|
الفرصة التي يتيحها ضعف أولمرت!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1672 - 2006 / 9 / 13 - 06:26
المحور:
القضية الفلسطينية
لا تملك وزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس، حتى الآن، جوابا مقنعا عن سؤال "ما هو، وأين هو، الشرق الأوسط الجديد؟"، الذي أكدت، في أثناء الحرب التي شنتها إسرائيل على "حزب الله"، أنه سيولد عما قريب من خلال تلك الحرب، وبفضلها، فقرار مجلس الأمن الرقم 1701، مع ما نفِّذ منه حتى الآن، ومع ما يمكن أن يفضي إليه من تغيير في الداخل السياسي اللبناني، ليس بكافٍ لجهة إقامة الدليل على أن هذا الشرق الأوسط الجديد قد وُلِد، أو يوشك أن يولد.
حتى النزاع النووي بين الولايات المتحدة وإيران لم يشهد تغييرا، حتى الآن، يسمح باتخاذه دليلا على أن الشرق الأوسط "القديم" قد استنفد قدرته على البقاء بفضل النتائج التي تمخَّضت عنها الحرب الإسرائيلية على "حزب الله". وكان ممكنا الاعتقاد بأن شيئا من هذا القبيل سيتحول، أو شرع يتحول، من افتراض، أو احتمال، إلى حقيقة واقعة لو أن إدارة الرئيس بوش عرفت كيف تضم سورية إلى جهودها لمنع "حزب الله" من تلقي المساعدات العسكرية عبر حدودها البرية مع لبنان.
وحده النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل يغري إدارة الرئيس بوش، وحليفها رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، بالاستثمار السياسي فيه، ويسمح لهما، إذا ما تمخضت جهودهما ومساعيهما عن نتائج يعتد بها، بالإتيان بدليل عملي ومقنع على أن الشرق الأوسط الجديد قد غدا حقيقة واقعية لا ريب فيها.
ولا شك في رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يحتاج هو أيضا إلى أن يُظهر نتائج الحرب، التي أمر بشنها على "حزب الله"، والتي تنطوي على معاني الإخفاق العسكري ـ الاستراتيجي الإسرائيلي الكبير، على أنها سبب، وبداية، "تكوُّن الواقع الجديد" في الشرق الأوسط، فإحرازه لنجاح سياسي يعتد به في الموضوع الفلسطيني قد يمكِّنه من الادعاء بأن حربه الفاشلة في لبنان ما كانت بفاشلة؛ والدليل على ذلك هو نجاحه الفلسطيني.
أولمرت لا يحتاج إلى من يبين له أن خطته لتعيين حدود دائمة لإسرائيل في داخل الضفة الغربية من غير تفاوض أو اتفاق مع الفلسطينيين كانت الضحية الأولى لحربه الفاشلة في لبنان، فهو ذاته كان أول من أعلن أن تلك الخطة ما عادت تحظى بقبول إسرائيلي، وأن الإسرائيليين الذين كانوا يؤيدونها من قبل أصبحوا يميلون إلى معارضتها؛ ذلك لأن نتائج "الأحادية" في قطاع غزة، ثم في لبنان، ذهبت بكل ما توقعته إسرائيل أمنيا، فإسرائيل الأقل أمنا هي إسرائيل التي جاءت بها "الأحادية".
وأولمرت لا يحتاج أيضا إلى من يُذكِّره بالعلاقة السببية التي أقامها بين وقفه للحرب الجديدة التي شنها على قطاع غزة والإفراج غير المشروط عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليت، فهو لم ينسَ ذلك، وليس في مقدوره أن ينسى.
حربه على "حزب الله" مع ما تمخضت عنه من نتائج تعدل هزيمة عسكرية إسرائيلية هي التي شدَّدت لديه الحاجة إلى تنازل قد يفضي، على ما يتوقع ويتمنى، إلى إنجاز سياسي كبير في شأن العلاقة مع الفلسطينيين، يُظْهِره للإسرائيليين على أنه الدليل العملي الأول على أن تلك الحرب قد أنشأت واقعا جديدا (جيدا بالنسبة إلى إسرائيل) في الشرق الأوسط.
وهذا "التنازل" عبَّر عنه أولمرت إذ قال، أو إذ فاجأ العالم بقوله، "لقد حان لمفاوضات السلام مع الفلسطينيين أن تُستأنف"، وكأنه أراد أن يقول إنه، ومن موقع المنتصر في حربه في لبنان، لا يخشى لقاء غير مشروط مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تُستأنف به مفاوضات السلام مع الفلسطينيين حتى قبل، ومن أجل، الإفراج عن شاليت. وغني عن البيان أن بلير ذاته كان هو أيضا في حاجة إلى أن يقف إلى جانب أولمرت وهو يعلن ذلك.
وقد اتفق أولمرت وبلير على أن المعاناة الإنسانية للفلسطينيين يمكن ويجب أن تنتهي سياسيا فحسب، أي أن مشكلة الفلسطينيين الإنسانية لن تُحل، ويجب ألا تُحل، إلا عبر قيام حكومة ائتلافية فلسطينية تلبي، في برنامجها السياسي، شروط ومطالب "اللجنة الرباعية الدولية". ولا شك في أن تأليف حكومة فلسطينية جديدة من "فتح" و"حماس" في المقام الأول يتيح لـ "حماس" أن تكسر الحصار المفروض على الفلسطينيين بـ "تنازل" أقل كثيرا من ذاك الذي كانت "اللجنة الرباعية الدولية" تدعوها إليه إذا ما أرادت للحكومة التي تنفرد فيها أن تحظى بقبول دولي.
وأحسب أن لـ "حماس" مصلحة جلية في تبني سياسة تعود على الفلسطينيين بإنهاء ما يتعرضون له من حصار دولي مالي واقتصادي وسياسي مع احتفاظها بالقدرة على إظهار وتأكيد أن البرنامج السياسي للائتلاف الحكومي ليس فيه ما يمكن تفسيره على أنه تخلٍّ عن "ثوابت فلسطينية" تستمسك بها الحركة.
وأحسب، أيضا، أن "حماس" لن تعجز عن رؤية "المعاناة" في الطرف الآخر، فإذا كان الفلسطينيون يعانون إنسانيا فإن أولمرت وحكومته يعانيان سياسيا، فالحرب الفاشلة التي خاضتها إسرائيل في لبنان أوقعت أولمرت وحكومته في مأزق سياسي لا مخرج ممكنا منه إلا بإنجاز سياسي يحرزانه في الموضوع الفلسطيني؛ ولا بد لـ "حماس"، بالتالي، من أن تُظهر قدرة سياسية على اغتنام فرصة الضعف السياسي لحكومة أولمرت، الذي يكفي دليلا عليه قوله "لقد حان لمفاوضات السلام مع الفلسطينيين أن تُستأنف".
إن أولمرت ليس في وضع يسمح له بأن يقول للإسرائيليين إن السياسة الوحيدة التي في وسعه التزامها، والعمل بها، بعد حربه الفاشلة في لبنان هي التي قوامها نبذ خطته للحل الإسرائيلي المنفرد في الضفة الغربية، فهذا "النبذ" مع نبذه خيار الحل عبر التفاوض مع الفلسطينيين إنما يضيف إلى هزيمته العسكرية في لبنان هزيمة سياسية، فما هو المبرِّر، عندئذٍ، لبقائه رئيسا للحكومة الإسرائيلية؟!
المعاناة لم تبقَ فلسطينية فحسب، فحكومة أولمرت تعاني، وبلير يعاني، ورايس تعاني، والدول العربية جميعا لديها من المعاناة ما حملها على السعي في إعادة ملف السلام إلى مجلس الأمن الدولي. ويكفي أن يدرك الفلسطينيون ذلك حتى تتأكد لهم أهمية وضرورة أن يجيدوا، جميعا، اللعبة السياسية الجديدة التي جاء بلير إلى هنا من أجل افتتاحها. على أن هذا لا يعني، ويجب ألا يعني، السماح للأوهام بتضخيم التوقع الواقعي، فالفرصة التي شرعت تتهيأ إنما تتهيأ حيث تكثر أسباب ضياع الفرص.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في -النسبية-
-
بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!
-
بين الكوزمولوجيا والميثولوجيا
-
الحل الذي يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
-
بعض من تجربتي في الفساد!
-
-العَلَم العراقي-.. قصة ظلٍّ فقد جسمه!
-
لِمَ تعادي الولايات المتحدة -إيران النووية-؟
-
حلالٌ أن يتزوَّج الرجل ابنته.. حرام أن يتزوَّج مجتمعنا الديم
...
-
صناعة تسمَّى -الاحتواء الإيديولوجي-!
-
الحوار المستوفي لشروطه
-
لهذا السبب ينبغي لإسرائيل استئناف الحرب!
-
تناقض يطلب تفسيرا!
-
-الأخلاق النووية- للولايات المتحدة!
-
رياح الحرب ذاتها تتجه نحو إيران!
-
غيض من فيض الدروس!
-
-الدولة الأمْنِيَّة-.. قانون -الرعب المتبادَل-!
-
لغز الموت!
-
حزيران الذي انتهى في تموز!
-
نصر يريدون إهداءه إلى إسرائيل!
-
الاحتلال -الفارغ-!
المزيد.....
-
ترامب يكشف موعد اتصاله مع رئيس وزراء كندا ويؤكد: -سيدفعون-
-
الصين لديها ورقة رابحة في مواجهة رسوم أمريكا الجمركية.. ما ه
...
-
أمراض يشير إليها تضخم الغدد اللمفاوية
-
روسيا تنشئ أنظمة تبريد تساعد على تطوير أجهزة الكمبيوتر الكمو
...
-
روسيا تستخدم الدرونات لمراقبة مسارات السكك الحديدية
-
روسيا تختبر منظومة جديدة مضادة للدرونات
-
البول الأسود.. اضطراب نادر يسبب مشاكل صحية خطيرة
-
الدنمارك.. اكتشاف نوع جديد من الفطريات تحوّل العناكب إلى زوم
...
-
روسيا تنتج بطاريات الليثيوم الأيونية للطائرات المسيرة
-
أمراض تسمى -القاتل الصامت-.. ما هي وكيف نكتشفها مبكرا؟
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|