|
رمضان والدولة المدنية
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7215 - 2022 / 4 / 11 - 06:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
--------------------------------------
لا أدرى لماذا تزداد السلبيات التى نود التخلص منها لنرتقى انسانيا ، وثقافيا ، وحضاريا ، فى شهر رمضان ، وتصبح وكأنها تتحدى كل مقومات التحضر ، والاتساق مع النفس ، والتواضع ، والأدب ، ومراعاة حقوق الآخرين ؟؟. لماذا لا نصوم فى هدوء ، ونصلى فى هدوء ، ونمارس ما نؤمن به من طقوس دينية دون استعراض ، أو استعلاء أو وصاية ؟؟. ألا تبغون من الطقوس الدينية ، مرضاة الله ، أم تراكم تبغون مرضاة الناس ؟؟. ان كنتم تبغون مرضاة الله كما تقولون ، فالله لا يحتاج الا الى ممارسة شخصية هادئة من الانسان ، ليس فيها زعيق ، ولا صخب ، ولا استعراض ، ولا استعلاء ، ولا وصاية على الآخرين . أما اذا كنتم تبغون مرضاة الناس ، و أغراضا أخرى غير مرضاة الله ، فهذه قصة أخرى . قصة محزنة ، مؤلمة ، متكررة ، بكل أسف ومرارة . وفى شهر رمضان ، ترتفع شدة الميكرفونات ، ويطول وقت الدعاء ، والتسبيحات ، والابتهالات ، وقراءة القرآن ، كله فى الميكرفون المرتفع . لا أدرى ، مافيش جهة فى البلد ، تراقب هذه السلوكيات المتناقضة مع الصلاة والصوم والطقوس الدينية ، وتمنع هذا الاستخدام الغير حضارى ، من قبل المساجد ، والجوامع ؟؟. مافيش جهة فى البلد ، تعلم هؤلاء شيئا اسمه احترام قدسية حرمة البيوت ، والسكن ، وخصوصية الحق فى الهدوء ، والسكينة ، وعدم الازعاج ؟؟ . مافيش جهة فى البلد ، تحمينا من هؤلاء الذين لا يعرفون حاجة اسمها " العيب " ، و " الخلق القويم " ، و " ادراك أنهم ليسوا وحدهم فى المجتمع " ، و " أن المجتمع ليس عزبة خاصة لهم " ؟؟. تناقض فج صارخ ، ليل نهار ، كل يوم ، على مدار السنة ، بين المفروض من ممارسة الطقوس الدينية ، فى تعليم الأدب والتهذيب واحترام البشر ، وبين غياب بديهيات الأخلاق القويمة ، لمنْ يحرصون على أداء الطقوس الدينية ، واطلاق مواعظ الصراط المستقيم علينا . اللغز الذى يحيرنى ، هو كيف مع انتشار ، واستمرار الوازع الدينى ، وفى كل شبر فى مصر ، ويخيف الناس من العقاب الالهى المتربص ، الشديد ، لو تركوا الطريق المستقيم ، نجد أن الطرق غير المستقيمة المتعصبة تزداد ؟؟. كل سنة مع بداية رمضان ، تتجدد الدعوة الى تشريع ، أو قانون ، يجرم الافطار جهرا فى نهار رمضان . هل يتوافق هذا مع " لا اكراه فى الدين " ، أم أنه ارهاب من الدرجة الأولى ، باسم الصوم ، والفرض الالهى ؟؟ . هل نحن نتقدم فى الانفتاح ، والتعدد الحضارى ، أم نمشى الى المزيد من التعصب ، والتطرف ، والتحكم فى الناس ، والارهاب ، تحت اسم فرض " الصيام " ، وممارسة الطقوس الدينية ؟؟ . وما منفعة وفائدة الطقوس الدينية ، اذا لم تعلم الانسان الأخلاق الرفيعة النبيلة ، والحساسية لاحترام حقوق الآخرين والأخريات ، فى كل مجال ؟؟. وكل عام تقرر وزارة الأوقاف ، تنظيم فوضى مكبرات الصوت فى المساجد ، والجوامع ، فى شهر رمضان ، وهذا لم يحدث ، ونسمع أصواتا غاضبة ، مستاءة ، تعتبر مثل هذا القرارات ، قلة ايمان ، وقلة اسلام ، وقلة تدين . وكأن الايمان ، والاسلام ، والتدين ، لا يكتمل ، ولا يؤدى رسالته ، الا بانتهاك خصوصية البشر ، فى أكثر أماكنهم حميمية ، " بيوتهم " ؟؟. كان لابد لمجتمعاتنا ، بكل طقوسها الدينية ، وصوتها المرتفع بالميكرفونات ، أن تصبح أفضل المجتمعات أخلاقيا ، هذا لم يحدث .. لماذا ؟؟. لماذا لم يؤدى الصوم المتراكم فى رمضان ، عبر زمن طويل ، الى الصوم عن مفاسد الدنيا ، ومتاعها الزائل ، وغرورها الأحمق ، وانتهاك حريات الآخرين ؟؟. لست قلقة على حالنا من الناحية الاقتصادية . فكل أزمة اقتصادية ، معروفة السبب ، والحلول . ولا يخلو أى مجتمع من المعاناة الاقتصادية ، مهما عظم شأنه ، وازدهرت قدراته ، وموارده . بل ان بعض التعثر الاقتصادى ، ضرورى ، لاستنهاض الهمم ، وتحفيز الارادة الكامنة ، الى المزيد من الانجازات . كما أننى لست قلقة ، على انتشار كورونا ، فالأمصال متاحة ، ومتوفرة . لكننى قلقة ، على حالتنا الأخلاقية ، وتدنى السلوكيات الحضارية ، التى وصلنا اليها ، رغم أننا نصلى ، ونصوم ، ونحج ، ونزكى ، ونعتمر ، ونقيم صلوات التراويح ، ونمسك السبح ، ونبسمل ونحوقل ، ونرسل ذريتنا الى مدارس وكتاتيب تحفيظ القرآن ، ولا شئ يسعدنا قدر تغطية النساء ، بالأقمشة ، وذكورية القوانين الجائرة . ما جدوى الاقتصاد المزدهر ، طالما الذى ينعم به ، انسان فقد نقاء الأخلاق ، ونزاهة الأخلاق ، واتساق الأخلاق ؟. انسان " صائم " ، عن لذات الطعام ، والشَراب ، والجنس ، لكنه " يفرط " فى التهام نبل الخلق ، ورقى المشاعر ، وأدب السلوك . انسان " ممتنع " عن دخول أى شئ يدنس الفم ، يسرع للتطعيم ضد كورونا ، لكنه " مرحب " ، بكل الأشياء التى تدنس النفس ، والعقل ، والقلب ، ما فائدته ؟؟. أمر آخر ، يتناقض مع ما يقال عن فائدة شهر رمضان ، فى الاحساس بالفقراء ، وأن هناك ملايين محرومين من رفاهية الأطعمة والحلويات والمشويات والمحمرات ، وهو التحريض الاعلامى اليومى المكثف ، من خلال الاعلانات التجارية ، على الاستهلاك ، والانفاق ، وشراء الشقق والمنتجعات ، وتوفير التبرعات ، وكفالة الأيتام ، وغيرها من الممارسات التى لا تتم ، الا بفتح المحفظة الدسمة بالفلوس . فى شهر رمضان ، من كل عام يتأكد لى أن الدولة المدنية الخالصة ، التى نسعى اليها ، أمامها مشوار طويل ، بل ويزداد هذا المشوار وعورة ، وتصحرا . -----------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثامن من أبريل ... قصيدة
-
رسالة أخيرة الى - حبيبتى - .. قصة قصيرة
-
- مارس - شهر المرأة والفيروس المتحور
-
- اليها - الصعبة ... الخطرة
-
- نزار - كتابة ممتعة تنقض الوضوء
-
ماما .. فطيرة الدرة هتبرد .... قصيدة
-
ستجدنى كما تركتنى .... أربع قصائد
-
جدتى - زينب - و - أنريكو ماسياس - ... قصيدتان
-
الأم المثالية هى منْ تتحمل الأب غير المثالى
-
المرأة تحتاج الى ثورتين ... سبع قصائد ليوم المرأة العالمى 8
...
-
عادل خيرى .. لماذا ينسونه ولا يكرموه سنويا ؟؟؟
-
لندرس - حب وانصاف وتطهير الحرية -
-
- أدهم - الطفل الأعزل الذى انتصر على عالم دموى مسلح
-
ابراهيم عيسى والثالوث الُمجرم لخلق سعودية وهابية سلفية بديلة
...
-
لا تمر ... لا تتكلمى ..... ست قصائد
-
حوار مع فيروس كوفيد 19 ... قصيدة
-
بين رجلين ... قصة قصيرة
-
مضادات ..... ثلاث قصائد
-
الله يقدم بلاغا للنائب العام ... قصيدتان
-
يكفينى فخرا .... ست قصائد
المزيد.....
-
استهداف ممتلكات ليهود في أستراليا برسوم غرافيتي
-
مكتبة المسجد الأقصى.. كنوز علمية تروي تاريخ الأمة
-
مصر.. حديث رجل دين عن الجيش المصري و-تهجير غزة- يشعل تفاعلا
...
-
غواتيمالا تعتقل زعيما في طائفة يهودية بتهمة الاتجار بالبشر
-
أمين عام الجهادالاسلامي زياد نخالة ونائبه يستقبلان المحررين
...
-
أجهزة أمن السلطة تحاصر منزلا في محيط جامع التوحيد بمدينة طوب
...
-
رسميًا “دار الإفتاء في المغرب تكشف عن موعد أول غرة رمضان في
...
-
ساكو: الوجود المسيحي في العراق مهدد بسبب -الطائفية والمحاصصة
...
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|