عادل الخزعل
الحوار المتمدن-العدد: 7224 - 2022 / 4 / 20 - 06:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ان الرؤية الهرمنيوطيقية لمكانة المؤلف واستشفافه من خلال النص وما يتضمنه النص من مقاصد المؤلف طرح هذا البحث كقاعدة هرمنيوطيقية لفهم مراد ومقصد مبدع النص وحضي بتأييد المفكرون المسلمون واعتقدوا على ضوء هذه القاعدة ان معرفة رسالة النص الديني هو بفهم المعاني ألمراده لله عز وجل , اذ جرت سيرة العقلاء على ان القارئ لكتاب أو رسالة أو مقال أو بحث يبحث قبل كل شيء عن فهم مبدع النص وإفهام مراده , وفي بعض الأحيان يستعمل المؤلف أو الكاتب جملاً تسبب الغموض واثناء ذلك يسعى القارئ أو المؤول للوصول إلى مراد المؤلف من خلال الشواهد والقرائن الأخرى , هذه القاعدة مبنية على قاعدة هرمنيوطيقية أخرى قائلة بأن المعنى رهن النص وبالتالي يشكلان هاتين القاعدتين تلازم منطقي في عملية الفهم , حيث ان القاعدة الهرمنيوطيقية القائلة بمحورية النص في التفسير نجدها ترتبط بمقام الثبوت ونفس الأمر اي ان النص ونفس الأمر في الواقع مستنبط بمعنى خاص يتم تحديده بتعيين مراد الكاتب ومقصده , أما قاعدة محورية المؤلف في التأويل ترتبط بمقام الإثبات والفهم , بمعني ان فهم المعنى المركزي للنص يلزم الالتفات إلى قصد المؤلف ومراد المؤلف , واعترض أنصار الهرمنيوطيقا الفلسفية وعلى رأسهم غادمير إذ يرى أن فهم النص يتبلور خارج إطار قصد المؤلف ومراده أو من خلال إدغام أفق المعنى عند الكاتب والقارئ , هذا الأمر الأول , والأمر الثاني هو حالة إدغام ودمج بين مراد المؤلف ومراد القارئ أو مراد المتكلم ومراد السامع , وذكر غادمير في مقدمة القسم الثالث من كتاب الحقيقة والمنهج حول النسبة بين التفسيري والنص ودور كل واحد من التفسيري والنص في تحقق الفهم عندما يقع تدور عملية الفهم بين النص والقارئ أو المؤول لذلك النص من قبيل الحوار المشترك بين شخصين , ولكن هرمنيوطيقا النص لا تعد حوار بين شخصين بالدقة الوصفية سابقاً لان النصوص هي شروح ثابتة وأوصاف خالدة في الحياة يجب ان تفهم على انها متضمنه لمقصد ثابت قد اراد المؤلف ايصاله الى المتلقي من خلال النص او الخطاب , لكن غادمير يرفض هذا الطرح الاخير لانه يعتقد ان احد أطراف الحوار الهرمنيوطيقي وهو النص لا يمكن لنا الكشف عنه إلا بواسطة القارئ عن طريق عملية الفهم بتأويل النص وفق المدركات العقلية والمسبقات المعرفية للقارئ بصيغة اخرى هي عملية تأثر وتأثير بين النص والقارئ مما يعني ان أفكار المؤول هي التي تعين الفهم , على الرغم من تنبيه القارئ بعدم تحميل النص معان خارج عن سياقه , إلا انه في نفس الوقت يعتقد ان أفكار المؤول أو القارئ تساهم في تيسير عملية الفهم , وعلى هذا الأساس يتجلى الحوار بصورة جليه وكاملة في عملية فهم النص من خلال دمج أفق الكاتب والقارئ , هذه الرؤية الهرمنيوطيقية الفلسفية تتقاطع وتتنافى مع معطيات الهرمنيوطيقا الكلاسيكية والرومانسية الغربية لان الهرمنيوطيقا آنذاك كانت تتكئ على مركزية المؤلف داخل النص ولا تهدف إلى تغييب المؤلف أو إلغاء دور المتكلم بل العكس كانت تسعى إلى فهم مراد المتكلم أو المؤلف بالكشف عن مقصد المؤلف من المعاني المضمرة في بنية النص , هذه الرؤية التي يتبناها الهرمنيوطيقيون التقليديين الحداثويين تعد رؤية راديكالية وتوجه ثوري هرمنيوطيقي في قبال الهرمنيوطيقا الفلسفية وبالخصوص نظرية غادمير , ومن بين هؤلاء التقليديون الحداثيين أمثال اميليو بتي المولود 1890م , و اريك هيرش المولود 1928م , حيث نشر بتي الايطالي في عام 1950م و 1960م مؤلفات هامة تناول فيها منهج العينية حول الهرمنيوطيقيا , أما اريك هيرش الأمريكي المنظر في حقل الأدب قد ارث أفكار بتي إذ يعد من أهم إتباع المدرسة التقليدية الحديثة في الهرمنيوطيقا , وكتب هيرش حول ذلك كتاب بعنوان صحة التأويل ونشره عام 1967م , وترتكز نظريته على التصور الكلاسيكي للمعنى , مبين ان كان المعنى غير ثابت وقابل للتغيير فلن يكون لعينية التأويل وجود ومن ثم لغرض معرفة النص لا بد من الرجوع إلى مراد المتكلم أو المؤلف حتى نفهم النص وليس الفهم يستحصل عن طريق الرؤية الهرمنيوطيقا الفلسفية وبالأخص كما ذهب إليه غادمير , ويضيف هيرش نقداً حول فهم المعنى مضمون قوله إذ كان المعنى غير ثابت فلا يكون هناك ثبوت وفهم للنص وتفسير للنص لان المعاني سوف تتغير وبتغير مستمر , ولم يقف هيرش عند كون المعنى غير قابل للفهم والتأويل وحسب بل عدل هذا الطرح للاتجاه الهرمنيوطيقي الفلسفي حيث أصبح من خلال طرحه قريبا من المذهب الواقعي اذ اكد على عدم ادغام النص مع مؤلفه وتغييب المؤلف وتذويبه في النص بالفصل بين مقصد المؤلف ومعنى النص فلكل منهما كيان مستقل ومعرفه كل منهما لا تعني صهرهما وجعلهما في بوتقة واحدة وبقي متمسكا بهذا الاتجاه لانه وبكل بساطه مهما طرأ على النص من تحولات دلالية تفرضها عوامل الزمكان يبقى معناه المعنى الجوهري ثابتا , فقولك مثلا سيارتي بيضاء , أو كتابي ابيض , هذا كلام ذو معنى غير قابل للتغيير بالاضافة الى ذلك يبقى معناها ملازم للجملة فلا يمكن الأبيض بعد ذلك يكون اسود أو احمر , ومن ثم ان معنى النص الذي أثاره الكاتب عن قصد معين يبقى محايثاً للنص دائما سواء اعتبرناه مهما أم لا فالمؤول أو القارئ يكون ذا قيمة واعتبار متى كان تأويله سليما من الأحكام المسبقة , وحينما يعثر على المعنى النهائي الأصيل بعد ذلك نستطيع ان نحدد قيمة التأويل واعتباريته , وبذلك تعد هذه الرؤية قاعدة مهمة من قواعد الهرمنيوطيقا التقليدية وهو طرح يتبناه الاتجاه الهرمنيوطيقي الكلاسيكي اذ يتلخص طرحهم لاجل عملية الفهم من خلال مسارين في التأويل , الاول التأويل النحوي والثاني التأويل الفني , أو قصد المركز , وشخص المركز , ان قصد المركز يقف على جهد المؤول , اذ يبذل الوسع لاجل تحصيل مراد المؤلف أو المتكلم والطريق للوصول إلى هذه النتيجة تكون بمراعاة القواعد اللغوية والنحوية , أما شخص المركز يرتكز على شخصية المركز أو المحور فيفترض على المؤول السعي لمعرفة شخصية الكاتب أو المؤلف حتى يتسنى له من هذا الطريق معرفة مقصد أو مراد المؤلف أو مبدع النص , ولهذا يعتبر مارتن كلادينيوس المتوفى 1759 من أنصار المسار الأول في التأويل وهو قصد المركز والذي يعني به مراعاة القواعد النحوية واللغوية , فيما يعد شلايرماخر المتوفي1834م من أتباع المسار الثاني في التأويل وهو معرفة شخصية الكاتب , وبالعودة إلى آراء كلادينيوس إذ يعتقد بإمكانية الوصول إلى المعنى النهائي والقطعي المراد للكاتب أو المؤلف وذلك بالاستعانة بالتأويل وعملية الفهم , فالقارئ طبقا لتوجه كلادينيوس لا يمكن فهم النص أفضل من فهم الكاتب , وهذا واقع صحيح , وبالتالي ان أي مفسر مهما كان مستواه العلمي والمعرفي لا يمكن له معرفة مراد الكاتب بصورة دقيقة او عميقة , ولهذا يقرر كلادينيوس ان أي قارئ لا يمكن له ان يفهم النص أكثر من فهم الكاتب نفسه لأن الأخير واضع النص وواضع النص يختلف عن مؤول النص , ومن ثم يعتقد كلادينيوس ان غاية ما يسعى إليه المؤول التقرب أكثر أو الوصول بعمق إلى فهم المؤلف وإدراك بقدر اكبر ما يقصده المؤلف , أما تصورات شلايرماخر تختلف فقد ربط مركزية الكاتب بشخصية الكاتب وحياته بدلا من البحث عن قصده و مراده داخل النص , اذ يفترض بإمكان المؤول فهم النص أفضل من الكاتب او المؤلف نفسه , لان المؤول من خلال دراسته لشخصية المؤلف وظروف حياته تتوفر لديه معرفة تفصيلية عن هذا المؤلف وبالتالي سوف يفهم النص بصورة اعمق من فهم مبدع النص لان النص عبارة عن تبلور شخصية المؤلف داخله , ولكن لا بد من الإشارة إلى ان منهج شلايرماخر الهرمنيوطيقي يتحدد بالنصوص البشرية ولا يتطرق فيه إلى النصوص الدينية , ولكن كيف يكون فهم القارئ أفضل من فهم المؤلف ؟ وبقطع النظر عما يفترضه شلايرماخر حول فهم المتلقي الاعمق من موجد النص يمكن لنا القول ان الاتجاه الهرمنيوطيقي المنسجم مع أيديولوجية العقل الإسلامي في توظيف المنهج الهرمنيوطيقي كأداة لفهم النصوص الدينية هو من خلال الجمع بين اتجاه كلادينيوس وشلايرماخر اذ ان العقل التأويلي الإسلامي يجد ضالته في هذين الاتجاهين الهرمنيوطيقيين اللذان يؤكدان في منهجهما على اهتمام المتلقي او القارئ بمقصد الكاتب لان المؤلف له معنى خاص قصده وأراده في كلامه أو نصه المدون هذا من جهة , ومن جهة أخرى الاهتمام بالنص المنطوق أو المدون لأنه يمثل مرآة لشخصية الكاتب الروحية والفكرية وهنا تجسيد للاتجاهين الهرمنيوطيقيين التقليدي والكلاسيكي عن طريق تبني مساريها النحوي والفني أو النفسي كآلية مقننة في فهم النص وهو ماذهب إليه المفكرون الإسلاميون اذ اعتبروا ان لكل نص او لكل كلام جانبين جانب يرتبط بكل اللغة وجانب يتعلق بكل فكر القائل , أي الجانب الأول يتعلق بلغة الكاتب والقائل , والجانب الثاني يتعلق بفكر المؤلف أي شخصيته الفكرية والروحية , وكذلك فهم الكلام له جانبان جانب يتعلق بكونه معطى لغوي وجانب يرجئ إلى فكر القائل , ومن ثم يرتبط التأويل النحوي بالجانب اللغوي وهذه تعد مسألة عامة فيما يرتبط التأويل النفسي بفكر القائل وهذا يعد شأن خاص , فكلا هذين الجانبين من التأويل لهما مهمة ووظيفة متبادلة , اذ ان المفسر يمكنه الوصول إلى فهم الخصائص الفكرية والفردية للمؤلف بالرجوع إلى اللغة المشتركة وكذلك بالرجوع إلى منهج قريب من الشهود , ويمكن تطبيق هذين الجانبين من الهرمنيوطيقا النحوية على القرآن الكريم على النحو التالي باستثناء ما يعتقده شلايرماخر في موضوع الفهم الاعمق للقارئ في قبال مبدع النص إذ يفترضوا ان فهم حقائق القرآن ومعانيه بالاستعانة بالتفسير والتأويل اللغوي من خلال مراعاة الأصول والقواعد الحاكمة على اللغة العربية التي نزل القرآن بها وحسب ما جاء بقوله لله تعالى ((وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)))( الزخرف ) يساهم في فهم مرتبه من مراتب معارف القرآن الكريم , ولغرض فهم سائر المراتب الأخرى ينبغي الاستفادة من الركن الفني للهرمنيوطيقيا بالاقتراب من تلك الحقائق والمعاني عن طريق المعرفة الشهودية للبعد الملكوتي في الإنسان , فالقران يعد تجلي ذات الباري سبحانه وتعالى وصفاته العليا للإنسان التي امتازت سريرته بالنقاء والسكينة واليقين بالله تعالى أي لأجل استيعاب القرآن بالصورة المطلوبة يجب ان تتبلور وتتجلى صفات الله سبحانه وتعالى في نفس القارئ , حتى يتحقق هذا الطريق في الاتصال الموجود في نفس القارئ والنص وخالق النص الأصل التي إشارة إليه الآية الكريمة لا يمسه إلى المطهرون بقوله تعالى ((لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) ))(الواقعة ) فالمطهرون يمتلكون هذه الصفة وهي صفة الاتصال بين النص وخالق النص وعليه فالمعرفة العميقة للقرآن الكريم وفهم علومه السامية مشروط بالارتباط الحقيقي بالمعلم الحقيق للقرآن الكريم وهو الله تبارك وتعالى حيث قال تبارك وتعالى ((الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) )) ( الإنسان ) وعلم القرآن الكريم يشمل المتقين في سياق الرحمة الخاصة ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282))) ( البقرة ) أي اتقوا الله واجعل التقوى لباس أرواحكم ولباس التقوى ذلك خير أي يعطيكم الله من العلوم والمعارف ما لا يحصى وفي موضع أخر من القرآن أشير إلى ذلك بصيغة الشرط والجزاء بقوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29))) (الأنفال ) وفي حديث للإمام علي عليه السلام يقول (( أن علم القرآن ليس بعلم ماهو إلا من ذاق طعمه علم بالعلم جهله , وبصر به عماه , وسمع به صممه , وادرك به ما قد فات , وحيا به بعد إذ مات )) يستفاد من هذا الحديث , ان الإنسان بعد اطلاعه على نصوص القرآن الكريم وظواهره ومعرفته بتكاليفه الدينية يجب عليه ان يبدأ بالتزكية الباطنية حتى يبصر به عمى بصره ويسمع بع صممه ويعيش حياة معنوية طيبه , وحينها سيتعرف على حقائق القرآن ويذوق المعارف القرآنية الطيبة بذائقة الروح وليس بذائقة اللسان ,وهذه هي الطريقة المثلى في عملية فهم المقصد الالهي ومراد الشارع بصورة اعمق واقرب الى الحقيقة الإلهية وهذه الرؤية الهرمنيوطيقية في فهم النص القرآني في الفكر الاسلامي المعاصر هي اقرب الى الاتجاهين الهرمنيوطيقيين , الكلاسيكي والتقليدي في طريقتهما لفهم النصوص الدينية والبشرية .
#عادل_الخزعل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟