|
الموروث الأسلامي بين الواقع و الوهم / واقعة الطف كأنموذج
يوسف تيلجي
الحوار المتمدن-العدد: 7223 - 2022 / 4 / 19 - 20:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الموروث الأسلامي بين الواقع و الوهم / واقعة الطف كأنموذج مقدمة : تعتبر واقعة الطف 61 هجرية ، من أكبر المآسي التي وقعت على آل بيت الرسول ، حيث نحر بها الحسين بن علي - من قبل شمر بن ذي الجوشن ، بسبب عدم مبايعته ليزيد بن معاوية . وهذه الواقعة قد تناولتها الأقلام منذ مئات السنين ولغاية الوقت الحاضر ، ورواياتها مثبتة بصيغ مختلفة في المرجعيات الشيعية والسنية ، ولكن الذي دفعني لتناولها ، هي جزئية محددة ، وهي عدم منطقية ( الفرق الهائل بين عدد جيش يزيد / بقيادة عمر بن سعد ، وعدد أنصار الحسين ) ، والذي شبهه الشيخ سيد فرقد القزويني ( خطيب حسيني ، ولد في 1963 كربلاء - العراق ، ويعتبر القزويني ، من أعلام حركة إصلاح التراث الإسلامي والتعايش بين الاديان والمذاهب ) ، في محاضرة له ، سنة 29 .11. 2014 بأنها : " أقوى نكتة في التاريخ ، وشبهها بلعبة أتاري " .. هذا ما سأتناوله في هذا البحث المختصر ، دون الدخول في حيثيات الواقعة . الموضوع : المراجع الأسلامية ، قد تناولت هذه الجزئية - الفرق بين عدد جيش يزيد وبين أنصار الحسين ، بقدر كبير من الأختلاف ! . 1 . فبالنسبة لأنصار الحسين بن علي : سأورد ما جاء من روايات وفق موقع / مكتبة العتبة الحسينية ، وبأختصار : الرواية الأولى : رواية المسعودي ، وهي : ( فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي .. فعدل إلى كربلاء ، وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ، ونحو مائة راجل ) ( مروج الذهب : 3 / 70 ) . الرواية الثانية : رواية عمار الدهني عن الأمام الباقر ، وقد جاء فيها : ( حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد التميمي .. فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء .. وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل ) ( الطبري : 5/ 389 ) . الرواية الثالثة : رواية الحصين بن عبد الرحمان ، عن سعد بن عبيدة ، قال : ( إن أشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل يبكون ويقولون : اللهم أنزل نصرك ، قال : قلت : يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه .. وإني لأنظر إليهم ، وإنهم لقريب من مائة رجل ، فيهم لصلب علي بن أبي طالب خمسة ، ومن بني هاشم ستة عشر ، ورجل من بني سليم حليف لهم ، ورجل من بني كنانة حليف لهم ، وابن عمر بن زياد ) ( الطبري : 5/ 389 ) . الرواية الرابعة : رواية أبي مخنف ، عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : ( .. فلما صلى عمر ابن سعد الغداة .. وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء ، خرج فيمن معه من الناس .. وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ) . 2 . أما بالنسبة لجيش يزيد بن معاوية ، فسأنقل ما جاء من روايات وفق موقع / ويكي شيعة - أحصائيات ، وبأختصار : ذكرت بعض المصادر أسماء بعض قادة جيش عمر بن سعد وعدد من كانوا تحت أمرته : فذكر أنهم كانوا 22 ألفاً . ونقل الشيخ الصدوق والسيد ابن طاووس رواية عن الإمام الصادق والإمام السجاد ذكر فيها أن عدد جيش عبيد الله بن زياد ، كان 30 ألفاً . وذكر المسعودي أنهم كانوا 28 ألفاً . وذكر الطبري الإمامي أنهم كانوا 14 ألفاً . وذكر ابن شهر آشوب أنهم كانوا 35 ألفاً . ولما أن ذكر أسماء القادة منهم فقد أوصل عددهم إلى 25 ألف شخص. وذكر سبط بن الجوزي أنهم كانوا 6 آلاف شخص . وذكر ابن عتبة أنهم كانوا 31 ألفاً . ونُقل أنهم إلى يوم السادس (6) من المحرم كانوا 20 ألفاً. أما الملا حسين الكاشفي فقد ذكر أنهم كانوا 32 ألفاُ ، وذكر في موضع آخر أنهم كانوا 17 ألفاً أيضاً. القراءة : أولا - من خلال تتبع ما سبق ، فأن عدد أنصار الحسين بن علي / عدا آل بيته من النساء وغير المحاربين ، قد أختلفت الروايات في تحديد عدده ، وتضاربت الأرقام ، وهي ما بين 72 محاربا الى 600 محاربا ! . أما عدد جيش يزيد بن معاوية / بقيادة عمر بن سعد ، فذات الحال ، قد أختلفت الروايات في تحديده ، وهو ما بين 6 ألاف مقاتل الى 35 ألف مقاتل . * وتوضح النسب المذكورة ، الفارق الكبير بين أصغر عدد وأكبر عدد ، وهذا دليل على عدم دقة الأعداد والأخبار ! . ثانيا - وفي محاضرة الشيخ فرقد القزويني / المشار أليها في أعلاه ، يقول معلومات أخرى ، ويبين : نقلا عن رواية أبن أعثم ، أن جيش يزيد بن معاوية / في واقعة الطف ، يبلغ عدده 22 ألفا ، أما أنصار الحسين بن علي فخرج ب 82 مقاتلا من المدينة ، وحين وصلوا الى كربلاء تقلصوا الى 72 مقاتلا ، أما عندما وقع الوطيس فلم يبقى منهم سوى 32 مقاتلا ! . ثالثا - من هنا نستنتج أن الموروث الأسلامي ، يقوم أو يؤسس على الروايات ! ، وليس من حقيقة ثابتة أو دامغة فيما ينقل ، فكل ما يروى هو مجرد نقل غير دقيق للأحداث والوقائع ، لا يمكن أن يؤخذ به البتة ، لأجله كانت الهوة أو الفارق كبيرا في المعلومة بين رواية وأخرى ، ويمكن أن نقول أن الرواة ، يقولون أو ينقلون الخبر تبعا لعاطفتهم ، أو لأنتمائهم المذهبي ، أو لميلهم السياسي ، فهم يضخمون أو يقللون من العدد وفق ذلك ! . رابعا - أني أرى ، أن الروايات الأنفة الذكر ، تفتقد للمنطق والعقلانية ! ، فهل لقادة جيش كيزيد بن معاوية وعمر بن سعد وباقي الأمراء و القادة ، أن يجييشوا جيشا قوامه الألاف - لنقل بالمتوسط 17 ألفا ، لمقاتلة رهط ، لنقل بالمتوسط - لا يتعدى 100 فردا ، ولم هذا الكم الهائل من المحاربين لمقابلة رهط يعد بالعشرات ! ، فليس هناك أي منطق عسكري في هذه المعركة ! ، وأرى أن الرواة قد رسموا وقائع معركة الطف وفق خيالهم ، وليس وفق حقائق ثابتة على الأرض ! . خامسا - والجدير بالذكر ، أن تعامل جيش يزيد مع أنصار الحسين ، كان تعاملا عدائيا ، ووفق العرف الأنتقامية ، دون الأخذ بنظر الأعتبار أن الحسين هو حفيد محمد نبي الأسلام ، لذا نحر رأسه ، دون أي أكتراث لجده محمد ! . والأمر الذي يندى له الجبين ، ما أورده بن الكلبي / المتوفي سنة 819 م في كتابه " جمهرة النسب " ( على لسان أحد حملة رأس الأمام الحسين ، الى الشام ، قوله : أنا محفز بن ثعلبة ، جئت برؤوس اللئام الكفرة ، وتشير تلك الرواية ، الى مدى أختلاط الحق بالباطل في مجتمع الكوفة ، حتى أن بن ثعلبة ، يصف أبن بنت رسول الله ب " اللئيم الكافر " / نقل بأختصار من " واقعة الطف في كتب التاريخ الأسلامي في القرنين الثالث والرابع الهجريين " ل : د . عمار محمد يونس و أسراء المرعبي ) . * وأعتقد أن هذه الرواية تدلل ، بأن بموت محمد ، أنتهت الدعوة الأسلامية ، ونكل بآل محمد ! ، وبدأ عهد السلطة والحكم .
خاتمة : * في هذه الواقعة لا بد لنا أن نتساءل ، لم لم يجتمع تحت راية الحسين جمع كبير ، وهنا أنا لا أقول جمعا بالألاف كيزيد ، وذلك لأن يزيد كان لديه دولة ، ولكن الحسين بذات الوقت لديه عمق ديني ، حيث أنه حفيد نبي الأسلام ! ، وهذه دلالة أخرى ، أن مكانة الرسول أنتهت بموته ! ، وحلت محلها من سيطر على الحكم ، حيث أن الاخير جمع الدين والسلطة معا. * أن الموروث الأسلامي / في هذه الواقعة ، حاله حال باقي الروايات والوقائع والأحداث ، لا يستند على أي قرينة يمكن الركون أليها ! .. خاصة فيما يتعلق بكيفية تقدير عدد جيش يزيد وعدد أنصار الحسين . فلم هذا التضخيم والتهويل بالكم العددي بالنسبة لجيش يزيد ، ولم هذا التصغير العددي برهط الحسين ! .. ولكن دائما أرى أن الأخبار تنقل بغير أي مهنية ، ودون أي تدقيق في الخبر . ويحضرني في هذا المقام مقولة أبن خلدون / ولد في تونس 1332 - 1406 م ، القائل " ينبغي علينا إعمال العقل في الخبر" ، فليس كل ما يتناقل من أخبار صحيحاً أو معقولاً ، وتصديق الأخبار ونشرها دون تمحيص نقص في العقل .
#يوسف_تيلجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|