أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - تعالوا إلى كلمة سواء













المزيد.....

تعالوا إلى كلمة سواء


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 7218 - 2022 / 4 / 14 - 12:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أذكر أن للأديب الكبير "عباس العقاد" كتابا بعنوان "التفكير فريضة إسلامية" جعل فيه العقل مقدم على النقل، لكن في أعمال الأديب الأخرى نراه وقد تخلى عن هذا المطلب في سلسلة "العبقريات" ليجعل فيها النقل مقدم على العقل، فروايات التاريخ والأحاديث صحيحة وصادقة وهي الأساس في فهم الدين، بينما الإشكاليات والتناقضات العقلية والتي تتصادم فيها مع الحس الإنساني والصالح العالم لا ضرورة للخوض فيها بدعوى اعتزال الفتن أو البحث لها عن تأويل مناسب هو في الحقيقة مجرد أعذار وتبريرات لمشكلات لا حلول واضحة لها..

من هنا اكتشفت أنه ليس كل ما يكتب فلان يلزمه، فالإنسان ما بين خير وشر وإبداع وقصور دائم، وسهامه في العلم تعلو وتنخفض وفقا لأحواله المزاجية والعقلية وأحيانا مصالحه الشخصية، لذا فقد رأيت أن أولى طرق العلم الحقيقي سوف تبدأ من تصور الناس بهذه الصورة الواقعية، وهي تعني أن الجميع بشر يصيب ويخطئ..لهم وعليهم، لا أحد مقدس البتة، بينما في تناولنا للآخر وللرموز الدينية يجب أن يكون تناولنا مليئا بالاحترام والتقدير

لكن الذي يحدث على الأرض شئ مختلف، فالتقدير صار تقديسا، ومن يقدر الصحابة وآل البيت فقط صار مُقصرا بل يطالبونه بالمبالغة في هذا التقدير حتى يصل للتقديس وعدم السماح بأي رأي يخرق تلك القداسة ويخرج هؤلاء البشر من بشريتهم أبدا، فهم كائنات هلامية ملائكية لا تخطئ، وأقوالهم دليلا شرعيا يجب اتباعه، ولا زالت هذه الرؤية مسيطرة على المذهبين السني والشيعي إلى اليوم ومنذ 1400 عام، حتى صار كل من يطلب تهذيب هذه الصورة المزيفة متهما بالكفر والزندقة وأنه لا يحب الصحابة وآل البيت أو هو ينتقص منهم فقط لأنه يقدرهم فقط ويحترمهم لكن لديه الإمكانية بوضع هذا التقدير في مكانه دون تقديس وعبادة..

هذا التقديس للأئمة والأعلام هو السبب في فشل تجديد الخطاب الديني والحاجز الأول ضد التنوير في بلادنا العربية والإسلامية، خصوصا لو كان هؤلاء الأئمة ممن يُفحشون القول في الخصوم ولا يتأدبون معهم بأدب القرآن فينتقل هذا الفُحش وذلك السوء للتلاميذ والأنصار حتى صار علامة لغالبية متديني هذا الزمان، فالذي يتدين اليوم ليس كمن يتدين بالأمس..حيث وإلى زمن قريب كان المتدين ينضبط سلوكه أخلاقيا ويبدأ بالزهد والتقشف والهدوء والإيثار ، لكن الذي يتدين اليوم يدخل في عراك مباشر مع مخالفيه فيكيل الاتهامات الكاذبة دون بينة ويطلق أحكام الكفر والردة باستهتار، وقد ضربت مثلا على بعض الفنانين الذين أعلنوا تدينهم منذ فترة قريبة وهما "أحمد فلوكس ومصطفى درويش" وأنهما ومنذ إعلان تدينهما وهم في مشاكل وسباب وشتائم لكل من يخالفهم وينتقدهم من المفكرين والوسط الفني.

أكيد هذه النسخة من التدين لا يرضاها الله عز وجل القائل في محكم كتابه واصفا نبيه الكريم "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" [آل عمران : 159] فالمسلم مطالب بأن يتأدب بأدب الرسول ورقة القلب وعفاف اللسان والغفران لمن يخطئ من الخصوم الذين يخطئ البعض منهم ليس عن عناد ومكابرة ولكن عن جهل وبحث وتأويل، وكذلك مطلوب من المتدين أن يشاور خصومه ليس فقط حلفائه وأصدقائه ، والآية واضحة أن الرسول كان مأمورا باحترام خصومه وأن يستغفر لهم ويشاورهم في الأمور العامة، وبرأيي أن ذهاب هذا الخلق الآن دالا على أن نسخة التدين الفاحش المشهورة الآن لا علاقة لها بجوهر الدين، بل مرتبطة بمصدرها الأصلي وهو (الإسلام السياسي) وصراعاته على السلطة وكراهيته لكل خصومه وطائفيته ضد كل المذاهب والأديان والأحزاب المختلفة..

أذكر عندما كنت إخوانيا كنت أقرأ الأحاديث وأرى من يخالفها أتعجب فورا، كيف يخالف هذا المسلم رسول الله وكيف يتجرأ على أن ينكر أقوال النبي؟..فعندما يقول الرسول "أيما امرأة تعطرت وخرجت من بيتها فهي زانية" ثم أرى نساء يضعن العطر أتعجب من هذا الفعل، ألم يسمعوا قول الرسول؟..وهذا الشيخ الذي ينكر تلك الرواية ويقول أنها من صنع المتشددين هل هو مجنون أن ينكر قول النبي وهو لا زال مسلما؟!..هذه مشاعر مؤمن أصولي أعترف أنني شعرت بها قبل رحلة بحثي في الدين قبل 17 عاما، فقبل هذا الزمن لم أكن أبحث ولا أقرأ للخصوم بل كنت أحب القراءة في كتب التاريخ والفلسفة والأدب فقط، ولم أكن أتصور أنني سوف أقرأ في كتب الشيعة والمعتزلة والملحدين والمسيحيين ..إلخ، ففي ظني أن قراءة هذه الكتب كانت عملا محرما بالأصل وفقا لاستنتاجي الشخصي بكلام شيوخي وزعمائي الذين كانوا يكثرون في تبديع وتفسيق وتكفير هذه الفرق، والهجوم على الأحزاب والتيارات المنتمية إليها، فترسخ في ذهني أن كل حرف لهؤلاء هو كذب متعمد

لكن عند إقدامي على البحث وتشغيل عقلي قرأت لهذه الفرق والأديان ووجدت معظم ما قيل في حقهم هو كذب، بل عند المقارنة وجدت اتفاقات كثيرة جدا ومشتركات عظيمة رأيتها بوضوح عن بينة ، فعرفت أن مرحلتي السابقة الأصولية كنت أعاني من (أحادية فكرية) وتعني اعتقادي برأي واحد شربته من معلم واحد وخطاب ديني واحد وسياسي واحد، وهؤلاء المعلمين والشيوخ والزعماء لم يكونوا أمناء في نقل الحقيقة لي حيث جرى تضليلي عن عمد، وبناء على هذه الخدعة كان توسعي في القراءة مصحوبا بحماس وشجاعة بقدر شعوري بالحاجة للانتقام، فالمخدوع يشعر بالألم مثلما يشعر المظلوم وينتظر دائما الفرصة للانتقام ممن خدعوه، ولكنه كان عندي ليس انتقاما عنيفا بل سلميا مصحوبا بأسئلة واستفسارات لقياداتي في الجماعة ذكرت في كتبي السابقة أنها صنعت لي المشاكل ، إلى أن تراكمت تلك المشكلات وصار البقاء في الجماعة مستحيل..

أذكر أنني عندما سمعت شيخا من المذهب الشيعي اسمه "كمال الحيدري" سنة 2005 وهو ينفي ما قيل عن مذهبه بالدليل والحجة الموضوعية وأنهم لا يحرفون القرآن وأن من يسبون الصحابة لديهم متطرفون ومسيئين حتى لمراجعهم، نقلت هذه الأقوال لأحد أئمتي على أمل أن تُناقَش ويُرد عليها بنفس الهدوء والموضوعية العلمية لكني وجدت تعصبا غير مبرر من إمامي، قائلا أن هذا الشيعي يستعمل التقية وأنهم يتربصون لأهل السنة ويجب أن لا أفعل ذلك مرة أخرى..حتى اتهمني لاحقا بالميل للشيعة وأنني فاسد العقيدة، توقفت باستغراب أليس ما يغضبنا نحن أهل السنة هو سباب الشيعة للصحابة؟..وأليس ما يقلقنا أنهم يحرفون القرآن.؟..فماذا لو جاء من يغضبنا يعتذر لنا ويقول لن نسب مرة أخرى وسوف يواجهون هؤلاء السبابين ويمنعوهم؟ ..أليس ذلك ما نطلبه بالأساس وبالتالي سوف نرضى ونهدأ؟..وماذا لو جاء من يقلقنا ويطمئننا أنه لا يحرف القرآن وتلك الأقوال غير صحيحة؟..ألا يستدعي ذلك زوال الغضب والقلق؟

حتى لو قال هذا الشيعي ما قاله عن تقية وكذب، أليس في الإمكان أخذ الضمانات بحصار هذه الأفكار وعدم نشرها؟..أليس السنة الآن صاروا أقوى ويفرضون شروطهم ؟..أليست تلك الضمانات التي سوف نأخذها سوف تحاصر أئمة الشيعة وتضعهم في حرج مع جماهيرهم بحيث صاروا مضطرين لإرضائنا من ناحية ومضطرين أيضا لمواجهة شعبهم؟

كانت أسئلتي من محب للدين ومتمسك به ويعلم جيدا أن القضاء على آفة سب الصحابة وعدم صحة تحريف القرآن هو (لصالح ديني) لكن القوم لم يكونوا يفكرون هكذا، وأن الشيخ الذي سألته لم يكن يدافع عن الإسلام الذي أفهمه بل عن مذهب السنة الذي يمثله ويتعصب له، فلو وقف الشيعة على رأسهم وجاءوا بهم قبيلا وقدموا لنا القرابين من أطفالهم ونساءهم لن يرضى أئمتنا وسوف يظل إمامي على موقفه المتشدد منهم والرافض لأي حوار والمحرض دائما للجماهير عليهم والذي يسعى بنشاط للتحذير من خطرهم، فعند ذلك آمنت بأن ما يسعى له هؤلاء هو فتنة طائفية تأكل الأخضر واليابس وأن مؤتمرات "خطر الرافضة" التي كانت تنتشر في هذا التوقيت في مصر والشام والعراق والخليج مع شرائط السلفيين وخطاباتهم التحريضية على الفضائيات هي مجرد توطئة ومقدمة لهذه الفتنة، وما يفعلوه أئمتي هو تهيئة التربة الإسلامية للقتال وتشجيع المسلمين على الحرب الدينية، فكانت أحد أولى وأكبر صدماتي في الجماعة على الإطلاق..

كانت كل فرقة تدعي أنها الفرقة الناجية، عندما أقرأ للسلفيين يقولون عن أنفسهم الفرقة الناجية ثم يعدد الشيخ السلفي – بكل ثقة - هذه الفرق النارية ويذكرهم بالإسم (الأشاعرة والماتوريدية والجهمية والمعطلة والشيعة والمرجئة والمعتزلة والفلاسفة..إلخ) ثم عندما أقرأ للشيعة أجدهم يقولون نفس القول أنهم فرقة ناجية وأن الفرق النارية هي (النواصب والمرجئة والوهابية والمعتزلة والفلاسفة ..إلخ) ولسبق علمي بأن الوهابية تعني السلفية رأيت أن كلا الفريقين يقولان عن أنفسهم أنه وحده الذي يدخل الجنة، لكني وجدت اتفاقا بينهم على تسمية (العلمانية) كأحد الفرق النارية ال 72 فتعجبت لأن العلمانية التي أفهمها وقرأت عنها في مؤلفات عبدالوهاب المسيري هي ليست دينا له طقوس وعبادات وأئمة وآلهة وكتاب مقدس، بل هي مطالب لفصل الدين عن الدولة كي لا يختلط الدنيوي بالمقدس، وألا يصير الحاكم إلها يعبد من دون الله، وأن العلمانية الشاملة فقط هي الخاطئة والتي تفصل الدين عن كل مناحي الحياة

فحسب تصوري عن علمانية المسيري أن الرجل كان يرى ضرورة فصل الدين عن الدولة، ولكن بشرط عدم محاربة الدين..وهو النموذج المنتشر الآن في الغرب مع بعض الاختلافات البنيوية فيه بين النموذجين الإنجليزي والفرنسي وهذا شرحه يطول، لكن كلا النموذجين لا يحاربان أصول الدين في الحقيقة ولا يمنعان المسلمين من ممارسة شعائرهم وأن كلا النموذجين بهما صعودا للمسلمين اجتماعيا وسياسيا وفكريا وهناك تعايش بين المسلم وغيره ، بالتالي وصلت لفكرة أن ما يدعو إليه المسيري في الحقيقة هو (علمانية الواقع) التي فسرناها داخل الإخوان بمصطلح آخر وهو (فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي) فتكون الدعوة محصورة في قلب المؤمن والمسجد وتنعكس على سلوكه شكلا وموضوعا، لكن السياسة لها قوانينها الخاصة وصراعاتها وشروطها المختلفة ، فالداعية يشترط فيه أن يحفظ القرآن والحديث ويدعو إلى الله والأخلاق والعبادات، بينما السياسة وقوانين المجتمع مستمدة مما تعارف عليه المجتمع نفسه واصطلح عليه بين الأحزاب والمواطنين من كل الأديان والمذاهب، وبالتالي فالسياسي له شروط مختلفة عن الداعية أهم شرط فيهم (قبول الآخر) والإيمان بالقوانين المدنية العصرية..

ما رأيته هنا أن السياسة مختلفة تماما عن الدعوة، وبالتالي فعلى جماعة الإخوان إذا أرادت إنشاء حزب سياسي عليه أن ينفصل فورا عن الجماعة الدعوية الأم، ويقدم على عقد تحالفات وصداقات مع علمانيين وليبراليين ويسار ومسيحيين..إلخ، وعلى هذا المعتقد ظللت 4 سنوات أكتب فيه وأناظر زملائي الإخوان على شبكة الملتقى على الإنترنت ومواقع ومنتديات أخرى كنت أخوض صراعا فكريا لتسويق رؤيتي مع سلفيين وأزهريين داخل الجماعة ، لكن معظم مناظراتي كانت تحدث ضد سلفيين وجهاديين في الواقع نظرا لأن ما أكتبه يمثل خصومة مباشرة معهم، أو كما كان يصفني أحدهم (بذيل الليبراليين والشيعة) وكنت أتعجب من هذا الجمع بين الاثنين الذي كنت أجهد نفسي في الرد على هذه التهمة وذلك الوصف وفي اعتقادي أن من أتحدث معهم لديهم عقول يبصرون بها وقلوب يشعرون بها، لكن تبين بعد 4 سنوات من التناظر أن القوم (بلا عقل ولا قلب) وأنهم كائنات مسيرة لحروب دينية مفتعلة وصراعات سياسية حمقاء وسوف يكونوا وقودا لتلك الحروب والصراعات بلا ثمن...فاتخذت قراري بالتوقف وترك هؤلاء المساكين لمصيرهم..

كان تمسكي بالقرآن كأصل لفهم الدين له ضريبة مع شيوخي وزملائي، فقد تسبب هذا التمسك بإثارة المشاكل معهم، فأنا أفهم الدين أنه جاء رحمة وهداية للعالمين لا لإثارة المشاكل والفتن والعصبيات، مصداقا لقوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" [الحجرات : 13] فالقرآن هو كتاب يدعو للوحدة والهداية والتعارف، وأن أفضلنا عند الله ليس من كان سنيا أو شيعيا بل هو أفضلنا أخلاقا وتقوى، بالتالي صار صراع الفريقين وكل مذاهب المسلمين بل وكل العالم مع بعضه هو صراع (تافه) مرة يكون على الصغائر والعصبيات ومرة يكون على المصالح الدنيوية والأطماع والشهوات، ولأن الخلاف بين البشر طبيعي فهو لم يحدث بسبب الدين ولكنه من عند الناس ينتج بشكل دائم من قصورهم الذاتي وأطماعهم وشهواتهم وجهلهم، بالتالي فالبحث في مسببات الصراع شغل حيزا كبيرا من عقلي حتى وصلت إلى قرار جرئ اتخذته وقتها بمناقشة كل قضية مختلف عليها بجرأة والتوعية بأن هذه القضية الخلافية تم تضخيمها دون داعي

فكتبت في مسائل كثيرة كعذاب القبر والدجال ونزول المسيح واللحية والموسيقى والنسخ والبخاري والأحاديث وقدسية الصحابة وأمور أخرى كثيرة كانت تستحوذ على اهتمام النخبة الإسلامية والشيوخ، ويفردون لها مساحات كبيرة وصفحات بالملايين دون داعي، فكتبت أن كل هذه الأمور ليست من الأصول بل من الفروع، وتكمن المشكلة أن كل طرف يريد لفروعه أن تكون أصلا ويتشدد فيها ويطالب الآخرين بالتنازل، في حين يتركون الأصول القرآنية تماما برغم اتفاقهم عليها بشكل غريب، ومنذ هذا التاريخ لم أعد أصدق الشيوخ وما يكتبوه فأنا الذي وقفت على بواعثهم الأصلية ومذاهبهم الحقيقية وان ما يكتبوه ضد الآخرين هو أكاذيب مفتراه لن تصمد في عصر الإنترنت، ويسهل ضربها بمحرك البحث جوجل (قدس الله سره) وقنوات اليوتيوب التي صارت سفيرة لأصحابها كما ينبغي..

لكنني كنت أتعجب من إصرار القوم على تلك الأكاذيب في ظل إمكانية وسهولة كشفها عبر الإنترنت، وقد شهدت بنفسي عشرات الحالات غيري في مجتمع الإخوان يبحثون مثلي ويمرون بنفس التجربة وأن صدماتنا في الواقع كانت متشابهة، منهم من تطور مثلي بنفس الدرجة ومنهم من ظل أصوليا لكن بطريقة مختلفة أقرب للتوجه الليبرالي في قبول الخصم والإيمان بالحريات، وصار أشد ما يغضبني هو ما يكتبه هؤلاء ضد الفرق الأخرى برغم مئات القنوات الفضائية وعلى اليوتيوب التي تنفي ذلك، فالشيخ لم يعد يكلف نفسه بالمرور والتحقق ليكتشف بنفسه أكاذيبه المفتراه، وأن ما حمله على ذلك هو تعصبه وجهله ومصالحه لا غير، فحرم نفسه من فضيلة التحقق التي قال الله فيها "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا "..[النساء : 94] و "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" [الحجرات : 6]

فإذا كانت أكاذيب الشيخ مقبولة قبل عصر الإنترنت لعدم إمكانية التحقق لكنها لم تعد مقبولة الآن والأعذار قد زالت، ومن تلك الجزئية عتبت وأعتب على شيوخ أزهريين مشاهير ولديهم أتباع بالملايين لا زالوا يرددون أكاذيبهم ضد العلمانيين بنفس الجراة على الافتراء ودون امتلاك أدنى شروط التحقق والاستبيان والبحث، وأن ما يحملهم على ذلك هو الجهل والعصبيات والمصالح ليس إلا، وبشكل صار فيه الشيخ متوحشا يمثل أقصى درجات العنف والوضاعة في شماتته بموت الخصوم حتى من عرف عنهم التدين واستقامة السلوك وعفة اللسان كالدكتور "محمد شحرور" رحمه الله، لكن فور موته شمتوا فيه بوضاعة وخسة وحرضوا الغوغاء لتكفيره وتكفير محبيه على التواصل الاجتماعي، وهنا نصحت بعض قرائي بتجربتي أن ما يكتبه الشيوخ عن خصومهم هو كاذب بشكل كبير، فهم في معظمهم قوم يستحلون الكذب وفاقدين لأبجديات التواصل، وما يخطوه بأقلامهم وتنطقه ألسنتهم ضد الغير هو إما غير صحيح أو معروض بشكل سطحي مبتسر، وكلا الحالين يدلان على جهل القائل أو عناده أو كلاهما معا، وفي الحالين كان يجب التراجع لا التمادي في الغيّ والعدوان ..

إن ما أدعوه لكل من يختلف معي أن نجتمع على كلمة سواء، أن نبحث ونتحقق في ما يقال وأن لا نسلم عقولنا لمن يذم ويشتم ويكفر، وأن الخطأ وارد من كل البشر لكن المشكلة تقع غالبا في تعيين موضع الخطأ هل في الأصول أم في الفروع، وكيف نبين الأصل من الفرع وما هي تلك الأصول ابتداء، فإذا اتفقنا بأن الأصول هي (حياة الإنسان وكرامته وأملاكه) فلا يجوز التعدي في هذه الأمور وأن الخطأ فيها لا يغتفر وعلى من يخطئ أن يحاسب نفسه قبل أن يُحاسَب، بينما دون ذلك من الفروع الاجتهادية الخطأ فيها لا يقدم ولا يؤخر، بما فيها اختلافات المذاهب مع بعضهم، وأن كل الأديان بلا استثناء جاءت لهذا الأصل الثلاثي وتعزيزه (حياة الإنسان وكرامته وأملاكه) فصار كل المؤمنين بالأديان لا يختلفون حول أديان في الحقيقة بل حول تصورات لهذا الأصل بما يؤدي أحيانا لانتهاكه دون علم

وبصفتي مسلما أدعو كل المسلمين بالذات أن يتركوا صراعاتهم العبثية حول العقائد والفقه والسياسة وأن يتنازلوا في هذا التوقيت الصعب الذي يعج بالحروب والتهديدات ما بين أوبئة ومجاعات وحروب نووية مدمرة، فلأول مرة في التاريخ الحديث يجتمع هذا التهديد بهذا الشكل وبزمن قصير وكأن المستقبل يخبئ لنا أمرا كارثيا لا قدر الله ولا نتمناه، وقتها سوف نكتشف أن تلك الصراعات الغبية والحمقاء بين المسلمين ربما كانت سببا في وصول العالم ومناطقنا لهذا الوضع المتردي، بينما غير المسلمين أدعوهم بالتواصل والمحبة والسلام وأن كراهية بعضهم للمسلمين وخوفهم منهم لم يعد مبررا ، فالتهديد الآن لم يعد صادرا من مجتمعات المسلمين مثلما كان عليه الحال قبل 5 أعوام بل وصل لقلب أوروبا ومركز الحضارة الغربية، وأن المشكلة الآن لم تعد هل الإسلام دين إرهابي لدى البعض أم لا ولكنها صارت أعمق وأخطر في احتمالية تخلي الحضارة عن مبادئها وثوابتها التي قامت عليها نحو صدام نووي كارثي متوقع وحروب اقتصادية ومجاعات وأوبئة وحروب بيولوجية تأتي الأخبار تباعا عن قرب حدوثها..

وما وصول العالم لهذه الأحوال إلا بقيادات فاشلة وغير مؤهلة وثقافة منحطة شاعت في العالم السنوات الماضية، وأن هؤلاء القيادات هم إفراز طبيعي ومرأة للواقع الذي نرفضه ونصر كل مرة على تجميله ووصفه بما ليس فيه..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل الدين ورجل الأعمال..رؤية اقتصادية
- اليمين الكيمتي المصري وتجربة حزب الكتائب اللبناني
- مستقبل إدارة بايدن وموقفها من صراعات العالم
- لماذا يفشل رجل الدين على السوشال ميديا؟
- لماذا يريد عبدالله رشدي تحويل مصر لأفغانستان؟
- العلاقة بين الثورة الهاييتة ومذبحة المماليك
- حتمية انتصار روسيا على الغرب..عشرة أسباب
- حرب أوكرانيا والتعصب للجنس الأبيض
- أوكرانيا على خطى سوريا..والحرب العالمية الثالثة
- هل حرب أوكرانيا ضرورة لروسيا؟
- لماذا يكره الإسلاميون الفنانة (إلهام شاهين)؟
- كارثة وضع الحديث في الفكر الإسلامي هل تتكرر؟
- عالجوا التطرف بالسعادة والترفيه
- عشرة أدلة على قُبح وفساد ضرب الزوجات
- ضرورة الفصل بين العلم والدين
- الجانب التنويري في صفات الله
- الفن المصري في رياح الوهابية وقيم الريف
- هل الخمار والنقاب لباس عربي أم إسلامي؟
- لماذا يكتم السلفيون هذا العلم؟
- معركة هر مجدون وتحدي الاستنارة


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - تعالوا إلى كلمة سواء