|
ناتاشا كمبوش وأطفال العراق
خالص عزمي
الحوار المتمدن-العدد: 1671 - 2006 / 9 / 12 - 02:48
المحور:
حقوق الانسان
بعد ثماني سنوات من اختطافها ظهرت على شاشة التلفزيون النمساوي مساء يوم الاربعاء 6 / 9/2006 ؛ ناتاشا كمبوش تلك الطفلة التي كانت في العاشرة من عمرها ؛حينما اختطفها شخص وهي في طريقها الى مدرستها الابتدائية ؛ وفر بها ليحتجزها في غرفة اعدها لها خصيصا في سرداب تحت بيته كل تلك السنوات العجاف ؛ حتى اذا ما سنحت لها الفرصة الذهبية ؛ فرت من يدي خاطفها لتلجأ الى البوليس الذي كفل لها كل اسباب الراحة والامان . وما هي الا سويعات حتى جندت الدولة والمجتمع المدني ؛ اشهر الاخصائيين في مختلف النواحي الطبية الجسمانية ؛ والنفسية ؛ والعقلية ؛ اضافة الى الباحثين في المجالين الاجتماعي والتربوي ... الخ لكي يبذلوا كل ما في وسعهم لاعادتها الى الى وضعها الطبيعي وممارسة حياتها على الوجه الافضل .
لقد هب الشعب النمساوي ومن ورائه البرلمان والحكومة بل والشعوب الاوربية ايضا ؛ لا للوقوف الى جا نبها ودعمها معنويا وماديا لتستعيد وضعها الاسري و الاجتماعي والتربوي ؛ بل ولتتكاتف بكل صلابة على مختلف الاصعدة بغية عدم تكرار هذه المأساة . ومن ذلك نشر حكايتها على اوسع نطاق اعلامي ممكن ؛ بحيث تستطيع الاسر والجمعيات والمدارس ؛ من القيام بواجبها في مجال التوعية اللازمة لتنبيه الاطفال بالذات الى خطورة ما وقع ومحاولة تحاشي ذلك مستقبلا . لقد شاهدت بأم عيني ؛ كيف اخذت الندوات والحلقات الثقافية تعقد لشرح الوسائل الكفيلة بتنبيه الصغار مدرسيا الىسلبيات ما حدث و بلغة تربوية بسيطة و واضحة ؛ واخرى لأرشاد الأسر الى كيفية حمايةاطفالها الصغار من مثل هذه الأحداث المؤسفة قبل وقوعها ؛ ولقد لعبت الندوات التلفزيونية والاذاعية والصحفية دورها الواعي في اشراك كل المجتمع بتلك المناقشات والمداخلات.
هكذا تفعل الامم الحية مع اجيالها الناشئة ؛ وهكذا تحفظ للفرد قيمته ومكانته كأثمن رأسمال في الحياة . لقد توقفت كثيرا عند هذه الحادثة المؤلمة ؛ ولا اريد ان ادخل في تفاصيل معاناة كل مواطن نمساوي التقيته ؛ وكأن ناتاشا كانت فردا من عائلته ؛ بل لاقارن بين هذه العناية المذهلة وبين ما اصاب اطفال العراق من مأساة مدمرة والاهمال الفاضح الذي عانوه ؛ ليس من اللحظة التي حل فيها الاحتلال الهمجي الغاشم على ارض الفراتين ؛ بل منذ ان خطط للاجهاز على الطفولة البريئة بذلك الحصار الظالم لاكثر من عقد من الزمن ؛ حيث ترك للامراض والاوبئة ان تحصد مئات الالاف لتحيلهم الى توابيت تزحف نحو المقابر ؛ وكأن خطة جهنمية قد اعد لها مسبقا للاجهاز على رموز المستقبل بهذه الطريقة المتوحشة القاسية .
في 17 /5/2006 ذكر تقرير منشور لمنظمة اليونسيف الدولية قوله . ولم يتوقف الامر عند هذا الحد ؛ بل تعداه الى عشرات من الفواجع المدمرة ولاسباب مبرمجة كثيرة ؛ لعل من ابرزها ما نوجزه في النقاط التالية : ــ أ ــ بدأت الحرب على الطفولة بشكل ظاهر ؛ يوم اعلن الحصار الأقتصادي في اعقاب حرب الخليج الثانية؛ والذي نال منه اطفال العراق النصيب الاوفر من السلبيات المدمرة على الصعيدين الصحي والتربوي ؛ فراح ضحية تلك الجناية البشعة ما لايقل عن مليون بريء خلال العقد الماضي ؛ حسب الاحصائات الدولية . ولقد حذر الامين العام للامم المتحدة السيد كوفي عنان من هذه المآسي بتقريريه المرفوعين الى مجلس الامن بتاريخ 10 / 3 /2000 وتاريخ 8 /9 /2000 . ولكن من يسمع ؟!!!. ب ــ لقد أدت الحرب العدوانية على العراق الى : ــ 1 ـ قتل آلاف الاطفال في المدن والقرى والارياف ؛ داخل البيوت والمزارع والملاجيء ودور العبادة . 2 ــ تعويق الآلاف الاخرى ( جسديا ؛ ونفسيا ) اثناء وبعد وبخاصة عن طريق آلاف القنابل المشحونة باليورانيم المنضب الذي أدى الى التشوهات في المواليد الجدد عن طريق استنشاق الامهات الحوامل لذلك الغبار القاتل المحرم دوليا . . 3 ــ تشريد الاطفال من مدارسهم ؛ اما بسبب الخوف من الاذى المحتمل ؛ او العوز المادي الذي ادى بهم الى التشبث بالعمل ــ على صغر السن ــ في الورش والمصانع او جمع القمامةاو التسول .... الخ بل ان التقارير الصحفية ؛ تشير الى ارتفاع نسبة اختطاف الفتيات الصغيرات من الشوارع ؛ والاعتداء عليهن جنسيا ؛ ثم تركهن لرحمة القدر ؛ او لسكاكين غسل العار !!! . 4 ــ أدت بطالة الآباء او الامهات ؛ الى خلق حالة من الاضطراب العائلي أدت الى التفريق او الطلاق في كثير من العوائل ؛ انعكس سلبا على الاطفال بشكل خاص داخل محيط البيت وخارجه . 5 ــ ان بث شرور الطائفية ؛ وما ادى اليه من تفكيك واقع التعايش السلمي الاسري والاجتماعي ؛وبخاصة ما يتعلق منه ب ( حرب الهوية ) المفتعلة ؛ انعكس على استقرار الطفولة ؛ من حالة الترابط والتواصل ما بين الجيران في المحلة الواحدة الى النزاعات و التشتت وضياع الصداقة و الرفقة .. 6 ــ لقد كان لهجرة الاسر الى خارج العراق ؛ خوفا او طلبا للرزق ؛ اثره المباشر علىالاطفال ؛ الذين راحوا يواجهون مجتمعا آخر ؛ غير قريب منهم لا نفسيا ولا اجتماعيا ولا تربويا . 7 ــ ان قلب المناهج التربوية ؛ بين ليلة وضحاها ؛ قد تكون مفهومة لتلاميذ المدارس المتوسطة وما فوقها ؛ ولكن من الصعب ايضاح كل تلك التغيرات واسبابها ودوافعها المفاجئة الى تلاميذ بعمر الزهور ؛ مما ادخلهم في دوامة من الارتباك والتناقض ؛ هم غير قادرين على استيعابه . 8 ــ ان مشاهدة الجثث والجرحى والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة ؛ اضافة الى المداهمات والاعتقالات وما الى ذلك من العنف المرعب ؛ قد ادى الى اصابة الطفولة بما يشبه الشلل النفسي والارباك العقلي ومن ثم الى تحول سلوكهم السوي الى العدوانية والمجابهة العنيفة . 9ــ ان شحة الدواء والغذاء وتدني وقلة المستشفيات غير المؤهلة اصلا ؛ والنقص الحاد في سيارات الاسعاف لايصال المرضى الى المواقع الصحية فورا ؛ اديا الى وفاة المئات من الاطفال قبل بدء العلاج .
ان تلك الاسباب الرئيسية ( كلها او بعضها ) ؛ قد حولت اطفال العراق ــ من الذين قيظ اليهم ان يبقوا أحياء ا الى جيل ؛ واهن ؛ مريض ؛ معوق ؛ يحتاج الى جيش من الاطباء على مختلف الاختصاصات ؛ والى معسكرات طبية واسعة ؛ تعمل ليل نهار لاعادة تأهيل بعض الذين ما زالوا قادرين على مواصلة العيش من هؤلاء الاطفال
يقول الممثل الخاص لليونسيف في العراق السيد( روجر رايت ) تعليقا على تفاقم الوفيات والانحدار في راعية الطفولة على مختلف المستويات : < ان نقص التغذية ؛ أمر مرفوض في بلد غني بالثروات والموارد كالعراق > .
ان احترام الدول لابنائها والوقوف الى جانبهم والدفاع عنهم ؛ والعمل على اسعادهم ؛ وخلق الاجواء التي تساعد على تأهيلهم صحيا وتربويا واجتماعيا ؛ هو المعيار الحقيقي للتطور والتقدم والايمان عن عمق بأسس الديمقراطية الحقيقية و مباديء حقوق الانسان . ان تدني انظمة الحكم الفاسدة والمتهرأة وغير المؤهلة اصلا لقيادة دولة عصرية حديثة ؛ هي التي جعلت من تلك الانظمة ؛كمية مهملة لا يقام لها اي وزن او اعتبار ؛ ومن هنا جاء توجيه احد الجنرالات الامريكيين لذلك الجندي العفن الذي قتل( زهرة العفاف المغتصبة ــ عبير بنت المحمودية ) بعدان اجهز على اسرتها حيث قال له < حينما تكون بعيدا هناك .... عامل الناس باحتقار كما لو انك تتعامل مع النمل > ؛ وكم طبق اؤلئك الجنود هذه ( الحكمة المتوحشة !!! ) على ارض العراق . لعلمهم بأن ليس هناك زعماء دولة يلبون ارادة الشعب ويحمون مقدساته ويحافظون على وجوده وحقوقه باعتبارهم جزءا من كينونته ومصيره وحاضره ومستقبله . بل هناك مجرد حكام يدركون تماما بأنهم ما جاءوا الا ليرحلوا باسرع وقت ؛ مثلهم مثل الذين يدخلون مطاعم الوجبات السريعة ( خذ على عجل وكل بسرعة وأذهب ) .
وتأسيسا على ذلك .....كيف نريد من العالم الآخر ان يحترمنا ويحسب لنا ولاطفالنا الف حساب ؛ اذاكان بعض حكامنا الجدد قد فرطوا بحقوق الوطن واستهانوا بالكرامة ؛ وجعلوا من مقدسات الشعب سلعة بخسة الثمن ؛ ذليلة القدر ؛ وضيعة القيمة والاعتبار . ؟ !!؛
#خالص_عزمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقائي الاول مع نجيب محفوظ
-
أدب القضاة 10
-
وردة الغربة على قبر البياتي
-
عزف لبناني منفرد
-
أدب القضاة 9
-
فما لك غير لبنان وتشفى
-
الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله شهادة وذكريات 4 4
-
الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله شهادة وذكريات 3 - 4
-
الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله 2 4 شهادة وذكريات
-
الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله شهادة وذكريات 1 4
-
عبير
-
المقدمات 3
-
الاهم : دولة حديثة معاصرة
-
أدب القضاة 8
-
هدى على شاطيء غزة
-
اثر المكان العراقي في ثقافتي العامة
-
حديثة وما قبلها .... وما بعدها
-
ثلاث طرقات مسرحية - الى عوني كرومي شهيد المسرح
-
أدب القضاة 7
-
يحكى أن 4
المزيد.....
-
الأمم المتحدة ترد بقوة على تصريحات ترامب بشأن غوانتانامو
-
كيف ينظر الداخل الإسرائيلي لعملية تبادل الأسرى مع المقاومة ا
...
-
الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي
-
روسيا تسعى لتثبيت نفوذها في سوريا واعتقال مسؤول بارز في نظام
...
-
مسؤول كبير في إدارة ترامب يتوجه لفنزويلا لإجراء محادثات بشأن
...
-
عاجل | رئيس حركة حماس في غزة خليل الحية: نرى اليوم الأسرى ال
...
-
-شارك في قمع الاحتجاجات بقوة-.. اعتقال عاطف نجيب ابن خالة بش
...
-
الأمم المتحدة تؤكد مواصلة الأونروا عملها داخل فلسطين المحتلة
...
-
بريطانيا وألمانيا وفرنسا يصدرون بيانا بشأن حظر إسرائيل وكالة
...
-
آخر مستجدات عملية تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|