|
العولمة وسقوط الاتحاد السوفياتي لا يعني سقوط الماركسيه
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
الحوار المتمدن-العدد: 7224 - 2022 / 4 / 20 - 22:52
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
اذا كان ماحدث في عام 1989 من اكثر احداث القرن العشرين درامية، أي أن سقوط الاتحاد السوفياتي والانظمة الاشتراكية في دول اوروبا الشرقية، لا يعني سقوط الماركسيه كايديولوجيا، لأن النظم الساسية اذا كانت تسقط، فان الايديولوجيات باعتبارها في المقام الاول انساقاً مترابطة من القيم التي تتعلق بالتطور الاجتماعي، قد تضعف، وقد تتوارى وقد تتجدد، ولكنها لا تسقط. فالماركسيه تهدف الى تحقيق اقصى درجة من درجات الحرية الإنسانية في اطار من العدالة الاجتماعية الشاملة، فكيف تسقط هذه القيم التي تعبر في الواقع عن اشواق الانسان منذ فجر التاريخ الى الحرية والعدل؟ وفي الوقت نفسه، نقدت الاتجاه الذي كان قد بدأ يتبلور زاعماً ان الرأسمالية قد صعدت وتربعت على المسرح العالمي بغير منافس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو الاتجاه الذي تطور من بعد على يد فرانسيس فوكوياما في كتابه الشهير نهاية التاريخ ليتحول الى اكبر محاولة معاصرة لصياغة وعي كوني زائف، الغرض منه اثبات ان الرأسمالية ستكون هي ديانة الانسانية الى أبد الأبدين ! (ماهي العوامل التي ادت الى بروز ظاهرة العولمة في الوقت الراهن؟ وهل هذا يرجع الى انهيار نظام الدولة ذات الحدود المستقلة ؟ وهل العولمة تتضمن زيادة التجانس ام تعميق الفوارق والاختلافات؟ وهل الهدف هو توحيد العالم ام النظم المجتمعة عن طريق الحدود المصنوعة؟ وهل العولمة تنطلق من مصادر رئيسية واحدة، ام تنطلق من مصادر متنوعة ومتداخلة؟ وهل تنطلق من عوامل اقتصادية وابداع تقاني ام من خلال الازمة الايكولوجية؟ وهل هي عبارة عن اتحاد لكل هذه العوامل ام انه لا تزال هناك ابعاد اخرى؟ وهل العولمة تتميز بوجود ثقافات عامة ام مجموعة من الثقافات المحلية المتنوعة؟ وهل العولمة غامضة، ام انها تحول بارز على المدى الطويل بين العام والخاص، وبين المحلي والخارجي، وبين المغلق والمفتوح؟ وهل هي استمرار لنمو الفجوة بين الفقراء والاغنياء على جميع المستويات؟ وهل العولمة تتطلب وجود حكومة عالمية؟). ان جوهر عملية العولمة يتمثل في تسهيل حركة الناس وانتقال المعلومات والسلع والخدمات على النطاق العالمي. وتشمل الحركة والانتقالات التي تنتشر عبر الحدود ست فئات رئيسة وهي: البضائع، الخدمات، الافراد، رأس المال، الافكار، والمعلومات والمؤسسات. على المستوى الاقتصادي، تفترض العولمة أن العمليات والمبادلات الاقتصادية تتم على نطاق عالمي، بعيداً عن سيطرة الدولة القومية. بل إن الاقتصاد القومي أو الوطني يتحدد بهذه العمليات. وهذا الوضع مغاير تماماً، لما كان عليه الحال في الإطار السابق، حين كانت الاقتصادات القومية هي الفاعلة، أما الاقتصاد العالمي فهو ثمرة تفاعلاتها. وإذا كان الفكر الليبرالي الجديد Neoliberal هو الناظم الجوهري "للعولمة" فإن الليبرالية الجديدة تتجه الآن ضد الدولة القومية نفسها، كأداة ضبط وتنظيم، أي أداة تدخل ولجم على الصعيد القومي وعلى الصعيد العالمي، والفكرة المطروحة حالياً إن الرأسمالية تنشط الآن على المستوى الكوني، مديرة حركة رأس المال، والخدمات والسلع وبالطبع العمل. وهكذا فإن الاقتصاد المعولم يقع خارج نطاق تحكم الدولة القومية، مما يزيد في إمكانات الصراع والتنافس، ويريد من دور الشركات متعددة الجنسية ويحولها إلى شركات فوق قومية Trans – Nation ورأسمال طليق بلا قاعدة وطنية محددة وبإدارة عالمية. ويبدو أن "العولمة" لم تفقد الدولة القومية الكثير من وظائفها كناظم وضابط اقتصادي فحسب، بل إن انتهاء الحرب الباردة، من جانب ثان، ساهم مع العولمة في تقليص وظائف الدولة العسكرية ـ الأمنية … إلى حد غير قليل. (العولمة وفقاً لهذا التحليل، هي إذن وصول نمط الإنتاج الرأسمالي، عند منتصف هذا القرن تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها، أي أن ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضاً، ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله. العولمة بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره، قد تمت. بعبارة أخرى، أن ظاهرة العولمة التي نعيشها الآن هي طليعة نقل دائرة الإنتاج الرأسمالي. إلى هذا الحد أو ذاك. إلى الأطراف بعد حصرها هذه المدة كليا في مجتمعات المركز ودوله. في الواقع لان عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق بلغت حد الإشباع بوصولها إلى أقصى حدود التوسع الأفقي الممكنة وشمولها مجتمعات الكرة الأرضية كلها ـ باستثناء جيوب هنا وهناك ـ كان لابد لحركية نمط الإنتاج الرأسمالي وديناميكيته من أن تفتح أفقاً جديداً لنفسها وان تتجاوز حدوداً بدت ثابتة سابقاً، عن طريق نقلة نوعية جديدة بدورها تأخذ الآن الشكل المزدوج لعولمة دائرة الإنتاج ذاتها ونثرها في كل مكان مناسب تقريباً على سطح الكرة الأرضية، من ناحية وإعادة صياغة مجتمعات الأطراف مجدداً، في عمقها الإنتاجي هذه المرة، وليس على سطحها التبادلي التجاري الظاهر فقط، من ناحية ثانية، أي إعادة صياغتها وتشكيلها على الصورة الملائمة لعمليات التراكم المستحدثة في المركز ذاته). كيف تحدث العولمة؟ وبأي طريق، او من خلال أي قنوات تتم حركة وانتقال البضائع والخدمات والافراد وراس المال والافكار والمعلومات والرموز والاتجاهات واشكال السلوك عبر الحدود؟ وماهو دور الشركات متعدية الجنسية فس ذلك؟ "في رأي روزنا. تتم عملية الانتشار من خلال اربع طرق متداخلة ومترابطة: 1 ـ من خلال التفاعل الحواري الثنائي الاتجاه عن طريق تقانة الاتصال. 2 ـ الاتصال المونولوجي احادي الاتجاه من خلال الطبقة المتوسطة. 3 ـ من خلال المنافسة والمحاكاة. 4 ـ من خلال تماثل المؤسسات." لكن روزنا ينسى أو تيناسنى الدور الكبير والهام والرئيس للشركات متعدية الجنسية في عملية الحركة والانتقال وبخاصة في مجال البضائع والخدمات ورأس المال والتي تعد من أهم عناصر الانتقالات الكونية. يتسم النظام الاقتصادي العالمي المعاصر بعدد من الخصائص أهمها: 1 ـ انهيار نظام بيريتون وودز. 2 ـ تزايد دور واهمية الشركات متعدية الجنسية في الاقتصاد العالمي. 3 ـ تزايد دور وأهمية مؤسسات العولمه الثلاث ( صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، المنظمة العالمية للتجارة). 4 ـ عولمة النشاط الانتاجي. 5 ـ عولمة النشاط المالي واندماج أسواق المال. 6 ـ تغير مراكز القوى الاقتصادية العالمية. 7 ـ تغير هيكل الاقتصاد العالمي وسياسات التنمية. 8 ـ تراجع أهمية ودور مصادر الطاقة التقليدية والمواد الاولية في السوق العالمية. (تبقى مسألة في منتهى الاهمية، وهي موقف المجتمعات المختلفة من العولمة، هناك معركة كبرى ايديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية تدور حول العولمة، هناك اتجاهات رافضة بالكامل، وهي اتجاهات تقف ضد مسار التاريخ، ولن يتاح لها النجاح. وهناك اتجاهات تقبل العولمة من دون تحفظات باعتبارها هي لغة العصر القادم، وهي اتجاهات تتجاهل السلبيات الخطيرة لبعض جوانب العولمة، وهناك اتجاهات نقدية تحاول فهم القوانين الحاكمة للعولمة. وتدرك سلفاً ان العولمة عملية تاريخية حقاً، ولكن ليس معنى ذلك التسليم بحتمية القيم التي تقوم عليها في الوقت الراهن، والتي تميل في الواقع الى اعادة انتاج نظام الهيمنة القديم، وتقديمه في صورة جديدة. وهذه الاتجاهات برزت في اوروبا وفي فرنسا على وجه الخصوص، من خلال الموقف الرافض للحزب الاشتراكي الفرنسي، والذي تبلور بشكل خاص في تقرير الحزب الصادر في 3 نيسان، ابريل عام 1996 بعنوان: "العولمة واوروبا وفرنسا" يتضمن أعنف نقد للعولمة الامريكية، فضلاً عن ذلك، بدأت تتصاعد داخل الولايات المتحدة الامريكية نفسها حركات فكرية مضادة للعولمة، لم تقنع بالنقد التفصيلي لكل جوانب العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية ولكنها ـ أبعد من ذلك ـ تحاول ان تقدم البديل، ولعل ابلغ ما يعبر عن هذه الحركات النشطة حالياً الكتاب الذي حرره جيري ماندر وادوارد سميث عام 1996 وعنوانه: القضية ضد الاقتصاد الكوني ونحو تحول إلى المحلية يحتوي على اكثر من اربعين دراسة متعمقة). تمثل العولمة التي يشهدها الاقتصاد العالمي تحدياً خارجياً وخطيراً للبلدان العربية واقتصادياتها. فالوطن العربي مراقب ومهدد في نفس الوقت، يعيش مرحلة من التناحر والتآكل والتهميش فاقداً لأية استراتيجية اقتصادية سياسية دينامية للدفاع أو للهجوم. أن عمليات الضغط والإضعاف التي تستهدف وطننا العربي من اجل زعزعة استقراره وتعطيل مؤهلاته حتى لا يبقى أمامه سوى الاندماج السلبي في آليات العولمة وبالصيغة التي يعرفها الأقوياء تحت اسم التدويل الشامل للاقتصاد أو "العولمة الاقتصادية".
كلية الاقتصاد - جامعة دمشق
#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتور مفيد حلمي مدرسة تعلمت منها الكثير
-
محطات هامة في تاريخ التنمية المستدامة
-
السابع عشر من نيسان في كل عام عيد الجلاء
-
تطور السياسات الاقتصادية في الجمهورية العربية السورية
-
تقويم وتطوير منظومة التعليم العالي في الدول العربية
-
أثر الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 على اقتصادات الدول العرب
...
-
ملامح الاقتصاد السعودي 1995 - 2005
-
هل بدأت نهاية مدّ الليبرالية الجديدة؟
-
ملامح الاقتصاد السوري 1990 - 2000
-
ملامح الاقتصاد الليبي 1970 - 2005
-
كتاب شروط النهضة تأليف مالك بن نبي
-
ملامح الاقتصاد المصري خلال النصف الثاني من القرن العشرين، 19
...
-
الاقتصادات العربية اليوم ليست في أفضل أحوالها
-
قراءة في كتاب علم الاجتماع الاقتصادي
-
الوطن العربي الجغرافيا والسكان والموارد - مؤشرات عامة
-
التكامل الاقتصادي والعمل الاقتصادي العربي المشترك
-
الاعتماد الجماعي على الذات في الوطن العربي
-
آفاق التنمية المستدامة المستقبلية في الدول العربية
-
الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي تحدث في العروض التجارية
...
-
مستقبل الوطن العربي السياسي والاقتصادي
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|