|
ماذا يعني أن تكون يسارياً في لبنان اليوم؟
السفير
الحوار المتمدن-العدد: 39 - 2002 / 1 / 18 - 12:55
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
وسام سعادة
قد يتعذّر فتح ملف اليسار اللبناني في ماهية وجوده او أشكال استمراره وحضوره دون ان ينزلق الحديث في جزء أساسي منه الى ما يمكنه ان يثير فينا بعضاً من مشاعر السأم والضجر. لمَ لا؟ ليس اليسار في لبنان اليوم هو موضوع الساعة، حتى بالنسبة الى اليساريين أنفسهم، كذلك الضجيج المرافق للأزمات الناشبة في أوساط الحزب الشيوعي ومثقفي اليسار فهي تبدو خافتة نسبيا قياسا بأوقات سابقة. ولكن ألا يستحق هذا الخبو التوقف عنده، والنظر الى مسيرة وتجربة اليسار في لبنان انطلاقا منه وبالعكس؟ نعتذر سلفا من كل من يضيق ذرعا بالضجر، غير ان موضوعنا لا بد ان يبتدأ بقول في الضجر. لقد أضحى اليسار اللبناني عند كثيرين بمثابة مملكة الضجر، ولكن أليس من الوجاهة تفضيل الضجر على النزعتين المنافستين له، ونقصد من جهة نزعة التحزّن والرثاء، ومن جهة اخرى نزعة الانتصارية الجوفاء. البكائية والانتصارية من طقوس التعبّد لزمان لن يعود الا في حضور الميت وما حضور الميت بحضور، وحده الضجر يفسح المجال لطرح الاسئلة، فلنجعل الضجر متعتنا، ولنتقدم ببعض ما يدور في الخلد من هواجس وعلامات استفهام. بأي معنى أمكن الحديث عن يسار لبناني؟ اليسار في لبنان تجربة تحتفظ وترتبط بزمان نشأة لا تقتصر الحاجة الى تظهيره على هوى تاريخي بقدر ما هي تعني الإشكالية التي يطرحها الراهن نفسه، ان اعادة انتاج فهمنا لمعنى القول باليسار في لبنان تتطلب إدغام سؤالين، العلاقة بينهما اكثر من بنيوية: ماذا نعني باليسار في لبنان؟ ومتى نشأ اليسار في لبنان؟ قد يتعذر الفصل بين مسألة اليسار ومسألة الحزب الشيوعي، بيد ان التعليل الانجع للتمييز بين المسألتين يبتدأ من قولنا ان اليسار اللبناني لم ينشأ بولادة الحزب الشيوعي السوري اللبناني ولا بتطور الحركة العمالية والنقابية وما ارتبط بهذا الحزب من مثقفين في الثلاثينات والاربعينات. اليسار اللبناني نشأ بعد ذلك بسنوات، وهذا ما يتضح بالأمس كما اليوم، فعند كل ذكر لعبارة ((اليسار اللبناني)) تتداخل احالات ثلاث ليس بالامكان اختزال الواحدة منها بالاخرى: 1 تجربة الحزب الشيوعي اللبناني والحركة العمالية، ويرافق ذلك من تحدّر من الحزب ومن حاول موازاته على أرضيته العصبية والوظيفية. 2 المثقفون اليساريون ومحاولاتهم في المساجلة الفكرية والانتظام السياسي. 3 تجربة العمل الجبهوي في الحركة الوطنية وإرث المعلم كمال جنبلاط. انها إحالات ثلاث ليس في الظاهر اي مسوغ سببي لاستحضارها على هذا النحو، بيد ان تقديمها كذلك نخاله يكفي لتكوين صورة عن هذه الظاهرة التي اعتُبرت او اعتبرت نفسها يسارا لبنانيا. ثم ان هذه الإحالات الثلاث لم تجتمع اعتباطا لتكون هذه الصورة. انها احالات الى زمان النشأة. لقد نشأ اليسار اللبناني في النصف الثاني من الستينات وليس قبل ذلك، فاليسار حين ينشأ يطل من وحي ثنائية هو أحد طرفيها المتخاصمين. قبل النصف الثاني من الستينيات كان هناك حزب شيوعي، وكان هناك كمال جنبلاط، وكان هناك مثقفون ومفكرون وأدباء يساريون. لكن اليسار اللبناني لم يكن قد نشأ بعد. ان اليسار اللبناني هو تاريخياً، وفيما يتعلق بإشكاليته المحض لبنانية، وليد فشل تجربة الاصلاح الشهابي للدولة الطائفية اللبنانية، فقد سعت الشهابية الى الدولة المؤسسية التنموية الضابطة لداخلها والمتصالحة مع جوارها، ومع فشل هذا المسعى اتخذت الاجابات المقدمة حول موضوع طبيعة الدولة والحكم في لبنان صيغة ثنائية يمين ويسار، وتبلور برنامج اليسار او البرنامج المرحلي للحركة الوطنية في بنود تكثفت حول فكرة واحدة تعطي الاولوية للاصلاح السياسي الاداري قبل الاصلاح الاقتصادي الاجتماعي وتقول بالانتقال من الدولة الطائفية الى الدولة الديموقراطية العلمانية، هذا قبل ان يبادر الطرفان الشيوعيان في الحركة الوطنية الى طلب سحب بند العلمانية الشاملة في احدى أبرز التجليات على التعثر اللاحق. لا تحركنا رغبة لمقاربة مرحلة خلت، كل ما نريد قوله هو ان نشأة اليسار في لبنان ارتبطت بصوغ برنامج للانتقال من شكل دولة الى آخر. أما اليوم، فلا يسعنا ان ننظر الى هذا الموضوع دون التوقف عند ما انتهى اليهما مطلبا اليسار حين اجتزآ عن بعضهما البعض فبات ((إلغاء الطائفية)) شعارا اسلامياً تقابله ((العلمانية الشاملة)) كشعار يمكن ان يتقوى به في نهاية التحليل المسيحيون غداة كل تكاذب ثنائي. هنا تبرز أحد معالم أزمة الطرح اليساري اليوم، وغياب البرنامجية عن هذا الطرح، فمن اليسار من بات يسلّم بالدولة الطائفية كما هي ويرى في ((تجاوز الطائفية)) او إحقاق العلمانية مراحل تطرح مهامها على الاجيال المقبلة لا الحاضرة، ومن اليسار من لا يزال يواظب على رفع الشعارات التي تقصر العلل في الطائفية عاجزا في نفس الوقت عن مقاربة ما تتملكه الطائفية من دينامية وإمكانات، ان ما يشار اليه بعبارة ((تطيّف اليسار)) ليس الا أحد تجليات المشكلة، اما المشكلة الاولى فهي تبرز في غياب اي مقاربة نوعية راهنة وملموسة، لا يكفي القول ((بالجمهورية الثالثة)) للوصول اليها، وانما كان ويبقى شرط بلورتها هو الانطلاق من نظرة معينة الى ((الديموقراطية الطائفية)) وليس فقط الى الطائفية في شكلها المجرّد او المذموم. ان وعي الأبعاد المركبة لصيغة الديموقراطية الطائفية هو أمر تنبغي دعوة اليسار اليه، لكي ينتقل ثقل اهتمامه من مسألة الانتقال من دولة طائفية الى اخرى لا طائفية، او من مسألة الركون الى الصيغة الطائفية بحسناتها وسيئاتها، الى تصور اكثر براغماتية يسعى ضمن الديموقراطية الطائفية الى تغليب العناصر الديموقراطية على العناصر الطائفية وفي ترابط مع اعادة انتاج طرح جديد للقضية الوطنية بتأكيد تلازم أبعادها الاندماجية، والسيادية، والتحررية. ((المنبر)) الاستقلالي و((التجمّع)) اللاطائفي منذ مدة أصبح اليسار في لبنان، متبلورا، خطابة في جماعتين: المنبر الديموقراطي، والتجمع الوطني للانقاذ. الاول يبحث في القضايا من وجهة الانتماء الى التيار الديموقراطي الاستقلالي الذي ترتسم خطواته على خط المختارة وقرنة شهوان، في حين يندرج خطاب التجمع ضمن الاستعادات التقليدية والمتهالكة. تبرز إذاك مشكلتا الأداء اليساري في لبنان اليوم: الاقتباسية كما في حال المنبر (الذي يؤدي انضمامه الى الحركية الاستقلالية من دون الاحتفاظ بخصوصية في التحليل والموقف تمكنه من البروز كقوة ثالثة بين دعاة الانسحاب السوري الشامل والانتداب السوري الشامل)، والشعبوية كما في حال التجمع (حيث تكون الاجابة على السؤال بآخر او في أفضل الأحوال بجواب على سؤال آخر، كأن تفتح ملف السفارات الاجنبية ومهامها غير الديبلوماسية على أحقية ذلك بغية عدم طرح مسألة العلاقات اللبنانية السورية). ان يتبلور شتات اليسار اللبناني في تجمّعين متنافسين، أحدهما يستحضر الحركة الوطنية بإرثها التاريخي ورموزها، وثانيهما بشعاراتها دون مضامينها، فهذا أمر يستحق تمييز الجانب الايجابي منه من الجانب السلبي. في الايجابيات، اننا ابتعدنا بذلك عن المماحكات ضمن أروقة الحزب الشيوعي الى حيث البرامج التي تقدم بطريقة مباشرة ورسمية، وفي الايجابيات ان اي عمل توليفي هو دليل عافية، فالمشكلة ليست في التنافس، ولا حتى في حدة التنافس، وانما في حضوره قاعدياً بشكل باهت، وما هذا الطابع الباهت الا تجلّ لغياب النقاش الجاد والمسؤول بين يساريي الجهتين حيث يكتفي المنبريون ((بسورنة)) التجمعيين ويحتفظ التجمعيون بحقهم في ((تطييف)) المنبريين. اما المشكلة الكبرى فتكمن في تغييب العناصر المشتركة التي لا يكون هناك تنافس ضمن اليسار بمعزل عنها، وهي عناصر بعضها موضوعي وبعضها الآخر ذاتي، وتتصل بالثقافة وطريق العيش كما بالسياسة، وهذا ما يبقي السؤال مفتوحا: كيف نجعل المصالحة السياسية اليسارية ممكنة؟ ليس من السهل تجاوز كل الاسئلة بالقول إن على اليسار ان يتحول الى ((قوة ثالثة))، فليس هناك مثل هذه القوة ان لم يكن هناك ((فكرة ثالثة))؟ فهل يمتلك اليساريون فكرة ثالثة بصدد العلاقات اللبنانية السورية مثلاً، او بصدد المسألة الجنوبية والموقف من حزب الله؟ هل علينا ان نختار بين واحدة من اثنتين: التكرّم على حزب الله بدور في ((الاجتماعيات))، او إغداق المديح عليه بلا حساب؟ وعلى صعيد آخر، تبقى مسألة الفكرة الثالثة مسألة موجعة فمن هو الأقرب الى اليسار مثلا الرئيس اميل لحود أم الرئيس رفيق الحريري؟ ان بحثت المسألة على أساس المقارنة بين وزيري مالية، يبقى جورج قرم أقرب الى اليسار من فؤاد السنيورة، وان بحثت المسألة من زاوية اخرى ونظرنا اليها من موضوع العسكرة والحريات لاختلف الأمر. لن يتمكن اليسار اللبناني من الظهور كقوة ثالثة في اي موضوع من الموضوعات، لأنه ببساطة لا يمتلك اي فكرة ثالثة في اي موضوع من الموضوعات! ولكن من أين تأتي الفكرة الثالثة لتحلّ علينا؟ من هم منظّرو اليسار اليوم؟ ومن هم أخصامهم، أين اليمينيون؟
#السفير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تدهور البيئة توازي الحرب على الإرهاب
-
أولى حروب القرن وهزيمة الإسلام السياسي
-
كيف أنهت سنة 2001 أيامها... علمياً؟
-
سلبيات العولة والإبداع النسوي في مؤتمر نسائي دولي في القاهرة
-
محكمة دولية للعنف ضد النساء.. في القاهرة
-
في وداع نسيب نمر ..... الصلابة الفكرية والنضالية
-
أين العلمانية من مجمل الحلول المطروحة؟
-
الفتيات الأفغانيات يعدن إلى المدارس المهدّمة
-
اللقاء اللبناني حول العولمة يطالب بنشر اتفاقية الشراكة
-
عام سيّئ على قطاع التكنولوجيا
-
تعقيب حول فصل أربعة شبان من الحزب الشيوعي اللبناني
-
حقوق الإنسان متأخرة في العالم الإسلامي
-
تفاقم الاحتجاجات المطلبية في فرنسا جوسبان حاول ((شراء)) الهد
...
-
الاتحاد العمالي يتحدث عن خطة للتحرك
-
نحو ((ترشويكا)) في وسائل حماية الكومبيوتر
-
المنظمات المناهضة للعولمة تدعو لمواجهة تداعيات 11 أيلول
-
نساء تركيا يتمردن على التنورة ويطالبن بحق ((ارتداء السروال))
...
-
ثمة عالم آخر ممكن
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|