أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالرحمن مصطفى - التنوير الليبرالي بين الوهم والواقع















المزيد.....

التنوير الليبرالي بين الوهم والواقع


عبدالرحمن مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 7226 - 2022 / 4 / 22 - 02:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الليبرالية تفصل بين زمانين ؛ زمان كانت تسود فيه الأسطورة والفكر الغيبي ؛ بحيث لم يكن هناك فردية واستقلال للفرد عن بيئته التي كانت خاضعة للتصورات الميتافيزيقية ،وزمان آخر أصبح الإنسان فيه صانع لمصيره ونمط الحياة التي يرنوا للعيش به،الليبرالية ظهرت كفلسفة تقدمية نمت من أحشاء المجتمع الإقطاعي الذي كان يخضع لسيطرة الكنيسة ورابطة الدم والأعراف والتقاليد الريفية ،ترافق ظهور الليبرالية مع نمو طبقة جديدة ، وهي الطبقة الوسطى التي ظهرت في المدن وتطورت بعد صراعات سياسية مريرة بين الإمارات الإيطالية (فيما بينها) ومع سلطة روما البابوية أو الدول المجاورة (فرنسا وانكلترا والمانيا واسبانيا الخ..) ،هكذا كانت الليبرالية في القرون الأولى من نشوء الرأسمالية كفلسفة تقدمية ضد القديم وسيطرة الآباء على الأبناء ،وحتى منتصف القرن العشرين ، كان التيار الليبرالي تياراً تقدمياً يحاول أن يتخذ موقفاً نقدياً وحيادياً من الأطراف المتصارعة في الحرب الباردة ،وكان يملك فكراً نقدياً واقعياً،فيما بعد ،بعد انتهاء الحرب الباردة سيطر تيار ثقافوي بزعامة صامويل هنتنجتون الذي بشر بصراع الحضارات والثقافات وبمعزل عن تأثير الواقع المادي ..

وكنتاج لهذا ظهر تيار في العالم العربي يزعم أن الثقافة تحرك المجتمع والتاريخ وبمعزل عن الاقتصاد والسياسة الخ...وتبنى تصوراً وردياً للنهضة الأوروبية ،فعصر النهضة وعصر الإصلاح الديني ثم عصر التنوير كل هذه الحقب المتتالية مثلت تاريخ اوروبا الحديث والمشرق ،ويتبنى هذا التيار تصورات وأفكار خيالية لاتمت بصلة لواقع وتاريخ المجتمعات الأوروبية ؛ فمثلاً عند مفاضلته بين حال المجتمعات الأوروبية والشرق أوسطية ،يتم تصوير البشر ككائنات عقلانية تامة تدرك وتحسب الأمور دوماً وأنها دائماً تبحث عن الحقيقة ؛ فيقال مثلا أن المجتمعات الاوروبية أدركت قصور الفكر الديني ،أو أنها تبنت لفكر العقلاني ،لهذا تتمتع هذه المجتمعات بحياة هانئة ومرفهة على عكس مجتمعات الدول المتخلفة ،والسؤال هنا متى أدركت هذه المجتمعات ذلك؟ في أي لحظة ؟ وكيف تم ذلك؟ هل أجمع الغربيون كافة بأفضلية العقلانية على الفكر الميتافيزيقي في لحظة معينة بعد اقتناع بلاعقلانية الفكر الغيبي؟هذه التصورات اللاتاريخية ينجم عنها أخطاء في الممارسة وفي كيفية التعاطي مع الواقع المعقد في المجتمعات الشرق أوسطية ،فمثلا يتم تصوير أن الحكام مستنيرين والشعوب جاهلة ومغفلة والغرب لاترتبط سياساته مع مصالح اقتصادية وسياسية ،فالغرب يسعى لتنوير الشعوب الجاهلة ،لكن جهل هذه الشعوب يحول تمكن الغرب من ذلك ،وكل هذا لايعكس شيئا من الواقع ،لاشك أن الشعوب تعاني من تخلف وانحطاط ثقافي واجتماعي (وأخلاقي حتى) ،لكن هذا لايستلزم الإدعاء بأن الحكام مستنيرين ويسعون لتنوير وتثقيف شعوبهم ،الليبرالي التنويري (غالبا) ما يؤمن بالمستبد العادل ،وهذا المستبد يكون من نفس الطبقة الحاكمة (السلالات الحاكمة أو من طبقة الجنرالات والبيروقراطيين العرب) ،فيزهوا هذا الليبرالي لحديث حاكم عربي ما حول الحريات (الفكرية والعقائدية) ونقد التعصب والتشدد،لكن كل هذا لايعكس سياسة حقيقية تتبنى رؤى تغييرية فعلية بقدر ماهي مراوغات سياسية وخطابات لاتتجاوز حاجز الكلام والتصريح فقط،فالنظم الحاكمة في العالم العربي لا تملك قاعدة شعبية حقيقية ،لهذا تحرص دائماً على الحفاظ على التوازنات والعلاقات القديمة القائمة مع المؤسسات التقليدية (الدينية والقبلية ..) كوسيلة للتعويض عن ضعف قاعدتها الشعبية ،وهكذا أنظمة لاتتبنى ايدويولجيا ،فهي لاتسعى لتغيير مجتمعاتها ،بل هدفها بالدرجة الاولى هو استمرارها وبقاءها بالحكم ،لهذا يهمها ألا تصطدم بالمؤسسات التقليدية وكذلك بالعادات والتقاليد المتخلفة السائدة في مجتمعاتها ،على الجانب الآخر يتصور الليبرالي أن الحكومات الغربية تشجع الديمقراطية وتحارب الفساد والتخلف في العالم الثالث دون أن يعي أن ذلك يصطدم مع مصالحها ،فالاقتصاد العالمي قائم على الاستقطاب واستنزاف الدول الأفقر والأضعف ،تصور أن المجتمع البشري يمكن أن يكون ثري بجميع أفراده وشرائحه هو مجرد تصور وهمي ،الحقيقة أن هناك مجتمعات تخفف من تناقضاتها الداخلية على حساب مجتمعات أخرى ،وهذه ليست تصورات ايديولوجية ضيقة ، بل هي وقائع وحقائق على الأرض،فعندما يشجع البنك الدولي مثلا على فتح الحدود للمال الساخن أو الاستثمارات الغير مباشرة ،فهذا وسيلة جيدة لتهريب الأموال للبنوك الغربية من طرف الجهات المتنفذة والطبقات المخملية في دول العالم الثالث ،هذا فضلا عن دعم وتأييد الغرب للطائفية والانغلاق والقبلية والعشائرية وكل صنوف التخلف ،فبهذه الطريقة يمكن أن يضمن الغرب صون مصالحه واستمرار سيطرته (السياسة الغربية) ،الديمقراطية التي تبشر بها الحكومات الغربية دول العالم الثالث هي ديمقراطية المحاصصة الطائفية والقبلية والتي تستثير كل المكبوت العقائدي والماقبل حداثي في المجتمعات.

أما النهضة والتنوير ،فهي نتاج لتغيرات اقتصادية وسياسية ،لايمكن فهم عصر النهضة الأوروبي بمعزل عن الصراعات السياسية بين الإمارات الإيطالية والسلطة البابوية في روما (والتي كانت شدة الصراع تجبر أطراف معينة على التعاون مع الامبراطورية العثمانية التي امتد نفوذها الى البلقان كضد عن الطرف الآخر الذي يحمل نفس العقيدة والمذهب وذلك (في العصور الوسطى) كحال ولاية البندقية مثلا)،وكذلك بمعزل عن صراعات الدول الآوروبية فيما بينها ،فكل ذلك مهد لبروز فكر جديد ،ففلاسفة وأدباء عصر النهضة تبنوا الفكر الإغريقي (الوثني) القديم لإنسنة الفكر المسيحي ،استقلال الدول والامارات عن السلطة البابوية ساهم في ظهور التيار البروتستانتي الذي رفض فكرة الكهنوت والبابوية،فلا وسطاء بين الناس والله أو الأرض والسماء ،في الحالة العربية على العكس ،النظم الحاكمة قد تعادي تيارات دينية معينة (لطموحاتها السياسية) لكن في نفس الوقت تغازل تيارات أخرى (سلفية وصوفية)،إن القول بأن الشعوب الغربية تعلمت من الماضي أو أنها أدركت قصور الفكر الميتافيزيقي القديم هو قول خطابي يقصد به التأثير على المستمع (وغالبا ما يؤمن صاحبه فعلا هكذا كما لو أن البشر كائنا عقلانية تامة) ،كذلك يصور الليبرالي المستنير الفلاسفة الغربيين في عصر التنوير كمهتمين بالشأن الفكري والثقافي الصرف وهذا وهم ،ففلاسفة التنوير تبنوا رؤى وأفكار سياسية وكثيرا ما اصطدموا مع أنظمتهم الحاكمة كحال فولتير مثلا،الذي تأثر بالملكية الدستورية الهانوفرية في انكلترا وقد عبر في الرسائل الفلسفية عن إعجابه هذا ونادى بحرية التجارة في بلاده وكسر سطوة الإقطاعيين على الاقتصاد وإلغاء ضرائب العشور (الكنسية) على الفلاحين،أو حال روسو المتبني للنظام الجمهوري أو مونتسكيو المتبني للملكية الدستورية ،من الصحيح أن هؤلاء الفلاسفة لم يخرجوا من فكرة المستبد العادل (والذي قد يكون تجلى في شخصية نابليون بونبارت) لكن هم حملوا رؤى سياسية تغيريية تصطدم مع نظمهم الحاكمة ،التنوير لم يكن تنويراً فكرياً وعقائدياً فقط بل كان تنويراً سياسياً وذلك ترافق مع حاجة المجمعات الأوروبية آنذاك لتطوير نظمها الاقتصادية وقدراتها الانتاجية وهذا ما يصطدم مع النظم الحاكمة التي كانت سائدة آنذاك ،

ومن الخطأ طبعاً اختزال الثقافة الى الدين ،مع أن الدين يلعب دوراً مهماً في المجتمع وهو يشكل جزءا أساسياً من البنيان الثقافي لأي مجتمع ،لكن الثقافة أوسع من الدين،فالثقافة ليست منعزلة عن علاقات الانتاج والتركيب الاجتماعي ،لهذا الثقافة الأبوية هي تعبير عن نمط معين من علاقات الإنتاج والتركيب الاجتماعي ،فالتسلط ليس دينياً بالضرورة بل قد يتلبس أشكالاً قبلية أو ريفية ،التخلف الثقافي لايعبر عن التزمت الديني فقط فالثقافة الاستهلاكية مثلا و التي تبرز أبشع ما في غرائز الانسان وكذلك الثقافة الأبوية التي قد لا تترافق مع التصورات الدينية التقليدية بالضرورة،كحال العديد من المجتمعات الآسيوية مثلاً..
التغيير الثقافي في المجتمع لايمكن أن يكون دون إحداث انقلاب سياسي حقيقي،فالسياسة هي مفتاح الاقتصاد والثقافة وبغير ذلك لن تتجاوز دعوات التنويريين حاجز التعبير والرغبات والأمنيات ،وأنا لا أناقش الآن كيفية إحداث هذا التغيير ،لكن في الحقيقة أن البشر محكومون بغرائزهم (الغالبية الساحقة) وهم لايتغيرون عن قناعة إلا فيما ندر،فهم يتأثرون بالتقليد والمحاكاة والدعاية والموضة الخ..طبعا هذا ليس قانونا ثابتا ،فوعي الناس يتبدل من وقت الى آخر بفعل الثورات التكنولوجية والثورات السياسية والرؤى الثقافية الجديدة (التي تترافق مع التغيير السياسي) وهذا التغيير ليس تبدلا دوريا بمعنى كبت الغرائز في حقبة زمنية معينة ثم ظهورها في فترة أخرى ،بل حركة التاريخ حركة جدلية ينفي اللاحق فيه السابق بعد أن يبني عليه ،فلا شك أن البشر في هذا العصر أكثر كبتا لغرائزهم مما كان في العصور السابقة (قد يكون الأمر ليس كذلك بالنسبة لعقود ماضية فحركة التاريخ ليست خطا مستقيما بل هي أشبه بالحركة الحلزونية التي تشهد تقدم الجديد على القديم لكن مع حركة متعرجة للجديد طبعا) ، لاشك أن الفرد يملك دوراً مؤثراً وفاعلاً في التاريخ لكن ذلك يكون ليس بصفته كفرد بل بصفته عضو في جماعة أو طبقة ما ...قد يمهد التنوير الفكري بشيء للثورات والتغيرات الاجتماعية لكنه لايكون كذلك إلا بوصفه من جزء من تيار مناقض للتيار المحافظ في المجتمع..



#عبدالرحمن_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاشتراكية والسوق ،هل يمكن التوفيق بينهما ؟
- مساهمة روزا لوكسمبورج في الاقتصاد السياسي الماركسي (كتاب ترا ...
- حول أزمة التضخم الحالية وتناقضات الرأسمالية
- ما هي طبيعة النظام الاقتصادي في الصين ؟
- خرافة جائزة نوبل في الاقتصاد
- بين كينز وماركس نقاط الإتفاق والإختلاف بينهما
- الاشتراكية ورأسمالية الدولة
- تشويه توماس بيكتي لأفكار كارل ماركس
- مناقشة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين لتوماس بيكتي.
- النظرية العامة لكينز رؤية نقدية 2
- النظرية العامة لكينز رؤية نقدية
- التفسيرات المعاصرة للوعي
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع4
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع 3
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع 2
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع
- وحدة الوجود
- المجتمع والحداثة بين التفسير الماركسي والتفسيرات الأخرى
- النظرة الماركسية للمعرفة (ونسبية المعرفة والموضوعية المطلقة)
- نقد العقل المحض لكانط وتاريخية الأفكار الفلسفية


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالرحمن مصطفى - التنوير الليبرالي بين الوهم والواقع