عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1670 - 2006 / 9 / 11 - 10:19
المحور:
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001
11 – أيلول إنه ليوم عظيم
أية فكرة تملكت عقول من خططو لهذا اليوم , من كان وراء اللذين خططوا , واللذين نفذوا , ما هو المراد من ذلك ؟ وأي لغز سوف يستمر مع الحدث وذكراه ؟ كم استغرق التخطيط له من الزمن , وهل هو وليد الحالة الراهنة , أم أن ذلك هو الذي يسمونه صراع الحضارات ؟ كان ذلك أشبه بحرب عالمية رابعة , تسمر العالم على شاشات التلفاز غير مصدق وكأن السماء هبطت على الأرض , زلزال كوني ولكنه لا يشبه الزلازل التي تحدث في العادة , سماء تلتهم الأجساد البشرية , تحولت الطوابق التي كانت تغازل النجوم إلى رماد , أية لعنة اصابت الولايات المتحدة الأمريكية , توقفت القلوب وتسمرت إلى البرجين العالميين 0 هذان البرجان اللذان كانا ومنذ قليل يعجّان بالحياة , بكل ما فيها من فرح وضحك وصخب وتجارة , واتصالات هاتفية , وعملات , وتسوق , ومشاهدة المناظر الخلابة , تحولا وفجأة إلى وحشين جائعين يلتهمان كل من بداخلهما , تحولا إلى ديناصورين لا يأبهان بصراخ الأطفال , والعجائز , كلّ شيء تجاوز التصديق , وأصبح مشهداً هوليودياً , يفوق غرابة كل المشاهد السينمائية , لم تعد الأم تستطيع أن تحمي وليدها , ولا الوالد حماية ابنه الذي كان يداعبه منذ ثوان ٍ فقط , كل شيء أصبح الآن مشلولاً , شلت الأجساد وشل العقل والمنطق , وبدا الناس في هول مما يرون ويسمعون, توقفت الحياة , توقفت المطارات , توقفت القطارات , توقفت القلوب إلا من وجيب الخوف , هو الخوف من كل شيء , خوف من المجهول وخوف من المعلوم , تسمر العالم ولم تعد تُرى أية حقيقة 0 أو تسمع أيّ خبر, سوى الطيور الأبابيل التي اجتاحت سماء نيويورك , ما لذي يجري ؟ كيف اللذي يجري ؟ إنه الشر الذي اصطنعه الإنسان لنفسه منذ زمن بعيد , هذا هو الشر,الفتاك , الجبار , القاتل , المنحط , السافل , الجبان , صاحب الأذرع الأخطبوطية , الذي يتكاثر كالفيروسات , وينتقل كالطاعون ولا يعرف إلاّ الخراب , عنوانه الدمار والموت والقتل , أصحابه مجرمون عتاة , ليس في أعماقهم ذرة خير أو إنسانية , لا يعرفون الشفقة ولا الرحمة , ولا يهمهم إذ كان الميّت طفلاً أو شيخاً , عروساً أو عريساً , عاشقاً أو شاعراً , عالِمَاً أم عاملاً , هنا تتساوى الأشياء , يتساوى الجميع في الموت , يصبح الموت هو الحقيقة الوحيدة المطلقة , بل أكثر الحقائق صدقاً ووضوحاً 0 وتظل فضيحة الموت الجماعي البشع , هي أكثر عناوين هذه الحضارة الملتهبة , هذه هي الحضارة العظيمة التي يريدها العاقلون حضارة محبة وحياة وسلام , ويريدها العتاة والطغاة ومصاصي الدماء , حضارة موت وفناء , إذن من الذي ملأ الدنيا بكاملها بهذا البراميل الهائل من البارود , وترك عود الثقاب لإشعاله بيد معتوه لا يرى ولا يسمع , بل لايُطرب إلا لصوت رائحة الشواء الآدمي , آلاف البشر احترقوا وماتوا دون أن يعرفوا ما هو السبب الذي ماتوا من أجله , الكثير منهم كانوا يستمعون إلى موسيقى حالمة , أو إلى أغنية تتحدث عن السلام والحب , أناس ليس لهم ذنب سوى أنهم يعيشون في هذا العالم المجنون , عندما يتحول العالم إلى شر مستديم , فلا أحد بمنجاة من الموت , الكل ضحية لخطة القتل , فالموت قد يكون في أبراج السلام , أو في محلات التسوق , الموت يترصد الجميع في الجوامع والكنائس, وعلى أرصفة الطرقات , قتل قي كل مكان , وهو حتماً قتل بالمجان , هكذا تتحول الحياة إلى عبث ٍ كبير , يتحكم بها لاعب سيرك مجنون , لم يكن الذين سافروا على طائرات الموت , يتوقعون أنهم سوف يكونون وقوداً يُفجّر بهم الإرهابيون أهدافهم , قبل لحظات كانوا يبتسمون لبعضهم البعض , والبعض منهم كان على أحر الشوق للقاء أهله , أو محبوبته , أوأطفاله اللذين ينتظرونه في المطار , عائلات كاملة على متن طائرات الموت , عائلات تضج رؤوسها بالأحلام والحياة وهي لا تدري أنها أسيرة لمجانين الموت , مئات ومئات من المسافرين على متن طائرات الجحيم هذه عندما صعدوا إلى الطائرات كانوا يمنون أنفسهم بأحلامهم الجميلة ومشاريعهم التي تملأ رؤوسهم الصغيرة , هذه الرؤوس الآدمية التي سوف تحترق بعد قليل , وبعد قليل أيضاً سوف تموت في حناجرهم الصرخات , لأن القتلة ماهرون وأذكياء وخططوا لكل شيء بدقة هائلة , فهم أخذوا الجميع إلى الجحيم بغتة حتى بدون صرخات استغاثة كما أخذوا العالم كذلك , هو الجحيم المهول الذي لا يخطط له بكل هذا الجبن والخسة والدناءة إلا أصحاب خبرة فذة في الإجرام , هم حتماً خفافيش ليل ٍ لا يخططون إلا في الغرف المظلمة , ولا يستطيعون الاعتداء إلا على المدنيين الآمنين الأبرياء , حتى لو كان بينهم أطفالاً بعمر الزهور 0 إن الذي جرى في أحداث 11- أيلول , في المدن الأمريكية يفوق التصور , وهو يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية , وبقية دول العالم أن يعيدوا النظر في سياساتهم وأن يفهموا أن الشر لا يجلب إلا الشر , وأن المفاهيم والقنا عات المتخلفة لا تخلق أناساً متحضرين حتى لو عاشوا في نيويورك , وأن الحروب الدينية لا تخلق إلا الشرور الدائمة , وأن الديمقراطية والعلمانية والسلام ,هي الحل الوحيد للشعوب جميعاً , فعزاؤنا لأهالي كل المتضررين من الإرهاب في كل مكان من العالم , لأن الإرهاب ليس له دين ,وأكثر الناس اللذين يكونون ضحايا , ليس المتضررين فقط , بل الإرهابيين أنفسهم وذويهم , 11- أيلول هو علامة سوداء في جبين الإنسانية , ودليل على وحشية الإنسان في القتل , وهو دليل على أن أسلحة الدمار لا تصنع حضارة , وهو تأكيد على أن جبروت الشر الذي استطاع أن يفني – هيروشيما – وناغازاكي في أسلحة الدمار الفتاكة, لقادر بطائرة مهمتها السلام وإيصال الناس إلى أعمالهم وبيوتهم, أن يحولها إلى سلاح للشر والموت وقتل الناس, فالشر واحد ومنابعه واحدة , والكره لا يولد إلا الكره والقتل لا يولد إلا القتل 0 والمدنيون في كل أنحاء العالم هم ضحايا ساسة الإجرام وتجار الحروب , فهل يأتي زمن يتعقلن العالم , ويعرف أن الحضارة لا يحميها إلا العيش بسلام , واحترام جميع المعتقدات والأديان, وأن لغة العقل والمنطق هي القادرة على إيصال الناس إلى الأمان , فالعزاء كل العزاء لذوي ضحايا -11- أيلول في نيويورك , وإلى ذوي ضحايا الإرهاب في العراق , وباكستان والهند وأسبانيا , وبريطانيا , وفلسطين الجريحة , وكل التضامن مع ذوي ضحايا الحروب , فالإرهاب, مارد, ليس له دين وليس له وطن 0 المجد ثم المجد لكل ضحايا الحادي عشر من سبتمبر , ولكل ضحايا الإرهاب في العالم كل العالم ومن أجل مجتمع دولي مسالم خال ٍ من كل الأحقاد والشرور تسوده المحبة ويحكمه المنطق 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟