أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - إعادة ترتيب: شخصيات مأزومة وعالم قاس















المزيد.....

إعادة ترتيب: شخصيات مأزومة وعالم قاس


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1672 - 2006 / 9 / 13 - 09:23
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


العالم الذي يتحرك من حولنا كثيف، مجسّم، ومتشابك بتفاصيله وعلاقاته، يغص بالأشياء والحيوات والحالات والأحداث.. هناك الطبيعة والبشر، هناك المحسوس والمتخيل، وهناك مقولات الإنسان الكبرى "الحب والحرية والقلق والخوف والألم والأمل والأحلام والموت" وهناك قبل هذا وبعد هذا قطبا الوجود الأزليان "الخير والشر". والعالم للوهلة الأولى يبدو فوضى عارمة، لكن ثمة من يصر على أنه ينطوي على، أو يسير على وفق نظام شامل ودقيق، غاية في التعقيد. والقاص هناك، في الداخل وفي الخارج، في الوقت عينه. في الداخل حيث يعيش حياته جزءاً من العالم القائم وفوضاه، وفي الخارج حيث يقف من أجل أن يراقب، ليعقل الفوضى أو يفهم ويستشف، ويجسد رؤيته عبر الوعي وبوساطة اللغة. وفي هذه المنطقة المتوترة بين الداخل والخارج عليه أن يختطف في كل مرة حدثاً ما، فكرة ما، حالة ما، وضعاً ما ليحيله باللغة ومن خلال اللغة إلى نص إبداعي.. القصة القصيرة إذن، بمعنى ما، فن اختطاف.
عملية الاختطاف هذه لا تحصل اعتباطاً، فما يُختطف يُفترض أن يكون حاضناً لدلالة ما، أو معنى ما، وفي خضم الممارسة الإبداعية ينبغي أن يُشحن بدلالات ومعان يبثها المبدع، ويلتقطها من ثم المتلقي. واللغة في القصة القصيرة لغة مقتصدة موجزة، برقية، موحية، وملغومة بالدلالات ومنسوجة بانضباط ودقة تامين. والقاص ها هنا، لا يختطف جزءاً من العالم الحي فقط، بل هو يختطف من اللغة أكثر كلماتها ملاءمة وإيحاءً في بنائه الجمالي. فالقاص يقيم صرحه الإبداعي، أو هكذا يُفترض، بجمل متوالية، متوازنة ومتناظرة لها إيقاعها وحيويتها وصلابتها وشفافيتها والتي تصور العالم، أو هذا المقطع من العالم وحركته. والقصة القصيرة الجيدة هي تلك التي تحس بالحياة وقد أُختصرت وتجسمت وتعج بتناقضاتها، وأصبحت شفافة بهالة من غموض فاتن، ونابضة في نسيجها، في نسيج القصة.
القصة القصيرة رحلة خاطفة في جنون اللغة، شظية هاربة من اعتيادية الأشياء، لحظة رؤيا وقد أُعتقت من الرواق الفاسد للزمان.. القصة القصيرة حرية.
هذه معايير أولى تحضر أمامنا، وعلينا أن نأخذها بنظر الاعتبار ونحن نقرأ، ونحاول تقويم أي نص يعرضه مؤلفه لنا على أنه قصة قصيرة/ أو مجموعة قصص.
* * *
في مجموعته القصصية "إعادة ترتيب"* يسعى القاص حسين التميمي إلى بناء نصوص مقتصدة بلغتها، ومعبأة بدلالات بعضها مباشر وواضح وبعضها مبهم ويحتمل أكثر من تأويل واحد، ولذا نجد أن الشريط اللغوي لقصصه لا يتجاوز بضع صفحات في كل مرة، وحتى في متن نص واحد مثل مقتطفات من مسودة دفتر القصص نصادف بمقاطع يكاد كل منها يكون خبرياً، من دون حواش زائدة، لكنه يكتسب قوامه المستقل وأفقه الدلالي. وعلى الرغم من حرصه هذا فإنه يقع أحياناً في فخ الإسهاب فتستدرجه اللغة التي يريدها شعرية بمجازاتها واستعاراتها التي لا تضفي قوة على بعض نصوصه وإنما تضعفها كما في هذا المقطع من قصته ( هناك.. حيث أنا ):
"سأحاول أن أبطئ من خطواتي حد مقاربة الغباء، وما بين خطوة أخرى وأخرى سيمر يوم أو أكثر، عل الوقت يكفي للتذكر، وللتمثل في ذاك التذكر، كذرات رمل في ساعة بحجم العمر، ساعة بخيلة لا تفرج في كل ساعة عن حبة رمل، حبة ضوء، قلب، عشق دام، متبلور إلى العظم، ماسيّ الوقع، ماسيّ الافتتان بلحظات العشق الأبدية ) ص24.
كما أن القاص يرمي، في الغالب، إلى المزج بين الواقع والفانتازيا وبين المعقول واللامعقول، أي أنه يمنح الحدث الواقعي المعقول بعداً لاواقعياً ولامعقولاً في لحظة حاسمة يختارها، ومثل هذا المنحى قد يصيب القاص ويقنعنا نحن قراءه بما يقول ويسرد، وقد يخفق في اختيار لحظته المناسبة فيحبط عندنا إحساسنا بالدهشة. في قصة ( الرجل الساعة ) ينجح القاص في استدراجنا خطوة خطوة إلى لحظة الذروة، ناقلاً متنه الحكائي مما هو اعتيادي ومألوف إلى ما هو غرائبي وغير مألوف، أي فانتازي ولا معقول. فالرجل الساعة شخص ذهاني يقف وسط الميدان مشيراً بيديه كما الساعة وظله يدور معه، يمازحه الراوي حين يجده يحذّر الناس من هجوم للمغول وفي يده بندقية خشبية، لكنه، أي الراوي، بعدئذ يتوجس منه ويحاول الابتعاد ولا سيما حين ينعته المجنون بالخائن، ثم حين يبدأ بتمثيل إطلاق النار من بندقيته الخشبية وبصوته الذي يحاكي به دوي الطلقات فيسقط الراوي أرضاً وقد تخضب قميصه بالدماء. وكنت أتمنى أن يعنون القاص مجموعته بعنوان هذه القصة ( الرجل الساعة ) بدلاً من العنوان ( إعادة ترتيب ) الذي أجده تجريدياً إلى حد بعيد. والتحول الفانتازي مهما كان بارعاً يغدو بلا معنى حين لا يضيف شيئاً إلى دلالة النص القصصي، وما يحصل في قصة ( ورقة بيضاء ) من مشاهد فانتازية، اعتقد أن سببها المخيلة المحمومة للشخصية الرئيسة وهي إزاء الورقة البيضاء إذ تتحول الأقلام التي تستخدمها في الكتابة إلى أفاعي مرعبة، وتترى أمام ناظريه مشاهد أقل ما يقال عنها أنها لا معقولة، فنحن يقيناً إزاء شخصية عصابية تسعى للكتابة لكن لا وعيه يقذف أمامه ما يعيق عملية الكتابة لديه، كأن الكتابة فعل محرّم يقاومه ضمير خفي معذب، يفكر بالخيول، أو يتمنى أن تتحول الأخيلة إلى خيول يحاول السيطرة عليها. ومن ثم ولأنها تمتلئ بأحلام أيضاً عن مجد أدبي تكتشف أن الورقة التي أمامها ما زالت بيضاء.
ومعظم شخصيات قصص المجموعة متوحدة، تعاني من عبء ذكرياتها، وتحس بالقلق والإحباط والخسران، وفاقدة لأي أمل بشأن المستقبل، ففي قصة ( في مدى الليل يزرع الشيطان وردة ) نجد الشخصية يوغل في مدى الليل بعينين حائرتين من خلف نافذة صغيرة، وتوحي هذه النافذة بالعزلة والنبذ، وكما في معظم القصص لا نتلمس حقيقة معاناة الشخصية كاملة وربما كان القاص يريد شحذ مخيلتنا لنملأ الفراغات بدلاً عنه، فهو يومئ إلى أفراد عائلة قضوا بسبب مرض لا يسميه، وحبيبات هجرنه، حتى أنه ينكفئ في لحظة ما إلى استعادة أولى أيام أو ساعات طفولته وهو يلثم ثدي أمه، ليتنبه إلى شفتيه "تلثمان قضبان النافذة ويدير بصره في أرجاء حديقته السوداء، ويلمح شبحاً لوردة صغيرة قرب السياج فيغلق النافذة" ص89. كما لو أنه يرتد إلى دفء الرحم وعتمته في مسعى مجازي للهرب من واقع موحش قاس.
والقاص حين يلتقط شخصية مأزومة ما، يقدمه بلا تعاطف أو تفهم، وأحياناً حتى بلا شفقة مثلما يحدث لشخصية قصة ( تأبط وهماً ) والتي تعتقد أنها أديب مهم له حظوته ومكانته فيتعرض لاختبار مهين أمام كاميرا فيديو وتحت وابل من الأسئلة. والموقف كله مقلب أعده الأدباء لفضح أمره، تكشف هشاشة وعيه وفقر موهبته وضآلة نفسه. وكان من الممكن لمثل هذه الشخصية أن تعالج بشكل أعمق من خلال التقصي في إشكالية وضعها النفسي والوجودي، وبموضوعية من غير الإمعان في التجريح. وأظن أن القاص يمتلك تجربة ثرية في معرفته بشخصيات من الواقع الاجتماعي والثقافي لكنه يستعجل في التعامل معها فنياً فيضطرب السرد أو يفقد عنصر الإقناع. ففي قصة ( انتماء ) نكون مع شخصية تعيش لحظات سعادة مفرطة بسبب من أن المرأة التي أعجب بها تمشي الآن معه وهما في غاية الانسجام حتى يحصل موقف عرضي حين يلحق بعض الأشخاص برجل ضئيل الحجم ويشبعونه ضرباً فتلتقي نظر الرجل هذا بنظر الشخصية العاشقة التي تفسر النظرة بالاستنجاد غير أنه لا يفعل شيئاً فيحس بالصُغار فيترك حبيبته بعدما يفاجأ بصوته المتحشرج "وهو يخرج من فمه صارخاً بها؛ ليكن قد فعل ما فعل، لا شيء يبرر قسوتهم، ما كان عليهم أن يضربوه هكذا.. ما كان عليهم.. هكذا.. هكذا.
ثم إنه تركها في ذهولها واقفة، وانسل متلاشياً وسط الزحام وخلفه يترد في أذنيها صدى كلمة.. هكذا.. هكذا.." ص52.
هل شعرت الشخصية العاشقة هذه إنها غير جديرة بالحبيبة التي حلمت بها طويلاً، لأنها ببساطة خذلت الرجل الذي استنجد بها فلم تحرك ساكناً بينما بعضهم يبرحه ضرباً أمام أعين المارة اللامبالية؟.
يستحوذ القاص من خلال كثر من نصوصه على اهتمام قارئه، ولا سيما من خلال لغته الشعرية، وشخصياته المأزومة المتوحدة التي تكابد في عالم غير آمن.
* ( إعادة ترتيب ) حسين التميمي ـ منشورات اتحاد الأدباء والكتاب في العراق/ سلسلة الكتاب الأول ـ بغداد ـ ط1/ 2005.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعود وحكي جرائد
- رواية-هالة النور- لمحمد العشري: سؤال التجنيس الأدبي
- الطريق إلى نينوى؛ حكاية مغامرات وأعاجيب وسرقات
- هذا العالم السريع
- الكتابة بلغة الصحراء: إبراهيم الكوني وآخرون
- تحرش بالسياسة
- القاهرة في ذكراها
- صور قديمة
- إدوارد سعيد: داخل الزمان.. خارج المكان
- النخب العراقية في حاضنة المقاهي
- حول المونديال
- نخب سياسية.. نخب ثقافية: مدخل
- حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار
- قصة قصيرة: في أقصى الفردوس
- حوار مع القاص سعد محمد رحيم
- تحقيق: بعقوبة ابتكارالبساتين
- قصتان قصيرتان
- في رواية اسم الوردة: المنطق والضحك يطيحان بالحقيقة الزائفة
- قصة قصيرة: الغجر إنْ يجيئوا ثانية
- من يخاف الحرية؟. النسق الثقافي والمحنة السياسية


المزيد.....




- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - إعادة ترتيب: شخصيات مأزومة وعالم قاس