاستعداد والميل لتجريب العالم الخارجي، وردة الفعل تجاهه، على النحو الذي فعله الأجداد. إنها تشبه المـثل الأفلاطونية أو مقالات كانط الأولية، ولا يمكن تعرفها مباشرة، وإنما تعرف من خلال النماذج والرموز، وتستمد من الثقافة والتجربة الشخصيتين. إنها أشكال مجردة تجعلنا مهيئين للاعتقاد ببعض الأفكار، والرؤى والأوهام، والمعتقدات الدينية، والأسطورية، والشمولية، وحين ذلك تتشكل مؤثراتها الثقافية والفردية. الأب أنموذج ورمز إنما ليس رمزا لأب الفرد، بل هو رمز لحقيقة كلية هي مصدر القوى السحرية، ويمكن أن تكون انموذجا ورمزا بأساليب متنوعة ([52]).

يعتقد يونغ أن اللاوعي هو السبيل الوحيد لمعرفة الدين بالنسبة إلى الإنسان المعاصر: ربما لا سبيل أمامنا لإدراك القضايا الدينية اليوم، سوى طريق علم النفس، لذا، أنا آخذ الأفكار التي تجمدت على مدار الزمان والتاريخ، وأسعى لان أذوبها وأعيدها إلى حالتها المائية، وأصبها في قوالب التجارب المباشرة. وهذا العمل صعب من دون شك، لأننا نريد أن نوجد ارتباطا واتصالا بين المعتقدات الدينية والتجربة المباشرة للصور المثالية النفسانية، ودراسة الرموز الطبيعية اللاواعية، توفر لنا المواد الأولية لهذا العمل... إن الحياة الروحية للأنموذج المثالي التي تظهر على شكل رموز في الرؤى، غير مرتبطة بزمان معين على العكس من الحياة الفردية أسيرة الزمان ([53]).

لم يكن البشر البدائيون يفصلون بين ذواتهم وبين البيئة المحيطة بهم. كانوا يعيشون حالة يسميها «لويس برول» المشاركة العرفانية، بمعنى أن كل ما يحصل في الداخل، يحدث في الخارج. لذا فالأسطورة تعبير عما هو آخذ في الحدوث، تعكس ما يحدث في الداخل، وتصفه بمقدار ما تطلع الشمس، ثم تطوي السماء بأكملها، وفي المساء تفقد تجليها...حين يفقد الأنسان موهبة صناعة الأسطورة، ينقطع اتصاله بقوى وجوده الخلاقة. فالدين، والشعر، وتقاليد الجداد، وأساطير الحوريات والجن كلها مرتبطة بهذه الموهبة، إن الهيكلية الأساسية لكل الأديان، لها شخصية النموذج المثالي. إنما كالأساطير يؤدي الوعي دورا في تشكيل القضايا. لكن مساهمة الوعي في الشعائر الدينية البدائية أقل بكثير منها في الشعائر الدينية الأرقى والأكثر تطورا وانتشارا ([54]).

إن يونغ، على العكس من بعض النقاد ([55])، لا يعد اللاوعي الجمعي أمرا وراثيا: يبدو أن اللاوعي المـرضي طوى خط المسار الفكري الذي ظهر مرات ومرات خلال الألفي سنة المنصرمين. لكن مثل هذه السيطرة لا يمكن أن تكون موجودة إلا في حال افترضنا أن هناك حالة لاوعي موجودة كعامل ومحرك قبلي ومورث. أنا لا أقصد من هذه الفرضية أن التصورات تنتقل من طريق الوراثة لان إثبات مثل هذا الأمر ليس صعبا فحسب، بل مستحيل؛ إنما فرضيتي المتعلقة بهذه الميزة الوراثية أن هنالك أساسا إمكانية أن تظهر الأفكار المتمثلة كليا، أو المتشابهة مرات عديدة. هذه الإمكانية أنا سميتها النموذج المثالي (Arche type)، لذا المقصود من هذا المصطلح سمة خاصة أو شرط أساسي للبنية الروحية، مرتبط على نحو ما بالدماغ ([56]).

إن النماذج المثالية بنظر يونغ هي حيز الدين، وتظهر من خلال الرؤى: السد، والذهب، والملك ترمز إلى الشمس، والشمس دليل على قوة الحياة والصحة. والشمس في بعض الأديان البدائية معبودة يتعبد لها، ونحن بإمكاننا مشاهدة سبب كون الشمس موضوع أنموذج مثالي )القدرة والطاقة الماورائية، الشروق والغروب يوميا وفصليا، الحياة والموت، والسير الليلي إلى دنيا الروح). الأم بمعنى مبدأ العناية والمحبة الأموميتين، والحمل، وتجدد الحياة. لكن أيضا بمعنى دنيا الموات التحتية ودركهم السفل. والأم عدت انموذجا ورمزا بأشكال مختلفة؛ أنموذج الإلهة ربة النوع، والبتول العفيفة، والبحر، والليل، أو البئر وجانبها الشرير بمائها العميق الغائر.

الأب شبيه بالأم، إنما توجد نماذج مثالية مذكرة غير الأب، كالرجل العجوز العاقل أيضا. وهو رمز الفهم، والمعنى والصفات الأخلاقية، ومن مصاديقه أيضا الراهب، أو الأستاذ وغيرهم...

الطفل رمز ينابيع الحياة، والنضج، والتفتح الذاتي، وكذلك الموهبة الكامنة لنضج يفوق المعتاد. نماذج الطفل هي: القرد والجواهر والكرة الذهبية.

الجواهر والأشياء الثمينة الأخرى في بئر تحرسها الأفعى أو التنين ترمز إلى الكنز، والكنز في الواقع هو نفسه التفتح الذاتي، أو الإصلاح، أو اكتشاف الذات.

النفس رمز الله والأنموذج المثالي للكمال، ولانسجام الشخصية وسموها.

الدين حالة خاصة بروح الإنسان، ويمكن أن نعرفها على النحو التالي: حالة رعاية ومراقبة وتذكر واهتمم دقيق ببعض العوامل المؤثرة التي يطلق عليها البشر اسم «القوة القاهرة»، ويجسدونها على شكل أرواح، وشياطين، وآلهة، وقوانين، ونماذج مثالية، والإكمال الأعلى وغير ذلك. يصطدم الإنسان، من خلال تجربته، بعوامل، يجدها قادرة ومساعدة فيحسب الانتباه لها أمرا ضروريا، أو يجدها كبيرة جدا وجميلة، وذات معنى، فيرغب في عبادتها بخضوع، ويحبها. لقد سمى هذه العوامل بأسماء عديدة. بالإنجليزية حين يراد القول إن الشخص يحب شيئا ما أو عملا ما من صميم قلبه، يقال إنه يحبه حبا دينيا... مصطلح الدين، تعريف لحالة وجدانية خاصة، لحقها التغيير على أثر إدراك كيفيتها القدسية والنورانية... إن أي سلوك يعتمد من ناحية على الشعور بالحالة القدسية والنورانية، ومن ناحية أخرى على الإيمان، أي الإخلاص والثقة بتأثير العوامل القدسية والنورانية والتغييرية المؤثرة في وجدان الإنسان ([57]).

في مكان آخر من الكتاب نفسه يعرف يونغ الدين والله على النحو التالي: إن الدين هو العلاقة التي تربط الإنسان بـ «القيمة value» الأعلى والقوى، إيجابية كانت أم سلبية على حد سواء. وهذه العلاقة أيضا يمكن أن تكون متعمدة أو غير متعمدة؛ بمعنى أن الإنسان يمكنه أن يؤمن بها على نحو واع كقيمة، أي أنها ذلك العامل الروحي الفائق القدرة، المسيطر عليه بصورة لا واعية. تلك الحقيقة النفسانية التي تمارس السلطة الأقوى في وجود الإنسان، اسمها الله؛ لان العامل الروحي القوى هو الذي يطلق عليه دائما اسم الله... إن الله هو الفاعل الأقوى والأشد تأثيرا في روحية الإنسان. والفاعل الأقوى والأشد تأثيرا في روحية الفرد، من مستلزماته هذا الإيمان أو هذا الخوف أو هذا الانقياد والإخلاص الذي يتوقعه الله من البشر. إن كل فاعل قاهر لا يمكن تجنبه هو بهذا المعنى الله، وهذا الفاعل يتخذ لنفسه صورة مطلقة، إلا إن استطاع الإنسان من خلال اتخاذه قرارا أخلاقيا بحرية، أن يقيم لمواجهة هذه الظاهرة الطبيعية سدا منيعا. إذا كان هذا المتراس الآمن الروحي مؤثرا بالمطلق، يمكننا حينئذ أن نسميه «الله وبالخص «الله الروحي»، لأن الذي أوجده قرار أخلاقي حر نابع من ذهن البشر»([58]).

هذا لا يعني أن البشر يصنعون لنفسهم إلها، إنما المقصود نوع من حرية الخيار: «... إن القوى والطاقات القادرة حاضرة دائما في وجودنا، ونحن ليس بمقدورنا، ولا مفروض علينا أن نوجدها. إن قدراتنا محدودة في أننا نستطيع أن نختار من نخدمه، لنتمكن من خلال خدمتنا له أن نحمي أنفسنا من سلطة ذلك الآخر، الذي لم يقع اختيارنا عليه. إن الإنسان لا يخلق الله وإنما يختاره»([59]).

يرى يونغ أن الله هو الذي يهب روح الإنسان معنى الحياة «حين تلبى الحاجة إلى القوانين الأسطورية المتعلقة بالدنيا، ستتولد لدينا عقيدة تستأثر بكياننا كله، نابعة من التعاون بين الوعي واللاوعي. فقدان المعنى، يسلب الحياة غناها، وهو من هذه الناحية مرادف للمرض. إن المعنى يستوعب الكثير من الأمور، وربما كل الأمور، وما من علم يمكن أن يحل محل الأسطورة. الأسطورة إلهام من الإله الذي يحيا في الإنسان. لسنا نحن من يبدع الأسطورة، إنها هي التي تخاطبنا بصفتها كلاما يوجهه الله إلينا»([60]).

يصرح يونغ كذلك أن الأنموذج المثالي لله هو غير وجوده الماورائي، إنما طريق لتجربته: «إذا قلنا إن الله هو أنموذج مثالي، لا نكون قد قلنا شيئا عن طبيعته الحقيقية، بل ما نفهمه هو أن الله في ذلك الجزء من روحنا الذي هو قديم بالنسبة إلى وعينا، وكانت له مكانة من قبل، ولذا لا يمكن حسبانه اختراعا واعيا. نحن لا نستبعده ولا نلغيه، وإنما نقربه من إمكانية أن يصبح تجربة. هذا الوضع ليس بغير ذي أهمية، لان ما لا يقبل التجربة يسهل الظن أنه غير موجود. هذا الظن مقبول، فما اصطلح عليه أن المؤمنين بالله، في سعيهم لتجديد وعيهم البدائي، لا يرون سوى معرفة الله، وإن لم يروا معرفة الله، يرون العرفان، أي أن كل شيء سوى ما لم يقدره الله أمر واقع روحي مثله مثل اللاوعي»([61]).

من تعابير يونغ الأخرى في تفسير الدين أنه اتصال باللامتناهي يخلص الإنسان من القيود ومن التفاهات والترهات: «فقط إن علمنا أن اللامتناهي هو موضوعان مهمان فحسب، يمكننا أن نحاذر من أن يتحكم بنا التعلق بالتفاهات وأنواع الهداف التي ليس لها قيمة ولا أهمية حقيقية.

إن نحن أدركنا وشعرنا أن لنا هنا وفي هذه الحياة صلة باللامتناهي، ستتغير ميولنا وأحوالنا. في التحليل النهائي، إن نحن حسبنا حسابا لذاك السبب نضمن لأنفسنا الجوهر، وإن فقدناه تصبح الحياة تافهة. أما في علاقتنا بالآخرين فالمسالة الأساسية هي أن جوهرا لا حد له يتجل في هذه العلاقة .. إن عصرنا يتكئ على الـ «هنا» و«الآن» مما ولد الخلاق الشيطانية لدى الإنسان ودنياه. إن ظاهرة المستبدين وكل ما خلفوه من مآس، مصدرها الحقيقي أن الإنسان بسبب قصر نظر المتنورين قد حرم من التسامي. لقد أصبح مثلهم ضحية اللاوعي؛ لكن واجب الإنسان هو في النقطة المقابلة: الاطلاع على محتويات اللاوعي التي تفور منه ([62]).

إن أهم ما فعله يونغ هو شق مجرى إلى علم الخيمياء، كحلقة وصل بين علم النفس والدين. فقد اطلع من خلال قراءته لعدد من الكتب في علم الخيمياء، على التشابه بين صور علم الخيمياء والنماذج المثالية الدينية التي تظهر غالبا في الرؤى من خلال اللاوعي: «لقد تمكنت في نهاية الأمر من خلال الباراسيلسيكا (1942) أن أبحث الطبيعة الخيميائية للعلاقة بين الدين وعلم النفس، أو بعبارة أخرى الخيمياء كصورة من صور فلسفة الدين، وقد أنجزت هذا الأمر في كتاب علم النفس والخيمياء (1944 م). أنا لا أفتح الباب أمام الدعوة المسيحية فحسب، وإنما أعدها أهم مسألة بالنسبة إلى الإنسان الغربي. في كل الأحوال يجب النظر إلى هذه الدعوة بمنظار جديد ملائم لما أحدثته روح العصر من متغيرات»....لقد توجت مسعاي لإيجاد صلة بين علم النفس التحليلي والمسيحية بطرح قضية المسيح كشخصية من وجهة نظر علم النفس. في كتاب علم النفس والخيمياء تمكنت من الدلالة على الشبه بين شخصية المسيح والنموذج المثالي الأساسي للخيميائيين أي الحجر الخاص بهم lapis... لقد حمل عيسى المسيح ابن النجار البشارة، فصار مخلص العالم... لقد أدرك الخيميائيون على نحو أكثر جدية أن الهدف من عملهم، ليس تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، بل الحصول على ذهب غير الذهب العادي (الذهب الفلسفي). بعبارة أخرى، كان اهتممهم منصبا، على القيم الروحية، ومسألة التغيرات النفسانية ([63]).

يرى يونغ ارتباطا وثيقا بين الإيمان والطقوس الدينية، ويعد وجود الحالة القدسية والمعنوية في المناسك والطقوس مسبوقا بالإيمان بعلة إلهية: «إن الحالة القدسية والنورانية أيا كان سببها، هي حالة تصيب الإنسان، من دون أن يكون لإرادته مداخلة فيها. في كل الأحوال، إن هذه الحالة التي يستغرق فيها الفرد، هي بحسب التعاليم الدينية، والإجماع كذلك على الاعتقاد أنها ظهرت في كل الأمكنة وفي كل العصور، يجب أن تنسب إلى علة خارجة عن وجود الفرد. إن الحالة القدسية والنورانية هي إما خاصية شيء يرى بالعين، وإما أثر وجود حاضر إنما غير مرئي، يؤدي إلى إحداث تغييرات معينة في الوجدان... إن الكثير من العادات والطقوس والمناسك الدينية، تمارس بهدف الحصول على أثر الحالة القدسية والنورانية بعمل إرادي، أي بواسطة بعض أعمال السحر، والأدعية والأوراد والأضاحي، والأذكار، وسائر تمارين اليوغا والرياضات، لكن هذه التمرين متكئة ومسبوقة بالإيمان بعلة إلهية، لها وجود خارجي وموضوعي ([64]).

في النهاية يرى يونغ أن نتيجة التدين، هي التئام جروح الإنسان الداخلية، وهو الذي يقي من الأمراض النفسية، وبواسطته تتم معالجة أنواع الأذى الروحي والنفسي: «من بين جميع المرضى الذين عاينتهم، والذين هم في النصف الثاني من عمرهم أي بعد الثلاثين أو الخامسة والثلاثين تقريبا،. ... لم تكن مشكلة أي منهم في اللحظة الأخيرة سوى مشكلة إيجاد نظرة دينية إلى الحياة. يمكن القول بثقة، أنهم جميعا يشعرون بالمرض لأنهم قد فقدوا الشيء الذي تقدمه الأديان الحية في أي عصر لأتباعها. ولم يتوصل أي منهم إلى الشفاء الحقيقي إلا بعد أن استعاد رؤيته الدينية ([65]).

تتلخص آراء يونغ في علم نفس الدين بالنقاط التالية:

اللاوعي الجمعي كامن تحت اللاوعي الفردي، ويتضمن الصور الأزلية البدئية، التي أن وجدت ما قبل تاريخ النوع البشري.
النماذج المثالية ( (Arche typesهي أشكال مجردة في اللاوعي الجمعي تجعلنا على استعداد لتقبل بعض الأفكار والرؤى والمعتقدات الدينية والأسطورية؛ وتشكل الشخصيات النموذجية المثالية الهيكلية المحورية لجميع الأديان.
بالنسبة إلى إنسان اليوم، اللاوعي هو السبيل الوحيد لمعرفة الدين.
اللاوعي الجمعي والصور المثالية ليست وراثية، وإنما هي ميزة أساسية من ميزات البنية الروحية للبشر.
الدين (أي التدين) حالة حذر وترقب واهتمام بـ «القوة التي لا تقهر»، هذه القوة التي يجسمها البشر بصور الرواح والشياطين والآلهة، والقوانين، والنماذج المثالية، والتسامي المطلق... واقتران ذلك بالخضوع والتعبد لها، أو إلزامية التيقظ والحذر منها، فالدين إذا أعلى وأقوى القيم الإيجابية أو السلبية (أقوى العوامل المؤثرة في روحية الفرد).
إن الله النفسي (حضور الله في نفس الإنسان) يختلف عن الله الماورائي الخارجي.
إن حضور الله في نفس الإنسان يمنح حياته المعنى، ويصله باللامتناهي، ويخلصه من القيود والتفاهات.
علم الخيمياء (بالمعنى الفلسفي لا بالمعنى الكيميائي القديم)، حلقة وصل بين علم النفس والدين، والكثير من الأساطير والصور الخيميائية ممثلة للرموز الدينية والنماذج المثالية في الرؤى (اللاواعية).
حالة الطقوس القدسية والنورانية مسبوقة بالإيمان بعلة إلهية ذات وجود خارجي موضوعي.
التدين يؤدي إلى شفاء الإنسان من الآلام الروحية والنفسية، وفقدانه يسبب الأمراض الروحية والنفسية...
دراسة نقدية
لم تنحصر دراسات يونغ وأبحاثه في الأبعاد المادية والراهنة للوجود الإنساني، وإنما اجتاز حدود اللاوعي، ونقب في أعماق العصور الغابرة. أما من حيث المنهج الذي اتبعه، فإننا نلاحظ في آثاره خليطا من الخبرة العيادية (الدراسة الموضوعية)، والتحليل النفسي (أو بتعبير يونغ علم النفس التحليلي)، وعلم الظواهر وعلم الأساطير. ومن حيث سعة الموضوع، فهو على الرغم من ميله الأساسي المتمثل باهتمامه بتحليل النفس البشرية بالمعنى الواسع للكلمة، بحسب تصريحه هو: إن ما يستحوذ على ميولي وأبحاثي، وكان يؤرقني، هو هذا السؤال: ماذا يحدث فعلا في داخل المريض النفسي ([66]) ؟ قد أولى كذلك اهتماما خاصا بمواضيع أخرى منها: الدين والأخلاق والأساطير وغيرها.

ومن حيث المعطيات العلمية أيضا فإن من أهم آرائه في ما يخص الدين مباحث اللاوعي الجمعي للنماذج المثالية، والعلاقة بين الخيمياء والدين، والإله النفسي، وقوله إن الدين يهب للحياة معناها، وإن له دورا شافيا، وهي بمجملها نظرة إيجابية وعميقة إلى الدين، مقارنة بغيرها من النظريات.

مع ذلك تعرضت نظرية يونغ المتعلقة بالدين إلى انتقادات هي باختصار:

1- إن نظرية يونغ الفلسفية كانطية الأساس، وهو ينظر بشك دائما إلى الواقع الخارجي القائم في ما وراء الظواهر الذهنية: «إن نظرة يونغ أو استنتاجاته الأولى وإن كانت في الأساس كانطية النهج، تبدو أحيانا أكثر حسما وراديكالية من نظرة كانط نفسه. إن كانط ويونغ ينكران إمكانية وجود الميتافيزيقا، لكن الفيلسوف الألماني أحل محلها مبادئ العقل العملي البديهية. إن وجود الله وروحانية الروح يشكلان نقطة البداية في منظومة كانط الأخلاقية، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى يونغ الذي يبدو أحيانا وكأنه يستند إلى النسبية في ما يتعلق بالأخلاق، من دون العودة إلى المطلق. صحيح أن الله والإنسان يرتبطان ببعضهم ارتباطا وثيقا، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى يونغ، لأنه لا ينظر إلى الدين إلا بمنظار علم النفس، وعاجز عن الذهاب أبعد من حياض التجربة الإنسانية. يقول يونغ: نحن لا يعنينا الله المطلق، وإنما الإله النفساني الواقعي. هنا تبدو نظرية يونغ قاصرة وناقصة. إن علم النفس من دون الميتافيزيقا ناقص وغير تام: أي من دون ذلك العلم الذي يستخدمه علم النفس ليثبت الارتباط بين علم نفس الدين، وذلك الذي ترتكز عليه الممارسات الدينية أي الله ([67]).

من هذا المنطلق صنف جان مك كواري نظرية يونغ ضمن تفاسير الدين بحسب النزعة الطبيعية (أي مذهب الفلاسفة الذين يعدون الطبيعية المبدأ الأول). كما أنه نسب إليه نوعا من اللاأدرية والإلحاد: «إن نظرة يونغ تشبه اللاأدرية الكانطية التي ترى أن لا تفسير لماهية الواقع الغائية... يجب أن نضيف كذلك أن نظرة يونغ كنظرة فرويد طبيعية النزعة Naturalistic، بمعنى من معاني النزعة الطبيعية كحد أدنى. فيونغ لا يؤمن بالتغييرية المنبثقة عن النزعة الطبيعية. وينكر صراحة إمكانية تفسير الروح - بغض النظر عن ماهيتها- على أي أساس سوى ذاتها؛ ومن ناحية أخرى ينكر أي نوع من أنواع القرابة بين آرائه والميتافيزيكا التوحيدية. إن يونغ بإنكاره الميتافيزيكا متأثرا بفلسفة كانط، يعتقد أن مسألة إثبات وجود الله كواقع فوق التجربة تبقى سؤالا من غير جواب، وحتما هي مسألة لا يمكن إثباتها بمنظار علم النفس. إن الله يمكن أن يعر ف كواقع نفساني. لكن الإيمان أن هنالك واقعا آخر غيره متعاليا وأسمى منه، أمر لا يمكن إثباته. في ضوء هذه النقطة يجب أن نفسر قولا ليونغ في مقابلة تلفزيونية أجريت قبل وفاته ببضعة أشهر حين سئل إن كان يؤمن بالله، قال إنه لا يؤمن به ولكنه يعرفه... إن رأي يونغ بالدين مبني على فكرة أن الدين عنصر طبيعي في حياة الروح، وأن الحقائق الدينية ليست حقائق موضوعية ميتافيزيقية، وإنما تحسب من ضمن الأمور الواقعية في الحياة ([68]).

إن الإشكالية التي طرحها مورنو مبنية على نظرة يونغ الكانطية، لكن تفسير مك كواري واستنتاجه غير صحيحين، ولا يمكن عد نظرية يونغ طبيعية النزعة كليا، ولا أن ينسب يونغ إلى اللاأدرية، أولا: لان يونغ يصرح قائلا «بما أن الدين بمقدار قابل للملاحظة يتضمن جانبا نفسيا، أنا أبحث فيه فقط من وجهة النظر التجريبية، أي أنني أشيد البناء على مشاهدة الظواهر، وأتحاشى الملاحظات الماورائية أو الفلسفية. حتماً أنا لا أنكر قيمة هذه الملاحظات، لكنني لا أجد نفسي مؤهلا لأجري بحوثا حولها كما يجب»([69]). لقد حدد مجال بحثه بالأبعاد النفسانية وعلم نفس الدين، وهو لا ينكر قيمة المباحث الفلسفية، إنما في مكانها المناسب. لذا فإن مارتين بوبر، على الرغم من انتقاده يونغ، يقول: «لا يمكن أن يلام يونغ بسبب دراساته شبه الدينية، لأنه أعلن بصراحة، أنه لا يريد بأي وجه من الوجوه أن يتجاوز ولو بخطوة واحده الحدود التي رسمها بنفسه لبنية علم النفس»([70]).

ثانيا: إن ترجمة مقولة يونغ في مقابلته التلفزيونية، وتأويلها غير صحيحين، لأنه قال حرفيا: «ليس من الضروري أن أؤمن، فأنا أعرف»([71]). هذا الكلام إشارة إلى نوع من المعرفة الشهودية، التي يضعها يونغ دائما نصب عينيه، وهو يعد تجربة حضور الله في وجوده، كما ذكرنا من قبل، تجربة دينية من دون وسيط، تعود إلى مرحلة الطفولة. لدى يونغ من دون شك تصريحات مختلفة ومتعارضة، يمكن ردها إلى نظرته الكانطية. ومع أنه قد عاين حالة الشهود بالتجربة، حين يحاول أن يصبها في قالب تعاليم عقلانية واعتقادية، يقع في الإبهام والتردد، فعلى سبيل المثال يقول:

«... إن ما يتجاوز موضوعه معطيات علم النفس التجريبي، قضية حضور الأموات إما بالروح أو بالواسطة، وهم ينقلون أمورا لا يعرفها أحد غيرهم، وهذا دليل علمي على وجود حياة بعد الموت إنما على الرغم من أن هذه الحالات ذات أسانيد، تبقى هذه المسألة معلقة: هل الشبح هو نفسه الميت أو الصوت صوته؟ أم أنها عملية إزاحة وإسقاط، وهل ما صرح به مصدره المتوفي، أو معرفة كامنة في اللاوعي»([72]).

يمكن أن نجيب يونغ: إن الأمور التي لا يعلمها سوى المتوفي، ويخبر عنها، كيف يمكن أن تكون نتيجة إسقاط، أو معرفة لا واعية؟ في كل الأحوال، هذه الأمور هي بالحد الدنى تقيم نوعا من العلاقة بروح المتوفي (وإثبات الحياة بعد الموت). وأخيرا كما قال بالمر: إن هذه الأسئلة النقدية، تحتاج إلى جواب أكثر صراحة ووضوحا من يونغ: «هل الله جزء من روح الإنسان فحسب، أم أنه مستقل عنه؟ وهل التجربة الدينية النفسانية شيء خلقته نفس الإنسان وصدقها هو، أم يجب أن تفسر بأنها جواب من عالم الألوهية الموضوعية الموجودة مستقلة عن روحنا ونفسنا، ولن تكون في المحصلة معادلة لأي حالة نفسانية؟!([73]).

2- النقد الآخر الذي وجه إلى يونغ، هو أنه اختصر الدين واختزله إلى حد جعله أمرا نفسانيا. وقد صرح إريك فروم بالقول: «إن يونغ قد حط من شأن الدين إلى حد جعله ظاهرة نفسية دنيا، وفي الوقت عينه رفع من شأن اللاوعي إلى حد جعله ظاهرة دينية»([74]). وقد أبدى بالمر أيضا وجهة النظر نفسها في ما يتعلق بيونغ، فيعد تحليله النفسي نوعا من الاختزالية، باسم النفسانية ([75]) أو أصالة علم النفس Psychologisme، التي تحط من شأن الدين وتختزله كظاهرة ذهنية ذاتية لا أكثر([76]).

يبدو أننا لا يمكن أن ننسب الاختزالية إلى يونغ، لان الاختزالية معناها أننا ننكر الواقع الموضوعي والخارجي للدين، ورموزه كالله والأنبياء، ونؤمن فقط بأنه ظاهرة نفسانية في وجود الإنسان، كما كان يعتقد فرويد؛ في حين أن يونغ يصرح بأنه لا ينكر الواقع الماورائي للدين، ولا دراسته فلسفيا ومكانته ([77]). وإنما مستعيرا تعريف رودولف أتو يرى أن الدين هو مواجهة أمر قدسي ونوراني([78])، ويصرح أن الممارسات والعبادات والمناسك والطقوس مرتكزة دائما على الإيمان بوجود فاعل هو الله له وجود خارجي وموضوعي ومسبوقة بهذا الإيمان([79]). بناء عليه فإن يونغ ليس منكرا على الإطلاق للواقع الخارجي والماورائي للدين، إن أقصى ما يمكن أن ينسب إليه أنه بصفته عالم نفس، لا يعد نفسه مؤهلا للحكم على الدين ماورائيا ([80])، فهو يقول بصراحة إن أسس أبحاثه ليست مبادئ عقيدة خاصة، وإنما علم نفس الإنسان المتدين، الذي تلفت الانتباه بعض العوامل المؤثرة فيه وفي حالته العامة ([81]). هو لا ينظر إلى الدين بصفته فيلسوفا أو متكلم، لكي يتهم بالاختزالية وتغليب النزعة النفسانية. إن الكلام على الحط من شأن الدين واختزاله يصدق على من ينظر بعين الفيلسوف أو المتكلم إلى الدين كظاهرة عامة بجميع أبعاده وجوانبه، ويقلل من شأنه إلى حد اختزاله ووصفه بأنه ظاهرة نفسانية، كما فعل كل من فويرباخ أو فرويد اللذين أنكرا بصراحة الحقيقة الخارجية للدين.

لكن مثل هذا التفسير غير مقبول بالنسبة إلى يونغ الذي يتحدث عن تجربة اتصال مباشر بالله، وعن مناجاته. مثل هذا كمثل قول الطبيب: أريد أن أختبر تأثير المعتقدات الدينية في دقات قلب المريض وتنفسه وحيويته، هل يمكن عد عمل هذا الطبيب اختزالية؟ إن يونغ نفسه ينتقد بصراحة الآخرين القائلين بالاختزالية وبالنفسانية psychologisme، يقول: «إذا كان التطور التاريخي سيستمر كما في الماضي بتجريد العالم من وجود الروح (أي إرجاع الترددات إلى الإنسان نفسه)، فلابد من أن يعيد أي شيء فيه جانب إلهي أو شيطاني، خارج عن وجودنا، إلى الروحانية، أي إلى العالم الروحي المجهول للإنسان، الذي هو على ما يبدو مصدر تلك التجسيدات. ربما كان الخطأ الذي وقع فيه الماديون في البداية لا يمكن تجنبه فقد استنتجوا أن الله غير موجود لانهم لم يجدوه في مجراتهم. الخطأ الثاني الذي لم يكن بإمكانهم تجنبه، غلوهم في الرجوع إلى تأويلات علم النفس؛ أي الاستدلال التالي: في الأصل إن كان الله موجودا، يجب أن يكون وهماً، ناجم عن بعض الدوافع والميول، كالرغبة في امتلاك القوة والسلطة، أو الميول الجنسية المكبوتة ([82]). يقول أيضا: إذا تصور أحد أن مشاهداتي نوع من الدلالة على وجود الله، سيكون ذلك خطا فادحا. إن الأمر الوحيد الذي تثبته هو وجود أنموذج مثالي «صورة الله»، وفي اعتقادي لا يمكن الحديث عن الله بمنظار علم النفس أكثر من ذلك. لكن بما أن هذه الصورة المثالية مهمة جدا وشديدة التأثير، فإن ظهورها المتكرر يمكن ملاحظته كثيرا بمنظار الحكمة الإلهية، وبما أن ظهور هذه الصورة المثالية لها في الأحوال الروحانية خاصية «قدسية ونورانية» (ملكوتية)، و(أحيانا إلى أقصى درجة)، يجب أن تحسب من ضمن التجارب الدينية»([83]). يمكننا أن نستنتج من هذا الكلام أن يونغ استخدم علم نفس الدين واسطة وسلماً إلى التجربة الدينية والواقع الموضوعي للدين.

3- لقد تعرضت منهجية يونغ في بحوثه المتعلقة باللاوعي الجمعي، والوصول إلى نظرية النماذج المثالية بصفتها ركائز علم النفس الدين إلى انتقاد المنتقدين. سنقوم أولا بعرض منهجه كما ورد على لسانه، ثم نتطرق إلى توضيح الانتقادات التي وجهت إليه:

«إن علم النفس التحليلي، هو في الأصل جزء من العلوم الطبيعية؛ لكنه يفوق العلوم الأخرى بدرجات في النظر إلى ماله علاقة بالعصبيات الفردية. لذلك إذا أراد عالم النفس تجنب ارتكاب أقل ما يمكن من الأخطاء في الأحكام التي يصدرها، يجب عليه أن يعتمد إلى أقصى حد على الأشباه والنظائر التاريخية والأدبية. لقد اكتشفت في وقت مبكر جدا أن علم النفس التحليلي مطابق مطابقة غريبة للخيميائية. لقد كانت تجارب الخيميائيين بمفهوم ما هي تجاربي نفسها، ودنياهم دنياي. ..لقد احتلت الصور الأزلية وطبيعة النموذج المثالي المكان الأساسي في أبحاثي وتحقيقاتي، وقد بات واضحا بالنسبة إلي أن لا إمكانية لوجود علم النفس ومن دون شك علم نفس الدين من دون التاريخ. في علم نفس اللاوعي يمكن الاكتفاء بمواضيع تستنتج من الحياة الشخصية، لكن بمجرد التطرق إلى علم نفس الأعراق، سنحتاج إلى ذكريات وخواطر تنبثق من قاع أعمق بدرجات من اللاوعي. يتوجب أحيانا في أثناء المعالجة اتخاذ قرارات غير عادية، فقد تحصل رؤى يحتاج تعبيرها إلى ما يفوق الذكريات الشخصية ([84]). لقد تطلع يونغ إلى الخيميائية لتساعده في تعبير الرؤى وتحليلها، من خلال دراسته للمخطوطات العديدة المرتبطة بالخيميائية، وإمعان النظر والتدقيق في مرويات المرضى عن رؤاهم، وجد تطابقا لافتا بين صور الخيميائيين والصور الواردة في الرؤى، كما وجد شبها بين صور الفريقين والرموز الدينية. لقد استنتج أن هذه الصور مشتركة بين الشعوب المختلفة، في الحقب التاريخية المتعاقبة، وقد سماها النماذج المثالية Arche types.

يتضمن كتابه علم النفس والخيميائية ([85]) 238 أنموذجا من هذه الصور، أخضعت للبحث والتحليل، في بعض كتبه الأخرى، ومنها النماذج الرابعة المثالية: الأم، الولادة الجديدة، الروح، المخادع ([86])، اقتصرت بحوثه على هذه النماذج وحدها.

يقول أرجيل ([87]): «إن اكتشاف يونغ الأساسي أو الفكرة الجديدة التي أتى بها هي أن المواضيع الخاصة المشتركة يمكن مشاهدتها في أحلام المرضى، وفي الأديان المتعددة والأساطير العالمية، وفي علم الخيمياء».

هو يرى أن في الرؤى لحظات ملكوتية تثير لدى الفرد الشعور بالقدسية. لحظات الرؤية هذه، طريق إلى اللاوعي، ويرى أيضا أن بعض مرضاه لديهم أفكار ورؤى غير ناجمة عن التجارب العادية المتعارف عليها. المنهج الذي اعتمده يتلخص في دراسته لرؤى المرضى والرؤى الواردة في الروايات التاريخية، وكذلك دراسة الأديان والأساطير. إن من لديه مثل هذه الرؤى أو من يعرف نوعا ما دينا بدائيا، أو من زار قاعة عرض فنية سيؤكد أن هنالك رموزا تشبهها في الواقع العام والعادي، وأن بعضها يسترجع، لكن يونغ لم يضع معيارا معينا نحدد بواسطته الرموز التي هي من النماذج المثالية العالمية العامة، كما أن أفكاره غير قابلة للاختبار بأي رؤية علمية معروفة. من ناحية أخرى هذه الأفكار تجذب علماء الدين، وتستخدم في العبادات، وفي العلاج النفسي على نحو واسع. استنتج كيرك ([88]) من خلال دراسة الأساطير في العالم الغابر في المجتمعات البدائية، أن هذه الموضوعات ليست عالمية ولا عامة، وحين تنوجد يجب أن تفسر بطرق أخرى غير فرضية اللاوعي الجمعي؛ فهذه الرموز يمكن أن تكون انعكاسا للتجارب الإنسانية المشتركة من خلال الآباء والأمهات، والولادة والموت وغير ذلك، أو بسبب التبادل الثقافي. إن المرضى الذين يرون رؤى جذابة المضامين هم على الأرجح أشخاص مثقفون، قد قرأوا الكثير من الكتب. وليس هنالك من أسلوب منهجي لتحديد عدد النماذج المثالية، وإلام يرمز كل منها. ألا يوجد مثلا نماذج مثالية عن العاشق أو الزوج، وعن الصدقاء والفريق، وعن البيت والعائلة، وعن العمل والتقدم، وكلها من المواضيع المحورية في حياة الإنسان؟ في موضع آخر عاب أرجيل ([89]) بمنظار علم النفس الاجتماعي، على يونغ نظريته المتعلقة بالدين، والمعتمدة على ما يكتشفه الناس من خلال تجاربهم الخاصة، وقال إنها نظرية مستبعدة وقاصرة. وقال إن ما قام به يونغ جزء من علم النفس وهو ليس علميا، إنما تؤيده إلى حد ما الأبحاث المقارنة عن الدين التي أجراها إلياد وزملاؤه. ففي الكتاب الضخم "دائرة معارف الدين" ([90]) الذي أشرف عليه إلياد، جعل أي موضوع ديني جهازا كاشفا، ليس فقط لما جاء في العهد الجديد، أو العهد القديم وإنما أيضا للمعتقدات البدائية الغابرة والمتعارضة، لكن إلياد لم يعرض أي توضيح إنساني إضافي عن هذه الموضوعات الدينية المشتركة.

يقول دان كيوبيت ([91]) في انتقاد أكثر حدة ليونغ: «هنالك شك قائم. أن يونغ يدعي العلم، فيجب أن نسأله إلى أي حد يمكن أن تقوم أحكامه حول اللاوعي الجمعي والنماذج القديمة (النماذج المثالية)، بالمنهج العلمي؟ هل هذه المعلومات واقعية، بمفهوم ما، أو أنها محض تأويل أسطوري للمقولة الأقل عرضة للجدل، القائلة: بما أن الأديان كلها بالنسبة إلى الإنسان معطى اجتمعي، وبما أن العلم المعاصر لا يعرف حدا، فلا مانع إذا من أن نجول حيث نشاء، ونرتوي من مشارب مختلفة؟ هل يقول يونغ في الواقع شيئا أكثر من هذا؟».

ينتقد أنطونيو مورنو يونغ منهجيا، ويتهمه بحشر إسقاطات شخصيته الفذة في ثنايا نتائجه: «إن سعة قراءاته ومعلوماته تثير الحيرة، ولم يكن لها مثيل ربما في الموروث العلمي الغربي، لكن هذه المعلومات الواسعة أضرت بمنهجه، بمعنى أن كل مسألة يمكن أن تكون بالنسبة إليه مسألة حيوية بناءة، يهملها، ويستبدل بها مسائل أخرى ملائمة أكثر ليسقط عليها أفكاره. لقد حوت آثار يونغ خليطا من الأمور الواقعية ومن الكشف والمشاهدات الغريبة، والصور الفلسفية، والمعلومات المثيرة للحيرة، والإسقاطات الدائمة لشخصيته الفذة وغير العادية» ([92]).

إن ادعاء دان كيوبيت أن يونغ يرى الدين كمعطى اجتماعي بالنسبة إلى الإنسان، ادعاء مرفوض، وما نقلناه عنه من مقولات عديدة شاهد على ما نقول، مع ذلك فإن منهجية يونغ تحتاج إلى الكثير من التأمل والتدقيق. فمنهجه فلسفيا يصنف ضمن ما يسمى فينومينولوجيا الدين، وأهم خصائصه: الماهية الوصفية للظاهرات، ومعارضة الإسقاط المفرط، والتركيز على الموضوع، ووضع التعليق على الظاهرات والمشاهدات الذاتية بين معترضتين، وهنالك فرق مختلفة أقبلت على علم الظاهرات، وفي هذا السياق يوضع يونغ في خانة إلياد، أي ضمن الذين يعدون المعطى الديني اعتمدا على الأسانيد التاريخية، دليلا على تجليات أمر قدسي، وفي الوقت عينه، يعيرون الرمزية الدينية اهتمام خاصا أي تفسير الدين وتأويله على أساس دور الأساطير والرموز الأسطورية ([93]).

إن فينومينولوجيا يونغ كائنة في وصفه المباشر والواضح للحالات النفسانية الممكنة مشاهدتها ضمن ظاهرات من شأنها أن تكون أكثر مما هو معروف حتى الآن. من هذه الناحية لا يتم تجاهل معطيات الأوهام والرؤى والتخيلات ووجهات النظر البعيدة، وتجارب علم الجمال، والعقائد المختلفة. لأنها لا تحتاج إلى أي ملاءمة للواقع (العالم الخارجي)، كما هو مفروض في التفكير المباشر. في حين أنه من الممكن أن يتم تصور الواقع ذهنيا حتى في ما يتعلق بمعظم الأشكال المرضية فالواقع موجود فقط بالنسبة إلى الفرد الذي خلقه ([94]).

يبدو في الإجمال، إذا أخذنا في الحسبان اتساع رقعة دراسات يونغ من ناحية، وصحة الانتقادات المنهجية التي وجهت إلى أسلوبه من ناحية أخرى، أن تقديم حكم حاسم أمر صعب أو غير ممكن قبل إجراء المزيد من الدراسات والتحقيقات. هذا في ما يتعلق بالنماذج المثالية Arche types المبنية على منهج خاص، أما في ما يتعلق بآرائه الأخرى، فلا تزال نظرية يونغ محافظة على قوتها، وحتى إن افترضنا أن نظريته المتعلقة بالنماذج المثالية مرفوضة، بالإمكان تصحيحها وتكملتها من زوايا وأبعاد أخرى.


المصادر والمراجع:
آيزنك، هانس رغن، افول امپراطورى فرويدى [أفول الإمبراطورية الفرويدية]، ترجمه بالفارسية يوسف كريمى، طهران، منشورات سمت، 1379ش [2000] م.
ستور، آنفوني، فرويد، ترجمه بالفارسية حسن مرندى، طهران، منشورات طرح نون، 1375 ش [1996م].
إلياد ميرتشا، دين بژوهی [البحث الديني]، ترجم بالفارسية بإشراف بهاء الدين خرمشاهى، طهران، مركز بحوث العلوم الإنسانية، 1375 ش [1996م].
الياد ميرتشا، فرهنگ ودين [الثقافة والدين]، ترجم بالفارسية بإشراف بهاء الدين خرمشاهى، طهران، منشورات طرح نو، 3741ش [1995م].
إيونز، ريتشارد، گفت وشنودى با يونگ با تفسيرى از ارنست جونز [محاورة يونغ، مع شرح لأرنست جونز]، ترجمه بالفارسية د. برادران رفيعي، مشهد، منشورات الصحافيين، 1351ش [۱۹۷۲م].
بوبر مارتين، كسوف خداوند: مطالعاتي در رابطه بين دين وفلسفه [كسوف الله: دراسات حول العلاقة بين الدين والفلسفة]، ترجمه بالفارسية عباس كاشف، طهران، منشورات فوزان، 1380ش [2001م].
مكتب التعاون بين الحوزة والجامعة، مكتبهاى روانشناسی ونقد آن [مذاهب علم النفس ونقدها]، ج1، طهران، منشورات سمت، 1369ش [1990م].
سيراؤو، ميغيل، با يونگ وهسه (دايره جادويى) [مع يونغ وهسيه (دائرة سحرية)]، ترجمه بالفارسية سيروس شميسا، طهران، منشورات فردوسى، 1373ش [4199]م.
فروغي، محمد علي، سير حكمت در أوروبا [مسار الحكمة في أوروبا]، طهران، منشورات صفي عليشاه، 1368ش [1989م].
فوردهام، فرويدا، مقدمه أي بر روانشناسى يونگ [مقدمة لعلم نفس يونغ]، ترجمه بالفارسية حسين يعقوب بور، طهران: منشورات أوجا، 1374 ش [1995م].
فروم إريك، روانكاوى ودين [التحليل النفس والدين]، ترجمه بالفارسية أرسن نظريان، طهران، منشورات پويش، 3136 ش [1984م].
فرويد، زيغموند، توتم وتابو [الطوطم والمحرم]، ترجمه بالفارسية ايرج بور باقر، طهران، منشورات آسيا، 1362ش [1983م].
فرويد، زيغموند، روانكاوى، آيندهء يك پندار [التحليل النفسي، مستقبل أخدوعة]، ترجمه بالفارسية هاشم رضى، طهران، منشورات آسيا، 1357ش [1978م].
كيوبيت، دان، درياى أيمان [بحر الإيمان]، ترجمه بالفارسية حسن كامشاد، طهران، منشورات طرح نو، 1376ش [7199]م.
مك كواري، جان، فكر ديني در قرن بيستم: مرزهاى فلسفه ودين [الفكر الديني في القرن العشرين: حدود الفلسفة والدين]، ترجمه بالفارسية بهزاد سالكى، طهران منشورات أمير كبير، 1378ش [1999م].
مورنو، أنطونيو، يونگ، خدايان وأنسان مدرن [يونغ، الآلهة والإنسان العصري]، ترجمه بالفارسية داريوش مهرجويى، طهران، منشورات المركز، 1376ش [1997]م.
هيك، جان، فلسفه دين [فلسفة الدين]، ترجمه بالفارسية بهرام راد، طهران: الهدى، 1372ش [1993]م.
يونغ، كارل غوستاف، پاسخ به أيوب [جواب أيوب]، ترجمه بالفارسية فؤاد روحاني، طهران، منشورات جاحى، 1377ش [1998]م.
يونغ، كارك غوستاف، خاطرات، رؤياها، انديشه ها [الذكريات، الرؤى والأفكار]، ترجمته بالفارسية پروين فرامرزى، مشهد، منشورات العتبة الرضوية المقدسة، 1370 ش [1991م].
يونغ، كارك غوستاف، چهار صورت مثالى [أربعة نماذج مثالية]، ترجمته بالفارسية پروين فرامرزى، مشهد، منشورات العتبة الرضوية المقدسة، ١٣٦٨ش [1989م].
يونغ، كارك غوستاف، روانشناسى ضمير ناخود آگاه [علم نفس اللاوعي]، ترجمه بالفارسية محمد على أميري، طهران، منشورات آموزش وانقلاب، 1372ش [1993]م.
يونغ كارك غوستاف، روانشناسى وكيماگرى [علم النفس والخيميائية]، ترجمته بالفارسية پروين فرامرزى، مشهد، منشورات العتبة الرضوية المقدسة، 1373 ش [1994م].
المراجع الجنبية: تنقل من الأصل..........

[(*)] باحث في علم الاجتماع الديني ـ عضو الهيئة العلمية في مركز بحوث الحوزة والجامعات ـ إيران.

ـ العنوان الأصلي للمقال: علم نفس الدين من منظار فرويد ويونغ.

ـ ترجمة: أ. د. دلال عباس.

[1] كيف افقد الوعي بنفسي : https://runningfredgame.org/2022/05/04/lose-awareness-of-myself/ ، بوابة الفريد الاخبارية
[2] إيلاد 1374 Eilade [1995م].

[3] ميسنر 1891، Meissnerم، نقلا عن دائرة معارف فرويد، لـ إدفن إروين Edvin Erwin، ص 473.

[4] ستور(1375 – 1996) ، Storr, Antony، ص .122

[5] م.ن، ص 16 و17.

[6] م.ن، ص 102 - 114.

[7] مذاهب علم النفس ونقدها، مج 1، ص 284 و285.

[8] ستور 1375ش [1996م]، ص 162-163.

[9] فروغي، مج 3، ص 81-90.

[10] مذاهب علم النفس ونقدها، مج1، ص 279-280.

[11] م.ن، ص 286.

[12] ستور 1375ش [1996م]، ص 158.

[13] مذاهب علم النفس، ج 1، ص 285.

[14] ستور، ص 164.

[15] Taboo And Toles

[16] The Future of an Illusion

[17] Livrilisatior and its Discontents

[18] Moses and Monotheism

[19] أروين، موسوعة فرويد، ص 473- 375.

[20] مستقبل أخدوعة، ص 53-54.

[21] أوقيانوس: إله النهر الخارجي الكبير الذي زعمت الميثولوجيا اليونانية أنه يطوق الأرض.

[22] فرويد، 1936م.

[23] فرويد 1939، ص 63 نقلا عن أروين، 2001 م، ص 475.

[24] ستور 1375ش [1996م]، ص 116-129.

[25] جان مك كواري، 1378ش [1999م]، ص 170.

[26] جونز، 1351ش [1972م]، ص 8، 9.

[27] ستور، ص 119 و120.

[28] مك كواري، ص 171-172.

[29] ستور، ص 126.

[30] إريك فروم ص 136.

[31] إريك فروم، ص 30.

[32] مك كواري، ص 253- 157.

[33] راجع في هذا الصدد أفول إمبراطورية فرويد لـ هاسن جي آنيذك ترجمة كريمي.

[34] بحر الإيمان، 1376ش [1997]م، ص 99.

[35] فلسفة الدين، 1372ش [1993م]، ص 81.

[36] الذكريات والرؤى والأفكار، 1370ش [1991م]، ترجمته پروين فرامرزى، ص 8-38.

[37] يونغ، م.س، ص 13، 14.

[38] الذكريات والرؤى والأفكار، ص 64-67.

[39] م.ن، ص 40.

[40] م.ن، ص 60 و73.

[41] مع يونغ وهيسه، ترجمه بالفارسية سيروسى شميسا، ص 105.

[42] يونغ، أربع صور مثالية، ترجمته بالفارسية پروين فرامرزى، ص 29 - 102.

[43] الذكريات والرؤى والأفكار، ص 273.

[44] دائرة معارف الدين، إليان، 840، ص 213.

[45] ترجمه بالفارسية فؤاد روحاني.

[46] ترجمته بالفارسية پروين فرامرزى.

[47] ترجمه بالفارسية فؤاد روحاني.

[48] ترجمته بالفارسية پروين فرامرزى.

[49] 49: ستور، 1983.

[50] آرغيل 0002، Argyle، ص104.

[51] م.ن، ص 105.

[52] يونغ ، 1370 ش [1991م]، ص 182.

[53] م.ن، ص24.

[54] جان مك كواري، 1378ش [1999م]، ص 167.

[55] يونغ، م.س، ص 205.

[56] آرغيل، 2000، ص 105.

[57] يونغ، 1991م، ص 7 و8.

[58] يونغ، م.ن، ص 162، 174.

[59] يونغ، م.ن، ص 176.

[60] يونغ، الذكريات والرؤى والأفكار، ص348.

[61] يونغ، م.ن، ص 355.

[62] يونغ، م.ن، ص 332.

[63] م.س، ص 216-219.

[64] . يونغ، علم النفس والدين، ص 6.

[65] يونغ، الإنسان الحديث في بحثه عن الروح، Modern Man in search of soul

[66] يونغ، الذكريات والرؤى والأفكار، ص 124.

ـ هناك أوجه شبه (وفوارق أيضا (بين اللاوعي الجمعي لدى يونغ وبين موضوع الفطرة في الثقافة الإسلامية، وموضوع « السر وسر السر» في العرفان الإسلامي، وتحتاج الدراسة المقارنة بين هذه المواضيع إلى بحث مستقل.

[67] أنطونيو مورينو Antonio moreno، ١٩٩٧م، ص١٣٢

[68] مك كواري، 1999م، ص 165 - 166.

[69] ونغ، علم النفس والدين، 1991م، ص2.

[70] بوبر Buber ،ص 100

[71] قال I don’t have to believe, I know :

[72] يونغ الذكريات والرؤى والأفكار، ص 309.

[73] - بالمر، ص 172.

[74] - التحليل النفسي والدين، 1984م، ص 31.

[75] - نزعة تغلب وجهة النظر النفسية على أي وجهة نظر أخرى.

[76] - بالمر، 1997، ص 168.

[77] - علم النفس والدين، ص 4.

[78] - علم النفس والدين، ص 6.

[79] -م.ن، ص 7.

[80] - م.ن ص 2.

[81] - م.ن، ص 11.

[82] -م.ن، ص 172.

[83] - م.ن ص 114 و115.

[84] يونغ، الذكريات والرؤى والأفكار، ص 207 و212.

[85] يونغ، علم النفس والخيميائية، ترجمته بالفارسية پروين فرامرزى، 1994م.

[86] يونغ، النماذج الأربعة المثالية... ترجمته بالفارسية پروين فرامرزى، 1989م.

[87] رجيل2000 ، Argyle، ص 104 و105

[88] كيرك، 1970م.

[89] آرجيل، م.ن، ص 109.

[90] إلياد. دائرة معارف الدين، 1987م

[91] دان كيوبيت 7991 Don Cupit، ص 106.

[92] أنطونيو مورنو، 1997م، ص136.

[93] إليان، ص 176 - 200.

[94] بالمر، 1997م ص 168.



#مسعود_آذربيجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- محام فرنسي شهير معلقا على افتتاح أولمبياد باريس: الإسلام هو ...
- -أفخر بأني سمينة ويهودية ومثلية الجنس-.. بطلة -العشاء الأخير ...
- أوقات ممتعة لا تنتهى … تردد قناة طيور الجنة 2024 وطريقة تثبي ...
- قائد الثورة الإسلامية يستقبل هنية والنخالة في طهران
- فرحي أولادك بأغاني البيبي الصغير..تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- بزشکيان: يجب أن ينتهي الظلم علي المسلمين بتعاون الدول الإسلا ...
- الدروز- خطر الإرهاب في سوريا وتحدي قانون الدولة اليهودية في ...
- بزشكيان: دعم جبهة المقاومة من السياسات المبدئية للجمهورية ال ...
- العراق.. إدانة واسعة من الكنائس كون افتتاح أولمبياد باريس يس ...
- الإمام المقريزي في الذكرى الـ600 لوفاته.. أرّخ لـ-علمنة- قضا ...


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مسعود آذربيجاني - علم نفس الدين قراءة تحليلية في تنظيرات فرويد ويونغ