|
مستقبل كئيب
رلى الحروب
الحوار المتمدن-العدد: 1672 - 2006 / 9 / 13 - 06:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقابلة جلالة الملك عبد الله الثاني مع مجلة تايم الأمريكية ليست مجرد مقابلة اعتيادية أخرى!!
المعلومات التي تسربت من المقابلة عبر وكالة الأنباء الأردنية بترا بالأمس غاية في الأهمية وتحمل كل جملة فيها دلالات عميقة، ويحمل بعضها الآخر مؤشرات خطرة وإشارات تحذيرية لم يسبق لزعيم دولة عربية أن أفصح عنها بهذه الشفافية!
أول ما يلفت النظر في المقابلة "خيبة الأمل" التي عبر عنها جلالته في الجماهير العالمية التي وصفها بأنها "فقدت اهتمامها بكل شيء"، "وحالة التحييد والعزلة التي وضع فيها المعتدلون العرب" ( نظما وأفرادا) بسبب فقدان شعوب المنطقة الإيمان برسالتهم التي باتت غير مقنعة أو مثمرة بسبب "ركود المفاوضات العربية الإسرائيلية"!
في هذا السياق قال جلالته : "لا أظن أن الناس يأخذوننا على محمل الجد، وكثير من البلدان المعتدلة تشعر أنها معزولة". وفي هذا التعبير مرارة غير مألوفة من ملك شاب ليبرالي منفتح على العالم، بدأ يشعر للمرة الأولى أن هذا العالم لا يعبأ بمعاناة وطنه أو معاناة شعوب المنطقة، وبدأ يصل إلى قناعة مبنية على أسانيد واقعية أن النهج العقلاني المعتدل بات معزولا في الشارع ليس العربي أو الإسلامي وحده، وإنما الشارع العالمي الذي تتجه حكوماته كلها نحو أقصى اليمين السياسي أو الديني أو كليهما معا، بدءا من الولايات المتحدة ومرورا ببريطانيا وألمانيا ووصولا إلى إيران وإسرائيل!!
في هذه المقابلة وضع جلالة الملك -وللمرة الأولى أيضا- تاريخا محددا لحل المشكلة الفلسطينية هو حلول عام 2007 وحذر من أن أي تباطؤ في حل هذا الصراع المحوري سيؤدي إلى عقد أو عقود من العنف في الشرق الأوسط.
وللمرة الأولى في تاريخه يعبر الملك عن "تشاؤمه من المستقبل الذي يراه كئيبا" إن لم تحل المشكلة الفلسطينية حلا عادلا يكفل قيام دولة مترابطة ومتكاملة جغرافيا!
من المعلوم أن جلالة الملك يتمتع بعقلية منفتحة وبروح متفائلة بطبيعة تكوينه وشخصيته، وصدور مثل تلك الجمل السابقة عن مثل هذه الشخصية يؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن ما يطبخ في مطبخ السياسة العالمية حاليا لا يسير في الاتجاهات التي يرغب بها الأردن وترغب بها الشعوب العربية والمسلمة، وأنه يصب في اتجاهات لا تحمد عقباها ستضر بالأنظمة كما ستضر بالشعوب!!
يؤكد ذلك تحذيره شديد اللهجة من احتمالية وقوع حرب مع إيران معتبرا أن هذه الحرب ستفتح الباب أمام كل الشرور وأن الشرق الأوسط لا يمكن أن يتعافى منها!!!
لاحظوا أن المفردات لم تأت دبلوماسية أو عمومية كما جرت العادة في خطابات أو لقاءات جلالة الملك، وإنما جاءت حادة محملة بالظلال والمعاني الخفية إلى جانب المعاني الجلية التي تعكسها الكلمات.
ما يمكن فهمه من العبارات السابقة أن جلالته يستشعر خذلانا عالميا وأمريكيا -بالأخص للأردن- باعتباره صوت الاعتدال والعقلانية في المنطقة، وهو ما لا يمكن وصف مصر أو السعودية به مع أنهما سياسيا يتبعان المحور الأمريكي أيضا، ولكن القيادة الأردنية حاولت على الدوام اتخاذ مواقف وسطية ترضي الداخل الأردني، ولا تغضب الدول العربية أو الإسلامية ، وتنسجم في الوقت ذاته مع متغيرات العصر ومتطلبات النظام العالمي الجديد!
هذا الخذلان للأردن يمكن قراءته في عدد من المحاور هي:
أولا: تراجع دوره السياسي لصالح دور سعودي-مصري لن يأتي وحده بالنتائج المطلوبة لإقامة الدولة الفلسطينية المتصلة المتكاملة بشكلها المنشود والمقبول، والتي يعد قيامها مطلبا أساسيا للأمن الوطني الأردني!
ثانيا: استمرار الضغوط التي يتعرض لها الأردن للقبول بتسوية لا يراها عادلة لحل مشكلة الشعب الفلسطيني ويعدها النظام خطرا ربما يهدد استمراريته.
ثالثا: تخلي الولايات المتحدة عن دعم الأردن دعما يتوازى مع أزمته الاقتصادية الطاحنة التي كان الغزو الأمريكي للعراق والحرب الإسرائيلية على لبنان سببين رئيسيين فيها، خاصة بعد أن أديتا إلى ارتفاعات خيالية في أسعار النفط حملت الأردن الفقير بالموارد الطبيعية أضعاف طاقته إلى جوار أزمات المديونية المتراكمة والتي تتفاقم كل عام، بل كل بضعة أشهر، ناهيك عن تراجع الدعم المالي والنفطي الذي كان يصل الأردن من نظام صدام حسين ومن السعودية والكويت بشكل أساسي!
هذا الخذلان لم يقتصر على أميركا وإنما تعداه إلى حلفائها الخليجيين في المنطقة الذين يفترض أن توعز لهم أميركا بالمساعدة، ولكنها امتنعت عن ذلك لإيصال الشارع الأردني إلى حال شبيهة بعض الشيء بحال الفلسطينيين المحاصرين في الداخل برا وبحرا وجوا المحرومين من الرواتب والماء والطعام والمحروقات لإجبارهم على الإطاحة بحكومة حماس المنتخبة، مع فارق أن الضغط على الأردن لا يهدف إلى الإطاحة بالحكومة أو النظام، وإنما إلى إجبار النظام ومن خلفه الشارع على القبول بتسوية لم يقبلها أي منهما في أي مرحلة من مراحل الصراع السابقة!!
في هذا الظرف الحرج الذي تمر به المنطقة ويعاني منه الأردن، تقدمت دولة كإيران بعرض للمساعدة الاقتصادية وبحل أزمات الميزانية الأردنية لعقود مقبلة، ولكن الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة كان عائقا حال دون قبول العرض من الدولة التي تعتبرها أميركا عدوا صريحا وأحد محاور الشر في المنطقة، وكانت النتيجة خسارة الأردن لفرصة اقتصادية – وربما عسكرية- كبرى لم تحاول الولايات المتحدة أو أي من حلفائها أعداء إيران في المنطقة تعويضها للأردن، لتقوية موقفه ومساعدته على الصمود ضمن الحلف الأمريكي- السعودي المطلوب!
جملة جلالة الملك التي قال فيها إننا إن لم نشهد ما يطمئننا جميعا بحلول عام 2007 فسيكتب علينا أن نعيش عقدا أو عقودا من العنف بين العرب والإسرائيليين هي جملة مفتاحية في هذا اللقاء، وهي تنبؤ واضح بأن فشل مؤتمر السلام المزمع بنهاية هذا العام سيتبعه حروب أخرى خارجية وداخلية ضد إيران وربما سوريا، وهو ما سينسف كل إمكانات التنمية في المنطقة على كافة المحاور وليس محوري السلام أو الأمن وحدهما، ويقودنا جميعا إلى مستقبل كئيب كما وصفه جلالة الملك!!
الإدارة الأمريكية تملك فعلا معظم مفاتيح اللعبة في المنطقة الآن بحكم الواقع العسكري والاقتصادي والسياسي الجديد الذي خلقته بدعم من بعض الدول العربية، ولكن دول المنطقة ما زالت تملك أوراقا لا تحسن توظيفها مع الأسف، وبدلا من أن تصطف دولة كبرى كالسعودية إلى جانب إيران ومصر وتضمان معهما باقي العرب في حلف استراتيجي يضمن مصالح الجميع على قاعدة لا ضرر ولا ضرار ويعيد خلط الأوراق في المنطقة وينسف الحسابات الأمريكية القائمة، فإن تلك الدول المؤثرة اختارت مع الأسف أن تصطف إلى جانب الطرف الطامع في نهب المنطقة على المكشوف والذي يتآمر مع إسرائيل ويمدها بكل الدعم اللازم سياسيا واقتصاديا وعسكريا لسحق العرب ونسف أي أحلام بمستقبل امن وسعيد!
لقد سبق للأردن أن حذر الإدارة الأمريكية الحالية من مخاطر غزو العراق ولكنها كالمعتاد أعطت أذنا من طين وأخرى من عجين، وهو الآن يحذر من مخاطر ضرب إيران واستمرارية الصراع العربي الإسرائيلي، ولا نتوقع أن تكون النتائج مختلفة!!
#رلى_الحروب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين ضمير العالم؟
-
عمل إجرامي أم إرهابي؟
-
هل يمثل السنة لبنان؟
-
العضو الدخيل
-
لبنان والاردن
-
إيران وحيدة في مواجهة إسرائيل
-
حرب الإعلام والسياسة
-
عفو عام
-
خونة الداخل
-
صدام وأزمة المثقف العربي
-
استقالة عباس
-
ملامح الشرق الأوسط الجديد
-
الإعلام العربي ودعاوى الموضوعية
-
خطأ جسيم ستعقبه ندامة!!!
-
إنه نصرالله!!!!
-
عالم خطر، ولكن.....!!!
-
السم ممزوجاً بالعسل !!!!
-
الفخ الدولي المنصوب للبنان والمنطقة
-
الفخ الدولي المنصوب للبنان والمنطقة!!!!
-
نصر الله وعبد الناصر!!!
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|