|
الدكتور مفيد حلمي مدرسة تعلمت منها الكثير
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
الحوار المتمدن-العدد: 7223 - 2022 / 4 / 19 - 20:46
المحور:
الادارة و الاقتصاد
في سيرة الدكتور مفيد حلمي تاريخ أكثر من ستة عقود أممية، هذه السيرة غنية بمعلوماتها وغنية بجرأتها وغنية بصاحبها. بعد حصولي على الشهادة الثانوية من ثانوية درعا للبنين غادرت محافظتي وقريتي غصم متوجهاً إلى العاصمة دمشق لمتابعة التحصيل الجامعي، وانتسبت إلى كلية التجارة، وحاولت أن أريح والدي من نفقات التعليم التي يحتاج إليها أخوتي الباقين هناك، وعملت كموظف في الشركة العامة للاستيراد والتصدير (سيمكس) وكان الدكتور مفيد حلمي مديراً عاماً لهذه الشركة. وبعد تقسيم هذه الشركة إلى أربع مؤسسات للتجارة الخارجية متخصصة انتقلت إلى مؤسسة التجارة الخارجية للآليات والتجهيزات (أفتوماشين) وظل معلمنا الدكتور مفيد حلمي، حيث أصبح مديراً عاماً لهذه المؤسسة. وتدرجت بسلم الوظيفة نتيجة الجهد الشاق والعمل المضني من موظف إلى رئيس شعبة الاعتمادات، ثم رئيس دائرة الآليات معاون مدير قسم الآليات، كل ذلك قبل أن أحصل على البكالوريوس في التجارة. تعرفت خلال هذه الفترة بالأستاذ حنين نمر (الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري حالياً) حيث عملنا معاً في التنظيم النقابي أعضاء اللجنة النقابية في مؤسسة أفتوماشين، واستمرت صداقتنا (التي أعتز بها كثيراً) حتى يومنا هذا. تعلمت في مدرسة الدكتور مفيد حلمي الكثير من خلال العلاقات الوظيفية والعلاقات النقابية والعمل المؤسسي، وكان الجو السائد بين الموظفين كالأسرة الواحدة، همنا نجاح العمل في هذه المؤسسة وخدمة الوطن تجلى ذلك بالدور الذي قامت به المؤسسة في حرب تشرين التحريرية حيث كانت المناوبات على مدار الساعة لتأمين ما يحتاجه دعم قواتنا المسلحة بالآليات والإطارات وقطع تبديل. وبعد تخرجي من جامعة دمشق استقلت من وظيفتي في مؤسسة أفتوماشين وغادرت وطني سورية إلى بولندا لمتابعة التحصيل العلمي وبعد حصولي على دكتوراه دولة في العلوم الاقتصادية عدت إلى وطني وعملت في جامعة دمشق كلية الاقتصاد، ولم تنقطع علاقتي بالدكتور مفيد حلمي أو الأستاذ حنين نمر. كان الدكتور مفيد حلمي الأخ الكبير لكل عامل في المؤسسة مرن في الوقت المناسب وقاس حين يتطلب الأمر ذلك، نظيف اليد متوقد الذهن ذو قرار صائب مديراً عاماً لفترة تزيد عن الربع قرن، ثم مستشاراً في رئاسة مجلس الوزراء. وقد أسهم الدكتور مفيد حلمي في إغناء الفكر الاقتصادي في سورية من خلال تأليف العديد من الكتب والأبحاث والمحاضرات التي كنت دائماً حريصاً على حضورها. حول دور الدولة التنموي في سورية يقول مفيد حلمي: (بعد الاستقلال، توفرت لسورية مناخات أرحب لإرساء أسس متقدمة لنطور الاقتصاد الوطني وتركيز البنية التحتية وتشجيع الصناعة الوطنية وحمايتها وإقامة مؤسسات وطنية في مختلف فروع الاقتصاد الوطني. وكان من أبرز الأولويات التي ركزت عليها الدولة: • (تأميم المؤسسات الأجنبية. • إلحاق إصدار النقد السوري بمؤسسة وطنية وقيام مصرف سورية المركزي بمهامه النقدية والمصرفية. • تشجيع الإنتاج الوطني من خلال السياسات الاقتصادية والمالية للدولة. • السير على نهج التنمية المعتمد بصورة أكبر على تدخل الدولة في الاقتصاد. تضافرت أسباب عديدة لبلورة هذه الأولويات: 1- التناقض مع المصالح الأجنبية في البلاد. 2- التناقض مع الملكية الكبيرة ولاسيما الإقطاع في الريف. 3- الأسباب الإستراتيجية التي فرضت على الدولة التدخل في القطاعات التي تمثل عنصراً هاماً على مستوى الاقتصاد الوطني (مشاريع الكهرباء والمياه والمناجم والسكك الحديدية والصناعات الكبيرة). 4- انعدام القدرة لدى المستثمرين من القطاع الخاص لتمويل المشاريع الإنمائية الكبيرة أو ترددها في اقتحام مثل هذه الميادين.) وكانت هذه الأفكار تمثل العقيدة التي اعتنقها ودافع عنها الدكتور مفيد حلمي. وحول نهج التعددية الاقتصادية الذي بدأ مع قيام الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد في السبعينات من القرن الماضي أثرت هذه المرحلة بغناها وأبعادها في الواقع المعاش في سورية، يؤكد الدكتور مفيد حلمي تفاعل التعددية الاقتصادية مع الظروف الداخلية والإقليمية والعالمية وتميزت بعدد من الصعوبات الكبيرة التي واجهتها خطط التنمية أهمها: • تقلص القروض والمساعدات العربية والخارجية. • تدهور شروط المبادلات التجارية. • تزيد أعباء المديونية الخارجية وتفاعلها مع معطيات الوضع الاقتصادي • ضعف الادخار المحلي. • ضعف معدلات النمو، ( ونتيجة لتأثير جميع هذه العوامل أخذ مفهوم التعددية الاقتصادية ينضج ويتطور في الاتجاهات التي تساعد الدولة بصورة أفضل على التصدي لمهام مواصلة البناء الاقتصادي، ومواصلة التنمية المستقلة على قاعدة أوسع من مساهمات كافة القطاعات عام وخاص ومشترك مع التأكيد على أولوية الدور التنموي للدولة، هذا الدور المطلوب موضوعياً ليس من أجل تعبئة جميع الموارد الطبيعية والمالية والبشرية فحسب، وإنما هو مطلوب أيضاً من أجل حماية الاقتصاد الوطني والسوق الوطنية، ودعم كافة القطاعات الوطنية في وجه المنافسة الخارجية، ومن أجل التعامل بحكمة ومسؤولية مع ظاهرة العولمة والاستفادة من إيجابيات العلاقات الاقتصادية الدولية وتجنب سلبياتها بقدر الإمكان.) (كل هذا كشفت عن ضرورة تشديد التوجهات نحو سياسات الاعتماد على الذات، وبالتالي تشديد تفصيل التعددية الاقتصادية وتنشيط وتشجيع المبادرات الخاصة على المساهمة بصورة أوسع في الجهد التنموي، والبحث عن سبل ووسائل لتوفير مناخ أفضل لاجتذاب رؤوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية. أضف إلى ذلك إعادة النظر بأوضاع المؤسسات والشركات العامة قصد تطورها ورفع قدراتها الإنتاجية والتنافسية.) حول العولمة يرى الدكتور مفيد حلمي أن الشركات متعددة الجنسية تعد من أقوى القاطرات التي تستخدمها الرأسمالية في جر الاقتصاد العالمي باتجاه العولمة للأسباب التالية: 1- (الانتشار الواسع والسريع للشركات متعددة الجنسية. 2- أدى الدور الأساسي الذي لعبته الشركات متعددة الجنسية في تدويل الاستثمار والإنتاج والخدمات والتجارة إلى سيادة أنماط عالمية في الإنتاج ـ من حيث علاقات الإنتاج وشكل ملكية وسائل الإنتاج ـ والتسويق والاستهلاك والاستثمار والإعلان والدعاية. 3- يواكب العولمة أحياناً كثيرة تزايد دخول مالكي وسائل الإنتاج وارتفاع قيمة أسهم الشركات متعددة الجنسية وكذلك تزايد عدد المصروفين من الخدمة في هذه الشركات وهذا يؤكد أن لا مكان للمشاعر والمواقف الإنسانية في النظام الرأسمالي العالمي. وإذا كان هناك خيار بين الإنسانية وحيوية الاقتصاد فليس للرأسمالية سوى الخيار الثاني.) كان الدكتور مفيد حلمي شاهداً على أكثر من نصف قرن من عصره، شاهداً لا يكف عن قول الحقيقة التي يراها ببصيرة، ويرويها بمعايشته، ويعيد تركيبها ومراجعتها بنقده وتجاوزه. المقولات القوية، تزداد متانة بمراجعات السير القوية، ولعل في استحضار سيرة الدكتور مفيد حلمي علامة قوة، فالسيرة شاهد أكثر واقعية، وتكون شاهداً أقوى متى توفرت على قوة أكبر، كما تشهد بذلك التجارب السياسية والأكاديمية والثقافية. الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري كلية الاقتصاد - جامعة دمشق
#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محطات هامة في تاريخ التنمية المستدامة
-
السابع عشر من نيسان في كل عام عيد الجلاء
-
تطور السياسات الاقتصادية في الجمهورية العربية السورية
-
تقويم وتطوير منظومة التعليم العالي في الدول العربية
-
أثر الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 على اقتصادات الدول العرب
...
-
ملامح الاقتصاد السعودي 1995 - 2005
-
هل بدأت نهاية مدّ الليبرالية الجديدة؟
-
ملامح الاقتصاد السوري 1990 - 2000
-
ملامح الاقتصاد الليبي 1970 - 2005
-
كتاب شروط النهضة تأليف مالك بن نبي
-
ملامح الاقتصاد المصري خلال النصف الثاني من القرن العشرين، 19
...
-
الاقتصادات العربية اليوم ليست في أفضل أحوالها
-
قراءة في كتاب علم الاجتماع الاقتصادي
-
الوطن العربي الجغرافيا والسكان والموارد - مؤشرات عامة
-
التكامل الاقتصادي والعمل الاقتصادي العربي المشترك
-
الاعتماد الجماعي على الذات في الوطن العربي
-
آفاق التنمية المستدامة المستقبلية في الدول العربية
-
الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي تحدث في العروض التجارية
...
-
مستقبل الوطن العربي السياسي والاقتصادي
-
كتاب الأزمة المالية العالمية والتحديات الاقتصادية الراهنة في
...
المزيد.....
-
زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
-
-الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج
...
-
إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
-
عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس
...
-
الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول
...
-
نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته
-
بعد فوز ترامب.. الاهتمام بـ-التأشيرات الذهبية- بين المواطنين
...
-
الأخضر اتجنن.. سعر الدولار اليوم الخميس 11-11-2024 في البنوك
...
-
عملة -البيتكوين- تبلغ ذروة جديدة
-
الذهب يواصل رحلة الصعود وسط التوترات الجيوسياسية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|