لم يحظ حدث بتغطية إعلامية أو بالتحليلات السياسية والاجتماعية والنفسية مثلما حظيت به قضية أحداث حرب الخليج الثالثة , وما تبعها من نتائج.. ولعب مراسلو وكالات الأنباء العالمية والفضائيات العربية خاصة دورا مزدوجا , فكانت من ناحية تنقل المشاهد بخفة تقنية متقدمة, من موقع إلى آخر ومن حدث إلى آخر , رغم مخاطر وقساوة الحرب , وتضع هذه الحقيبة المليئة بالأخبار المباشرة أمام هذا المشاهد المتلهف لمعرفة ما يجري على أرض الواقع , وبنفس الوقت تحلل الوضع السياسي , وتعكس وجهات نظرها أو بالأحرى وجهات نظر القيمين على هذه الفضائيات والوكالات , وفي بعض الأحيان تنتقي الأشخاص والأحداث لكي تبرهن للمشاهد صحة ما تذهب إليه من تحليلات حول تلك الأحداث التي عصفت بالعراق..
واليوم , وبعد دخول القوات الغازية أرض العراق واحتلاله, والهزيمة المنكرة التي حلت بالنظام الدكتاتوري , يحاول عدد من مقدمي برامج هذه الفضائيات احتلال العراق إعلاميا , في ظل غياب تام وشامل للإعلام العراقي المرئي والسمعي .. والسعي لتسويق بضائعهم الفاسدة على العراقيين من خلال التركيز على فسيفساء المجتمع العراقي وتقسيمه, ليس بدافع الوحدة والاصطفاف والتلاحم, ولكن من أجل دفع العراقيين إلى أتون حرب أهلية قومية وطائفية لا تبقي ولا تذر ,ولكي تبرهن تلك الفضائيات , وبالملموس بأن نظام صدام الدموي هو أفضل الشرين!!
فلقد كان الأخ المحامي زهير كاظم عبود محقا حينما انتقد جاسم العزاوي وبرنامجه المنحاز إلى النظام المقبور, وإني اتفق مع الأخ زهير من أن العراقيين أدرى بأحوال العراق ودروبه ..ولا بد من التذكير بأن أغلب الذين ظهروا على شاشة أبو ظبي والجزيرة والعربية هم من بقايا النظام والمدافعين عن سياسته ودمويته, في حين تحاول هذه الفضائيات , وهي الوحيدة في الساحة, إظهار المسئولين السابقين والذين شاركوا بحملاته الدموية ضد شعبنا , كضحايا مرة وكمرشدين للشعب العراقي مرة أخرى , من اجل خلط الأوراق وتبييض صفحتهم التي ومهما حاول هؤلاء, فلن يكن بمقدور كل مساحيق الأرض من تنظيفها, أو كما يقول شكسبير في ملحمته ماكبيث: إن رائحة هذه الدماء لن تزيلها كل عطور العرب..
فإذا أراد هؤلاء الإعلاميون فعلا خدمة الشعب العراقي والتعامل مع معاناته بشكل إنساني , عليهم أولا الكف عن محاولة تأهيل القتلة والمجرمين والمأجورين التابعين للنظام المقبور , بحجة التعامل الديمقراطي , وهم الذين كانوا أداة كم أفواه شعبنا والمشاركين الفعليين في ترسيخ الدكتاتورية والفاشية في بلادنا.. وعليهم ثانيا تسليط الضوء على النشاطات والفعاليات الجماهيرية السياسية والثقافية والاجتماعية التي بدأت تنشط بعد انهيار النظام المتهرئ والفاسد, وذلك لإظهار وجه العراق الحقيقي الذي ورغم جراحاته , فقد بقي محافظا على إرثه السياسي والثقافي والديني.. وعليهم ثالثا دعم طموحات هذا الشعب العريق في بناء العراق الديمقراطي التعددي , حيث يعيش الجميع في ظل دستور يضمن حق الجميع دون تفضيل أو تمييز..
فالإعلام سلاح ذو حدين , حد للبناء والآخر للهدم , وشعبنا العراقي قادر على التمييز بدقة بين الاثنين!!