|
حلم العودة الى الجنة
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7217 - 2022 / 4 / 13 - 21:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الرؤية الآن منذ أن سكن آدم الأرض ولليوم الإنسان يبحث عن كل جديد عن كل طريق تؤدي به إلى كشف معرفة أو فتح باب تغنيه عن الجلوس والتفكر في عالم متعدد الأوصاف متشعب المسالك يتناقض أحيانا مع ما يؤمن وأحيانا يتناغم معه ، لكنه في جميع الأحوال يبحث عن سر مرة بين الأحجار القديمة ومرة خلف ما يرى وأحيانا عميقا في تلافيف مخه عن شيء يفسر له السؤال المعتاد لماذا وكيف ومتى وأين؟. والظريف في الأمر أنه كلما مل من هذه التساؤلات عاد لها بعد فترة والأدهى أنه لا يستطيع أبدا أن يعيش بدون هذه التساؤلات حتى صارت جزء من نظام حياته ،قد تكون أحيانا عميقة وقد تكون سطحية ، وأيضا تطول هذه التساؤلات واقعه أو يجتاز بها إلى عالم الأفتراض والخيال وحتى الغيب أحيانا أخرى ،وأكرر ما أنفك أبدا أن يعيش بلا تفكير ،هذه الخصيصة من أهم ما تميز الوجود العاقل المدرك للإنسان عن غيره من الكائنات التي ترتقي أو تنخفض في مستوياتها العقلية عنه، ويبقى هو الأجدر طبعا بها. نزل الإنسان مجردا من كل مقدمات فكرية ولم يملك الخزين الكافي من ذاكرة تساعده في احتواء عالمه الجديد عالم ما بعد الجنة ،عالم مادي محكوم بقوانين شاملة ،ليل ونهار فصول أربعة حر وبرد صراع من أجل العيش والأهم صراع الحياة والموت ،ليس معه تجربه تفيده في فهم بداية اللعبة وكيفية النهاية لكنه بالتأكيد معه حلم ومعه عقل يفكك ويبني ويرسم ويتأمل لا يمكن أن يمر على ظاهرة دون أن يسأل نفسه هل هذه جزء من الحلم ؟،هل من نتيجة معها تؤدي إليه؟،وهكذا يسقط حلمه السرمدي بالعودة للجنة على كل شيء ظواهر آيات علامات أحداث يفسرها دوما من هذه الزاوية عسى أن يجد جواب حتى جمع الكثير من الخزين الذي تراكم لديه وحاول أن يربط بين نتائجه على مر مئات السنين وبين الهدف عرف من خلاله أنه ما زال لم يفهم سر الحكاية الأولى سر الــ (لماذا ) التي أنزلته من عالم جميل ،فكان عليه الآن أن يجيب هو بذاته عن هذا التساؤل . كانت التجربة الأولى التي أطلقها الإنسان الأول هي الإجابة على السؤال السابق أن حاول أن يبحث في نفسه في ذاته البسيطة عن الجواب لقد حاول أن يكون له رؤية للعالم ككل وهو جزء مركزي في هذه الرؤية لأنه كان يظن أنه محور هذا الكون وسره الأبدي ،لا شيء يمكن أن يقارنه بوجوده لأنه ما زال لا يفهم هذا الوجود، إنه يعيش الثنائية ثنائية الأنا والمجهول التي قادته مع كل يوم إلى أن يبني شيء ، من هنا نتعلم أن دراسات رؤى العالم إذن تنتمي إلي مجال العلم الإنساني أو الدراسات الإنسانية التنظيرية التي تتخذ من المتحولات والمتبدلات الغير مستقرة كصادر بحثية من خلال دراسة الظاهرة وليس التجربة البحثية ، ولا تنتمي إلى مجال العلم الطبيعي سواء في النظرية أو المنهج أو أسلوب التفسير والتحليل كما أنها لا تهدف إلى الوصول إلى تعميمات كليه تكون لها صفة القانون العلمي مثلما تحاول الأنثروبولوجيا البنائية الوظيفة لدي بعض علمائها علي الأقل ، وإنما تهتم دراسات رؤى العالم بدلا من ذلك بمحاولة (الفهم) العميق لطبائع الأشياء أو داخلها. العلم الطبيعي يدرس ظواهر الأشياء كقيم مجردة دون أن يهتم بداخلها إذ ليس للأشياء طبيعة منفردة مؤثرة على الظاهرة خارج أي لا يدرس (داخل) أو (باطن) الموضوع مثلا يدرس ظاهرة الغليان خارجا على أنها أثر الحرارة في تفكيك الروابط الجزيئية بين جزيئات الماء التي تمنحه القدرة على الحركة لكن بنفس الوقت لا يدرس عالم ذات الجزئية وما يحدث في داخلها لسبب بسيط أن المادة في نظر العلم الطبيعي مجرد كيان بوجه واحد مادي صرف وليس له وجه روحي ، عكس الحال هذا بالنسبة للإنسان الذي هو موضوع العلم الإنساني بالمعني السابق ذكره والذي تقدم في الدراسة الروحية قبل الدراسة المادية لأنه أصلا كائن سبب وجوديته هو عالم الروح والذي هو أيضا موضوع دراسات رؤى العالم الذي يمكن تطبيق مفهوم " رؤى العالم " عليه. ولذا فهو يتعارض مع إمكانية تطبيق المنهج العلمي الذي لا يصلح للظواهر والأحداث والأفكار الإنسانية أو التاريخية. فالعلم الطبيعي لا يفعل سوي أن يشرح الظواهر والأحداث عن طريق ربطها بغيرها من الظواهر التي تتلاءم مع القوانين العامة التي لا تكشف لنا عن (الطبيعة الداخلية) لتلك الأشياء أو الظواهر التي يهتم بدراستها. مفهوم النظرة ألي العالم مفهوم أنثروبولوجي أصيل وحقيقي وليس من باب التأملات اللا واقعية فهو يدرس الإنسان وعالمة وما يرتبط به وبينهما على أساس أنه شبكة من العلائق والمفاهيم المتنوعة داخلية وخارجية تنتظم في فكرة نظرية واحدة وتنشأ عنها وتفسر وتعلل كل الظواهر دون أن تعجز عن فهم قانون يربط الغالب من العلاقات داخل هذا الإطار الممتزج ، وكل الدراسات حول رؤى العالم في أي مجتمع من المجتمعات التي درست من هذا المنطلق هي دراسات أنثروبولوجية تعتمد على مناهج البحث الأنثروبولوجي وأساليبه وتقاليده التي تطلب البحث العميق والانتقال العقلي الطويل المدى في المجتمع موضوع الدراسة ،والاتصال الوثيق القائم على خلق علاقات حميمة تربطه كأنه يعيش فعلا مع الشخص أو الأشخاص الذين يركز الباحث عليهم بقصد الوصول في آخر الأمر إلي أنماط التفكير والقيم السائدة بين الناس في ذلك المجتمع .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التغيير الفكري الديني ... عوامل موضوعية وأستحقاقات ذاتية
-
التحولات الاولى في قضية الايمان بالدين وتطور مفهوم العقيدة
-
الأسئلة الأولى قبل الفلسفة
-
القداسة بين النص والناص
-
الدين في لعبة الإنسان الأنانية
-
وهم غودو الديني
-
هل الدين قابل للديمقراطية كمقهوم تواصلي؟
-
مقارنات في شكلية الأساطير ومصدرها
-
أسطورة الخلق الأولى في الثقافات القديمة
-
التدين والاخلاق الاجتماعية اولوية أم تزاحم؟
-
الدين خيار بشري فطري ح3
-
الدين خيار بشري فطري ح1
-
الدين خيار بشري فطري ح2
-
رغبة الله ورغبة البشر ح1
-
رغبة الله ورغبة البشر ح2
-
هل من بديل روحي للدين؟
-
المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح13
-
وجدانيات
-
المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح1
-
المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح2
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|