الى ضياء الحافظ .
في المقدمة لابد من الاشارة لامر مهم استميح البعض عذرا عليه،فانا ما بين عشرين من هذا الشهر حتى خمسة وعشرين سوف ينقطع الهاتف والانترنيت عني،وذلك لعدم سدادي بعض الديون ،وهذا جعلني من المعلن عنهم كمفلسين لا يوفون الدين،ولم تقرضه اية دائرة او حانوت، لذا ساجرب ان اكتب على الديسك ثم اذهب الى اماكن الانترنيت لارسل بعض المواد واقراها،هذا عقد عقدته مع نفسي محاولا استجماع ما يمكن ان يوصلني الى العراق،من بيع بعض ما لدي الى التاخر في دفع فاتورة التلفون الباهظة،كل شيء صار بالخلف لا يستحق ان احترم ليالي كوابيسه وقد عاد العراق. لاي سبب انا هنا وقد زالت الاسباب؟وما الذي سانجزه من رفاه داخلي في مكان سبب لي المرض والكابة والغربة والعزلة؟ اذن بدات اتنكر للمنفي كاي غادر به. فالى كل الاصدقاء ابلغ ان تلفوني والانترنيت سيتوقف حتى منتصف الاسبوع القادم،ولعلي ساقرا ما يكتب في مكان اخر. فكما ودعنا الضياءان :الشيخ ضياء الشكرجي وضياء الحافظ سنتوادع كي تلتقي كل منافينا في العراق ، ومن العراق سنكتب ان توفرت الوسيلة.
الضياء الذي حفظ عهد الاشتعال.. قبل ان ابدا معك، لا ادري كنت اشتهي القول ،الضياء الذي حفظ عهد الظلام!! والتفسير مفتوح الى ابعد ما تريد، فانا احب الوداد بين الطباقيات! هذه المقدمة تبين لك كم كتبت،عشرات الصفحات،مئات الالاف من الكلمات،وقد شحذت ذاكرتي ووجداني بشتى المشاعل الوجدانية،كمن يبحث عن كنز خرافي،التقطه من هلوسات جدته وهي تقص ليلا عليه،فكل الجدات كن شهرزادنا،لكن القص لا ينتهي بالف ليلة، كل ايام العراق ضربا من خيال ،لكنه بلحم ودم،نحن في جلل الخيال إزاء هذه القصص المذهلة،كنا نتصور نحن في لبنان قد اختزنا قصصا اكثر ذهولا مما لديكم،لكنا الان نشعر بخجل مما نحمله من قصص تحتاج لالام اكبر كي تعادل حجم احزانكم، ذلك لانها غرة في عز مراهقتها استنادا لما انتم عليه من جورنيكا مدمرة،والماساة كل هذه القصص لم تظهر قبل هذه الفترة،وهذا يدل على ان القتلة في بلادنا لم يخلقوا القصة وحسب،بل وقتلون من يرويها،وهنا مصدر الفزع الذروي الذي خلق وقدم صورة ما. دفنت كل القصص،اذن نحن في مدفن اخر،كان نظام البعث يدفن القصص،وهذا يجعلنا امام مقابر اخرى تكمل استرواع المقابر المادية وهي مقبرة اعلامية ضخمة،مقبرة لسانية هائلة،مدفن لنصوص اختارت ان تصمت لئلا تؤذي غيرها،ولعلي احدهم،حيث الهروب من التفصيل العراقي بتناول حشيش الثورة والحلم،كي لا اصحوا فامارس شطحتي وجنوني،ولعلي سأؤذي غيري!!
كتبت لك واجبت على كل اسئلتك،الشعار واللاشعار،الصلاة والذنب،الكلمة والقبلة،التاريخ والدهشة،الذم والمنقبة.. كثيرا كتبت،وكعادتي اكتب الكثير واتراجع كي ارحم بعض الاذواق من مطولاتي،ممن اعتاد خطابا رائجا،وصحفن وعيه،او جعل ثقافته مصوتة مؤلسنة اعلاموية،لاننا امام ثقافة اعلامية تطال حتى بحوثنا الاكاديمية،لم نحقق النص المصمّت،النص الذي يهمس بالاذن سرا،نص الخباء الذي يمحو ذاته كي يصبح الوجد ،نص لسانه القلب وحنجرته الضمير. كتبت وداعا للضيائين لك وللشيخ الجليل ضياء الشكرجي،وبسبب قمع اطفالي لي،وحروبي الدائمة معهم كاي طفل مقموع،تصور الاب الذي تقمعه شريعة الطفولة،ذلك انا الذي قتلت الاب كصرحة كرامزوف بطل دستوفيسكي.اجل اشعر بقذارة سلطتي الابوية،وامارس حروبا متكافئة مع الاطفال،فكم ذبحوا نصوصا لاجل لعبة في الانترنيت،وستفاجئك قصتي الاخيرة مع الانترنيت،وسوف ابرقها رسالة اخيرة لكل الاخوة،لهذه الاسباب تاخر ردي وانا امام طفلة لا تختلف عن أي طاغية.
من كل ذلك،وانا المولع بالانثروبولوجيا الثقافية،والقراءات المتروكة،الغائبة عن النص،اشعر ان عراقا خطرا ينمو بين اصابع الارض، مثل خواتم ملكلة،اسماء شابة خطرة،صور عقلانية مفزعة، شعور بالهزيمة لجيل لم ينفع لشيء،اقصد جيلنا،هناك اسئلة خارج اجوبتنا،اسئلة ما قبل مقولاتنا المورّثة، هدم هائل وجميل لكل الاوثان ومرجعيات الجمل البهية،تفليش مركب لمنظومات يتصورها البعض مسلمات جمعية،توصيفات جديدة للحرية والديمقراطية والاستقلال والوطنية،كل شيء بدا يتفسخ ويفكك بيوته القديمة،حتى ليبدو جيلنا مثيرا للشفقة وقد تجاوزته اسئلة غريبة كنا نخلد سرا معها بين انفسنا،فكل الذين ادعوا الحرية من حولنا كانوا ليس مقصات رقيب وحسب بل مقصات السنة،هكذا السنتنا – من مصدر فعلي مبني على السكون،وهو مشتق من علم اللسانيات- الحرية سرا،ذلك لانها في المقولات القديمة فخ لاصطياد العبيد الجدد. الخطاب الاعلامي هو خطاب نفي جوهره وادعائه، هذا سحبني للبحث في الثقافة السامية ولغاتها، وقد وفقت الى نزوع مرعب ،اذ تتكون هذه الثقافة على المستوى اللغوي وظيفة الباس الحقيقة قناعا ما،أي اللغة نفي الحقيقة،محاولة هدم مجردها بالتصويرية الفلسفية،الباسها برقعا حاجبا،وهكذا من غير المدهش ان تعددا مريعا للتصويرية في اللغة،كما هو التعدد الملاقح للثقافة السامية،بهذه المناسبة لا يسعني الا ان ابين ملاحظة مقتضبة حول جيل التحديث الاول،الذي كان اكبر مجرمي واده والمؤامرة عليه هو عفلق!! وانا هنا اتناوله من الجانب الفكري وليس العملي،اذ لا اريد ان يحدث لي كما حدث الامر بتناولي فلسفة الفوضى عند رامسفليد متناسيا الجنرال.
عفلق قائد ايديولوجيا التبلد العقلي والتشميع الضميري،أي هو مشابه للقنبلة الفراغية،وهذا نوع خبيث من القنابل النيوكلاسيكية،تفرغ الجاذبية فتمحق كل شيء،وعلى هذا المستوى تصرفنا مع كلمة فراغية باعتبارها تفريغا لنظام الجاذبية،أي الانقلاب على نظام الكون المتجاسد عن طريق جعل المتجاسد يؤدي وظيفة تفريغ ذاته. عفلق شخصية تافهة مهرجة،متفيضة في النذالة النصية،لا تعدو اكثر من استاذ لغة عربية او تربية وطنية مضجرتين. وقد كرجة افكاره لمجموعات خام اقل من مستوى العقل القروي،أي هي لا تتمكن من التكيف مع القرية الاولى،فأبقت على بدوانيتها الماحقة،وهذا يدل على خلق اللاتعدد، الجنوح للتشابه الاحادي،كما ذكرت عن تشابه الصحف الى حد صارت واحدة، انه المنظر والتصور الوراثي المكتسب لمشهد الرمل،حيث تتلاقح هذه الصورة مع الذاكرة الجمعية لتشكل الاحاديات العاتية التي تكرر نفسها توازيا مع لاوعي الرمال المتشابهة،التي تشكل قمعا بصريا احاديا يعتكس على الذات،فتتحقق عن طريقه شتى السلوكيات والمواقف الصحراء انانية الى حد لا تترك بقعة تختلف عن الاخرى،ومن هنا جاء العدوانية مع التعدد والخصب والولادة والجمال والماء والحياة برمتها،وهكذا كان التوليد صادقا حيث تماثل المثل باممثول.
لا اكتمك انا شخص يدفعه الفضول لكل شيء، في بداية الثمانينات،واثر رحلة محو مبرمج من ذاكرة الافكار الاولى،وبالتالي تصفير هذه الذاكرة وتعزيلها من كل ما حملت،كنت اخاف من عودتها وتسميم حياتي،فانا في عالم معقول وعقلانيات جلالية من سياسة الى احلام ثورات،فلسطين ارتريا لبنان عمان اميركا اللاتينية،وكانت صورة جيفارا تلهب شبابنا كبورتريه مجرد،وليس كفكر وعقيدة،فكرة اليسار كانت قبل ماركس،اذ لم ينتظر سبارتاكوس مجيء ماركس كي يعلمه الثورة،والالم لا يحتاج لمعلمي الصرخة،انه اللغة المشتركة بين اسوء حيوان وارفع عقل،فهل يحتاج الحمار او الجرذ لمن يعلمه كيف يقول اه او اخ لطعنة سكين؟ لا اعتقد ان ماركس حاز على ملكية فعل الالم،ولا هو رب الاحساس بالظلم والجوع وغياب العدل!! الهوس الانتمائي دفعنا للربط بين سامية ماركس وحضارة السومريين الاولى!! اجل كان والد الثورة الشرعي في الارث البشري هو عراقي،اقحم على الحياة جحيما اسمه الحرية منذ اكثر من ست الاف عاما،وهو اوركاجينا،فيما جاء كابح الجموح الثوري من بعده،لاني على ثقة ان كل ثورة تقع في اقصى الظلم حين تكون دولة او سلطة،هذه عادة فولكلورية للكونيات! انظمة الطبيعة كلها تؤكد ذلك،حيث الطغاة لن يأتوا الا من بعيد ثورة لانهم لا يعرفون نظام السلم،سيفشلون به،لهذا يطبقوا انظمة الحرب والمواجهات في انظمة اجتماعية السلم بعد ان يستلموا السلطة ويهزموا خصومهم بشرعة الحرب..كلهم فعلوا ذلك ،وكان من حسن حظنا ان لا تنجح ثورة سبارتاكوس- لاحظ بحثنا في الناقد حول هذا النموذج بعنوان الملاك المفترس عام 1991- لاننا سنكون امام سلالة من القياصرة الاشرار والبشعين. اذن جاء بعد اوركاجينا الملك الصالح غوديا او جوديا،وكان هذا اصلح ثوريي التاريخ،لانه ثورة السلام على ثوار الحرب،وكلنا يعرف مسلته العظيمة وكلماته الكبيرة والخالدة"انا الذي ألغيت لغة الكرباج،وساويت بين الجواري والسيدات"!!!لاحظ كان قد بدا بمساواة غريبة من المراة،انها لفتة تثير في النفس اسئلة حول تاريخ تطور العدل بهذا المجتمع،وكيف ارتقى طويلا فيما خصع لعملية نحت تمدني هائلة انتهت الى كبح السلطة الذكورية،ومساواة النساء ببعضهن بعد مساواتهن مع الرجال،وهذا يشير له وجود اول ملكة في سومر هي سيدتنا شبعاد. اذن كان التمدن الاجتماعي الذي قطفه الملك جوديا الصالح جاء عبر تطور هائل لم يحدد قدمه كل المؤرخين!!لانه اطول مما عرفنا. كان هذا الهوس القرائي في نفوسنا قد ادى بنا الى التصرف بايديولوجية نقد الاستشراق،لان تلك الازمنة محفوفة بتقلبات الشعور الايديولوجي،وهذا عبر فخ غير مفكك،وهو فخ الثقافة السائدة،ولعل العبثيين والوجوديين انذاك تصرفوا بايديولوجيا،حققت تاريخية الذات عن طريق بحثها في التاريخ العربي وربط ذلك بالصعلكة والشطار والعيارين والنؤاسيات والراوندية الى شتى صنوف الصفقة التاريخية ،او البحث عن فيزا للافكار السياحية هذه داخل الوطن،وبالتالي استيطانها،ولا ادري لماذا تفكر منطقتنا بوطنية الفكرة وان كانت بلا حدود ،او هي منفلشة مدمرة لذاتها،اكثر كونية وانسانوية؟ الجواب لاننا مجتمعات ثقافية اكثر منها حضارية عملية،الكل يبحث عن ائمته واوليائه وسدنته. اجل كانت افكار نقد الاستشراق تستهوينا، خصوصا حين التقينا ادوارد سعيد في تونس،بعد طردنا من بيروت،وكان في مؤتمر تديره جمعية عالمية، كنا احد الحاضرين فيه. كان ادوارد فاتنا على المستوى الفكري،ساحر الشخصية،خجولا طيبا الى حدود الفيض،له نظرات ارستقراطية انيقة،وفيه من الطاقة الغريبة ما يجعله كائنا كارزميا لقسم محدود من البشر. الصدق يفيض من محياه،اجل هذا المفكر الذكي في تلك الازمنة قد لهب العالم بافكار نقده نظريات الاستشراق،ولا انكر اننا العراقيون ،الذين نشانا على الكبت والذهول شبه القروي امام الاسماء،نصاب بمصداقية متطرفة حيث نحب او نكره،وتلك علتنا،وهي علة ابطال البير كامي في الانسان المتمرد! اما كل شيء او لا شيء. في اجواء هذا التاثر،وبعد عبور رحلة الهوس السومري الرافدي،كذلك عبور رحلة البحث عن ثوريات التاريخ الاسلامي من قرامطة وزنك واسماعيلية وحركات باطنية،كان يجب الالتفات الى بواكير تاسيس الفكر الحديث للمنطقة.المصيبة نحن نتعرف على الابعد ولم نقرا الاني او تاريخ اللحظي ،هكذا جرنا الاستشراق الى الانثروبولوجيا،وانسحبت التعقيدات والاشتباكات المعرفية.. كل شيء بات مهملا حين تعرفنا على تاريخ الحاضر،شعرنا ان الاوطان بلا وطنيين،ثمة هجرة فكرية هائلة سواء خارج الجغرافي او الى التاريخ في سياق اهمال الحاضر واهمال المكان. كلنا في البرانية،كلنا نحتاج لقرصة اذن كي نحس بحلول الالم الحاضر،نحتاج للمزيد من الفلفل الفكري كي نستشرف ذاتنا. الافكار المسبقة سيفنا لبتر الاستحقاق والهروب للكسل،الابتسار كل سلوكنا حيث نقع في الاوقات غير المناسبة التي لا تستجيب للشراكة الفكرية والوطنية،الفرقية والقبلية الحزبية تسود كل شيء، العقيدية والايمانية والتدين هو الاسقاط على نموذج السياسة،وهذا دعوة طقسية وليست سياسية،ربما اورثها خطاب الجهاد العثماني عبر تراكم طويل على ثقافتنا. كان الواقع اشد فتكا بنا،اكثر ما نكره،فالخيال سر نجاتنا جميعا،انه ملاذنا من ذكرى مخيفة،اذ كل منا يملك اليات ومقبلات الخيال اثر ذاكرة مريرة نحملها عن الواقع،ان في غرف التعذيب او الذين قتلوا امامك،كل هذا جعل التخييل نوعا من الاستشفاء المؤقت،التخدير الدائم من اجل طرد الواقع..حتى المنفى كان جزءا من الهروب،جزءا من الحشيش والاورايين،وفي خلدك ذكرى زنازين مخيفة،ادوات تعذيب شهريارية، مشاهد من ماتوا تحت التعذيب،او اعدموا على اقل من سبب كونهم جرذانا،قصص تركت اثرها العصبي في اجهزتك النفسية،اذ ليس من الانسانية ان لا تكون مريضا،لان هذه المشاهد التي لا تخلق مرضا او اختلالا بنفسك تجعلك لا انسانيا. انها ليست مقولات الريف حول الرجولة،هناك واقع من لحم ودم،لا بد لانسانيته ان تتفاعل مع تلك المشاهد المريعة. في كل المنفى تبقى اسير صورة احتجاز اهلك،تركهم رهائن هناك،وتشعر بخساسة ان انت تصرفت بعقل الابطال على حساب اهلك،هكذا لابد من مغادرة السياسة والوطن،الهجرة نحو النظريات الصعبة،طلسمة لغتك كلما اشتد خوف اللاوعي، الكوابيس اليومية تنذرك بوطن رهينة،انها لا تغيب كل الوقت،حتى بعد سقوط الطاغية تبدلت الكوابيس والاحلام اليومية،اذ رايت اخر كابوس كيف ان حرس صدام وهو في قبو سري،يكتمون سخريتهم عليه عندما يجتمع مع بعضهم،وانه وهو بهذه الحال كان يطلب ان يكتبوا اقواله،ثق اني حلمت بانه طلب من مرافقيه وهو متنقل من مكان لاخر ان يكتبوا اقواله. اجل كان الحلم الكابوسي سابقا وعلى الدوام انك في وطنك وامام احدى نقاط التفتيش،بعدها تشعر باختناق وانت تسال لماذا جئت وطنك؟نفس الاحلام لدى الجميع حيث الصراخ والعويل اخر الليل.
يبدو من المهم تسجيل كوني لم افتح الملف العراقي الا مؤخرا،وكل ما قضيته كان هجرة عن الواقع الى الخيال،الى النظريات والافكار والاحلام،لا اعرف كل الذي حدث في العراق،ذاكرتي ممحوة تماما،لهجتي ،مطبخي،عاداتي،كل شيء لم يعد عراقيا بنفسي،الا بضعة صور لن اجعل الذاكرة تاخذ استحقاقها وتفيض بطفولتها وشبابها حين اشاهدها او اريها لاطفالي،لان ذلك قصاصيّ ومدمر،ليس لي طاقة على تحمله،هكذا عشت مؤجل القلب والمشاعر، المعارضة لم تكن جدية،معظمها مخادع وكاذب،وكان مجرد نزعات اعلامية،حتى افكارها او اعمالها المضادة،والبعض منهم يخافون من خبرتك ويخافون منك او يحسدوك لان نواياهم ليس لخدمة الوطن انماللبحث عن مكان او موقع، انهم يتصرفون مع الشعب كعقل الذكورة القروية مع حريمها ،ذلك لانهم يريدون ان يحلموا بانهم قادة في خيال وليس كائنات وقائع. افكار مدرسية وتعليمية، بيع مريب للوطن لمصلحة دول الاستضافة،اكاذيب نظرية وبلادة كاملة مع سبق الاصرار، الكل يخاف على اسمه كقائد همام يفهم بالعسكر والرسم والموسيقى والمطبخ والطيران وكل شيء!!القادة يتصرفون مع المحازبين كاي حريم لا يجب ان يغلبهم رجلا على ما خبروه لان ذلك اهانة لذكورتهم امام الحريم الحزبي،وكانك حين لا تعرف قيادة طيارة او حل معادلة رياضية ستنقص من مكانتك!!انه تصور همجي للقيادة تلك التي يحملوها صورة الله العارف كل شيء،وهذا باب الطغيان. كثيرون جاؤوا وقدمنا لهم تصوراتنا للصراع السياسي،وفي اول خطوة اتفاق تنهدم كل الاتفاقات. الكل ترككم يتامى،بلا دروع واقية،الا بعض الاجتهادات الطيبة او ذلك الايثار الانتحاري الجليل،تصور ذات مرة وفي شارع ابو نؤاس عام 1969 قابلت قيادي في القيادة المركزية وكان معي احد شهداء الناصرية ممن هو اسطورة الان،وقد مات تحت التعذيب على الارجح في قصر النهاية لانه نحيف وناعم ولا يتحمل الضرب. عرضت عليه عملية لا اريد الافصاح عنها لاني اكره تلك الصورة الان ـوهي صورة تخدع الشباب وتقيم دعاية شخصية لي لا اريدها ولا احبذ مجدها المقزز الان،ولكن بعض اهالي الناصرية يعرفونها،وحاول بعض نسج الخيالات المؤسطرة حولها،وهذا ما عرفته من شباب كبروا بعدي ليسالوني عن صورة خارقة،قلت لهم غير صحيح وانا رجل مسكين وضعيف لا يعرف كل هذا. كنت جموحا ومندفعا في تلك الازمنة، وفي مقهى ليالي الانس،وفيما كان صراخ الحصيري وشتائمه تنهال على المسامع حدثت صاحبي القائد هذا عن خطتي،وبحضور الشاب الشهيد. طبعا كنت اتصور هذا بمستوى ادعاءاته وتبجحه انذاك،ولكن رد علي "معود هاي شغلة كبيرة احنا وين وانت وين"،ثم ما لبث ان اصبح عصبيا،واراد ان يعرض امامي بطولة وجسارة ما،جعلته يذهب ناحية الحصيري فيشتمه ويهدده بقبضته ان لم يسكت. ثق كنت وقتها مستعدا لان اوسمه ضربا او اطلق رصاصة بين قدميه لكي اجعله يقفز ويتضرع كقرد واضحوكة. اتعرف ماذا قال عني كما نقل لي ذلك الشاب؟"معود اخذه وروح هذا مخبل وبارود يجيبلنه مشاكل" ربما مات هذا ومات من معه،وقد القي القبض علينا جميعا كالدجاج..لماذا لم نقم بماثرة ونحن بكلا الحالتين سنموت؟ ثق منذ ذلك الحين خاب املي وعشت خيبتي حتى اليوم وغدا،فالمشكلة لغوية بحتة،وهي تخدعنا دائما،وما علينا الا البحث عن المتروك والسري بكل كلمة او لغة. كل قول هو نفي جوهره ودلالته،كان مشروع القيادة المركزية مجرد تبرج وتبجح ومحاولة اعلامية لا اكثر عند القادة مع انها قدمت نماذج رائعة استطاعت ان تترك ماثرة،اذ لا يكفي ان نخلق الماثرة بل ان ندرس وسائل النصر، وبعد عزيز الحاج ،بدى الامر وكان همها الانشقاق عن وليس الهجوم على. هكذا جربنا الاتصال مع اخرين،ثم اعتمدنا على ذاتنا وكان الفشل كبيرا. لم ننجح بتقديم ذاتنا،لم نخطط بدقة،كذلك لم نعرف الوقائع الدولية،او تلك الحساسيات السياسية،مجرد بدو نقرا نظريات عصماء. كنت اقول ان انتفاضة الاهوار قدمت جل الخدمات لمباركة دولية جاءت بالبعث!!لا احد يسمع،كنت اصرخ ان مجرد كلمة شيوعية تخلق ذلك الخوف الراسمالي،وتجعلنا ضحية بعد مباركة انظمة متوحشة مفترسة،اذ لابد من طرح الحرية والديمقراطية بمعزل عن الشيوعية،لانها كلمة تخيف سياسة الوفاق الدولي..ولماذا نكون شيوعيين ونحن في قلب علاقات الاقطاع والريفية الفكرية؟ هل الحرية بحاجة لنظرية؟ كل تشردنا كان مسبوغا باهواء نظرية وليست واقعية،من اجل افكار ليست لها علاقة بوقائع مرارتنا،المرارة موجودة لا تحتاج لتحضير نظري. هكذا حكمنا الرعاع تحت شعار الخوف من الشيوعية،حيث بالغوا باستخدام تلك التغطية الدولية ببطشهم ومحقهم،ثم جاءت الخمينية لتزيد من غطاء عملية الافتراس المنهجي. كان حري بنا ان نعقم الافكار والطروحات من كل الذرائع المخوافة للمجتمع الدولي. ولكن من يسمع،كيف ينتقل من قبائلية الولاء للحقيقة الواقعة. اسماء كبيرة ليست اكثر من رعونات متجولة ،متنقلة في كل الاتجاهات..هكذا مات اصدقائك واصدقائي بسبب ترف نظري وتبجحات خادعة،ولكن دعني اخبرك عن جيل ولد في كنف صدام(ربما سيلتبس الامر لدى البعض،وانا لا اعرف من أي جيل انت؟) هذا الجيل هو اكثر اجيال العراق ماساوي وباطنية،ولعله عاش الصدمة البريئة في حياته اكثر منا، نحن لم نكن نطالب بحياتنا او بتعددية برلمانية او ديمقراطية،فلقد ولدنا بين العقائديات المستبدة وكل يقدم نموذج اطغى من الحاكم،فلا القوميين لديهم بديلا افضل من عبد السلام او اخيه او البكر،ولا الشيوعيين قادة دكتاتورية البرلوتاريا والنموذج الستاليني افضل ولا الاسلاميين ونموذج الخميني هو النموذج الديمقراطي،الكل يعارض طبقا لخلفية استبداد بديل،فيما نموذج الجبهات هو مثل لاصق للورق تستخدمه للصق اجسام حديدية!! اذن كانت المعارضة ليست بخلفية مطالب ديمقراطية انما بانقلابات ثورية ليس لها اية مسوغات واقعية،فليس لدى الشيوعية بطر راسمالي او هي في مجتمع انتاجي،وليس القومية لها مبرر غير الاضطراب في مجتمع متعدد القوميات،وليس الاسلامية تقدم تصورا برلمانيا انما خوض معركة اليوتوبيا الفاضلة وقد اخذت من التجريب بلحم العباد قرابة 1500 عاما. اذن كان الجيل الذي تعرض لكي الارهاب المباشر اكثر رؤية للواقع من همروجاتنا الريفية،ولديه من الراغماتية اليومية ما يجعله يتصرف بواقعية مع السياسة لا كمدلول عقائدي او نظري،لقد ورثنا تصور السياسة على ضواري الفكر الثوري،والذي تاسس منذ تموز وهذا يجعل أي طرح للديمقراطية البرلمانية منبوذ ورجعي ولا تقدمي وعميل وخائن،وهذا حوار حدث بيني وبين منور المهداوي عام 1983 في برلين وكان البعض موجودا حتى الان،اذ قال سنقتلكم ان انتم جئتم بطروحات الليبرالية،قلت له الحمد لله ان السوفييت ليسو كل الكوكب،فهناك من هو يشاطرهم النفوذ على هذا العالم،اذن هناك حرب الكليات الحزبية والتماميات العقائدية،اما الاتفاقات بين قوى المعارضة فهي مثيرة للفكاهة،من حوقد الى جود الى جوع والاخيرة ليبية!! كل يتحدث لقواعده عكس ما يتفق عليه،لان الفكر التعبوي هو السائد،تجارب مخجلة تجلت عبر سجالات دموية معروفة،فيما الكل كان في المعارضة يواجه نفس الخصم. القصة تطال المنابت الفكرية الاولى وقد تكون جارحة وهي تفلق النفس فتحيلها لشظايا عمياء .
الشيوعية في العراق خطفت من اهلها الاصليين واخذها خلفاء الكرملين كالمماليك، البعث خطفه عفلق من المفكر زكي الارسوزي،حيث انتهى فقيرا معذبا يصرخ في مقهى الليترنا او القمديل،عفلق الحقير سرق مني افكاري ،حيث طرح فلسفة صوفية اتخذت من اللغة سبيلا للفكرة،وكان الارسوزي علويا من لواء الاسكندرون،راهبا معذبا مسكينا جاء باحلام موضعية لا تصلح لكل العرب لانها تمثل مجموعة ثقافية مضطهدة في تركيا كحال الاكراد في العراق اثر اضطهاد العروبيون البعثيون لهم،كذلك ان الفكر القومي ينتهي بانتهاء مهمة التحرر كما انتهى الفكر القومي في اوربا،ولكن اذكي هذا الفكر عن طريق التبادل الميكانيكي بين الصهيونية والعروبية ،وهكذا نشات فكرة الارسوزي الى جانب واقع حي ومباشر كان فكرة مجموعة عربية مضطهدة في الاسكندرون..باعه الجميع وخطفوا افكاره،تخلى عنه ذو القربى،ومات كالدراويش المهمشين، فيما عفلق حقق فكرة الانحطاط المنجي لافكاره وللعروبيين،وهكذا مضت المسارات في عدوى الانحطاط،عبد الناصر فكرة لاشيئية،ليس فيها غير عاطفة لحظية لا تصلح للحظة ما بعدها،الشيوعية وكالة خارجية،للصين او الروس،او للمغامرين المراهقين. الاسلامية كان سوء حظها جاءت وظهرت بالتوازي الايراني،فكانت ايران قد خطفت موضعيتها الوطنية،العالم القديم كله غاب بعد انتصار اخلاقية الاستبداد،فكرية الجمع التوتاليتاري،فاصبح ستالين قوميا واسلاميا وشيوعيا،وهكذا هذا الجبه الحزبي في مواجهة ضعف واراء خجولة للفكر الليبرالي،او ذلك الهمس السري لبقايا نظام الكولنيالية وما سميناه ب "العهد المباد".
اهوال جلل أشحبت ذاكرتي ،ضمرت قوة الخيال على اعبائها..اشياء احسبها تافهة،والاعلان عن فضلها ذمة،لياتي غيري ويسجلها،ذلك لانها تقرفني،بل وتجعلني انتقم من نفسي كيف كانت وجه العفاف شعارا للمواخير؟ كنا في بيروت خلال الحرب الاهلية،نقرض الليل بين الشعر واحلام الثورة،شريف الربيعي،سمير الهاشمي،مؤيدا لرواي،حيدر حيدر الباحث عن وليمة لاعشاب البحر بين العراقيين،هادي دانيال الذي كان هاربا من قمع سوريا فيكتب باسم عبد الهادي الوزة،شعراء فلسطينون،وبين الكؤوس وضجيج الحوار وتعليقات الربيعي الشمطاء،ثمة اصوات تهدر في صفاء بيروت،هذه العاصمة الزجاجية الانيقة التي جربت كل مشاريعنا النارية التافهة،كل احلامنا السفيهة،ما كنا نعلم ان المحبة في زي قاتل،لم نعلم نحن الفقراء،العراقيون الذين كانوا قادة وابطال كل الحروب،وعلى الجهتين،بين فريقي القتال،بين حزب الكتائب حيث السريان العراقيون،وبين المقاومة والحركة الوطنية..هؤلاء لم يعرفوا يوما وهم جياع كيف سرقة ملايين الدولارات بقدرتهم وشجاعتهم،ويوم كنا لا نملك اجرة بيت،كانت الملايين تفض بكارتها من خلال رجولاتنا، لم نكن حينها نعرف كيف تطحنكم عجلات البعث،كنا في رحلة نسيان دائمة للعراق، الهروب من المعرفة لتعلم الجهل،مصادقة محترفي الحروب والارهاب،الثوريون الذين سحرونا وسحرناهم،كانوا مجموعات ثيران بلا ياء نسب،احالوا الثورة ثور لقاح يبحث عن النسوة،ويعلم دروس النضال على انتحال المواخير ومعاشرة المجهولين لاقتناص المعلومات،كانت التضحيات جسام من اخواتنا تلك النسوة اللائي تصرفن بعفاف الثورة بين المواخير..ولكن أي معلومات ولاي سبب والبطل ينبغي ان يعيش حتى نهاية الفيلم؟ وما جرى من تفصيل هو تحت سيطرت كامرا المخرج. انه لحظ عاثر حين تقع احلام الحمل بين ذئاب،هكذا طحنت انسانيتنا ونسينا من نحن؟ العمر مزور باسماء شتى،والذاكرة حافلة بتمثيل الادوار،اردني فلسطيني سوري لبناني موريتاني مغربي..هويات كثر ومزورات اكثر.
وانا اقرا لكم،واقرا لاخرين ممن لا اعرفهم ،لا ادري أي العراقي منا؟ من انتم ومن نحن؟ شيء من الغربة الطويلة بيننا،القطوع الهائل سواء داخل جيل التشرد الاول والوسطي او الاخير. كلانا لا يعرف الاخر،كلانا يفكر خارج هموم الاخر،كنا طرفين مخطوفين من بعضنا،محبوسان بقلاع صارمة،ان شعبا كله بزنازين منفردة ولفترة طويلة،كيف يمكنه ان يعيد صياغة علاقاته مع بعضه البعض؟ كارثة كبيرة سوف نعرفها اكثر كلما ابتعدنا عن الماضي الطازج حتى الان. القطوع هائل والازمنة تباعدت طويلا،اصبحت غربتنا حقا هي الوطن!!كل له وطنيته،كل له مكانه الانثروبولوجي، جلوية – من جالية- متنوعة،والغريب نحن لسنا شعبا محتلا،ولكن هذه الهجرات الهائلة تفيد الى انها مشابهة لشعب محتل!! كسور اجتماعية ونفسية هائلة،تركات جرثومية،وبيئة ملوثة،اجيال لم تتفاعل الا سرا وهمسا،ثمة جيل مقطوع عن الاخر تماما. فالاسماء الرائعة التي نقراها لا نعرفها من قبل،من الممكن ان جان دمو كان الجسر الوحيد،وبعض من اعتكف في الداخل،فيما نحن في زنزانة متجولة تحبسنا المخاوف على اهلنا،ولعلنا للتو نتعرف على انفسنا بلا زيف وخداع وتورية او باطنية سياسية..قلنا من الخساسة ان نكون ابطالا على حساب اهلنا المحتجزين،ومع كل ذلك نكتشف ان هناك ضحايا بين عوائلنا. اعتقد هكذا يبدو الواقع،فيما لم يعد ممكنا جعل الخيال بديلا عنه. كانت احلامنا دمار ذاتنا... لا اذكر شيئا في الوطن ما خلا بعض بعض الاشياء، الاكتئاب والمرض والادوية الدائمة تقرض من طبيعتي السوية، الديون الفقر والعوز يطاردني في كل مكان،لا اقو على حيلة فاحيانا اكون اضحوكة للاطفال حيث يخدعني أي كان، وهناك طرف هائلة يحيكها الناس على كوني اكبر المغفلين امام اغبى شرطي.. هكذا خدعني احدهم فتحطمت عائلتي تحت شعار التضامن العربي والقضية المقدسة(التفاصيل ساكتبها مستقبلا،لاني اكره الاستقواء على الضعفاء،بل ساكون درعا لخصم ضعيف) .
انه لمريع وانا اقرا هذا التفصيل بما كتبته يا ضياء، حقا لا اعرف كل هذا ،حقا حين ازور العراق لم أريد ان اعرف كل الذي حدث، لاني احتاج للمكان،وقد كتبت لك عن مسالة المكان وسوف ارسلها، همي الاول ان احمي عزلتي عن كل شيء،لان من السهل القضاء علي بكلمة بشعة،بمنظر مقرف، دائما احمي الاخر من نفسي وهكذا ابتعد كي ارى المنظر جميلا، لا اطيق المؤتمرات والاجتماعات والالتزامات والمواعيد،لا اطيق حتى الحب الذي لا امنحه حقه،لان الوقت ضيق جدا،اذ لا مجال للتفريط بالوقت لحشو زائد على وجودك..البردي النخيل الفرات الطيور كل هؤلاء يحتاجون الى أربعمائة عاما كي تتعرف عليهم!!. كثيرون بؤساء يسقطون عليك ما بانفسهم من طموحات،وهو امر مضحك للغاية،ولانهم لا يصادقون انفسهم فلديهم متسع للمقاهي والتجمعات والطموحات والجاه والمال والكلام والوقت الضائع.انهم منذورون لبعض الاستظهار الدائم حيث لا يسعهم تحمل جحيم الوحدة والعزلة،اذ يستغربون هذا ولا يقبلوه. كنت احلم بعزلة الثلوج وها انذا ساجد عزلة الوطن،حروب هائلة احملها مع المعنى الوجودي، حيث لا احد اخاصمه ولا يخاصمني احد،هذه هي الحراسة الوحيدة لسلامي الشخصي،كل اصدقائي ساعود لهم، ستجدني دائما في مقهى حسين نعمة لاني اخبرته قبل سنوات ان يفتح مقهي لنا،بعد ان مات ابو احمد صاحب مقهى المعقدين في الستينات، الافكار والناصرية كل ما اطلب،وليذهب النفط الى الحريق.. شتمنا بعض وبكينا حين كان في المانيا،وطلق نكتة على الرئيس الذي غنى له اكراها،هذه الحنجرية الذهبية كيف تغني للصدا؟ كتبت له فاكس واخبرته تماما كما ورد من شبه في رسالتك ايها الحبيب ضياء. قلت له كيف سنقبل الابدية ولم نجد فيها طراوة التعذيب الروحي حين غنيت يا حريمة؟ ما الذي يربطنا بحياة تجعلنا اطفالا مع احفاد احفادنا،فان اعطيت لي الابدية ولم اشاهدك واشاهد لطيف الهامش(احد الشقاوات) حضيري البراج(مطيرجي) صخيل وعطية الربيطي وكريم العرجاوي،ليكن القبر امنيتي ان لم يكن هؤلاء معي في الابدية/ثم اختم رسالتي..بالقول:حسين بعد ان مات كل احبتنا هل تستحق الحياة ان تستمر؟ اتصلت به،قال لي يا اموري ياملعون من زمان ونحن لم نسمع بهذه الكلمات اصبحنا تافهين اغبياء،متى تعودون؟ قلت له افتح مقهى وستكون مزارا وقبلة لصعاليك العراق..قيل لي انه فتح نفس تلك المقهى التي كنا نقضي ساعتين في الغروب بها،لاننا نودع شمس الفرات هناك وهي تتثائب نحو المغيب. اه خذوا النفط واعطنوا وطني،خذوا التفط وارجعوا لي الاهوار،خذوا ايها الاشرار والبشعون ما تريدون اينما كنتم كل ملوك الحرب واتركوا لنا جلساتنا على شواطئ الصابئة ، نحن المسلمون الذين كنا نقدس اولياء الصابئة ومار جريس ذلك المدفون في مدينة الخضر،وعلى مكان جلجامش،اعيدوا كفرنا سنمنحكم وقودا للجحيم من اجسامنا!!وهل الجنة اجمل من سويعات على شواطئ الناصرية؟لا اعتقد انني ساجد في الجنة نشوة الخفوت ،التضاؤل الاعمى وقد انحنى ظهرك من ثقل الفناء في كوكب لا تدخله الا من هنا. من يشتري للنار ملقما ؟ذلكم انا.. سنتذكركم جميعا ايها الموتى من رفقتنا الاولى:احمد امير،فائق حسين سننقلك ايها المحتضر لكانك تنتظر نهاية نبوءة!! سنجتمع واتوج عقيل علي من هناك ملكا على شارع الهوى،هناك سيمطر شعره على يباب الغائبين،حيد الجاسم، محسن الخفاجي،ربما نقيم عزاء المهوسيين بالرجاءات المستحيلة،كلهم قيل ماتوا،جبار العبودي مات دهسا،قاسم دراج معلمنا الاول وصديقنا متاخرا، مهدي السماوي،ستار جبار ونيسة، كريم العرجاوي صاحب الحنجرة الشبيهة بالجرص.. اين يا اطلال قبورنا ،حطامَ جئنا من كل صوب، يبست الصوت في الحنجرة ولم يدخر للصراخ القادم الا همس العناق.. اجل اخي الحافظ سابيع منفاي وارحل،ساركله على عجيزته..كل شيء غريب حتى اطفالي،يا لهذا العراق الذي يخطفك حتى من اطفالك الغرباء ،كل شيء غريب ما ان حضر..كل شيء مباح ما دمت ألج اليه ،ابكي اصمت اشتم انعزل، اضحك ..ترى هل سيتطلب مني حماية صمتي ان اكون حارسا؟ لا وقت عندي لنوبات الحراسة..الدموع لم تبارحني لحظة،تركت كل احبة المنفى، دمرت قلب امراة تريد ان تخطفني مرة جديدة كي اكون لاجئا للحب!! هناك سنتعلم كيف نحذف من قواميسنا كلمات البشاعة، السلام فلتر لكل نصوصنا،كل قصائد الدم سنحرقها،كل نصوص الحرب ،لا عاصم للبشاعة والالم.. وعلى سمفونية كون الخضر ينشال شلته عل راسي،ومن مريت وجدامي تصب حيرة وندم/الى لاجنك هذاك انت لولاجنه ربينة سنين ..من كل هذا سنكتب مجد العراق الابيض...ونعيد بجعات تشايكوفيسكي الى اهوار الغموكة وامة نوح.