|
التحولات الاولى في قضية الايمان بالدين وتطور مفهوم العقيدة
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7215 - 2022 / 4 / 11 - 23:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحول التدين الفطري أو الإحساس الفطري بالغيب والتعامل معه بحدي الخوف والاتقاء إلى ما يشبه اليقين الراسخ يمهد للإنسان أن يقبل الشرح لهذه الظاهرة التي يبحث عن أسرارها دوما باعتباره كائن فضولي أصلا ،وإلا كيف نفسر اهتمامه بما وراء الإدراك واهتمامه بالغيب في الوقت الذي يمكنه أن يغادر هذه الدائرة دون أن تلامس بسوء المتطلب المادي المتمثل بثنائية العمل والغذاء ، الإنسان بالتفكير أصبح فضوليا يريد أن يفكك كل العلاقات الما حولية مرة واحدة يتجه بذلك إلى التفسيرات البسيطة ثم ينقلب عليها كلما أعاد النظر بهذه التفسيرات حتى أصبح لديه منهج جدلي حواري مع البيئة والطبيعة وصولا إلى الذات الداخلية ،يظن أن الإجابة ستريح عقله ليكتشف في الأخر أن مجموع الإجابات تفتح عليه مصارع أبواب أكبر وأوسع فيستغرق ويغرق بهذه الإشكاليات ليتجه مرة أخرى ليسمع من خارج وجوده من رسل وأنبياء وكتب ورسالات عن طريق وحي خارجي يؤمن بها ويسارع بالإيمان أنها تغنيه عن التعمق أكثر وقد يسمع بإجابات لم يكن ينتظرها أو يتوقع سماعها فيزداد تعلقا بالغيب والسماء لينخرط كليا بالتسليم للدين. البحث الأخر الذي كثيرا ما تناقضت فيه الآراء هو التساؤل الآتي ، هل أن الأخلاق هي التي تقود للدين والتدين أم أن التدين هو من يصنع الأخلاق أولا ويجذرها في السلوكيات الحسية والنفسية الإنسانية ؟، والحقيقة الأهم هي التي تكشف من هو صاحب المقدرة على ضبط حركة المجتمع وتوجيه التصرفات البينية هو الذي يمكن نسبة السبق له ،الأخلاق كمفهوم لم يتخذ طابعا مستقلا عن الفطرة الطبيعية ومنتجها الأول وهو الرغبة في التعايش بسلام مع الأخر سواء أكانت هذه الرغبة من مصدرية الخوف أو من مصدرية الحاجة الفعلية للتكامل بين بني الإنسان ،هذه الفطرة تقود العقل الإنساني في مراحله الطفولية لأن يتماهى مع الرغبتين رغبة العيش بسلام ودفع الخوف من خلال التكتل أو الرغبة بالبقاء قرب النظير المشابه والاستئناس به دفعا للإحساس بالوحدة ، هاتان الرغبتان فرضتا على الكائن الإنساني أن يمنح الأخر بعض الخيوط والمسارات التي تعزز وتقوي تلك الرغبات المشتركة ، وبالتجربة أثبت الإنسان لنفسه أن تفعيل وتجذير والإيمان بهذه الخطوط والمسارات هي حلا ناجحا وموفقا للبقاء بعيدا عن الشر المحيط بوجوده لذا عزز منها وأحترمها وحاول بكل ما يمكن أن يحافظ عليها ويطورها نحو قيم واضحة ، هكذا ولدت الأخلاق من الفطرة الطبيعية من المكنون الجيني للسلوكيات الحتمية لكل كائن إنساني ،لذا نشاهد أن هذه القيم الأخلاقية الطبيعية مشتركة في كل المجتمعات برمزيتها لا بشكليتها لأنها تصدر وفق قانون واحد ومن مؤتى واحد . تكوين الأخلاق تكوين حتمي بوجود الفطرة ونتاج طبيعي لضرورات الوجود وحاجة الإنسان للبقاء كما أسلفنا ، لكن الدين يأخذ منحى أخر برغم أنه أيضا له نفس الخصيصة كونه حتمي بذات السبب ، الفرق هنا أن الأخلاق فرض واقع عكس الدين فرض متوقع لا ينفك عن التوالد في كل الظروف ، وللتوضيح هنا لا بد أن نفترض أن الإنسان ولد في ظروف منظمة لا خوف يعتريه ولا إحساس بحاجة للتكامل لأنه ولد متكاملا مع الآخرين هل يتصور أحدا ما عقلا أنه سيبحث عن تلك الخيوط والمسارات كي يحافظ أو ينشي قيم أخلاقية ، بالتأكيد الجواب بالنفي لأن الحاجة عادة تطلب عند الافتقاد لها وعندما تتوفر تقل الرغبة بالبحث عن غيرها ، الدين حتى لو ولد الإنسان في مجتمع مغلق بعيد عن مظاهر الدفع نحو البحث عن تفسيرات الوجود مثلا كأن يولد في عالم محاط بعوامل تمنع أو تشغل الإنسان عن البحث عن الأسئلة الوجوديه وهذا فرض شبيه بالمحال لا بد وبصورة ما أن سيصطدم بحادث أو واقع يقوده للبحث عن التسلسل المنطقي لوجوده ولماذا هو في هذا العالم بالذات ولماذا هو دون غيره خلق بهذه الصورة ، مما يقوده أخيرا إلى نفس الإجابات التي قادت الإنسان الأول للدين ، هذا هو الفرق الجوهري والأساسي بين نشوء الأخلاق ونشوء الدين في السلسلة التفكيرية ونوعيتها ومصادرها ومستحثاتها يكمن الفرق والنتيجة. أستطيع الآن الجزم أن الأخلاق والدين منجز معرفي بشري خالص يعود فيه الفضل للعقل السليم وليس العقل الذي ينشغل في البحث بالزوايا الميتة من الحياة والتي ينشغل العقل فيها أولا سواء لا أثر له عليها ،وما دام الدين هو كما وصفنا وجب على الإنسان أن يراجع مفاهيم التأسيس في كل مرة وأن يفحص النتائج في كل مرة لأن الله تعالى عندما تدخل في هذا الموضوع تدخل على أساس نفس النتائج الفحص والمعايرة بمعنى أن تجديد الرسل بين الفينة والفينة وتغير بعض المفاهيم التي تطورت ونضجت في الفهم الإنساني إنما يؤكد للبشر أن طريق النضج العقلي لابد أن يكون مفتوحا إلى أقصى مدى. وكلما نضجت الرؤيا وبانت التفصيلات الدقيقة أكثر سوف يشعر الإنسان أن الطريق يتسارع به لينقله من مرحلة إلى أخرى ويساعد على فتح مسارات وطرق متشعبة تقود بالنهاية إلى نفس الهدف طالما أنها في منهج الفحص والمعايرة الدائمة ،المشكلة التي يعاني منها الدين أنه ومع توسع المدركات الفحصية وتنوع طرق المعايرة ووسائلها وسبلها قامت فئة متخلفة بفرض حواجز وعراقيل وسجنت العقل في إطار المقدس والحرام والخوف كي تمنع على الإنسان أن يمارس الدين ويتفاعل معه بالطريقة التي فهمناها كي لا تتهدم قواعد بقاءها المخالفة لسنة التدين العقلي ، عاد التدين والدين غريبا في مجتمع منع التعقل من فهم الدين ووضع بدل هذه الممارسة الطبيعية مفهوم التقليد والسلفية. البعض يفسر هذا الميل الذي لازم كل الديانات الوضعية والسماوية وفي كل المراحل ولم تسلم منه حتى أكملها وأقدرها على الصمود وهبي الديانات الإبراهيمية الثلاث مع ما تحمل من قدرة على التجديد إلا أنها جميعا سقطت في هذا الأمتحان أمتحان الاستمرارية وفق منهج النشأة أو منهج النزول ،في القرآن الكريم هناك مساحة واسعة لدعوة التجديد والنظر والتدبر وهي دعوى صريحة فيها أشارات حقيقية على أن الدين كامل من حيث هو نظرية لكن الواجب أن تؤخذ روح النظرية حتى تكون الحلول المتعددة مع الأزمان المختلفة ومع العلاقات المتنوعة هي القاعدة الأساس، وبينت النصوص أن المبادئ ثابتة والمعالجات هي التي تتطور. على المسلم أن يتمسك بروح النظرية واتجاهاتها دون أن يحبس العقل داخل سجنها فتكررت أشارات أفلا يعقلون أفلا يتفكرون وصولا إلى تحديد وسائل التفكر والتعقل التي هي السمع والبصر والتجربة الحسية ، بل لم يقف الإسلام عند حدود الإشارات فقط وتمادى في الشرح حين جعل من سنة الرسول التي هي خلاصة تجربته المادية وترجمة منهج الرسالة كأحد ابرز محددين للسيرة والتعامل مع الأسس الدينية في معالجة الواقع والحوادث وضربت مثلا حيا على كيفية ان يتطور الإنسان مع الواقع والعالم برؤية متطورة دون أن يغادر دائرة الأسس ذاتها. مثلا جاء نص التغيير الذي تكرر أكثر من مرة على أن عنصر التغير الأساسي عنصر ذاتي وليس خارجي وأن التغيير مرتبط بتغير قواعد الرؤية وبذلك يثبت الإسلام أن عوالم الرؤية الكونية هي عوامل روحية ذاتية تنطلق من مجريات حركة الداخل نحو الخارج وهذه الحركة في تطور دائم لأنها انفعالية وفعلية وليست سلبية ساكنة ، هنا صار فرض التطور من الحتميات الوجوديه وإلا سيبقى الإنسان في دائرة الذات ولا يمكن تجاوز ذاته لذات المجتمع وقيادة حركته للإمام ( لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسئلة الأولى قبل الفلسفة
-
القداسة بين النص والناص
-
الدين في لعبة الإنسان الأنانية
-
وهم غودو الديني
-
هل الدين قابل للديمقراطية كمقهوم تواصلي؟
-
مقارنات في شكلية الأساطير ومصدرها
-
أسطورة الخلق الأولى في الثقافات القديمة
-
التدين والاخلاق الاجتماعية اولوية أم تزاحم؟
-
الدين خيار بشري فطري ح3
-
الدين خيار بشري فطري ح1
-
الدين خيار بشري فطري ح2
-
رغبة الله ورغبة البشر ح1
-
رغبة الله ورغبة البشر ح2
-
هل من بديل روحي للدين؟
-
المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح13
-
وجدانيات
-
المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح1
-
المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح2
-
الدين بين الحد الإنساني والمسلم الأخلاقي
-
في أصل الصراع الوجودي من وجهة نظر الدين ح1
المزيد.....
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|