جودي كوكس
الحوار المتمدن-العدد: 7215 - 2022 / 4 / 11 - 21:38
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
القسم الثاني: سير ذاتية لحياة ثوريات بلشفيات
كتاب ثورة النساء: روسيا 1905-1917
غالباً ما تصوّر ناديا كروبسكايا بأنها ليست أكثر من زوجة ومساعدة مخلصة للينين. وصف المؤرخ الروسي ديمتري فولكوغونوف كروبسكايا بأنها ظل لينين ووصف كيف كانت حياتها: “يكمن معنى حياتها فقط لأنها كانت مرتبطة به”.(110) وجرى التأكيد على دور كروبسكايا الخاضع وأعيد تأكيده. لم يعتبر كاتب سيرتها، روبرت ه. ماكنيل، أنه من الضروري تقديم أي دليل يدعم رأيه: “من الواضح أن كروبسكايا عملت تحت إشراف لينين المباشر، ولا جدوى من محاولة تضخيم دورها المستقل”.(111) في الواقع كانت كروبسكايا اشتراكية ثورية ملتزمة قبل لقائها بلينين.
ولدت ناديا كروبسكايا في عائلة نبيلة ولكن مفقرة. لاحظ المعاصرون كيف أنها استوحت منذ طفولتها روح الاحتجاج. فازت بالميدالية الذهبية في المدرسة، ولكنها ولأنها امرأة، استبعدت من التعليم العالي. وبدأت بالمشاركة في الحلقات النقاشية وكانت قد أصبحت ماركسية بالفعل عندما قابلت لينين لأول مرة عام 1894. في شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1896 اعتقلت كروبسكايا لأول مرة وسُمح لها بالانضمام إلى لينين في منفاه السيبيري شرط أن يتزوجا.
ذهبت والدة كروبسكايا، إليزافيتا فاسيليفنا كروبسكايا مع ابنتها. وأصبحت عنصراً أساسياً في حياة ابنتها في المنفى. الكتابات عن إليزافيتا قليلة على الرغم من أنها ظهرت في مقال بعنوان “ماذا أكل لينين”. وصفت إيلين رابابورت هذه الفترة الأولى من المنفى، كاتبةً “إن لينين كان سعيداً برفقة ناديا وحتى بوجود حماته”.(112) خلال السفر، غالباً ما توصف الحموات بأنه غير مرغوب بهن. ومع ذلك، اشتكت إليزافيتا من غضب لينين، فربما هي التي كانت تتحمله. تخلت إليزافيتا عن إيمانها الديني الشديد خلال نفيها. وفكت شيفرة مراسلات الحزب البلشفي وخاطت جيوبا داخلية في الملابس بهدف تهريب الوثائق. بالنسبة للمؤرخين، فإن إليزافيتا، المرأة التي غادرت منزلها وعاشت مع الثوار المنفيين في جنيف وباريس وبروكسي وغاليسيا ولندن هي امرأة مستعبدة، تتولى أتفه المهمات، وحمات مزعجة، ولكنها امرأة في حد ذاتها.
عام 1900، نشرت كروبسكايا كتيباً بعنوان المرأة العاملة، وجهته إلى العاملات، شرح الكتيب كيف أن العمل المأجور يحرر النساء من سطوة الآباء والأزواج المستبدين. إن المجتمع الاشتراكي الآتي سيحرر النساء من عبء تربية الأولاد. هذا لا يمكن تحقيقه، أضافت كروبسكايا، ما لم تشارك النساء في النضال السياسي: “جنباً إلى جنب الرجال في النضال العمالي”. وكانت قد قرأت كتاب إنغلز “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة” وكذلك المجلد الأول من كتاب رأس المال لكارل ماركس عندما كانت طالبة، ولكن كل ذلك لم يمنع كاتب سيرتها ماكنيل من الإشارة إلى أن الكتيب يوضح فقط كيف أصبحت كروبسكايا ماركسية تحت “وصاية لينين”(113).
عندما سمح لها بالعودة من المنفى عام 1901، انضمت كروبسكايا إلى لينين ومع إليزافيتا في الخارج الذين قضوا 5 سنوات يلتقون بالمهاجرين في ميونيخ وباريس ولندن. كروبسكايا لم تكن ماهرة بالطبخ، تخبرنا رابابورت، على افتراض أن ذلك الأمر كان وظيفتها: “تحمّل لينين محاولات ناديا في الطبخ بالمنزل بتسامح طيب ومدهش.”(114) ولكن كان لكروبسكايا أشياء أفضل تقوم بها. كانت كل شيء إلا مجرد موظفة لدى المجموعة البلشفية. وصف لينين كيف كانت كروبسكايا في صلب عمل الحزب: “كانت تستقبل الرفاق فور وصولهم، وتعطيهم التعليمات عند المغادرة، وتجري الاتصالات، وتعطي العناوين السرية، وتكتب الرسائل السرية، وتفك شيفرتها. في غرفتها، كنا نلاحظ دوماً رائحة أوراق رسائل سرية محروقة التي تسخّنها فوق النار حتى تستطيع قراءتها [عند ظهور الحبر السري بفعل الحرارة]”.(115) وبعد ثورة عام 1905، عادت كروبسكايا إلى سانت بطرسبرغ حيث باتت أمينة سر اللجنة المركزية وتولت مسؤولية مالية الحزب. في وقت كان يتزايد حجم الحزب الاشتراكي الديمقراطي قبل أن يعود وينحسر المد الثوري فأجبرت مرة جديدة على اختيار المنفى.
كانت كروبسكايا من أوائل الماركسيين/ات الذين/اللواتي حاولوا/ن صياغة نظرية اشتراكية حول التربية. بعد فترة من الدراسة، أصدرت كتاباً موجزاً عنوانه: التعليم العام والديمقراطية (1915) وأوجزت فيه دور العمال في التعليم. لم ينشر الكتاب حتى عام 1917، حيث أعيد طبعه عدة مرات. صيف العام 1917، أصبحت عضوة في لجنة فيبورغ البلشفية حيث طورت شبكة من المدارس العامة. وعندما اقتربت كروبسكايا من الشابة ليزا درابكينا البالغ عمرها 15 سنة أخبرت الأخيرة كروبسكايا “أنها تريد إكمال الثورة وليس مسح أنوف الأولاد”. أدركت هذه الناشطة الشابة حقيقة هامة: أنه غالباً ما تكلف المناضلات الاشتراكيات بمجالات عمل تتوافق مع الأفكار المهيمنة التي تقول إن دور النساء يكمن في رعاية الأولاد وتعليمهم. فسّرت كروبسكايا أن ما كانوا يقومون به كان مع ذلك ضرورياً لكسب العمال إلى الحزب البلشفي. (116)
أصبحت كروبسكايا رئيسة لجنة فيبورغ لإغاثة زوجات الجنود. هنا كتب ماكنيل “أساساً هذا النشاط الاجتماعي كان غير حزبي” وهو “بالتأكيد غير لينيني”(117) وهذا خطأ تماماً، فقد عارضت زوجات الجنود الحرب بشدة كما تزايدت أكثر فأكثر نضاليتهن. وبفضل نضال البلشفيات مثل كروبسكايا لعبت زوجات الجنود دوراً مهماً في دعم ثورة تشرين الأول/أكتوبر. في شهر آب/أغسطس عام 1917، كانت كروبسكايا مندوبة إلى المؤتمر السادس للحزب في بتروغراد في وقت كان لينين ما زال مختبئاً. في 5 تشرين الأول/أكتوبر كانت واحدة من سبعة أشخاص من منطقة فيبروغ في اللجنة المركزية البلشفية، وهو وفد جادل دعماً للاستيلاء على السلطة. كانت في فيبورغ عندما اندلعت الثورة بعد حوالي 3 أسابيع.
بعد الثورة، كانت كروبسكايا القوة الدافعة وراء إنشاء منظمة حكومية تهدف إلى محو الأمية بين البالغين وإنشاء مكتبات. لم تكتب كروبسكايا كثيراً كما تجنبت التحدث أمام الجمهور. وعندما أصبح عمرها 48 عاماً، أصبحت مؤلفة لمنشورات كثيرة وخطيبة تسافر في كل أنحاء روسيا، تخطب في اجتماعات الفلاحين والعمال الذين يناقشون مسألة التعليم. عينت كروبسكايا نائبة مفوض الشعب للتعليم، أناتولي لوناتشارسكي، حيث تولت مسألة تعليم الكبار. كتب ماكنيل أنها: “تولت بنفسها بكل جوارحها القيام بمهمة مستحيلة القاضية ببناء وتصميم نظام تعليمي اشتراكي في بلد مدمر اقتصادياً، بسبب الحرب الأهلية”.(118)
على الرغم من الانهيار الاقتصادي، ساعدت كروبسكايا في تغيير نظام التعليم بزيادة الإنفاق بنسبة 10 أضعاف. كان الوصول المجاني والشامل إلى التعليم إلزامياً لجميع الأطفال من سن 3 إلى 16 سنة، وتضاعف عدد المدارس على الأقل خلال أول سنتين تلتا الثورة. ونفذ التعليم المختلط فوراً كوسيلة لمكافحة التمييز الجندري، وللمرة الأولى، افتتحت مدارس للتلاميذ الذين يعانون من صعوبات تعلمية وسواها من إعاقات. كما أطلقت حملات محو الأمية على المستوى البلاد بين الأطفال والجنود والمراهقين والعمال والفلاحين. كما جرت محاولات لافتتاح دور حضانة ورياض أطفال عامة. في الجيش الأحمر، انخفض معدل الأمية من 50 بالمئة إلى 14 بالمئة بعد ثلاث سنوات، و8 بالمئة بعدها بعامٍ. نظمت محاضرات جامعية للعمال، كما أقيمت مكتبات يعمل فيها فريق عمل من أمناء مكتبات مدربين.
كانت كروبسكايا شخصية أساسية في الحملة السوفياتية لتحرير عقول عمال روسيا. أنشئ نظام تربوي جديد حيث تخلصوا فيه من التعليم التقليدي، فنفذوا تقنيات جديدة ومبتكرة تؤكد على النشاط الذاتي والعمل الجماعي والاختيار، كل ذلك استند إلى خبرة التلاميذ السابقة ومعرفتهم وتفاعلهم مع العالم الحقيقي. وكان كل ذلك إنجازاً حقيقياً. وكانت كروبسكايا أكثر البلشفيات عرضة للاستهانة. ونجت لمدة 15 عاماً بعد وفاة لينين عام 1924، خلال تلك الفترة دافعت عن إرث لينين وتنازلت لصالح ستالين من أجل البقاء على قيد الحياة. هذا التاريخ اللاحق لا ينفي الدور الحاسم الذي لعبته كروبسكايا في السنوات السرية للحزب البلشفي وكيف كرست حياتها للنضال من أجل عالم أفضل. تستحق كروبسكايا الاعتراف بها كثورية بحد ذاتها.
الهوامش:
110. Jane McDermid and Anya Hillyard, ‘In Lenin’s Shadow: Nadezhda Krupskaya and the Bolshevik Revolution’. In: Reinterpreting Revolutionary Russia: Essays in Honour of James D White, (New York, 2006) p.148.
111. McNeal, Bride of the Revolution, p.101.
112. Helen Rappaport, Conspirator: Lenin in Exile, (London, 2009), p.17.
113. McNeal, Bride of the Revolution, p.79.
114. Rapport, Conspirator, p.74.
115. Leon Trotsky, My Life, (New York, 1903), Chapter XII: The Party Congress and the Split, paragraph 5, https://www.marxists.org/.
116. McNeal, Bride of the Revolution, p.175.
117. Ibid., p.177.
118. Ibid., p.188.
#جودي_كوكس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟