|
تشريع الإرهاب و تقنين انتهاك حقوق الإنسان وحرياته
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 1671 - 2006 / 9 / 12 - 10:19
المحور:
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001
بعد جريمة 11 سبتمبر 2001 أصبح الإرهاب يستهدف حياة الناس الأبرياء وطموحاتهم وأحلامهم. فلم تعد الهجمات الإرهابية موجهة على الأجساد البشرية التي هي زائلة لا محالة فحسب، بل باتت تقتل بالدرجة الأولى الروح والنفس والعقل والفكر والشعور في الإنسان. ومنذ يوم ارتكاب هذه الجريمة الكبرى التي ازهقت فيها حيوات حوالي ثلاثة آلاف إنسان برئ ، يتم التضييق على الحريات الشخصية، وتنتهك حقوق الإنسان لبنات وأبناء الجاليات المقيمة في العالم الغربي، وتترافق الهجمات العنصرية على الناس من أصول شرق أوسطية موجة اعلامية عنصرية خبيثة في نوعيتها ومدروسة ومبرمجة يتم التنظير لها وتبريرها وفق نظريات التعددية الثقافية وما بعد الحداثة ودعم اختلافات الناس اثنيا وثقافيا ولغويا ودينيا. فالإرهاب تتغذى جذوره في العلاقات الإجتماعية الظالمة لرأس المال، والتفرقة العنصرية ، والإستغلال والإضطهاد في المجتمعات البشرية. وهو سواء كان ارهابا دينيا ، أو إرهاب دولة، وليد ظروف اللامساواة والاجحاف والظلم الإجتماعي ، والتصارع في سبيل البقاء ، ولأجل انتزاع الحصة الأكبر من السلطات ومقدرات الكون. إن المجتمع الرأسمالي ، مثلما هو منبع العنصرية والفاشية والفساد والإدمان وأمراض إجتماعية عديدة، يكون مبنعا للارهاب أيضا. فالقومية التي كما يقال إنها ظاهرة برجوازية، والدين هما من أخطر مولّدات الإرهاب و الفرقة والشقاق بين الناس. فالأفكار الخرافية كانت دوما تحمل أكبر شحنات تدميرية وأشدها فتكا، ولا ننسى أن النازية الهتلرية خرجت من رحم النزعة القومية المتطرفة الألمانية. لذا فالنضال ضد هذا النظام إنما هو نضال كل المظالم والمصائب التي لحقت بالبشرية. وإن جرائم الإمبريالية و الإسلام السياسي وارهابهما ليست بنت اليوم ، ولا وليدة 11 سبتمبر 2001 ، بل هي ترتكب منذ عقود في باكستان وأفغانستان والعراق والجزائر وبلدان عديدة. فالامبريالية والاسلام تآزرا في الوقوف بوجة ما سمي في فترة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية بالمدّ الشيوعي. لكن ّ جريمة 11 سبتمبر ارتكبها الإسلام السياسي كانت لعرض عضلات و ليظهر للعالم أنه قادر على الحاق الأضرار بأمريكا وفي قلبها. فهذا اليوم يعتبر أحدث تغييرا في العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وكان نقطة عطف إلى مرحلة أخرى من الأمبريالية والإرهاب العالمي.
فبعد 11 سبتمبر 2001 بدأت مرحلة جديدة من الإرهاب والخراب تحت تسمية " الحرب على الإرهاب"، فهذه السياسة الإمبريالية ترجع جذورها إلى فترات قبل انهيار الإتحاد السوفيتي. في تلك الفترة كانت سياسات الولايات المتحدة تنزع إلى جعلها القوة الكونية الوحيدة بقوى أصغر تخضع لها. فالصراع الدائر اليوم بين جبهتي الإرهاب الإمبريالي والإسلامي لا تتمثل فيه البشرية المتمدنة طرفا والتي هي لا بدّ لها من أن تقف بوجههما في جبهة ثالثة. قالقتل عند الإسلام السياسي مشرّع عقائديا وفقهيا ، وهو جزء أساس من أيديولوجيته، لهذا فأن الرأسمال الإمبرالي والقوى الارهابية الإسلامية والقومية والطائفية ، كلها شركاء في جرائم الإرهاب في كل أنحاء العالم.
إن ّأعراس الرأسمالية وعرابيها بمناسبة انهيار الأتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية لم تدم طويلا، فسرعان ما انكشف زيف ادعاءات الرفاه والحرية و السعادة المنقطعة النظير في ظل العولمة والسوق الحرة . فتاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سوء في أوروبا الشرقية ، وساد الفقر و المتجرة بالرقيق الأبيض ، و انتشرت أنواع الأمراض الخبيثة ، وانتهكت كرامة الإنسان. نفس الوعود أطلقتها الإدارة الأمريكية و حلفاؤها عن الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ، ولكن البشرية لم تجْن ِ منها سوى المزيد من القتل والدمار والخراب. فيتم التضييق على الحريات الشخصية، وانتهاك حرية الإنسان و حقوقه وكرامته تحت يافطة محاربة الإرهاب. و وصلت القوى اليمينية والرجعية إلى السلطة في أكثر البلدان الأوروبية ، وتفاقمت درجات التمييز العنصري ضد الجاليات الشرقية المقيمة في الغرب، ويجري تقنين كونهم من الدردات الدنيا في المجتمع بتبريرات من قبيل حق التعددية الثقافية والقومية والدينية. وهذه الظاهرة اللاانسانية هي امتداد لما يحدث في العراق والعديد من بلدان الشرق ألاوسط من تقسيم طائفي ومذهبي وأثني ، وتوزيع حصص السلطات والمقدرات على من يجعلون منهم يمثلون طزائف ومذاهب و اثنيات . وهذه الظاهرة التي تدعم العشائرية والطائفية والتي هي من نتائج 11 سبتمبر وما يسمى الحرب على الإرهاب ، أعطت الزمام للقوى الرجعية و المتخلفة مغتصبة النساء ، لتمارس المزيد من الظلم وافضطهاد بحق المرأة. فأمريكا في حاجة إلى حلفاء للسيطرة على الأوضاع في العراق وأفغانستان، ولا تلقى غير القوى الرجعية والمتخلفة للتحالف معها ،والتي هي أيضا تشترط الحصول على حصتها التي تكون نقمة على المرأة والقوى العلمانية والتقدمية في المجتمع. وقد أثتت الأيام أن الإمبريالية الأمريكية لم تسقط حكومة طالبان و البعث في سبيل أن ينال المواطنون حقوقهم ويتمعوا بحرياتهم. إن إدارة بوش أعلنت مشروعها الدموي الحرب على الإرهاب قبل 11 سبتمبر 2001 ، لكنها رأت في 11 سبتمبر يوم المصير واستغلته أبشع استغلال. وإن المحلل السياسي الأسترالي جون بيلنر قد قرأت يوما له يكتب "إن اليمين في أمريكا استفادوا من واقعة 11 سبتمبر بقدر كبير بحيث أكاد أعتقد أنهم أنفسهم ارتكبوا هذه العملية ألإرهابية." .إن العالم يعيش منذ " الحرب على اإرهاب" حالة رعب وارهاب وعدم استقرار لم يشهد لها مثيل منذ 1945. وأن ضحايا هذه الحرب وما أفرزته من قوى دموية وسلطات مافيوية متصارعة يفوق عديدهم على عديد العملية الإرهابية في مانهاتان ونيويورك بآلاف الأضعاف. وفي هذه الأيام تخطط أمريكا لتركيع النظام الإيراني ما يرقص له أشخاص عرضوا أنفسهم مستعدين لأداء أية خدمة لبوش ، حالمين بالثروة والسلطات التي كسبها نظراؤهم في العراق مقابل عمالتهم وتجحشهم لقوى الأحتلال ، وفي سبيل مواجهة إيران وتغيير النظام تحتاج أمريكا إلى حلفاء ، والحكومات الأوروبية لها مصالح حيوية ، أي البترول في إيران .و البترول لا يمكن الإستغناء عنه وهو عصب الحياة للبلدان الأوروبية ، لهذا تتفاقم الورطة الأمريكية و هي تتمرغل في المستنقعين العراقي والأفغاني. كما تتصاعد يوما بعد يوم الاحتجاجات ضد سياسات أمريكا العدوانية ، وحلفائها. والأنظمة الاستبدادية في العالم العربي أمست أشد ارتباطا بسياسات أمريكا . فأمريكا بحاجة إلى البترول و لتأمينه في حاجة إلى ارتشاء الحكام العشائرين والقبليين ، أي أن أمريكا لا يمكن أن تصبح نصير الديمقراطية والمدنية في المجتمعات العربية. إن الأحداث الأخيرة ، وفي مقدمتها العدوان الإسرائيلي على لبنان / مثل 11 سبتمبر ، لم تأتِ من فراغ و في غفلة من أمر العالم، بل أنها نتاج عمليات وطبخات سياسية لمدة طويلة ن تتجلى بأشكال عديدة في أجزاء معينة من العالم، وفي السنوات الأخيرة ، وخاصة بعد 11 سبتمبر اشتدت وفق السياسات الرأسمالية المقائمة على أساس خلق بؤر توتر وأزمات في الأطراف والهوامش العالمية في سبيل اخراج الأزمة الأصلية للرأسمالية، بحيث أمست اليوم القوى الرجعية في أطراف المركز العالمي حرة في ممارسة ارهابها وسلطاتها على الجماهير المحرومة. فالإمبريالية خلافها مه الارهابيين أنها لا تريد العمليات الإرهابية في بلدانها، بل هي تسكت عنها إن ارتكبت في الشرق خارج العالم الغربي ، وغن لم يكن الضحايا من رعاياه. وينبغي علينا ألا نغفل أن النضال ضد الفساد ووالتخلف و الطائفية في العراق والشرق الأوسط ، هو جزء لا يتجزأ من الحرب ضد الفساد والإرهاب والاستبداد العالمي بل والكوكبي، الذي يجد في قضيتي الارهاب والأمن ذريعة لكل أفعال القمع والغزو والعدوان ومصادرة موارد الشعوب وانتهاك حقوق الإنسان التي شرعتها البرجوازية وهي في أوج صعودها ، واليوم تدوس عليها لأنها أمست فاسدة ووصلت إلى مرحلة العجز والشيخوخة ولتفسخ ، فالواجب اليوم يقتضي التحالف مع القوى المناهضة للفساد في العالم،لأن الإرهاب والعنف هو ردّة فعل للاستبداد والفساد، وهو عرض لمرض ليس إلا. إن إيجاد الجبهة الثالثة من شيوعيين وعلمانيين وتقدميين مؤمنين بحقوق الإنسان والمرأة والإشتراكية في كل أنحاء العالم لمواجهة جبهتي الارهاب الامبريالية و القومو- اسلامية بات في غاية الضرورة و الالحاح. وينبغي هنا التحذير من القوى البرجوازية الصغيرة التي ترفع شعار معاداة الامبريالية ، وتتحالف مع القوى الدكتاتورية والقومية والمذهبية بأنها في ظل هذا الشعار تقدم خدمات مجانية للامبريالية و القوى الرجعية المعادية لمصالح المحرومين والطبقة العاملة . يجب أن لا تكون لهذه القوى الأنتهازية مكان في الجبهة الثالثة التي ستنتصر على جبهتي الإرهاب و الاستغلال الدمويتين.
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألا إن حزب الله وإسرائيل كانوا هم الغالبين
-
فيكتور خارا – انتصارالفن ّ على طغيان رأس المال
-
ملوك الطوائف في أرض الرافدين
-
نجيب محفوظ الحاضر أبدا في بيوتنا
-
الخيبة الأخلاقية للسلطات الكُردية
-
خبز في -طاسلوجة- مغموس بدم الفجر
-
جماهير لبنان ليست وحدها في مواجهة العدوان الإمبريالي الآثم
-
جبهة البشرية المتمدنة و الإنسانية كفيل بإيقاف العدوان الإسرا
...
-
الكابيتلاسيون في صيغته العولمية
-
آن لعينك أن تستريح
-
رؤوس لضحايا معلومي الهوية الفدرالية والديمقراطية
-
لتوصد بوابات الجحيم
-
كأس العالم وتسليع مشاعر الجماهير
-
الهوية الإنسانية بديل الشيوعيين عن الهويات القومية والطائفية
...
-
!جعلت ِ من رفرفة الموتِ ترنيمة الأبدية ، يا أماه
-
Good Kurds , Bad Kurds
-
حرب أمريكا على إيران نعمة إلهية أخرى للنظام الإيراني
-
بابلو نيرودا: سأوضح لكم بعض الأشياء
-
السلاح السويدي وانتهاك حقوق الإنسان
-
لماذا قمع حرية الفكاهة والأدب الساخر؟
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
|